عربي21:
2025-11-09@15:37:59 GMT

طوفان محمداني.. هدية غزة لعاصمة المال والسياسة

تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT

لم يكن فوز المرشح الديمقراطي زهران ممداني منبتّ الصلة بطوفان الأقصى الذي قاده رجال غزة صبيحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بل كان أحد ثمار ذلك الطوفان الذي ظهرت له ثمار أخرى في مناطق متفرقة من العالم، وإن لم تستفد غزة نفسها بالقدر ذاته كما استفاد غيرها، بل إنها تعرضت للخراب والدمار الشديد ناهيك عن فقدانها لحوالي 70 ألف شهيد حتى الآن، والمأمول أن يرد كل من استفاد من غزة هذا الجميل لها، عبر المساهمة في تثبيت وقف الحرب، وإعادة إعمار القطاع، وتعويض أهله، والإسهام في تحقيق الحلم الفلسطيني بوطن مستقل عاصمته القدس.



ليس خافيا أن العدوان على غزة حرّك أصحاب الضمائر الحية عبر العالم، فانطلقت المظاهرات في العديد من المدن والعواصم التي لم تكن تلقي بالا لمثل هذه الاعتداءات من قبل، وكان المشهد أكثر حيوية في واشنطن ونيويورك وبقية الولايات الأمريكية التي قاد التظاهر فيها جيل الشباب، وخاصة طلاب الجامعات الكبرى، وكشفت هذه المظاهرات عن روح جديدة انتشرت من واشنطن ونيويورك إلى لندن وباريس وبرلين وروما وبروكسل ولشبونة وأوتاوا، وطوكيو، بخلاف العواصم والمدن الأخرى.

كان فوز ممداني (محمداني) ثمرة لهذه الروح الجديدة التي غزت نيويورك، ورغم فوز مسلمين آخرين بمنصب العمدة في مدن أمريكية أخرى، مثل عبد الله حمود (ديربورن)، وفيض الكبير (كوليج بارك)، ومحمد بيضون (ديربورن هايتس)، وتيد غرين (إيست أورانج)، بخلاف عشرات فازوا بعضوية مجالس مدن، ومجالس تشريعية وتعليمية وقضائية، إلا أن الفوز بمنصب عمدة نيويورك يعدل منفردا كل ذلك، فنحن نتحدث عن مدينة هي دولة عظمى بذاتها رغم أنها جزء من ولاية نيويورك، وهي تعتبر عاصمة العالم السياسية باحتضانها للأمم المتحدة، والعديد من مؤسساتها، كما أنها عاصمة العالم الاقتصادية باقتصاد يبلغ 2,5 تريليون دولار سنويا يعادل الناتج الإجمالي لجميع الدول العربية (مع استبعاد السعودية)، ويضعها في الترتيب الثامن ضمن أقوى عشر اقتصادات عالمية لتسبق إيطاليا، وكندا، وروسيا والبرازيل، والمكسيك، وحتى أستراليا، وهي تحتض أكبر بورصة في العالم (وول ستريت). ولك أن تتخيل عزيزي القارئ عمدة يدير هكذا مدينة هي مصنع الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم، ناهيك عن شئونها المحلية التي تهم الناخبين بشكل أساسي، والذين قدم لهم ممداني وعودا انتخابية لتحسين معيشتهم، خاصة في مجال السكن والمواصلات والخدمات العامة الأخرى، كما أن حملته القوية نجحت في مواجهة أساطين المال والأعمال الذين أنفقوا بسخاء لإسقاطه.

منذ اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة شارك ممداني في المظاهرات الرافضة له، ولم يخف دعمه للحق الفلسطيني، وحين ترشح لمنصب عمدة نيويورك جعل هذا الموقف أحد العناوين الرئيسية لحملته الانتخابية في مدينة تحتضن أكبر وأقوى كتلة يهودية في العالم. لقد كان من تجليات الطوفان أيضا هو التحول داخل هذه الكتلة اليهودية، حيث شارك الكثير من أبنائها وحاخاماتها في المظاهرات الرافضة للعدوان على غزة، وشاركوا في الضغط على حكومة ترامب لتلعب دورا في وقف الحرب، وبالتالي لم يكن وجود هذه الكتلة اليهودية الكبيرة عائقا أمام ممداني، بل كان داعما له، إضافة طبعا إلى دعم المسلمين الذين تفاخر بانتمائه إليهم، وتعهد بتحسين صورتهم، كما دعمته بقية الأقليات الدينية والعرقية والثقافية بما فيهم المثليين!!

لا ندافع بطبيعة الحال عن دعمه للمثليين، أو دعمهم له، كما لا نتوقف كثيرا عند مذهبه الديني الإسلامي، فلم يكن المنصب الذي ترشح له هو مشيخة الأزهر، أو رئاسة منظمة الدول الإسلامية، أو حتى المركز الإسلامي في نيويورك، بل هو منصب عمدة المدينة التي تضم كل الفئات، وحتى نخرج من جدل الدين والطائفة، علينا أن نفترض أن ممداني ليس مسلما بالأساس، لا شيعي ولا سني، لكنه مرشح اشتراكي ديمقراطي مناصر للعدالة الاجتماعية، ومناصر للقضية الفلسطينية، ورافض للإسلاموفوبيا، بالتأكيد كنا سنسعد بفوزه أيضا، وهذا ما يحدث عادة حين تفوز أحزاب أو شخصيات في مواجهة اليمين العنصري في أوروبا مثلا.

خطاب ممداني الانتخابي والذي اعتمد على برنامج خدمي مغري للناخب النيويوركي، دون أن يتنصل من ديانته الإسلامية، أو انتمائه السياسي (الاشتراكي) أو دعمه للقضية الفلسطينية؛ نموذج للساعين للسلطة في كل المجتمعات، وخاصة تلك المتنوعة دينيا وعرقيا وثقافيا، فالخطاب الهوياتي الثقافي وحده ليس مقنعا للناخب للتصويت لصاحبه؛ يمكن أن يجذب شريحة ممن يعتنقون الأفكار ذاتها، لكنه سيتوقف عند حدودهم، كما أن خطاب الخدمات العامة وحدة ليس كافيا لإقناع غالبية الناخبين، الذين يحتاجون لمعرفة المرجعيات السياسية والفكرية والثوابت الأساسية للمرشح التي تجعلهم قادرين على معرفة طريقة تفكيره، والتنبؤ بمواقفه في القضايا المختلفة، الجمع بين الأمرين على طريقة ممداني هو خلطة النجاح.

شبكة التحالفات التي بناها ممداني والتي جعلت كل فرع من تلك الشبكة يشعر أن ممداني هو مرشحه المثالي رغم اختلافه معه في بعض القضايا؛ هي خلطة سحرية أيضا، فقد جمعت حملته المسلمين إلى جانب المسيحيين واليهود، وجمعت العمال إلى جانب رجال الأعمال، والشباب إلى جانب الشيوخ. ليس المطلوب تقليدا أعمى أو استنساخا تاما لتجربة ممداني، فلكل بلد خصوصيته التي تفرض أشكالا مختلفة من التحالفات، لكن الرسالة الأساسية هنا هي كلما استطاع المرشح توسيع تحالفاته كلما كان أقدر على الفوز، وعلى الحكم أيضا، لأنه سيسند ظهره إلى هذه الشبكة القوية والمتنوعة.

تجربة ممداني كانت ملهمة في جزئها الأول، بدءا من المنافسة على الترشح باسم الحزب الديمقراطي مرورا بالمنافسة مع عتاة السياسة والاقتصاد، ثم الفوز بالمنصب الأقوى بين عُمد الولايات المتحدة، لكن الجزء الثاني من التجربة لا يزال تحت الاختبار، والقصد هنا هو الإدارة الفعلية للمدينة، وتنفيذ الوعود الانتخابية الكبيرة. وليس خافيا أن الكثير من مراكز القوى السياسية والاقتصادية التي ناصبت ممداني العداء خلال حملته ولم تسعد بفوزه، وستكمل مشوراها لإفشاله حتى يكون عبرة لمن يتمرد عليها، وعلى رأس هذه القوى الرئيس ترامب شخصيا الذي هدد بقطع التمويل الاتحادي عن المدينة، وهو ما سينعكس سلبا على برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأقل دخلا، وليس معروفا هل سيستطيع الرئيس تنفيذ تهديداته، أم ستظل مجرد كلام أجوف مثل الكثير من كلامه!

وقد سارعت إحدى المنظمات اليهودية المتطرفة بتدشين مركز مراقبة لرصد سياسات وقرارات وإجراءات ممداني، لتعد عليه أنفاسه، وتربك إدارته؛ الرهان هنا على قدرات ممداني الشخصية في مواجهة هذه المحاولات لإفشاله، وكذا على مساندة حزبه الديمقراطي، وكل القطاعات التي انتخبته.

x.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء ممداني نيويورك امريكا نيويورك ممداني قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

أم الدنيا .. فيديو لـ زهران ممداني عن مصر من أحد متاجر نيويورك

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لعمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني وهو يداعب قطا في إحدي المتاجر المملوكة لأحد المصريين بالمدينة وهو متجر النيل للمنتجات الشرقية .

وقال ممداني باللغة العربية أثناء مداعبة القط :  أم الدنيا .. إزيك ياباشا ..  كل شئ تمام " 

كما حرص ممداني على إلتقاط الصور مع عدد من المارة أمام المتجر بالمدينة .

ويشار إلى أن زهران كوامي ممداني صعد إلى قمة المشهد السياسي ليصبح أول مسلم وأول هندي الأصل يتولى منصب عمدة مدينة نيويورك ، في انتصارٍ فاجأ المؤسسة السياسية الأمريكية والإسرائيلية أيضا وأعاد تعريف معنى التنوّع في واحدة من أكثر مدن العالم تنوعًا.

لكن وراء هذا الفوز اللافت، تختبئ قصة إنسانية غير عادية لرجلٍ ملتحٍ متدينٍ، عاش فترة من شبابه في القاهرة، في شارع البستان، بوسط البلد، وما زال يعاني من فوبيا الأماكن المغلقة التي شكّلت ملامح شخصيته بقدر ما شكّل هو ملامح جيله السياسي الجديد، وفقا لما سرده عن نفسه في مقال سابق نشره على موقع الصحيفة المجلة الأدبية “بودوين أورينت” والتي تعتبر أقدم منشور أسبوعي أكاديمي في الولايات المتحدة.

ولد ممداني عام 1991 في كمبالا بأوغندا لأبٍ أكاديمي مسلم من أصول هندية هو المفكر المعروف محمود ممداني، وأمٍّ هندية هي المخرجة الشهيرة ميرا نير. 

تنقّل بين القارات منذ طفولته: من إفريقيا إلى أمريكا، مرورًا بمصر التي تركت في نفسه أثرًا لا يمحى. فقد أقام لفترة في شارع البستان بوسط القاهرة، وكان يصفها في أحاديثه لاحقًا بأنها «المدينة التي تشبه الناس أكثر من أي مكان آخر».

ورغم حبه للقاهرة، فإن تلك الإقامة كشفت جانبًا خفيًا من شخصيته؛ إذ كان يعاني من خوفٍ شديد من الأماكن المغلقة؛ إذ يروي أحد المقربين أنه كان يصعد يوميًا ثمانية طوابق على قدميه ليتجنّب ركوب المصعد. 

وبعد تخرّجه في كلية «بودوين» بولاية مين الأمريكية، عمل مستشارًا في شؤون الإسكان لمساعدة العائلات الفقيرة والمهاجرين على مواجهة خطر الطرد، قبل أن يدخل عالم السياسة من بوابة العمل الميداني. 

كما انتُخب عام 2020 عضوًا في مجلس ولاية نيويورك عن حي «أستوريا» في كوينز، وبرز بسرعة بخطابه القائم على العدالة الاجتماعية ودعم النقل العام المجاني ومكافحة ارتفاع الإيجارات.

وفي انتخابات 2025، قلب ممداني التوقعات رأسًا على عقب، حين تغلّب على الحاكم السابق أندرو كومو في سباق العمدة، ليصبح أصغر من تولى المنصب منذ أكثر من قرن، وأول عمدة مسلم في تاريخ المدينة.

سياسي موهوب.. ترامب يشيد بزهران ممداني خلال محادثات مغلقةياسمين عبده تكتب: زهران ممداني يعلن سقوط الحلم الأميركي القديم ؟خطفت الأضواء بعد فوز زوجها .. من هي راما زوجة زهران ممداني؟ طباعة شارك مصر أم الدنيا نيويورك زهران ممداني البساتين

مقالات مشابهة

  • الإفتاء: حفظ المال مِن أهم المقاصد التي جاء الإسلام لحمايتها
  • هل فوز ممداني يدعم عالم المطاعم في نيويورك؟.. ركز على المأكولات
  • سر الشعبوية الجذابة التي استثمرها ممداني لحسم نيويورك
  • أم الدنيا .. فيديو لـ زهران ممداني عن مصر من أحد متاجر نيويورك
  • تأثير “طوفان الأقصى” على الوعي السياسي الأمريكي: زهران ممداني نموذجاً
  • ممداني يقود نيويورك الجديدة.. 6 أعمدة يقوم عليها اقتصاد أغنى مدينة
  • زلزال ممداني في نيويورك: غزة وترامب يغيران المعادلة
  • بعد وعوده بجعل نيويورك أكثر جذباً للسياح .. زهران ممداني يصبح كابوساً لـAirbnb
  • دكتور محمود ممداني(محمداني)