جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-16@11:59:33 GMT

سنيّ الضياع! (1-3)

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

سنيّ الضياع! (1-3)

 

حمد بن سالم العلوي

سنيّ الضياع تشمل العالم العربي كله وبأكمله، وإن كان بدرجات متفاوتة في الضرر، وهذه المقالة لن تستطيع أن تغطي سنيّ الضياع العربي، فحالة الضياع هذه تحتاج إلى مُجلّدات لشرحها كحالة عربية خاصة، فإذا بدأنا بأيام نكسة العرب في 1967م، وهو التاريخ المعاش لبعض الأحياء من العرب، وأنا أحدهم وإن كنت في سن الطفولة وقتذاك، وإنما الذي كان يتداول في السَّبْلة العُمانية بين الكبار، كان يتسلل إلى مسامع الأطفال، ويؤثر في نفسياتهم التي شحذت بالشجاعة والنصر.

والسؤال وقتذاك يقول؟ كيف يهزمنا الصهاينة أعداء الله ورسوله؟! لولا وجود خلل في عقيدة الناس الإيمانية، وقد رأينا بعد ذلك بسنوات قليلة، كيف تهللت أسارير الناس، على إثر بشرى النصر في حرب أكتوبر عام 1973م، وقد انتشينا نشوة لكننا صُدمنا بفجيعة زيارة الرئيس السادات لإسرائيل، والتي ضيَّع فيها نتائج النصر، بعد أن ظننا أن النصر آتٍ لا محالة، وخالفنا ما ذكره القرآن الكريم عن مجادلة اليهود في تنفيذ أمر ربانيّ قائم، وذلك عندما طلب منهم ذبح بقرة، ستعينهم على معرفة قاتل أحدهم، فنحن البشر ظننا أن السلام مع اليهود، يمكن أن يتحقق بالكلام والحوار.

ثم انتقلنا تدريجيا إلى مشاكل العرب التي رافقتهم عبر تلك السنين العجاف، وصولًا إلى حرب العراق وإيران، ومن ثم احتلال الكويت من قبل العراق، وبعد ذلك تأتي الحبكة في بوتقة واحدة كاملة متكاملة لهذه المشاكل، ألا وهي حرب أمريكا وبريطانيا المباشرة على العراق، وتلك الحرب مُخطط لها مُسبقًا، وذلك بمساعدة معظم العرب، الذين شاركوا في تدمير العراق، نكاية في الرئيس صدام حسين، وربما أعلن البعض اليوم عن ندمهم على ما فعلوا في العراق، ولكن هذا الندم لن يُعيد العراق إلى ما كان عليه قبل الغزو، وكذلك العراقيين الذين صفُّوا مع الأمريكان في تدمير العراق، وقد ظنوا أن العراق سيتحول الى جنة الفردوس على الأرض مع ذهاب صدام حسين، لكن الذي حدث بالضبط هو فشل ذريع للعراق وللدول العربية التي وقفت ضده، وتآمرت مع الغرب على تدميره، وإلى اليوم ظلت العراق في تخبّط، وفي تردٍ مستمر، بسبب ذلك التدمير الذي وعد به الأمريكان العراق؛ حيث قالوا إنهم سيعيدون العراق إلى القرون الوسطى، وهذا ما حصل بالفعل. لكن الشيء الثابت اليوم، أن العراق أصبح يفتقر إلى الأمن والأمان، ويفتقد العدالة والاطمئنان، فلا حياة كريمة للناس، وسيظل العراقيون في خوف وقلق، طالما ظل العراق لم يستعد عافيته.

فإذا عدنا بالنظر إلى الحرب التي كانت بين العراق وإيران، لوجدناها أنها كانت لخدمة الغرب، ونقول ذلك دون أية مواربة؛ فالغرب ربما شجع العراق بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة للهجوم على إيران، ونحن نعلم أن العراق هو من بدأ بالهجوم على إيران، مهما قيل من أقاويل من إيران هي التي هجمت على العراق، وأن العراق رد العدوان، فالعاقل يعرف أن دولة توها منتصرة على إمبراطورية من الإمبراطوريات العميلة للغرب، ومهتمة بتوطيد عرى الحكم في الداخل، لأنَّه يمثل أولوية قصوى لها، لن تشطح شطحة خطيرة بالحرب مع إحدى دول الجوار.

 وإذا كنت لها نوايا تجاه الجوار، سوف تؤجلها إلى فترة لاحقة، وإلى أن يستقر الأمر لها في الداخل، وإنما العراق هو من استغل الفترة الانتقالية بين زوال حكم الشاه، وبدء حكم الجمهورية الإسلامية في إيران، ظنًا منه أن حالة الضعف التي ستسببها الفترة الانتقالية في إيران، ستعطي الفرصة لانتصار العراقيين والغرب والعرب معًا على إيران، وأن النصر سيكون سهلًا للعراق، إلا أن الحرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران، وهذا دليل على أن الإيرانيين ما كانوا سيستسلمون بسهولة، ولو علم أولئك المتآمرون أن العقيدة الحربية الإيرانية، والتي تقوم على شيئين اثنين.. وهما؛ النصر أو الاستشهاد، لأحجم العراق على أقل تقدير عن دخول الحرب مع إيران، أما الغرب وأعوانه، فقد كانت النتائج مضمونة لهم بمجرد اشتعال الحرب.

والشيء الذي أريد ان أؤكد عليه، أن العراق أو سوريا أو لبنان أو ليبيا أو اليمن أو السودان، وهي الدول التي ما زالت تعيش مسرح عمليات الغرب على أراضيها، فهذه البلدان ستظل تئن تحت وطأة أضرار التدخل الغربي، وسوف لن تستعيد سيادتها واستقلالها، كما كانت قبل تدخل الغرب، إلا بعد سنوات عجاف طويلة، فكلما التأم جرح جددوا بخطط الغرب الخبيثة جراحاً كثيرة، والغرب كما هو معلوم ينشر ديمقراطيته الخاصة بالعرب- أي الديمقراطية الخاصة بالتصدير- لأن الديمقراطية الحقيقية ستظل خاصة بهم وحدهم، أما المُصدَّرَة فهي مجرّد شمّاعة للتدخل، ولأجل إخضاع الدول والأنظمة العربية للغرب، ولكي تظل هذه الدول الغربية، تمثل طوق النجاة (الكاذب) للعرب، وذلك بحيث تظل هذه الدول متشرذمة ومتفرقة، ولا تستطيع التفاهم مع بعضها البعض- إلا بإذنٍ- ولا يكون لها استقلال حقيقي خلال فترة الهيمنة الغربية عليها.

إذن؛ فإنَّ سنيّ الضياع التي يعيشها العرب اليوم، والتي تقوم على أن الغرب صادق فيما يقول، وينوي الخير للدول العربية، وأن كل التقسيم والتجزئة التي يقوم بها، هي في صالح العرب، لكي يشمل منصب الرئيس وكرسي الرئاسة ثلث السكان، فمن يموت من الملوك والرؤساء العرب، سيحمل معه على أقل تقدير منصب ملك أو رئيس سابق، فلا يهم إن كان مرحومًا أو ملعونًا، المهم أن اللقب سيرافقه إلى أن تقوم الساعة، إذن؛ هذا شيء فيه خير باللقب من الغرب للعرب.

ترى هل يتعمد العرب أن يُغمضوا عين الحقيقة عن التاريخ الغربي تجاههم، ألا يتذكرون فظائع سجن أبوغريب، وطائرات الهليكوبتر التي كانت تقصف المدنيين في العراق دون تمييز، أو فضائع معتقل جوانتانامو أقذر سجن في التاريخ الحديث، والغرب نفسه يقول؛ وعلى لسان الأمريكان، إن الأمريكان مهمتهم إدارة الأزمات.. وليس حلها، وإن الغرب ليسوا مثلنا أبدًا، فهم يمثلون العنصر الأكثر رقيًا وتقدمًا عن كل البشر.

وهي بالطبع نظرة دونية- ولا شك- ومع ذلك يظل العرب يستلطفون هذه النظرة، ولا يعطونها الاهتمام اللازم، فتظل أوروبا ومن قبلها أمريكا تدير الأزمات في بلاد العرب، وغيرها أيضًا مثل؛ روسيا، والصين، والهند، وباكستان، وأفغانستان، وكل دول العالم الثالث الذي لا ينطبق عليه مسمى أوروبي أو أمريكي شمالي، وحتى الدول التي خرجت من الاتحاد السوفييتي، هي مجرد دول وظيفية تابعة للغرب، ومرضيّ عنها طالما ظلت تطيع التعليمات، بحيث لا تحاول أن تستكفي بشيء من صنعها، ولا تدير نفسها بنفسها، وإنما تظل مُعلقة بيد الغرب، وذلك ليظل يحركها كما يحرك الآن أوكرانيا ضد روسيا، لكي تحارب نيابةً عنه، على أمل أن تتسبب بانهيار روسيا، أو تقسيمها، أو استنزافها في أبسط الأحوال. وسوف أتحدث في المقالات التالية عن قوة وضعف الأنظمة العربية، ثم عن طبوغرافية دول الخليج.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هل يسدد الذكاء الاصطناعي ديون الغرب؟

لا شك في أن الذكاء الاصطناعي يغير الاقتصاد العالمي بسرعة غير مسبوقة، ولكن هل ينقذ البلدان الغنية من ضغوط الديون المتزايدة الشدة، خاصة وأن الشيخوخة السكانية السريعة تزيد من الضغوط المفروضة على برامج الإعانات؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل يتسنى لهذه البلدان إدارة عجز أكبر بأمان، والاقتراض فعليا على حساب أجيال المستقبل الفائقة الثراء؟

لا ينبغي لأحد أن يراهن على ذلك.

من المؤكد أن التقييم المتفائل إلى حد كبير لتأثير الذكاء الاصطناعي المحتمل على النمو الاقتصادي تسبب في دفع أسواق الأصول إلى الارتفاع خلال السنوات القليلة الماضية. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على أسواق الأسهم المبتهجة التي تواصل ارتفاعها على الرغم من الشلل السياسي في فرنسا، والإغلاق الحكومي والهجوم الشامل على استقلالية البنك المركزي في الولايات المتحدة، وهجرة المواهب العالية المهارات من المملكة المتحدة.

برغم أنني أزعم منذ فترة طويلة أن الذكاء الاصطناعي سيحل في نهاية المطاف مشكلة النمو الضعيف في الاقتصادات المتقدمة، فإنني حذرت أيضا من عدد كبير من العقبات المحتملة التي قد تبطئ من وتيرة هذا التحول. تُـعَـد إمدادات الكهرباء بين العوامل المادية، والقانونية، والاقتصادية، والاجتماعية العديدة التي يجب وضعها في الحسبان؛ وكذا حقوق الملكية الفكرية؛ ونقص العمال المهرة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ والحاجة إلى وضع إطار عمل شامل يحكم كيفية تواصل روبوتات الدردشة وتبادل المعلومات، بما في ذلك نوع من آليات التسعير.

لقد استثمرت شركات الذكاء الاصطناعي مبالغ طائلة في سباق الهيمنة على السوق (في حال سماح الحكومات بذلك)، ويبدو أنها على استعداد لتحمل نزيف الأموال مقابل المستخدمين والمعلومات. ولكن في نهاية المطاف، وربما في المستقبل غير البعيد، ستحتاج هذه الشركات إلى تطوير مصادر الدخل، على الأرجح من خلال الإعلانات، مثل شركات التواصل الاجتماعي من قبلها.

برغم أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أشارت إلى المضي قدما بأقصى سرعة في تطوير الذكاء الاصطناعي، فإن المسائل المعقدة التي تنطوي على كيفية دمج الأحكام الأخلاقية في هذه النماذج ــ التي هي حاليا من اختصاص مجموعة صغيرة من المطورين ــ سوف يتولاها في نهاية المطاف الكونجرس الأمريكي والمحاكم، وكذلك السلطات في بلدان أخرى. ولكن من المرجح أن تأتي معظم المقاومة من مئات الملايين من العاملين الإداريين المُزاحين، الذين من المنتظر أن يصبحوا أحدث قضية سياسية، تماما كما هي حال عمال التصنيع اليوم وكما كانت حال عمال المزارع في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

الواقع أن كل من يعمل على جهاز حاسوب أصبح عُرضة لخطر الأتمتة (التشغيل الآلي). ومن قبيل الخيال المحض أن نتصور أن حفنة من الشركات من الممكن أن تحل محل جزء كبير من قوة العمل دون حدوث اضطرابات سياسية هائلة. وباستثناء بعض التحولات الاستبدادية الدراماتيكية، نستطيع أن نجزم بأن حدوث اضطرابات أمر شبه مضمون. وسوف يقدم هذا الأمر ذخيرة وافرة لأمثال زهران ممداني في العالم (ممداني اشتراكي يبلغ من العمر 33 عاما، وهو المرشح الأوفر حظا ليصبح عمدة مدينة نيويورك القادم في نوفمبر)، خاصة وأن الذكاء الاصطناعي يبدو أنه يقضي على وظائف العمال الأصغر سنا.

ثم هناك الحقيقة المزعجة التي تتمثل في وجود عدد كبير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتطورة في المجال العسكري، والذي قد يشعل شرارة سباق تسلح هائل بل وقد يؤدي إلى انتشار الحروب التي تخوضها جيوش من الطائرات المسيرة آليا وغيرها من أنظمة الأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. تضر الصدوع والنزاعات الجيوسياسية بالنمو في الأمد البعيد، ومن المرجح أن تستنزف عائدات الضرائب بقدر ما تعززها. وقد يعمل الذكاء الاصطناعي على تمكين دول أصغر حجما وجماعات إرهابية بمنحها إمكانية الوصول إلى كبار علماء الفيزياء والبيولوجيا بضغطة زر.

أخيرا، لا تعني عودة ترمب، وهو منكر غير نادم لتغير المناخ، إلى البيت الأبيض أن التهديدات التي يفرضها الانحباس الحراري الكوكبي اختفت. فمن المتوقع أن تسجل تكاليف تغير المناخ دون ضابط أو رابط ارتفاعا حادا على مدار العقود القادمة ــ ما لم يتمكن سادة الذكاء الاصطناعي الكبار من حل المشكلة (وإن كان من الممكن أن يخلصوا إلى أن الحل يستلزم وجود عدد أقل كثيرا من الناس).

من قبيل المبالغة والمغالاة أن نتصور أن وصول الذكاء الاصطناعي العام بعد فترة انتقالية طويلة ومؤلمة سيحل جميع مشاكل العالم الغني. فحتى لو أفضى وصول الذكاء الاصطناعي العام إلى زيادة قوية في النمو، فمن شبه المؤكد أنه سيؤدي إلى حصة أعلى كثيرا من رأس المال في الناتج، وحصة أقل للعمالة في المقابل. الواقع أن سوق الأسهم تزدهر على وجه التحديد لأن الشركات تتوقع تقلص تكاليف العمالة. وعلى هذا فمن غير الممكن فهم توقعات الأرباح المرتفعة المتضمنة في ارتفاع أسعار الأسهم الشديد على أنها تترجم إلى نمو إجمالي.

هذا يعيدنا إلى الديون الحكومية. لا يوجد سبب واحد يجعلنا نفترض أن النمو المدفوع بالذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى زيادة مكافئة في الإيرادات الضريبية الحكومية، حتى برغم أن هذا كان ليمثل افتراضا معقولا في الماضي. ذلك أن فرض ضرائب على رأس المال أصعب كثيرا في نهاية المطاف من فرضها على العمالة، ويرجع هذا جزئيا إلى أنه يميل إلى كونه أكثر تركزا وأشد قوة من الناحية السياسية، وجزئيا لأنه قادر على التحرك بحرية عبر الحدود.

بالطبع، من الممكن أن تعمل جدران التعريفة الجمركية المرتفعة على منع هروب رأس المال على هذا النحو، لكن أي استراتيجية من هذا القبيل ستكون في نهاية المطاف هازمة للذات. لذا، أجل، تحول الذكاء الاصطناعي قادم، وقد ساهم بالفعل في سباق تسلح جديد بين الولايات المتحدة والصين. ولكن من التهور أن نفترض أن الاقتصادات المتقدمة من الممكن أن تعتمد على الذكاء الاصطناعي لحل مشكلات الميزانية التي يعجز السياسيون من البشر عن حلها.

كينيث روجوف كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة هارفارد.

خدمة بروجيكت سنديكيت 

مقالات مشابهة

  • حوارات باسم يوسف تصل إلى الغرب.. كيف كانت ردود أفعال اليهود؟
  • دبلوماسي فرنسي سابق: مصر كانت في قلب الدبلوماسية التي قادت لاتفاق السلام في غزة
  • هل يسدد الذكاء الاصطناعي ديون الغرب؟
  • كاتب بريطاني: الفظائع التي سمح بها الغرب في غزة ستدق بابه قريبا
  • بعد إيران.. العراق تعلن عن تفشي فيروس شديد العدوى والصحة العالمية تحذر
  • ليلة العرب في تصفيات المونديال.. هذا سيناريو التأهل
  • لافروف: روسيا تزود إيران بالمعدات التي تحتاجها وتعاوننا العسكري معها ضمن القانون الدولي
  • النظرة الاستعمارية.. من جوهر السياسة إلى توماس براك؟
  • إيران تؤكد موقفها الحازم: اليورانيوم والصواريخ خطوط حمراء
  • "ترامب" في الكنيست: على إيران أن تحدد ما إذا كانت مستعدة للسلام