أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل رسالة قوية للعالم بأن مصر تستطيع بالفعل، وتمتلك قدرات بشرية وعقولًا مبدعة حين يستدعيها نداء الوطن، مشددًا على أن القوة البشرية في مصر ثروة كبرى وكنز يحتاج إلى حسن الاستثمار.

وأوضح الدكتور ريحان في حوار خاص لـ “الوفد” أن العلماء المصريين في الخارج يحتلون أعلى المناصب في الجامعات والمراكز العلمية، ومؤكدًا أن السر يكمن في توفير بيئة مناسبة ومشروعات قومية كبرى تستثمر هذه العقول.

 وأشار إلى أن مصر تمتلك قيادة سياسية حكيمة ومؤسسات قوية قادرة على إنجاز أعظم المشروعات، ولديها الإمكانات البشرية والآليات التي تحقق هذا النجاح المبهر.

 

وأضاف خبير الآثار أن حضارة مصر القديمة لا تزال تؤكد للعالم عظمتها وريادتها، فهي الحضارة التي علمت البشرية ونقلت المعرفة إلى سائر بلدان العالم. 

واستشهد بقصة الفيلسوف أفلاطون الذي عاش في مصر خمسة عشر عامًا والتقى كاهن هيليوبوليس الذي قال له: "إن المعرفة في بلاد الإغريق كالأمطار تأتي من أعلى إلى أسفل ثم تجف، أما في مصر فالمعرفة تنبع مع جريان النيل، لها جذور ومستمرة لا تنضب."

عبقرية القدماء المصريين في شتى المجالات

وأوضح الدكتور ريحان أن الحضارة المصرية القديمة لا تُقاس بما نردده من أمجاد فقط، بل بما قدمته من تفرد وابتكار في مختلف العلوم، مشيرًا إلى أن الطب المصري القديم كان يمارس وفق نظام علمي دقيق، واكتشف المصريون العديد من العقاقير المفيدة المستخدمة حتى اليوم، وعرفوا أن القلب مركز للأوعية المنتشرة في الجسم، وأن أمراضًا كثيرة ناجمة عن خلل في الأوعية، فابتكروا طرقًا لعلاجها بالتبريد أو التهدئة.

وأشار إلى أن المصريين القدماء تركوا كتبًا طبية ما زالت تُدرس في كبرى الجامعات العالمية، وكان لديهم ما يشبه وزارة للصحة، حيث تخصص كل طبيب في فرع محدد من فروع الطب. كما برع المصري القديم في علم الصيدلة، واستخلص عقاقيره من النبات والحيوان والمعادن، وعالج مرض العشى الليلي بشواء كبد الثور، وهو ما أثبته العلم الحديث بوجود فيتامين (أ) في الكبد.

وتحدث الدكتور ريحان عن تفوق المصري القديم في هندسة وفلسفة البناء، مؤكدًا أن العمارة المصرية القديمة كانت نابعة من فلسفة دينية وروحية تهدف إلى الصعود نحو السماء للتقرب من المعبودات، فكانت المصاطب بداية لفكرة الهرم، ثم تطورت إلى الأهرامات الكاملة، فالمسلات الرشيقة التي تناطح السحاب، وهي تصميمات تفوق في دقتها وهندستها ناطحات السحاب الحديثة.

وكشف أن المصري القديم فكر أيضًا في ميكنة العمليات الحسابية باختراعه أول آلة حاسبة في التاريخ، وهي آلة الأباكس، التي تعدّ النواة الأولى لفكرة الحاسوب الحديث، كما ابتكر أول نظام للتهوية والتكييف داخل الهرم الأكبر.

أقدم جامعة في التاريخ 

وأشار إلى أن مصر احتضنت أقدم جامعة في التاريخ وهي "أون" (هيليوبوليس)، التي تأسست عام 2240 ق.م، وتخرّج فيها كبار فلاسفة اليونان، ومنهم أفلاطون الذي درس فيها 13 عامًا.

وأكد الدكتور ريحان أن المؤرخ الإغريقي ساورينون ذكر في كتابه «المعرفة المقدسة» أن مصر حملت شعلة الفلسفة والتشريع إلى بلاد الإغريق، وتعلّم فيها الفيلسوف أناكسمندر أربع سنوات ونقل إلى بلاده الساعة الشمسية (المزولة) ونظرية تغير خواص المواد بالضغط والتفريغ.

ودرس أيضًا الفيلسوف أناكسا جوراس في مصر مشروعات النيل وأنظمة الري والصرف، ونقل هذه النظم إلى أوروبا، فيما زارها أيضًا سقراط واطّلع على نظمها العلمية المتقدمة.

واختتم خبير الآثار تصريحاته بالتأكيد على أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع ثقافي أو أثري، بل هو تجسيد لعبقرية المصريين عبر العصور، ودليل حي على أن مصر تملك الحضارة والعلم والعقول القادرة على بناء المستقبل كما بنت التاريخ.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: عبد الرحيم ريحان افتتاح المتحف المصري المتحف المصري الكبير حملة الدفاع عن الحضارة المصرية الحضارة المصرية المصری القدیم الدکتور ریحان فی مصر إلى أن أن مصر

إقرأ أيضاً:

ممشى أثري 2.5 كم وإحياء لمراكب الشمس.. خبير يكشف تفاصيل مشروع القرن: سينمات ومناطق ترفيهية ضمن المتحف الكبير

قال الدكتور ممدوح المصري أستاذ الآثار وعميد كلية الآداب بجامعة طنطا، حول الحدث التاريخي المرتقب والمتمثل في الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر المقبل، إن هذا الحدث يمثل ذروة الإنجازات الثقافية والحضارية في القرن الحادي والعشرين، ليس فقط على مستوى مصر بل على مستوى العالم أجمع، لما يحمله من رسائل رمزية وإنسانية وتاريخية عميقة، تؤكد أن مصر لا تزال مهد الحضارات وقلب التاريخ الإنساني النابض.

وأكد الدكتور المصري، في تصريح خاص لموقع صدى البلد، أن افتتاح المتحف المصري الكبير في هذا التوقيت الذي يتزامن مع الذكرى الـ 103 لاكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، ليس مجرد تدشين صرح أثري جديد، بل هو تجديد للعهد مع التاريخ، وإعادة تقديم الحضارة المصرية القديمة بعيون العصر الحديث، مشيرًا إلى أن هذا المتحف يجمع بين عبقرية الماضي وروعة التكنولوجيا المعاصرة في تجربة ثقافية وسياحية فريدة.



 

تحليل الافتتاح ودلالاته الحضارية

وأوضح الدكتور ممدوح المصري، أن الافتتاح الرسمي للمتحف الكبير، وما يتضمنه من عرض كامل لمجموعة الملك توت عنخ آمون، يمثل نقلة نوعية في مفهوم العرض المتحفي عالميًا. فالمتحف لا يكتفي بعرض القطع الأثرية، بل يقدم سردًا بصريًا ودراميًا لتاريخ الملك منذ ميلاده وحتى وفاته، في مشهد يعيد إحياء روح مصر القديمة بأسلوب عصري يدمج بين التراث، والفن، والتقنيات الرقمية المتقدمة.

وأشار إلى أن موقع المتحف الفريد بجوار أهرامات الجيزة يمنحه بعدًا بصريًا وتاريخيًا استثنائيًا، فالمتحف والأهرامات يمثلان معًا جسرًا حضاريًا بين الماضي والمستقبل. كما أن الربط بينهما عبر ممشى أثري بطول 2.5 كيلومتر يُعد تصميمًا يحمل في طياته رؤية فلسفية عميقة تعكس رحلة الإنسان المصري نحو الخلود.

الأبعاد الثقافية والسياحية والاقتصادية

وفي تحليله للجانب التنموي والاقتصادي، أكد الدكتور ممدوح المصري أن هذا المشروع العملاق سيساهم في تحويل مصر إلى مركز عالمي للسياحة الثقافية، لافتًا إلى أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى للعرض الأثري، بل هو مؤسسة ثقافية متكاملة تضم قاعات عرض، وسينما، ومركز مؤتمرات، ومتحفًا للأطفال، ومناطق ترفيهية وتجارية، ما يجعله منظومة اقتصادية وثقافية مستدامة تعزز من مكانة مصر عالميًا وتدعم خططها لزيادة عدد السياح إلى 30 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2030.

وأضاف أن التعاون المصري الياباني في تنفيذ المشروع وتطويره يعكس قيمة الدبلوماسية الثقافية التي تتبناها الدولة المصرية، مشيرًا إلى أن مشاركة هيئة "جايكا" اليابانية في التمويل وتدريب الكوادر المصرية على أحدث تقنيات الترميم والنقل يعكس احترام العالم لمكانة مصر الثقافية والحضارية.

مراكب الشمس.. رمز الخلود وتجسيد العقيدة

وفي حديثه عن مراكب خوفو داخل المتحف الكبير، قال الدكتور ممدوح المصري إن عرض مركبي الشمس جنبًا إلى جنب لأول مرة في التاريخ هو إنجاز أثري وروحي عظيم، حيث تمثل المراكب في العقيدة المصرية القديمة رمزًا للعبور إلى العالم الآخر ورحلة الإله رع عبر السماء.




وأوضح أن المتحف أعاد إحياء هذا الرمز القديم بتقنيات حديثة تتيح للزائر رؤية مراحل الترميم وإعادة التجميع أمام عينيه، مما يمنح التجربة طابعًا تفاعليًا وتعليميًا فريدًا. وأشار إلى أن تصميم القاعة بثلاثة مستويات يتيح للزائر التفاعل مع الأثر من زوايا مختلفة، وكأنه يشارك في رحلة الشمس الأبدية.

واجبات الافتتاح على مصر ومستقبل المتحف

وشدد الدكتور ممدوح المصري على أن هذا الحدث التاريخي يضع على عاتق الدولة المصرية مسؤولية ثقافية كبرى، تتمثل في الحفاظ على هذا الصرح، واستثماره علميًا وثقافيًا وسياحيًا بأقصى طاقة ممكنة. كما دعا إلى تعزيز برامج التوعية والزيارات التعليمية لطلاب المدارس والجامعات، حتى يظل المتحف منارةً للهوية الوطنية ومصدر فخر للأجيال القادمة.
 

الدكتور ممدوح المصري

وأكد أن الافتتاح المنتظر للمتحف المصري الكبير سيكون بمثابة إعادة كتابة للتاريخ المصري بلغة الحاضر، وسيجعل من مصر وجهة رئيسية لكل باحث ومحب للحضارة والإنسانية، قائلًا: "المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى للحجر، بل رسالة للعالم مفادها أن مصر ما زالت تصنع التاريخ، وتقدمه للعالم في أبهى صوره".

واختتم الدكتور ممدوح المصري حديثه، قائلاً إن افتتاح المتحف المصري الكبير هو انتصار للثقافة المصرية ورسالة حضارية خالدة تُعلن أن مصر رغم مرور آلاف السنين لا تزال قادرة على الإبداع والتأثير وبناء الجسور بين الماضي والمستقبل. فهو ليس فقط افتتاحًا لمتحف، بل ميلاد جديد لروح الحضارة المصرية القديمة في ثوب حديث يليق بعظمة هذا الوطن وتاريخه الممتد منذ فجر الإنسانية.

طباعة شارك المتحف المصري الكبير التاريخ توت عنخ آمون خوفو مصر

مقالات مشابهة

  • (خاص) عبد الرحيم ريحان: المتحف المصري يعرض 57 ألف قطعة تروي قصة الحضارة المصرية
  • خبير آثار لـ "الوفد": المتحف المصري الكبير يجمع بين عبقرية الماضي وتكنولوجيا المستقبل
  • اكتشاف أثري جديد في ذمار يُجسّد مهارة الفلاح اليمني القديم بهندسة الري وحصاد المياه
  • رئيس اتحاد الأثريين يكشف لـ"الوفد" ملامح التصميم المعماري والهندسي للمتحف المصري الكبير
  • المتحف الكبير.. تحت قبة التاريخ.. مصر تكتب شهادة ميلاد «دبلوماسية الحضارة»
  • سفير صربيا بالقاهرة: المتحف الكبير إنجاز مذهل وشهادة على قوة التاريخ القديم
  • خبير آثار: المتحف المصري الكبير سحب البساط من كبرى متاحف العالم
  • ممشى أثري 2.5 كم وإحياء لمراكب الشمس.. خبير يكشف تفاصيل مشروع القرن: سينمات ومناطق ترفيهية ضمن المتحف الكبير
  • أحمد موسى: مصر أصل التاريخ وحان الوقت لتوثيق عظمتها في كتاب عن المتحف المصري الكبير