#لأولي_الألباب
د. #هاشم_غرايبة
كثيرا ما يخطر بالبال السؤال: لماذا باتت أمتنا في الحضيض بين الأمم، فيتجرأ علينا الأعداء ويتكالب علينا الطامعون، بعد أن كنا سادة بين الأمم، أعزة لا تداس كرامتنا؟.
والذي من المؤكد أنه لم يكن بسبب طبيعة الشراسة كالمغول والتتار، ولا بسبب حضارة عريقة كالصينيين والهنود، ولا كان ذلك عائد الى تقدمنا العلمي والتقني كالأوروبيين، بل سببه حماية الله لنا ونصره إيانا مهما بلغت قوة أعدائنا، لأننا الأمة التي اختارها لتبليغ رسالته لسائر الأمم لأجل هدايتهم الى صراطه المستقيم.
إذاً.. هل تخلى الله عنا لقلة إيماننا وتقصيرنا في عباداتنا؟.
ربما أننا الآن أكثر إيمانا وتعبدا من أسلافنا، والاجابة سنجدها في القرآن الكريم، والذي يبين لنا كثيرا من حكمه تعالى في سننه الكونية.
والسنّة التي نحن بصددها هي التمكين والاستبدال،المبنية على حقيقة أن الأرض لله، فهو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء وفق سنن ثابتة لا تبديل فيها، وينزع الملك ممن يشاء إذا زالت السنن (الاستحقاقات) التي استحق بموجبه ذلك الملك.
نلاحظ أن الله تعالى قد أكثر في كتابه العزيز من الحديث عن بني اسرائيل، ليس لأنهم أبناؤه وأحباؤه بل لكونهم أمة اختصها الله بانعامات كثيرة وفاء بعهده الى ابراهيم بأن يبقى الأئمة في ذريته، وهم من ذريته من الفرع الثاني (من بني يعقوب بن اسحق).
أولو الألباب يعلمون أن الحديث عن الأقوام السابقة ليس لغايات التوثيق التاريخي، ولا هي للامتاع الروائي، بل لأخذ العبر مما جرى معهم، ولكي تستفيد أمتنا التي ارادها خير الأمم من أخطائهم فتتجنبها.
أهم ملاحظة أنه مقابل ذلك التكريم لبني إسرائيل والانعامات العديدة، فقد ابتلاهم الله ابتلاءات كثيرة (وفتناك فتونا) ليتأهلوا للمهمة الكبيرة، وهي استيعاب الهدى والنور الذي انزل عليهم، وما يتعلق بذلك من الإيمان والتوحيد والعبادة أولا، ثم مهمة تبيان ما انزل اليهم من ربهم للأمم الأخرى، ودعوتهم الى اتباع منهج الله.
لكنهم ما صانوا هذه النعمة الفضلى وما قدروا الله حق قدره، بل ماروا انبيائهم بعدما تبين لهم أنهم جاءوا بالحق من ربهم، بل وقتلوا عددا منهم، ولما مكن الله لهم في الأرض أفسدوا فيها، وزاغوا عما دعوا اليه، وكانت آخر فرصة لهم لمراجعة أنفسهم رسالة عيسى بن مريم عليه السلام إليهم، لكنهم كذبوا بها وأرادوا قتله.
لكن الأهم في أفعالهم الممقوتة عند الله أنهم أخفوا كتاب الله (التوراة) عن غيرهم، ولم يسمحوا لأحد من الأمم الأخرى بالاطلاع عليه: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ” [آل عمران:187].
لقد أمد الله لهم طويلا، وكان يعفو ويغفر كلما تابوا، فتاب عليهم بعدما ندموا على اتخاذ العجل إلها، فامتحنهم بعقوبة قاسية وهي أن يقتلوا أنفسهم، ثم بعد أن رفضوا دخول الأرض المقدسة الا بعد إخراج أهلها منها تاب عليهم بعد أن كتب عليهم التيه أربعين سنة، وبعد أن مكن لهم في الأرض وأصبح لهم ملكا عظيما، أفسدوا وعتوا عن أمر ربهم وقتلوا الأنبياء، عندها كتب عليهم الذلة الى يوم الدين، فرفع عنهم حمايته (حبل من الله) لكنه استثنى منها حالات مؤقتة سيعلون فيها بحبل من الناس (الدعم الغربي)، وذلك لأجل تسخيرهم بتحقيق سنة الابتلاء لأمتنا، وهو ما نشهده في واقعنا الحالي.
من نعمة الله أنه أبلغنا في كتابه بكل ذلك، ووعدنا بأن هذا الابتلاء مؤقت، لأجل التمحيص أولا، ولحثنا على التوبة من الإعراض عن منهجه واتباع منهج أعدائنا، لذلك فتغير حالنا الى الأفضل والعودة الى تمتعنا بحماية الله، أمر بأيدينا، ولن يتم ذلك بمجرد الاكثار من العبادات والدعاء، بل بإقامة الدين بالعودة الى نظام حكم إسلامي وفق شرع الله، ووفق سنته: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” [الرعد:11]، وعندها ينفذ الله وعده الثاني، فيزول الكيان اللقيط الذي أوقع الذلة بأمتنا.
هذا هو الحل الوحيد، ويعرفه أعداؤنا، لذلك يبذلون حاليا جهودا محمومة بأيدي عملائهم المنافقين من بيننا لنزع سلاح المقاومة في القطاع، للقضاء على الروح الجهادية – الوسيلة الأقرب للعودة الى منهج الله. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: لأولي الألباب بعد أن
إقرأ أيضاً: