كم شخصية تمتلك؟!
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
الطليعة الشحرية
(1)
"هو شخص آخر، أصبح مختلفًا".
جملة تتكرر عند مُقابلة غائب أو مرور فجوة زمنية بين الشركاء في الحياة. تمر السنوات والتغير حال ليس من المحال؛ قد يرافق التغير الشكوى ذاتها من الاختلاف. شريكك في الحياة، في العمل، الصاحب المؤنس جميعهم قابل للتغير، الجميع يتحول إلى شخصٍ آخر.
التحول إلى شخصٍ آخر هو كالمرور في تثقب أسود ينتهي بك المآل أن تقف أمام شخص قد يعجبك أو لا يعجبك، وبشخصك الجديد قد لا تتفق مع شريكك في الحياة أو العمل فتتسع الفجوة.
ولكن كم شخصية تمتلك؟
(2)
من منَّا ثابت؟!
لا أحد ثابت الكل قابل للتغير أما بالطرق أو بالفرد فالأحداث التي يمر بها الإنسان تغيره شاء أم أبى، لن تجدي حالة التصلب والتجمد ورفض التغير؛ بل من الأفضل الإمساك بزمام الأمور وتحديد الوجهة والمرسى. واختيار الاستمرار في مشاركتك المسار مُتاح.
كل العلاقات الاجتماعية كالصداقة والجوار والزمالة قابلة للتغير؛ بل من المستحسن في الكثير من الأحيان تغير مُحيطك ومراجعة رصيد علاقاتك وفلترتها. أخطر رابط بين تلك العلاقات هي رابط الزواج فعدم تقبل أو مواكبة تغير أحد الأطراف يصنع فجوة في مساحات التغير التي لا تطوى إلا بانفصال. إذن فالتغير يؤدي إلى الاختلاف الذي بدوره قد يؤدي إلى الانفصال، فهل يجب مُقامة التغير؟ أعتقد أنه يجب أن ينتابك القلق إذا لاحظت أنك لا تتغير.
(3)
الليلة المُظلِمة
الترحيب بالأزمات واجب وإن خلفت الندوب، فهي بالتأكيد ستغير سلوك أو فعلك أو طريقة تفكيرك والأهم ستكشف أوجه باسمة ومسمومة ومدسوسة محيطة بك، بل قد يرتبط البعض بإحدى الشخصيات السّمية.
نحتاج إلى بعضٍ من الخسارة وبعضٍ من العداوة؛ تلك الأزمات والصدمات هي بمثابة جلسات إنعاش للروح. كيف لروحك أن تشفى إن لم تشق؛ الكل يحتاج إلى ليلة مظلمة ليتعلم كيف يُسافر بذاته ويرتقي بها. الصدمات تتبعها صحوات لعوالم خفية لم تبصر الحياة بعد.
فمن رأى حقيقته الداخلية؟ من يعلم أنه أصاب، ومن أخطأ؟ ومن تغير للأفضل أو الأسوأ؟
كبشر التقلب والمزاجية والتغير هي جزء من مراحلنا الإنسانية؛ فقد تجد الفرد ماجنًا في ساعات وعاكفًا في أخرى، كل ذلك يعتمد على كيفية التعامل مع ذاتك والأحداث المحيطة بها، وسرعة التعلم. فهناك من لا يتعلم من أول مرة فيكرر ذات الخطأ فيدخل في أنفاق الليالي المظلمة مرارًا وتكرارًا ليتعلم الدرس الذي لم يستوعب تعلمه عند أول أزمة.
(4)
حينما ننضج
اختَرْ ألّا يشهد أحدٌ على معاركك مع أزماتك، ولا تسمح لأحد أن يطبطب على قلبك غير يدك، وإن كنت تتمزق داخليًا. وبعد أن تنجلي الليلة المظلمة اسخر من جميع أوجاعك قبل أن يسخر الآخرون منها، وتعلم أن تكتم ما ترغب وقُل ما يكفي دون إطالة واعط كل شخص ما يستحق دون إفراط أو نقصان ولا تهتم لما قيل أو ما سيُقال.
ستشهد ثرثرات كثيرة مفادها "تغير، كُنْ شخصًا آخرَ"، ومع الوقت سترحل دون أن تنظر للخلف فالكثير من الأشياء التي تهمك بالأمس لم تعد تعنيك اليوم. ستنشغل بذاتك وتتجدد قناعاتك وفق ما يتطلبه الأمر وليس وفق رغباتك.
سيأتي وقت تتعامل فيه بعقلٍ كنت تخاله قاسياً، فقد كنت فيما مضى تغفر مرة ومرتين وأربع أما اليوم فأصبحت تتخلى الثالثة.
(5)
معادلة العلاقات
أول علاقة يجب أن نوليها اهتمامًا هي علاقتنا مع ذواتنا، وتقبُّلنا لأنفسنا غير الناضجة والكاملة والقابلة للتغير، وتلك أول خطوة في رحلة استكشاف الذات. الطريقة التي ننظر بها إلى ذواتنا تسقط تلقائيًا على علاقتنا بالآخرين، إن كنت ترى نفسك طيبًا سترى الجميع بذات النظرة، وإن كنت تنظر إلى ذاتك بقصور ونقص ستتحول إلى شخصٍ غيور يحسد الآخرين.
كل العلاقات وتأثيرها وإسقاطاتها المباشرة وغير المباشرة تجمعها المسافة؛ فالمسافة تشكل العلامة الفارقة في العلاقات. المسافة الجغرافية والمسافة الفكرية المسافة الروحية في فهم واقع التغير الضروري وإن كان قاسيًا.
رحلة الإنسان مع الذات تتطلب تغيرًا لينضج وليصنع منه نسخًا أجد هو من يحدد إن كانت أفضل أو أسوأ حسب المسار الذي سيسلك، وعليه فليتعلم فن إدارة علاقته مع ذاته ومع الآخرين..
والآن هل لك أن تسأل: كم شخصية تمتلك؟!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
في ذكرى ميلاده 22…مسارٌ حافل في تكوين شخصية ولي العهد بحجم رجل دولة
زنقة 20. الرباط / هيئة التحرير
أكمل ولي العهد الأمير مولاي الحسن، اليوم الخميس 8 ماي، عامه الثاني والعشرين.
فمنذ طفولته، كانت مشاركته في الأنشطة الرسمية متواصلة وإن بدت متحفظة، وكأن المؤسسة الملكية ربت فيه، بهدوء، الإحساس بثقل الزمن وبالاستمرارية الرصينة.
على عكس بعض الأسر الملكية عبر العالم، التي تُكثر من الظهور العلني لورثتها، اختار المغرب تكوين الأمير الشاب في كنف الهدوء، بعيداً عن الضجيج والبهرجة الإعلامية.
وُلد مولاي الحسن، الابن البكر للملك محمد السادس، يوم 8 ماي 2003 في الرباط. تلقى تعليمه في الكلية الملكية، ويتابع اليوم دراسته في مجال الحكامة والعلوم الاجتماعية بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية.
يجمع تكوينه بين الدراسة الأكاديمية والتربية المؤسسية: الاستماع، تمثيل الوطن برزانة، وفهم دقيق لرموز البروتوكول. إنها مدرسة إعداد وريث لعرشٍ ضارب في عمق التاريخ، وحاملٍ لآمال متجددة.
خلال السنوات الأخيرة، بدأ ظهور ولي العهد الأمير مولاي الحسن يتزايد في المهام الرسمية: حضر قمماً دولية، استقبل رؤساء دول، وترأس مراسم رسمية.
وقد أثارت بعض إطلالاته تفاعلاً خاصاً بسبب إيماءة لافتة: رفضه تقبيل يده، وهو ما اعتبره كثيرون دلالة على وعيٍ جديد بالأعراف، لا على التمرد. إشارة سبقه إليها جده الملك محمد الخامس.
تعكس شخصيته نوعاً من التحول في النظرة إلى السلطة الملكية: تراجع عن المظاهر الفخمة، وتقدم نحو القرب والبساطة. ليس في الأمر قطيعة مع التقاليد، بل انسجام هادئ معها. حضوره يعكس طابعاً طبيعياً، مشبعاً بأثر تربية والده الملك محمد السادس، وبخبرة تُبنى بصمت في مدرسة المسؤولية الهادئة.
وفي سياق يتزايد فيه دور المغرب إقليمياً ودولياً، لا يمكن اعتبار إعداد ولي العهد مجرد واجب بروتوكولي. بل هو استثمار في الاستقرار، وتأهيل مدروس لوريث يتمتع ببصيرة، ووعي بالتحديات، وقدرة على التفاعل بلغة العصر، انطلاقاً من عمق التاريخ.
في سن الثانية والعشرين، يتحدث مولاي الحسن بحضوره المتزن، الصامت حيناً، المعبر كثيراً. يمثل وجهاً هادئاً لمؤسسة تتطور، وترافق تحولات المغرب بروح شابة ومتمسكة بالجذور. شبابه وعدٌ يتبلور بهدوء، بلا استعجال ولا ضجيج.
وتحل اليوم الخميس الذكرى الثانية والعشرون لميلاد صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وهي مناسبة سعيدة تحتفل بها كل مكونات الشعب المغربي، لتجديد آصرة التلاحم المكين بين العرش العلوي المجيد والشعب، وتعبر من خلالها عن مشاطرة الأسرة الملكية الشريفة أفراحها ومسراتها.
وتعد هذه الذكرى فرصة يحيي فيها الشعب المغربي الفرحة التي عاشها يوم 8 ماي 2003، اليوم الذي أشرقت فيه جنبات القصر الملكي العامر بميلاد ولي العهد، الذي اختار له صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اسم مولاي الحسن، ويستحضر من خلالها الاحتفالات البهيجة التي أعقبت الإعلان عن ميلاد سموه.
وتعد مشاركة الشعب المغربي الأسرة الملكية احتفالها بهذا الحدث السعيد، عربونا على أواصر التلاحم والترابط التي ظلت على الدوام تجمع العرش بالشعب، وتأكيدا على تعلق هذا الأخير بقائد الأمة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أيده الله، ضامن وحدة البلاد وتماسكها واستقرارها وتطورها ونموها.
وقد جاء إطلاق اسم مولاي الحسن على ولي العهد، تعبيرا عن قيم ومبادئ الوفاء لملكين عظيمين في تاريخ البلاد هما السلطان مولاي الحسن الأول وجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، وتجسيدا لاستمرارية العرش العلوي واستقرار البلاد وتماسكها عبر التاريخ.
وينطوي تخليد ذكرى ميلاد ولي العهد على رمزية تاريخية وعاطفية بالغة الدلالة، فهو تعبير عن الاستمرارية، التي تطبع تاريخ الدولة العلوية الشريفة، التي حافظ ملوكها، طيلة أزيد من ثلاثة قرون، على القيم والمبادئ، التي تأسست من أجلها، ألا وهي الدفاع عن وحدة الوطن واستقلاله وصيانة مقدساته، التي يجسدها شعار المملكة “الله الوطن الملك”.