عملية “طوفان الأقصى” غيرت للأبد المعالم الجيوسياسية للشرق الأوسط، وكرست مقولة أن الحقوق تُنتزع ولا تُمنح.
و هكذا صار ما بعد السابع من أكتوبر 2023 لا يشبه ماسبقه بخصوص القضية الفلسطينية التي نسيها العالم و ترك الشعب الفلسطيني يواجه مصيره لوحده، تاركاً إسرائيل تحتقر مقررات مجلس الأمن و اتفاق الدولتين و تعيت في الأراضي الفلسطينية فساداً و غطرسة.
و جاءت عملية “طوفان الأقصى”، الغير مسبوقة منذ نشأة إسرائيل سنة 1948، لتشهد مرة أخرى اصطفاف الغرب وراء إسرائيل كرجل واحد و منددين بنبرة موحدة “بالوحشية التي طالت مواطنين إسرائيليين عزل”. هذا الغرب المتعود على إعطاء الدروس لكن الموغل في النفاق حتى أخمص قدميه، لم يسبق له أن حرك ساكناً أمام جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني كل يوم في حق مواطنين عُزّل لاحول ولا قوة لهم.
فقبل ثلاث أيام من “طوفان الأقصى”، قام جنود إسرائيليون بالإعتداء على فتاتين فلسطينيتين بخلع حجابيهما و تجريدهما من ثيابهما أمام مستوطنون فرحين يوثقون اللحظة بكامرات هواتفهم. هؤلاء المستوطنون المدججون بالأسلحة و المحميون من طرف عناصر الجيش الصهيوني، متعودون على زرع الرعب بين الفلسطينيين المدنيين. ينزعون منهم ممتلكاتهم ليسكنوها و يدمرون حقولهم الزراعية و إذا احتجوا يردونهم قتلى و يتركون جثثهم مرمية في الشوارع. حتى مجرد الصلاة بطمأنينة في أماكنهم المقدسة صارت تجر عليهم غضب و اعتداءات مستوطنين عطشى للدم. حتى الصحفيون ليسوا بمنآى عن هذه العنصرية المقيتة، فما إن يتضح أن الصحفي و طاقمه يتحدثون العربية حتى يتعرضون لتضييق عناصر الجيش و اعتداءات المستوطنين بما في ذلك الدفع و الشتم و البصق و رمي الميكروفون أرضاً.
هذه هي “الديموقراطية” التي يبكي عليها الغرب اليوم و يقول أن من واجبه أن يهب لدعم “الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. “ديموقراطية” تقنبل حشود العزاء و تدمر المستشفيات و تحطم المساجد على رؤوس المصلين…و تجعل من العقاب الجماعي وجبتها المفضلة! لهذا الغرب المنافق أقول أن إسرائيل لم تكن قط ديموقراطية لأن الديموقراطية جزء لا يتجزأ، الديموقراطية ليست حكراً على المواطن الإسرائيلي فقط، الديموقراطية ممارسة و عقيدة و كل لا يتجزأ. فالنظام الديموقراطي لا يجيز احتلال أراضي الغير ولا يُقنبل المدنيين ولا يسمح لمواطنيه بحمل السلاح للتنكيل بالآخرين . دولة تتصرف هكذا ليست إلا دولة مارقة.
و بهذا المشهد، ماذا يمكن الإنتظار من مواطنين مقموعين و منزوعي المِلكية و معرضون لكل أنواع الإعتداءات بشكل يومي؟ لهذا هناك أصوات، على قلتها، مازالت تذكر المجتمع الدولي أن إسرائيل عليها احترام التزاماتها و على رأسها حل الدولتين، أصوات يكاد لا يسمعها أحد للأسف.
في انتظار ذلك، لن يزيد “السيف الحديدي” الإسرائيلي إلا مزيداً من العنف و العنف المضاد و يرفع منسوب الإيمان بالإستشهاد لدى الفلسطينيين. واقع يبعدنا سنوات و سنوات لتحقيق السلام للجميع و سيكون على المواطنين الإسرائيليين أن يطبعوا مع الخوف و الإحساس بعدم الأمان، أما الفلسطينيون فتعودوا على ذلك و صار و جبتهم اليومية منذ سنوات، لدرجة أن من يغادر منزله صباحاً يودع أهله كأنه ذاهب من غير رجعة. و هكذا، بعد “طوفان الأقصى” و “السيف الحديدي” لن يكون هناك سلام و لن تقوم للأمن قائمة حتى الخلاص بميلاد دولة فلسطين الجديدة.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
كاتب بريطاني يتساءل: متى يقول الغرب للجرائم في غزة كفى؟
في وقت تشهد فيه غزة أفظع المجازر التي تُسجل في التاريخ الحديث، يطرح الكاتب البريطاني ماثيو باريس تساؤلًا محوريًا لماذا يغض العالم الطرف عن مآسي الفلسطينيين في قطاع غزة
وفي مقال له نشرته صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، تساءل باريس عن السبب وراء تجاهل العالم لما يحدث في غزة، مشيرًا إلى أن الحروب والمجازر في قطاع غزة أصبحت شبه غائبة عن عناوين الأخبار الدولية، رغم ما تواجهه مليونا فلسطيني من مخاطر المجاعة والهجمات الوحشية التي قد تكون على وشك التصعيد.
وقال باريس إن الحديث عن مأساة غزة تراجع بشكل كبير وسط انشغال العالم بقضايا أقل أهمية، مشيرًا إلى أن الصمت الدولي تجاه ما يحدث يعد تواطؤًا غير مباشر مع إسرائيل، التي يستمر الغرب في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لها.
وأشار باريس إلى أن إسرائيل، التي تعتبر حليفا رئيسيا للغرب، تقوم بإبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة، بينما يكتفي المجتمع الدولي بإصدار بيانات دبلوماسية غير فعالة، بينما تستمر إسرائيل في تنفيذ هجماتها وفرض الحصار. وذكر الكاتب أن الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا، تساهم في تمويل آلة الحرب الإسرائيلية من خلال صمتها ودعمها العسكري المستمر.
وتساءل باريس عن ما إذا كان الغرب سيكتفي بتجاهل هذه الفظائع كما فعل في حالات سابقة، وكيف ستنظر الأجيال القادمة إلى هذا الصمت؟ وقال إن التاريخ سيذكر في المستقبل أن الدول الغربية - التي طالما دعمت حقوق الإنسان - كانت غافلة أو متواطئة في جريمة الحرب التي كانت غزة مسرحًا لها.
وأضاف باريس أنه لا يبرر لاستمرار العنف ضد المدنيين الفلسطينيين، وأكد أن العنف الذي يواجهه الفلسطينيون في غزة قد يتسبب في تكريس النزاع بشكل أكبر، وأنه يتعين على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته بشكل أكبر.
وأفاد الكاتب بأن إسرائيل تستفيد في دعمها الغربي، ليس فقط من الدعم العسكري المادي، ولكن من الدعم المعنوي المتعلق بمشاعر الذنب التي يشعر بها الغرب بسبب المحرقة (الهولوكوست)، مما يجعل الغرب يتجاهل أفعال إسرائيل ضد الفلسطينيين.
وتساءل باريس في ختام مقاله عن السبب في صمت الحكومة البريطانية، وكذلك الأحزاب السياسية البريطانية المختلفة، في مواجهة هذه الكارثة، في وقت كان من المفترض أن تكون الحكومة البريطانية، بما تحمله من قيم أخلاقية، أكثر استجابة لهذه الفظائع.
وفي النهاية، دعا باريس إلى ضرورة اتخاذ موقف واضح وحاسم من قبل الدول الغربية تجاه ما يحدث في غزة، مشددًا على ضرورة أن يرتفع الصوت ويقول الجميع "كفى" لهذه المجازر.