سلطان القاسمي يشهد ختام مؤتمر الشارقة الدولي الثالث للدراسات العربية في أوروبا
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، صباح اليوم الأحد، ختام أعمال مؤتمر الشارقة الدولي الثالث للدراسات العربية في أوروبا 2025، تحت عنوان «إسهامات المستشرقين في خدمة اللغة العربية»، بتنظيم من مجمع اللغة العربية بالشارقة ومشاركة 24 باحثاً وأكاديمياً من 19 دولة أوروبية، وذلك في دارة الدكتور سلطان القاسمي.
ورحب صاحب السمو حاكم الشارقة، خلال كلمة ألقاها، بالمشاركين في المؤتمر، موضحاً سموه أنه تابع مجريات المؤتمر في اليوم الأول ولمس فيه روح الإخاء والتعاون بين محبي اللغة العربية، باختلاف جنسياتهم ولغاتهم، مؤكداً يقينه التام بأن اللغة العربية ما زالت حية في القلوب والعقول وتمتد من أوروبا إلى آسيا وأفريقيا.
وخاطب سموه المشاركين في المؤتمر، قائلاً «لقد جمعكم هذا المؤتمر تحت مظلة واحدة شعارها الإنسانية توحدنا والعربية تجمعنا، فكانت الجلسات منبراً لتبادل الخبرات والتعرف إلى مناهج تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، ومناقشة واقعها في الجامعات الأوروبية، واستعراض الجهود التي تُبذل في نشرها وتطوير طرائق تعليمها».
وأضاف صاحب السمو حاكم الشارقة «إن حضوركم الكريم من أكثر من 20 دولة أوروبية هو شهادة حية على أن العربية بخير، وأن مستقبلها واعد بما تحمله من قيم سامية وإنسانية تجمع الأمم والشعوب، نشكركم على جهودكم الصادقة ومساهمتكم القيمة، ونتمنى أن تكون نتائج هذا المؤتمر إضافة حقيقية تخدم تعليم اللغة العربية في جامعاتكم وتعزز مكانتها في العالم».
واختتم سموه مشيراً إلى أن التعاون بين إمارة الشارقة ومؤسسات اللغة العربية في مختلف دول العالم ما هو إلا حقيقة ثابتة، مؤكداً سموه استمرار التعاون لخدمة اللغة العربية ودعم مؤسساتها ومشروعاتها والقائمين عليها في مختلف بلدان العالم، كون الشارقة تعتبر شريكاً أساسياً في المنظومة.
وكان برنامج المؤتمر في يومه الثاني قد استهل بكلمة الدكتور أمحمد صافي المستغانمي أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة عبر فيها عن سعادته البالغة بهذا التجمع في المؤتمر، مخاطباً المشاركين الذين قدِموا من أقطار العالم إلى الشارقة يحملون همَّ اللغة العربية ودراستها وتعليمها.
وثمن المستغانمي جهود المشاركين في المؤتمر واختيارهم تعلم اللغة العربية كلغة ثانية، والشارقة كوجهة لتعزيز معرفتهم بها، مؤكداً على مد يد العون لكل من يعمل لمصلحة اللغة وخدمتها، مشيراً إلى أن العربية توحد القلوب، متمنياً الخروج بنتائج إيجابية من المؤتمر تنعكس على جهود العاملين على اللغة العربية في مختلف دول العالم.
واختتم أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة كلمته موجهاً شكره وتقديره إلى صاحب السمو الرئيس الأعلى للمجمع على دعمه الكبير وجهوده التي جعلت من الشارقة قبلة للغة العربية والمهتمين بها.
من جانبها، ألقت الدكتورة إيرينا ليبيديفا أستاذة في جامعة موسكو كلمة ضيوف المؤتمر أشادت فيها بإمارة الشارقة عاصمة الثقافة والكتاب، وما تقدمه للمهتمين ومحبي هذا المجال، متناولة أبرز ما جاء في المؤتمر والذي ينعكس بالإيجاب عليهم في بلدانهم المختلفة على مستوى القارة الأوروبية.
وأشادت ليبيديفا باللغة العربية ودورها في تقريب الثقافات وتنوعها، مؤكدة بأن العربية تحظى باهتمام العديد من الشعوب حول العالم ودعم الكثيرين، ومنها ما يقدمه صاحب السمو حاكم الشارقة، مشيرةً إلى أن هذا الاهتمام والدعم يعكسان المكانة المرموقة التي بلغتها اللغة العربية، متمنية أن تتكلل الجهود في هذا المؤتمر لخدمة اللغة.
وشاهد صاحب السمو حاكم الشارقة فيلماً تناول إنجازات مجمع اللغة العربية بالشارقة وجهود الإمارة في إنشاء المجمع وإنجاز المشاريع اللغوية الكبرى مثل المعجم التاريخي للغة العربية، وما تم توفيره من إمكانات وكوادر وباحثين، إضافة إلى أبرز المبادرات والاتفاقيات مع الشركاء الاستراتيجيين، وإصدارات المجمع التي تتناول قضايا اللغة وعلومها.
وقدم الدكتور سيبستيان غونتر أستاذ كرسي في جامعة غوتنجن الألمانية عرضاً بعنوان «النص قبل النظرية؟ دراسة الأدب العربي الكلاسيكي في القاعات الجامعية الأوروبية (وما بعدها)»، أشار فيه إلى أن المؤتمر فرصة للتبادل الفكري الذي يسهم في تعزيز التفاهم بين أوروبا والعالم العربي، وفي دعم تعليم اللغة العربية، ودراسة الحضارة الإسلامية، وقال «يبقى الأدب العربي الكلاسيكي الممتد من العصر الجاهلي إلى العصر العباسي وما بعده إلى القرن الـ 15 الميلادي من أعظم المنجزات الثقافية للإنسانية، فهو يتحدث إلى القارئ المعاصر بلغة ما زالت حية نابضة، إنه أدب يجمع بين الجمال والمعرفة والفضيلة، ويعبر عن حضارة جعلت البلاغة فنًّا من فنون التفكير، واللغة وسيلة للتأمل والتهذيب».
وتناول غونتر خلال عرضه مفهوم الأدب في قلب التراث والذي يعني تهذيب العقل والنفس والذوق، وعدم اقتصاره على الشعر والسرد فقط، بل شمل الفلسفة والتاريخ والعلوم متى صيغت بلغة جميلة وغرضٍ أخلاقي، بالإضافة إلى مصطلح الكلاسيكي الذي يعد وصفاً لتجربة تاريخية أصيلة ومعيارا للجمال والتميز، مشيراً إلى أن العصر الكلاسيكي الممتد من القرن الـ 6 إلى الـ 13 الميلادي كان ذروة الإبداع العربي في العلم والفكر والفن.
وأوضح غونتر أن تدريس الأدب العربي الكلاسيكي في الجامعات الأوروبية اليوم يمثل فرصاً وتحديات، فكثير من الطلاب يقرؤونه مترجماً أو في إطار نظري غربي، مضيفاً أنه من الأفضل الإصغاء إلى النص العربي بلغته وروحه قبل إخضاعه للنظريات. فمبدأ النص قبل النظرية يقوم على القراءة المتأنية للنص نفسه، إيقاعه وصُوَرِه، قبل التحليل الخارجي، فالنظرية تساعد على الفهم، لكن النص العربي هو المعلم الأول الذي يُعَرّف نفسه بنفسه دون واسطة.
ويهدف المؤتمر في دورته الثالثة إلى تسليط الضوء على أصول اللغات الأوروبية وعلاقتها بالعربية، والكشف عن تراث الأمم اللغوي والاجتماعي والإنساني، والتركيز على مناهج الترجمة وطرق التواصل بين الحضارات، إضافة إلى دراسة نماذج من الأدب الأوروبي المتأثر بالأدب العربي، وأثره في نشر العربية، إلى جانب استثمار الطاقات البشرية والمهارات البحثية في خدمة العربية في أوروبا، مع التنبيه إلى المخطوطات العربية والإسلامية المغمورة في خزائن المكتبات الأوروبية القديمة.
وقدم المشاركون من باحثين وأكاديميين 24 دراسة تناولت محاور المؤتمر الرئيسة وهي هجرة الألفاظ العربية إلى اللغات الأخرى، ومنهجيات تعليم العربية للناطقين بغيرها، وترجمة الأدب العربي وأثرها في نشر اللغة، وتحقيق التراث العربي والإسلامي.
حضر المؤتمر بجانب سموه كل من: جمال سالم الطريفي رئيس الجامعة القاسمية، والدكتور علي إبراهيم المري رئيس دارة الدكتور سلطان القاسمي، ومحمد عبيد الزعابي رئيس دائرة التشريفات والضيافة، ومحمد حسن خلف مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، وعدد من كبار المسؤولين والمشاركين في المؤتمر.
المصدر: وامالمصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: سلطان القاسمي مؤتمر الشارقة الدولي للدراسات العربية في أوروبا اختتام مجمع اللغة العربیة بالشارقة صاحب السمو حاکم الشارقة الأدب العربی فی المؤتمر العربیة فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
باحثون من سلطنة عمان يشاركون في مؤتمر دولي بروما حول حضور الأساطير اليونانية في الأدب العربي
(عمان): شارك أربعة باحثين من جامعتي السلطان قابوس ونزوى في المؤتمر الدولي "الأساطير اليونانية في الأدب العربي: التلقي، الترجمة، التداول، وإعادة الخلق"، التي استضافتها جامعة «سابيينزا» في روما بتنظيم مشترك مع جامعة "ماشيراتا" وبدعم من مشروع DIGIMYTH بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
قدمت الدكتورة مريم البادية الأستاذة المساعدة في النقد الأدبي، بجامعة نزوى ورقة بعنوان: الأسطورة اليونانية بوصفها استعارة في الرواية النسائية العُمانية: “ظلّ هيرمافروديتوس” لبدرية البدري تناولت الورقة البحثية التوظيف التناصي للأسطورة الإغريقية الكلاسيكية في الرواية العُمانية المعاصرة ظلّ هيرمافروديتوس للكاتبة بدرية البدري. تبدأ الرواية باقتباس من التحولات لأوفيد، مما يشير إلى انخراط مقصود في أسطورة هيرمافروديتوس—ذلك الفتى الجميل الذي، بعد رفضه لمغازلة الحورية سلمكيس، يندمج بها بقرار من الآلهة ليصبح كائناً خنثوياً ذا طبيعتين جنسيّتين. في صيغتها الأصلية، تجسّد الأسطورة تحوّلاً قسرياً يسلب صاحبه إرادته وهويته الفردية. أشارت البادية في دراستها إلى أن بدرية البدري تعيد تشكيل هذه الأسطورة في سياق جريء ومعاصر من خلال ربطها بموضوع حساس ونادر التناول في الأدب العربي، وهو اضطراب الهوية الجندرية. فالشخصية الرئيسة، سعاد، تبدو ظاهرياً أنثى لكنها داخلياً تُعرّف نفسها على أنها رجل. ويعكس صراعها النفسي ثيمة الازدواجية في الأسطورة، لكنها تفارق النموذج الكلاسيكي حين تختار تحوّلها بإرادتها الحرة. فبدلاً من أن تكون ضحية قدر محتوم، تستعيد سعاد هويتها الأصلية كما تراها، وتصبح في نهاية الرواية “سعيداً”. ذهبت الدكتورة مريم البادية في هذه الدراسة إلى أن الرواية لا تستخدم الأسطورة لمجرد الزخرف الأدبي، بل تعتمدها إطاراً استعاريّاً لاستكشاف أسئلة معقدة حول الهوية، والقيود الاجتماعية، والتحرر الذاتي. إذ تُقوّض بدرية البدري عبر سردها الثنائيات الجندرية التقليدية، وتُعلي من صوت السرد النسائي في الأدب العربي. ومن خلال هذا المنظور، تبرز ظلّ هيرمافروديتوس كإسهامٍ نوعي في الأدب العربي الحديث، بما تقدّمه من معالجة أدبية جريئة لقضايا الجسد، والنوع، والذات.
وقدّم الدكتور محروس القللي من جامعة السلطان قابوس) بالشراكة مع الباحثة مريم بنت حمد الحسينية ورقة بعنوان: «مرونة الإحلال: الرموز اليونانية الكلاسيكية في المسرح الخليجي العربي». وتناولت الدراسة حضور الرموز والأساطير اليونانية في نصوص المسرح الخليجي عبر مبدأي «المرونة» و«الإحلال» كما طوّرته المدرسة الفرنسية للأدب المقارن، مع تحليل لأمثلة من المسرح العُماني والقطري والسعودي لقياس كيفية تكييف تلك الرموز على الخشبة ضمن سياقات محلية وثقافية مختلفة. وحول هذه الدراسة قال الدكتور محروس القللي: نتجه في هذا البحث نحو المسرح في الخليج العربي، على الرغم من قلة البحوث المنشورة حوله، وأقصد بذلك قلة الدراسات المصاحبة للنشر الأدبي للنصوص المسرحية الخليجية. وندرس هنا تلك الرموز اليونانية لقياس مدى النجاح في إحلالها في النص العربي، ومدى مرونتها، وإشعاعها، ثم كيفية تقديمها على خشبة المسرح. وقد يفيد مبدأ المرونة والإشعاع الذي تبنته المدرسة الفرنسية في الدرس الأسطوري المقارن. وأضاف القللي: سنقف بالدراسة عند عدد من النصوص المسرحية الخليجية في عدد من الدول. ومنها: مسرحية (بودرياه)، منشورة عام 1988، للكاتب القطري أحمد الرمحي. وتقترب من الأسطورة اليونانية (بوسيدون) إله البحر، وملامح أسطورية فارسية أخرى. تعيد المسرحية ولادة مسرحية إقليمية جديدة. مسرحية (جوكاستا)، منشورة عام 2022، للمؤلفة السعودية ملحة عبد الله. ويكشف عنوان المسرحية عن إعادة تهيئة مسرحية أوديب لسفوقليس بشكل آخر. مسرحية (يوتوبيا)، منشورة عام 2025، للكاتب أسامة السليمي، تعتمد على رمزية الآلهة (نايكي) في الأسطورة اليونانية. مسرحية (تحت ظلال السماء)، للكاتب بدر الحمداني، يعود زمان المسرحيّة ومكانها إلى عصور كانت الأسطورة فيها مُسيطرة على عقول البَشر، وتسمّى الملكة باسم آلهة الجمال في الأساطير اليونانيّة (فينوس) أما الملك فيسمّى (كيوبيد) ابن آلهة الجمال، وتطغى الأسطورة في الظهور بالمسرحيّة واختتم الدكتور محروس القللي حديثه بقوله: تعتمد الدراسة على هذه النصوص وغيرها في المسرح الخليجي للوقوف على مدى المرونة الخطابية في النص المسرحي في تقبل إحلال الأسطورة اليونانية في النص العربي، وضمن ثقافات مغايرة.
من جانبه قدم محمد خلفان من جامعة السلطان قابوس ورقة بعنوان: «المحاكاة الساخرة للأسطورة اليونانية (أنتيجون) في مسرحية (أنطيـﭬون) لسمير العيادي» إذ اتكأ البحث على مفاهيم التعاليات النصية عند جيرار جينيت للكشف عن آليات تحويل النموذج التراجيدي الإغريقي إلى صيغة معاصرة تُعيد تأويل الدلالة الأخلاقية والسياسية للأسطورة عبر السخرية. وذهبت الدراسة إلى أن مسرحية مسرحيَّة (أنطيـﭬون"2010") للكاتب المسرحيِّ التونسيِّ (سمير العيَّادي ت. 2008) تنتمي إلى الكتابة ما بعد الحداثيّة، إذ تناصَّ فيها المبدع مع مسرحيَّة (أنتيجون) للكاتب المسرحيِّ اليونانيِّ (سوفوكليس) معيدًا إنتاج النصِّ الأسطوري بدلالاتٍ جديدة تتلاءم مع موضوع المسرحيَّة والحقل الثقافي المعاصر. وفي ضوء ذلك قالت الدراسة إن النصَّ المسرحي العربي الحديث أسهمت في تشكيله كما قال (عبدالنبي اطيف): (مكونات ثلاثة (هي الأنا، والآخر والعالم). فالنص الذي تناولته الدراسة محاك نسيجه بخيطين اثنين (هما خيط التراث العربي، وخيط تراث الآخر). توصَّلت الدراسة التي تتبَّعت علاقة المسرح العربي بالأسطورة اليونانيَّة من خلال تحليل مسرحيَّة (أنطيـﭬون) للكاتب المسرحي التونسي (سمير العيَّادي) إلى عددٍ من النتائج،أهمها: يشهد المسرح العربي استدعاء ملحوظًا للأساطير الإغريقية، وهو حضورٌ نابعٌ من الرغبة في الإفادة من ثرائها الرمزي، وغنائها بالمعاني والدلالات. ويتوزَّع كتَّاب المسرح العربي في استلهامهم للميثولوجيا الإغريقية على اتجاهين: أولهما يعتمد على استعادة النصوص كما هي تقريبًا، وثانيهما يُخضعها لعمليَّة تحديث تُحمِّلها قضايا معاصرة، تعبِّر عن الذات والواقع الراهن. ويتناص النصّ المعاصر تناصًّا موازيًا مع النصِّ السابق في العنوان، ليمد العنوان بشعريةٍ ودلالاتٍ قديمةٍ مأخوذة من النص السابق، ومعاصرةٍ مأخوذة من النصِّ المعاصر. وتحضر المحاكاة الساخرة بوصفها آلية مركزية في التعامل مع أسطورة (أنتيجون) إذ تم تفكيك بنيتها وإعادة تركيبها في نصٍّ جديدٍ، ينطلق من المرجعية، الإغريقية ولكنه يطرح إشكاليات معاصرة، أبرزها الحرب والعبث السياسي. ويحيل التَّناص الموازي في العنوان إلى مسرحية (سوفوكليس) لكنَّه يجعل (أنتيجون) صوتًا رمزيًّا منفتحًا على التأويل، تتقاطع فيه الهويَّة العربيَّة والإسلامية والإنسانيَّة بالأسطورة الإغريقيَّة، كما يتقاطع فيه الماضي بالحاضر. وانتقل النص من الكتابة التراجيدية الكلاسيكية إلى كتابة ما بعد درامية، تبقي على الصراع الأخلاقي الداخلي، لكنها تسقطه على واقع سياسي- اجتماعي معاصر تتصارع فيه القوى والمصالح. وأعاد النص المعاصر تشكيل الشخصيَّات الأسطوريَّة عبر تفكيك هويتها وإعادة بنائها، مانحا إياها أبعادًا جديدةً تتماشى مع السخرية والتشظي في الواقع المعاصر. وأعاد النص اللاحق تشكيل الزمكان المسرحي، من خلال استدعاء مدن دمرتها الحروب، مما يحيل إلى الخراب الشامل، سواء بفعل التدخل الخارجي، أو الاختلافات الداخلية. ولجأ النصُّ إلى تغيير أسماء الشخصيَّات وصفاتها، وابتكار شخصيات جديدة في إطار محاكاة ساخرة تعيد إنتاج الواقع بلغة رمزية ساخرة، تعمق دلالات النصِّ، وتمنحه بعدًا تأويليًّا إضافيًّا. وبمناسبة هذه المشاركة قدم الوفد العماني هدية لمكتبة جامعة سابينزا (Sapienza)هي عبارة عن أكثر من سبعين عنوانا من الإصدارات العمانية مقدمة من النادي الثقافي وجمعية الكتاب والأدباء ومؤسسة لبان للنشر والإعلان ومكتبة قراء المعرفة. الجدير بالذكر أن هذا المؤتمر الدولي خُصص لأعمال الشعر والسرد والمسرح والترجمة والنقد البصري – لدراسة سياسات وأشكال استقبال الأساطير اليونانية في الثقافة العربية، مع إتاحة مساحات نقاش موسّعة بعد عروض المشاركات. ومن المقرّر أن تنشر الأوراق للنشر في كتاب محكّم بعد المراجعة العلمية. تعكس هذه المشاركة حضورًا أكاديميًا عُمانيًا فاعلًا في حقل الأدب المقارن ودراسات التلقي، وتبرز مساهمة الجامعات العُمانية في الحوار النقدي حول تمثلات الأسطورة الكلاسيكية وآفاق إعادة كتابتها عربيًا الجدير بالذكر أن هذا المؤتمر يسعى إلى تقديم مساهمات تستكشف ظاهرة تلقي الأساطير اليونانية في الأدب العربي، ليس فقط من خلال تحليل الأعمال والكتّاب الذين لم يُدرسوا بعد، بل قبل كل شيء من خلال تأمل السياسة والجماليات في تلقي هذه الأساطير وترجمتها وتداولها وإعادة خلقها. وهدف المؤتمر إلى تحفيز النقاش حول أنواع مختلفة من النصوص، بما في ذلك الشعر، والمسرحيات والمخطوطات الدرامية، والروايات، والترجمات، والمقالات في الصحف الدورية، والمداخل الموسوعية، والمناهج الدراسية المدرسية والجامعية، فضلاً عن الأدب الشفهي، والموسيقى، والسينما، والفنون البصرية. ركز المؤتمر على الإنتاج الأدبي العربي الحديث والمعاصر (من 1800 إلى اليوم)، لكنه خصص جلسات خاصة لتلقي الأساطير اليونانية في الأدب العربي القديم، وكذلك في الأدب المكتوب باللغات التي تفاعلت مع العربية منذ زمن طويل. إن تلقي الأساطير اليونانية في الإنتاج الثقافي العربي هو في الأساس ظاهرة تنتمي إلى “العصر الحديث”. فبينما تمت دراسة واستيعاب الإنجازات الثقافية اليونانية، لا سيما في مجالات العلوم والفلسفة، بشكل واسع خلال فترة الازدهار في الترجمات اليونانية-العربية في العصر العباسي إلا أنه لم يكن حتى القرن التاسع عشر حين بدأ العالم العربي بالتعرف على الأعمال الأدبية اليونانية القديمة، وبالتالي على تقاليدها الأسطورية. وقد تجلّى الاهتمام العربي الحديث بالأساطير اليونانية في عدة مساهمات رئيسية: ففي عام 1867، قدّم رفاعة الطهطاوي ترجمة Télémaque، مما أدخل الأساطير اليونانية إلى الثقافة العربية، وتبعه سليمان البستاني عام 1904 بترجمة الإلياذة، التي عدت نقطة انطلاق لدراسة الميثولوجيا اليونانية في العالم العربي، كما عمّق طه حسين الدراسات الكلاسيكية في عشرينيات القرن العشرين.