ميناء عصب.. شرارة جديدة في السلام الهش بين إثيوبيا وإريتريا
تاريخ النشر: 16th, November 2025 GMT
بعد عامين فقط على انتهاء حرب التيغراي، تعود التوترات بين إثيوبيا وإريتريا إلى الواجهة، وهذه المرة من بوابة البحر الأحمر حيث أعاد ميناء عصب الإريتري إشعال الخلافات التاريخية بين البلدين.
وقد تحولت المدينة الساحلية الواقعة على بعد 60 كيلومترًا فقط من الحدود الإثيوبية -كما يوضح تقرير "أفريكا ريبورت"- إلى رمز متجدد للسيادة والهوية الوطنية، ومسرح تجاذبات إقليمية متصاعدة.
ففي أكتوبر/تشرين الأول، فجّر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد جدلًا واسعًا حين صرّح أمام البرلمان بأن "وصول إثيوبيا إلى البحر مسألة بقاء" معتبرًا أن حرمان بلاده من منفذ بحري "ظلم تاريخي وجغرافي وقانوني".
وقد فسر هذا التصريح، الذي بدا للبعض دعوة للتكامل الإقليمي، في أسمرا كتهديد مبطن للسيادة الوطنية، وفق ما أوردته "أفريكا ريبورت".
ولم يتأخر الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في الرد، مؤكدًا في مقابلة تلفزيونية أن "أمن البحر الأحمر شأن يخص الدول المشاطئة فقط" في إشارة واضحة إلى رفض أي دور إثيوبي في إدارة هذا الممر الحيوي.
ويشير التقرير إلى أن هذا التباين في الخطاب يعكس عمق الهوة بين البلدين، رغم اتفاق السلام الموقع عام 2018.
وتاريخيًا، كان ميناء عصب شريان الحياة الاقتصادي لإثيوبيا، إذ استوعب أكثر من 90% من تجارتها الخارجية قبل استقلال إريتريا عام 1993.
وكان يضم المصفاة النفطية الوحيدة في البلاد، ما جعله كما يقول الباحث بروك هايلو لأفريكا ريبورت "أكثر من مجرد ميناء، بل هو رمز للسيادة الاقتصادية الإثيوبية".
ولكن بعد صعود "الجبهة الثورية الديمقراطية" إلى الحكم بإثيوبيا، تغيّرت النظرة إلى الموانئ، حيث اعتُبرت أدوات تجارية يمكن التفاوض عليها، وليس حقوقًا سيادية.
ويشير الباحث القانوني تيلاهون آدامو، في حديثه لأفريكا ريبورت، إلى أن "القيادة الإثيوبية آنذاك أهدرت فرصة تاريخية للحفاظ على موطئ قدم في عصب، أو حتى التفاوض بشأنه، مما جعل الملف مؤجلًا لا منتهيًا".
إعلانواليوم، تعود هذه القضية إلى الواجهة، مدفوعة بعوامل سياسية داخلية أكثر من كونها جغرافية.
فالحكومة الإثيوبية، كما يوضح تقرير أفريكا ريبورت، تسعى إلى توظيف سردية "البحر كحق وجودي" لحشد التأييد الشعبي وتعزيز موقعها بالداخل، في ظل تحديات اقتصادية وأمنية متزايدة.
وفي المقابل، تتمسك إريتريا بموقفها الثابت أن لا نقاش حول السيادة على الموانئ، وأي ترتيبات مع إثيوبيا يجب أن تتم عبر اتفاقات ثنائية واضحة.
لكن المفارقة، كما يلاحظ التقرير، أن ميناء عصب نفسه يعاني من الجمود منذ حرب الحدود (1998-2000) وبنيته التحتية متقادمة، مما يحد من قدرته على لعب دور اقتصادي فعّال.
ويحذّر الخبير البحري حميدي عبدي، في حديثه لأفريكا ريبورت، من أن النزاع حول "عصب" يتجاوز كونه خلافًا لوجستيًا، ليصبح مسألة هوية وطنية وورقة ضغط إقليمية.
ويضيف أن أي محاولة لإعادة طرح الملف دون توافق حقيقي قد تؤدي إلى أزمة دبلوماسية أو حتى إلى صدام مباشر.
وفي هذا السياق، تبرز تعقيدات إضافية، أبرزها الأزمة السودانية، التي وصفها مسؤولون أفارقة خلال اجتماعات الهجرة الأخيرة بأنها "من أعقد الأزمات الإنسانية في القارة".
ويشير التقرير إلى أن غياب الوصول الإنساني وصعوبة إيصال المساعدات في السودان يعكسان هشاشة البنية الإقليمية، ويزيدان من تعقيد أي مبادرات جماعية لحوكمة البحر الأحمر أو إدارة النزاعات الحدودية.
كما أن غياب آليات إقليمية فعّالة لتسوية النزاعات، وتعدد مسارات الوساطة الخارجية، مما يضعف قدرة الاتحاد الأفريقي على احتواء التوترات.
ويؤكد تقرير أفريكا ريبورت أن إدارة ملف "عصب" لا تنفصل عن أزمة أوسع تتعلق بتوازن القوى في القرن الأفريقي، حيث تتقاطع المصالح الوطنية مع إرث الحروب والانفصالات، في ظل غياب رؤية مشتركة لمستقبل المنطقة.
وفي المحصلة، تبقى "عصب" أكثر من مجرد ميناء: إنها عقدة تاريخية، ورمز سيادي، ونقطة اختبار دائمة لهشاشة السلام بين إثيوبيا وإريتريا.
وبينما تتصاعد المطالب الإثيوبية وتتشبث إريتريا بمواقفها، يظل البحر الأحمر مسرحًا مفتوحًا لاحتمالات التصعيد أو الانفراج، كما تختم أفريكا ريبورت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات أفریکا ریبورت البحر الأحمر میناء عصب أکثر من
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية الإثيوبي: العلاقات مع إريتريا مصدر توتر مزمن
قال وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثاوس إن العلاقات بين بلاده وإريتريا لا تزال تمثل أحد أكثر الملفات الإقليمية تعقيدا، مشيرا إلى أن منطقة القرن الأفريقي تعيش مرحلة "بالغة الاضطراب" رغم ما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية وفرص تنموية واعدة.
جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال منبر سياسي نظمته جامعة أديس أبابا بالتعاون مع مجلة "هورن ريفيو"، بحضور عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين، حيث استعرض الوزير ملامح السياسة الخارجية الإثيوبية وموقف بلاده من التطورات الإقليمية الراهنة.
وأشار تيموثاوس إلى أن العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا تُعد من أبرز بؤر التوتر المزمنة في المنطقة، موضحا أن اتفاقية الجزائر الموقعة عام 2000 أنهت الحرب النشطة دون معالجة جذور الخلاف، ما أبقى البلدين في حالة "اللاحرب واللاسلم" حتى مبادرة أديس أبابا للتقارب عام 2018، والتي لم تستمر بسبب رفض أسمرة للعلاقات الطبيعية.
6 عقود من التوتروأضاف الوزير أن التوتر بين إثيوبيا وإريتريا ليس حالة استثنائية، وإنما هو امتداد لصراعات متواصلة منذ ستينيات القرن الماضي، موضحا أن النزاع ظل السمة الغالبة على العلاقات الثنائية، سواء قبل استقلال إريتريا أو بعده.
وانتقد تيموثاوس التفسير السائد الذي يربط التوتر بطموحات إثيوبيا البحرية، واصفا إياه بأنه "تبسيط خاطئ" لا يعكس تعقيدات الواقع السياسي والأمني بين البلدين.
وأشار إلى 5 عوامل رئيسية تفسر استمرار حالة عدم الاستقرار بين أديس أبابا وأسمرة، أبرزها تدخل الحكومة الإريترية في الشأن الداخلي الإثيوبي، وتحول القيادة الإريترية إلى أداة بيد قوى خارجية تسعى لإضعاف إثيوبيا وزعزعة استقرارها.
"عقيدة أسياس" وزعزعة الاستقراروفي سياق تحليله لطبيعة التوتر، قال الوزير إن الدولة الإريترية تأسست لخدمة أهداف استعمارية تهدف إلى منع إثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر، مشيرا إلى أن ما وصفه بـ"عقيدة أسياس" تقوم على فرضية أن بقاء الدولة الإريترية يتطلب حالة دائمة من انعدام الأمن وعدم الاستقرار في إثيوبيا.
وأضاف أن التركيز العسكري والأمني في سياسات أسمرة يعوق التعاون الإقليمي ويضع المنطقة على حافة عدم الاستقرار، مؤكدا أن هذا النهج يعرقل فرص بناء شراكات سلمية وتنموية في القرن الأفريقي.
المصير المشتركوفي ما يتعلق برؤية بلاده للمنطقة، أوضح تيموثاوس أن إثيوبيا تعتمد نهجا يقوم على التكامل الاقتصادي الإقليمي، مع احترام سيادة ووحدة الدول، معتبرا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب ربط البنى التحتية وتعزيز التجارة والاستثمار بين دول المنطقة.
وأشار إلى أن توحيد الجهود الإقليمية يمكن أن يحول القرن الأفريقي إلى محرك للنمو في القارة، مؤكدا أن إثيوبيا تتحمل دورا فريدا في دعم هذه الرؤية وتحويلها إلى واقع ملموس، مع رفض أي شكل من أشكال الهيمنة الخارجية.
إعلانوفيما يخص الممرات البحرية، شدد الوزير على أن ميناء عصب يمثل أولوية حالية لبلاده نظرا لقربه الجغرافي وارتباطه بعوامل تاريخية واستثمارية، لافتا إلى أن الحكومة الإثيوبية استثمرت مبالغ كبيرة في تطوير البنية التحتية، بما في ذلك السكك الحديدية والطرق السريعة، لتعزيز الربط مع الميناء وتحقيق الاستفادة المثلى منه.
وأوضح أن إثيوبيا تتبنى رؤية إستراتيجية طويلة الأمد لتنويع المنافذ البحرية، وأن اختيار الميناء يعتمد على الموقع الجغرافي لكل منطقة داخل البلاد، مشددا على أن استخدام موانئ متعددة إلى جانب ميناء عصب يتماشى مع خطط البلاد لتوسيع خياراتها اللوجستية وتعزيز الانفتاح الاقتصادي على المدى البعيد.
التكامل الاقتصادي هو الحلوأكد الوزير أن بلاده ترى في التكامل الاقتصادي الإقليمي الطريق الأمثل لتعزيز التعاون والسلام المستدام مع إريتريا، معتبرا أن القواسم المشتركة بين الشعبين تمثل قاعدة صلبة لبناء مستقبل مزدهر للقرن الأفريقي.
واقترح تيموثاوس إنشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين، إلى جانب الاستثمار المشترك في مشاريع البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تأمين منفذ بحري آمن لإثيوبيا عبر ميناء عصب، مشددا على أن هذا النموذج قابل للتوسع ليشمل جميع دول المنطقة.
دعوة للحوار وبناء المستقبلوفي ختام كلمته، دعا الوزير الحكومة الإريترية إلى الانخراط في حوار بنّاء وتغليب منطق التعاون على الصراع، مشددا على أن العالم لا يحتمل 30 عاما أخرى من الفقر والفوضى والنزاعات.
وقال تيموثاوس "حان الوقت لأن نتحرر من أسر الماضي، وأن نصبح أسياد مستقبلنا عبر الحوار والتعاون".
فرص التعاون مع مصروفي رده على أسئلة الحضور، قال الوزير إن إثيوبيا تمرّ بمرحلة صعود لا يمكن إيقافها، مشيرا إلى أن إدراك هذا الواقع من قبل الأشقاء في مصر سيفتح المجال أمام فرص تعاون تحقق مصالح مشتركة.
وأكد أن الحكومة الإثيوبية لا تتأثر بالتصريحات الاستعراضية أو الخطابات الموجهة لإزعاجها، مشددا على تصميم بلاده على المضي قدما في سياساتها وتحقيق أهدافها الإستراتيجية دون تراجع.
دعم جهود السلام في السودانوفي ما يتعلق بالأزمة السودانية، أشار تيموثاوس إلى استمرار دعم الحكومة الإثيوبية لجهود إنهاء النزاع، من خلال وساطات هادئة بعيدا عن الأضواء، لتفادي تعقيد المشهد بتعدد المبادرات العلنية، بما يعزز فرص التوصل إلى حل سياسي مستدام.
وردا على سؤال مراسلة الجزيرة، أعرب الوزير عن حزن بلاده العميق لما يشهده السودان من صراع ومعاناة، مؤكدا أن الشعب الإثيوبي يتأثر بذلك بشكل مؤلم، وأن السودان كان في أوقات صعبة ملاذا آمنا للعديد من الإثيوبيين وبيتا ثانيا لهم.
وأضاف أن الحكومة الإثيوبية تدعم جميع الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الأعمال القتالية، وتسعى لتقديم كل ما يمكن لدعم المبادرات السلمية والمساهمة في إنهاء الصراع.
الحرب ليست خيارا حتمياواختتم تيموثاوس تصريحاته بالتأكيد على أن إثيوبيا لا تعتبر الحرب خيارا حتميا، مشددا على أن الإرادة السياسية والتعاون النزيه يمكن أن يفتحا آفاقا لحل التصعيد ومعالجة التوترات القائمة.
إعلانوأوضح أن الأوضاع الراهنة تنطوي على مخاطر جسيمة وغير قابلة للاستمرار على المدى الطويل، ما يستدعي تدخلا عاجلا وجهودا أكثر جدية لتفادي تفاقم الأزمات في المنطقة.