غزّة… في غياب السياسة
تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT
آخر تحديث: 18 أكتوبر 2023 - 8:46 صبقلم:خيرالله خيرالله انطلاقا من غزّة، لحقت بإسرائيل هزيمة لا سابق لها منذ قامت قبل 75 عاما. سيساعدها في الانتقام من الهزيمة الطريقة التي نفذت بها “حماس” هجومها على المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في ما يسمّى غلاف غزّة. أفقد هذا الهجوم القضيّة الفلسطينية كلّ تعاطف دولي، خصوصا بسبب وحشيته التي لا توصف.
لن يمنع التهديد الإيراني بإشعال المنطقة الانتقام الإسرائيلي الذي لا يقل وحشية عن أفعال “حماس”. إذا وضعنا جانبا الكلام الإيراني الكبير والشعارات الفضفاضة، ستعمل إيران في المستقبل المنظور على هضم الانتصار الذي حقّقته عبر “حماس”، على حساب الشعب الفلسطيني، في انتظار خطوة أخرى تقدم عليها مستقبلا.في ظلّ المأساة التي يعيشها القطاع، وفي وقت لا همّ لدى إسرائيل سوى الانتقام، تدفع غزّة ثمن غياب السياسة. هناك غياب للسياسة على مستويات عدّة بدءا بالسياسة الإسرائيلية العمياء… وصولا إلى الغياب العربي، مرورا في طبيعة الحال بالاختراق الإيراني لـ”حماس” الذي يدلّ على الارتباط العضوي بين الإخوان المسلمين و”الجمهوريّة الإسلاميّة”. تجاهلت السياسة الإسرائيلية التي اتبعها بنيامين نتنياهو، واليمين الإسرائيلي عموما، واقعا لا مجال لتجاوزه. يتمثل هذا الواقع في استحالة تصفية القضيّة الفلسطينية من منطلق أن الشعب الفلسطيني غير موجود. الشعب الفلسطيني موجود أكثر من أيّ وقت. ثمة مستوى آخر للغياب السياسي، هو المستوى الفلسطيني نفسه. منذ وفاة ياسر عرفات في الحادي عشر من تشرين الثاني – نوفمبر من العام 2004، إلى استيلاء “حماس” على غزّة منتصف العام 2007، لا وجود لأيّ سياسة فلسطينية تجعل المجتمع الدولي، بمن في ذلك إسرائيل، يأخذ في الاعتبار السلطة الوطنيّة في رام الله. رفضت هذه السلطة التصرّف بطريقة تؤكّد أنها مسؤولة عن الشعب الفلسطيني في الضفّة الغربيّة وغزة وقبلت الأمر الواقع الذي فرضته “حماس” في القطاع بدءا بالقضاء على “فتح” عبر التنكيل بأعضائها بطريقة مشينة.إسرائيل حصدت في نهاية المطاف ما زرعته عندما حاربت “فتح” والسلطة الوطنيّة وغضّت الطرف عن نشاطات “حماس” التي لعبت منذ تسعينات القرن الماضي دورا، عبر عمليات انتحاريّة. استهدفت العمليات الانتحارية لـ”حماس” في معظم الأحيان مدنيين. فعلت ذلك من أجل الحؤول دون تحقيق أيّ تقدّم على صعيد عملية السلام. كانت إسرائيل تقف في كلّ وقت موقف المتفرّج وكان اليمين فيها الذي يمثله “بيبي” نتنياهو يشجع كلّ ما من شأنه نسف اتفاق أوسلو أو أيّ اتفاق آخر مكمّل له. اعتبرت إسرائيل نفسها المستفيد الأوّل من تكريس الانقسام بين الضفّة الغربيّة وغزة ابتداء من منتصف 2007. فعلت كلّ ما تستطيع من أجل فصل الضفّة عن القطاع وإيجاد كيانين فلسطينيين بدل كيان واحد. استثمرت إسرائيل في كلّ ما من شأنه تعميق الانقسام الفلسطيني فيما استثمرت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في “حماس” في ظلّ لامبالاة أميركيّة. كان الاستثمار الإيراني في محلّه كونه صبّ في تمكين اليمين الإسرائيلي من وضع يده على القرار الإسرائيلي، الرافض لأيّ سلام من جهة وحوّل “حماس”، من جهة أخرى، إلى المتحكم بقرار السلم والحرب الفلسطيني، على غرار تحكّم “حزب الله” بقرار السلم والحرب في لبنان.تبقى أخيرا المسؤولية العربيّة عن تجاهل ما يجري في غزّة التي كانت حتّى العام 1967 تحت السيادة المصريّة. كان هناك استخفاف عربي في أحداث غزّة التي امتلكت في مرحلة معيّنة مطارا دوليا خاصا بها. بعد بنائه، افتُتح المطار في 24 تشرين الثاني – نوفمبر في حضور الرئيس بيل كلينتون والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. بدا افتتاح المطار وقتذاك دليلاً على التقدم نحو قيام الدولة الفلسطينية التي لا مفرّ من قيامها يوما. في غياب “أبوعمّار”، لعب الإهمال دوره في إفلات غزّة من اليد العربية وفي بلوغ الوضع ما بلغه في أيامنا هذه. لم يعد السؤال ما الذي يمكن عمله دفاعا عن غزّة، بل السؤال هل هناك ما يمكن أن يحول دون تهجير أهلها تحقيقا لحلم إسرائيلي قديم ردده غير مسؤول إسرائيلي قبل الانسحاب منها في آب – أغسطس 2005. في مرحلة ما قبل الانسحاب كانت غزّة كابوسا. بقيت كابوسا بعد الانسحاب، خصوصا مع وضع “حماس” يدها على القطاع، وحتّى قبل ذلك، عندما راحت تطلق الصواريخ في اتجاه المستوطنات القريبة من غزّة. وفرت تلك الصواريخ فرصة لأرييل شارون، الذي اتخذت حكومته قرار الانسحاب من القطاع، ليقول “لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه”. لم يتحمّل العرب يوما مسؤولياتهم تجاه غزّة. لم يوجد من يقول لـ”حماس” إنّ تصرفاتها تخدم اليمين الإسرائيلي. الأكيد أن ما أقدمت عليه الحركة، التي هي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين، يخدم الذين نادوا دائما في إسرائيل بضرورة تصفية القضيّة الفلسطينية بدل البحث عن حلّ سياسي. مثل هذا الحلّ السياسي بات اليوم ضرورة أكثر من أيّ وقت. صحيح أنّ إسرائيل لا تستطيع سوى أن تنتقم، لكنّ الصحيح أيضا أنّ لا مفرّ من حل سياسي في نهاية المطاف، وهو الحلّ الذي يفترض في العرب الواعين البحث في الأسس التي يفترض أن يقوم عليها. كشفت حرب غزّة أهمّية غزة. كشفت لماذا اشترط ياسر عرفات في العام 1993 من أجل توقيع اتفاق أوسلو وجود صيغة “غزّة وأريحا أوّلا”. كان مصرّا على وجود رابط بين القطاع والضفّة. كان تدمير هذا الرابط هدفا من أهداف اليمين الإسرائيلي و”حماس” في آن وذلك في انتظار اليوم الذي تنقض فيه “حماس” على الضفّة.يقضي الواجب العربي باستعادة هذا الرابط من منطلق أنّ كل ما قامت به “حماس” منذ تأسيسها خدم مشروعا نادى به اليمين الإسرائيلي دائما وأبدا. كان، ولا يزال، مشروعا يقوم على تصفية القضيّة الفلسطينية عبر تجاهل شعب لا يمكن تجاوزه!
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الیمین الإسرائیلی الشعب الفلسطینی ة التی الضف ة
إقرأ أيضاً:
الشهادة التي تهدد بقلب كل شيء رأسا على عقب في إسرائيل
#سواليف
تحدث #ماتي_توشفيلد، الصحافي والمعلق السياسي الإسرائيلي البارز، عن شهادة نائب مفوض الشرطة المتقاعد تساحي حافكين أمام المحكمة في #قضايا #الفساد المتعلقة برئيس الوزراء بنيامين #نتنياهو.
وفي مقال نشره موقع “واللاه” العبري عن الشهادة التي “تُهدد بقلب كل شيء رأسا على عقب”، اعتبر ماتي توشفيلد أنه: “في أي دولة طبيعية، كانت الأمور التي تم الكشف عنها هذا الأسبوع في #المحكمة_المركزية بالقدس ستُحدث إعصارا سيطيح ويدمر كل شيء وكل شخص يقترب منه. ولن يترك أي متورط يقف في مكانه. الإقالات، الاستدعاء للتحقيق، وحتى الاعتقالات، ناهيك عن العناوين الرئيسية وفتح نشرات الأخبار في كل مكان – هكذا كان ينبغي أن يبدو الأسبوع حقا في ضوء الكشوفات التي قدمها نائب المفوض المتقاعد تساحي حافكين في شهادته أمام المحكمة في إطار ملفات نتنياهو”.
وحسب توشفيلد ، “تطلب الأمر شجاعة كبيرة من مسؤول الشرطة البارز في وحدة التحقيق 433 ليأتي إلى المحكمة ويقول ما قاله. ضد نفسه، كونه كان متورطا في تحقيقات بنيامين نتنياهو، وضد رؤسائه، وضد أصدقائه المقربين. كان يمكن لحافكين أن يظل تحت أمر حظر النشر الذي حمى الكشف عن اسمه حتى الآن. وحتى بعد موافقته على العمل كشاهد دفاع، كان يمكنه، كما فعل أسلافه – محققو الشرطة والضباط المسؤولون – التقليل من شأن الأحداث وتصغيرها. لكنه اختار غير ذلك”.
مقالات ذات صلة خطاب الجنون و خطاب العقل .. هل نحن في حالة ضياع كبير ؟ 2025/10/25وأكمل الصحافي الإسرائيلي المعروف: “بتفصيل وبكلمات بسيطة، وصف حافكين تسلسل الأحداث الجنائية التي ارتكبها محققو الشرطة المتورطون في ملفات نتنياهو. وروى كيف قام، في الوقت الفعلي، بالتوجه إلى زملائه وحذرهم من أن أفعالهم، ربما بسبب الحماس المفرط الذي أظهروه، قد توقعهم في مشاكل – لأنها غير صحيحة. لكن أيا منهم لم يستمع إليه، واستمرت الأفعال نفسها. وبعد أن اضطر للتوجه إلى رؤسائه، اكتشف أنه لم يكن هناك أيضا من يهتم. ولكم ازداد ذهوله عندما تلقت المستويات المسؤولة عن تحقيقات الشرطة، أي “ماحاش” (النيابة العامة لمكافحة فساد الشرطة)، كبحا كبيرا ووقحا من جانب رؤسائهم، أي النيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة، بعدم التحقيق في الأمر”.
ووفقا للمعلق السياسي البارز، فمن شهادة حافكين “يتضح أنه تم ارتكاب تجاوزات غير مقبولة في التحقيق منذ البداية، عندما قرر المحققون، وهو من بينهم، من تلقاء أنفسهم أن المستشار القضائي للحكومة أفيخاي ماندلبليت منح تفويضا محدودا للغاية للتحقيق في التفاصيل التي تم تجميعها في النهاية في الملف 1000، ولذلك قاموا بتوسيع التحقيق، دون إذن، ليشمل العديد من الأمور الإضافية”. وواصل حافكين تفصيل المخالفات، على حد قوله، التي ارتكبت خلال التحقيقات، ضد نتنياهو وضد مستجوبين آخرين. على سبيل المثال، اعترف لأول مرة بأن امرأة مرتبطة بنير حيفيتس (مساعد سابق لنتنياهو تم اعتقاله وأصبح شاهد دولة) تم إحضارها للاعتقال بهدف إخراج حيفيتس من توازنه عندما يراها. لم تأتِ تلك المرأة بملء إرادتها، بل اعتُقلت. ووفقا لشهادة حافكين، فإن هذا يعتبر اعتقالا كاذبا بكل معنى الكلمة – لم يكن هناك أي شيء أو نصف شيء للتحقيق معها بشأنه، ولم تكن مشتبها بها في أي شيء”.
كما شهد حافكين بأنه هو وزملاؤه “عدلوا” محاضر التحقيق، وأدخلوا وحذفوا كلمات لمستجوبين مختلفين لتعزيز الملفات. وهي أفعال ترقى إلى مستوى التزوير والأفعال الجنائية الصريحة. وكشف أيضا أن المحققين كانوا يعلمون في الوقت الفعلي أن اجتماع التوجيه بين نتنياهو ومومو فيلبر ( مسؤول حكومي إسرائيلي سابق شغل مناصب رفيعة قبل أن يصبح شاهد دولة رئيسيا في قضية فساد ضد نتنياهو) – وهو الاجتماع الذي يمثل جوهر الملف 4000 – لم يحدث على الإطلاق، لكنهم تعاونوا مع إدراجه في لائحة الاتهام من قبل النيابة وبموافقة المستشار القضائي للحكومة آنذاك.
لكن الأفعال المفصلة للمحققين وقادة الوحدة وكبار ضباط الشرطة بشكل عام ليست سوى النصف الأول من القصة. النصف الثاني يتحدث عن “ماحاش”، الخاضعة للنيابة العامة. أغلقت “ماحاش” الواحدة تلو الأخرى جميع الشكاوى والشهادات التي قُدمت إليها. وحتى عندما طلب محقق نيابة عنها فحص الأمور، مثل موشيه سعاده – عضو الكنيست الحالي في الليكود – لم يحصل على إذن بذلك من رئيس “ماحاش”، وتم حفظ الشكاوى دون أي فحص.
وكما ذُكر، كان يكفي الكشف عن هذه الأمور لتبدأ موجة اعتقالات وتحقيقات ضد المتورطين بمجرد الانتهاء من سماع الشهادة. لكن، وفقا للمقال، هذا يحدث في مكان طبيعي، وهو ما لا يمكن قوله في هذه الحالة. إن الحماس الذي أظهره نظام إنفاذ القانون ضد نتنياهو آنذاك هو بالضبط نفس الحماس الذي يظهره نظام إنفاذ القانون اليوم. ولهذا السبب كان يمكن لأفيخاي ماندلبليت وشاي نيتسان ورئيس “ماحاش” آنذاك وقادة وحدة “لاهاف 433” ومحققي الملفات أن يواصلوا النوم بهدوء. لن يتم التحقيق مع أحد، ولن يأمر أحد بإجراء فحص. سيتجاهل معظم وسائل الإعلام الأمر. وسيستمر العالم في طريقه المعتاد.
وورد غب المقال أن قضية العفو تشغل نتنياهو بشكل كبير. لا يوجد شيء يرغب فيه أكثر من التخلص من هذا الإزعاج الذي يشغل باله لأيام طويلة، بشهادة لا تنتهي، تستهلك وقته وتُهين مكانته. رئيس الوزراء يؤمن إيمانا كاملا بأنه لم يرتكب أي خطأ، وخاصة خطأ جنائيا، في أفعاله – لا في الملف 1000، ولا في الملف 2000، وبالتأكيد لا في الملف 4000، وهو الأخطر بينها، والذي قال فيه القضاة كلمتهم أصلا.
القضية 4000 (ملف بيزك/واللا): التهمة الأخطر: الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. يُتهم نتنياهو بمنح مزايا تنظيمية ضخمة لشركة الاتصالات الإسرائيلية “بيزك” (Bezeq)، مقابل حصوله هو وزوجته سارة على تغطية إيجابية ومحاباة على موقع “واللا” (Walla) الإخباري الذي كان يملكه رئيس الشركة السابق.
القضية 1000 (ملف الهدايا/الرشوة): التهمة: الاحتيال وخيانة الأمانة. يُتهم نتنياهو وزوجته بتلقي هدايا ثمينة ومستمرة بشكل غير قانوني، بما في ذلك السيغار الفاخر والشمبانيا والمجوهرات، بقيمة مئات الآلاف من الدولارات من رجال أعمال أثرياء (مثل المنتج الهوليوودي أرنون ميلشان والملياردير جيمس باكر)، مقابل تقديم خدمات أو تسهيلات لهم.
القضية 2000 (ملف يديعوت أحرونوت): التهمة: الاحتيال وخيانة الأمانة. يُتهم نتنياهو بالتفاوض على صفقة مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أرنون موزيس، تقضي بتقديم تغطية إيجابية لنتنياهو في الصحيفة مقابل سن تشريع لإضعاف صحيفة “إسرائيل اليوم” المنافسة.
وليس لديه أدنى شك في أن “الدوافع وراء تحقيقاته ومحاكمته هي دوافع سياسية واضطهاد من قبل النظام، بدعم من وسائل الإعلام ضده، وليس أكثر”. إنه يعلم أنهم “لا يبحثون عن العدالة بل عن رأسه – والدليل: لو كان مستعدا للتوقيع على الانسحاب من منصب رئيس الوزراء، لكان الجميع، دون استثناء، سيوقعون، دون تفكير لثانية، على إلغاء جميع التهم بالكامل”.
من هذا المنطلق، يمكن أن يكون العفو مناسبا له تماما. ستختفي المحاكمة، بينما يستمر هو في منصبه. لهذا السبب لم يستطع نتنياهو إخفاء ارتياحه عندما طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتصوغ العفو عنه، مقللا من شأن جميع التهم ضده وملخصا إياها باستخدام المصطلح العامي الأمريكي: “من يهتم” (Who cares). ولذلك شعر نتنياهو بالسرور، وشجع وزراء الليكود من وراء الكواليس الذين وقعوا على طلب مماثل.
لكن هناك عقبة. في إجراءات العفو، هناك عقبة واحدة يرفض نتنياهو تجاوزها: الطلب. بموجب القانون، لا يمكن لأحد سوى صاحب الشأن نفسه أو قريب له من الدرجة الأولى أن يطلب العفو من الرئيس لإحالة الموضوع للمناقشة في القسم المختص في مكتب الرئيس وفي قمة وزارة العدل. ليس في مكتب الوزير، بل في القسم الآخر من الوزارة، التابع للمستشارة القضائية للحكومة والنائب العام للدولة.
لسنوات، ادعى نتنياهو أنه سيخرج بريئا من المحاكمة، ووفقا لسير الأمور، هناك احتمال جيد لحدوث ذلك في غضون سنوات قليلة – في حين أن طلب العفو سيعكس بالضبط الرسالة المعاكسة. رسالة الخوف من سلطة القانون. رسالة تصرف من هو متأكد من ذنبه. رسالة من هو متأكد من أنه لا يملك فرصة قانونية، ولذلك يلجأ إلى حل التفافي، من المفترض أن يأخذ في الاعتبار ليس المسألة القانونية البحتة، بل حقوقه الأخرى والظروف الخاصة للمتقدم بالطلب. نتنياهو غير مستعد لذلك. لو كان سيعتزل الحياة السياسية، لكان الأمر مقبولا. لكنه ليس كذلك.
كما ان الأجواء المتفائلة التي أحاطت بنتنياهو ومحيطه حتى الأسبوع الماضي تحولت هذا الأسبوع بسرعة إلى تشاؤم، على حافة القلق. كان رئيس الوزراء متأكدا من أنه سيفتتح الدورة الشتوية باعتباره الفائز الأكبر في الموسم. الشخص الذي أعاد الأسرى من غزة، وشدد رباط العلاقة مع الولايات المتحدة كما لم يحدث من قبل، ومع أفق اتفاقيات سلام وسط تهديد دائم لحماس في القطاع وحزب الله في الشمال وإيران في الشرق، دون أيادٍ مقيدة وبدعم أمريكي ساحق، حسب المقال.
كل هذا كان من المفترض، في رأيه، أن يُترجم إلى استقرار سياسي، والنجاح في عبور الدورة الشتوية، وتمرير قانون التجنيد والميزانية، واقتراب حقيقي من إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها. لكن الخطة صمدت لدقائق قليلة. دخل نتنياهو كمنتصر. شاهد بمتعة مشاحنات زملائه مع المعارضة ورئيس المحكمة العليا، وفي الخلفية إعلان رئيس لجنة الخارجية والأمن بوعاز بيسموت عن صياغة مقبولة، قابلة للمرور سياسيا، لقانون التجنيد، وإعلانه هو عن أنه سيمرر ميزانية دولة إضافية خلال الدورة، مما يضمن عدم سقوط الحكومة في مارس كما ينص القانون.
كما ذُكر، لم تدم حالة النشوة سوى ساعات قليلة. خلال اليوم نفسه، أعلن بيسموت أن الصياغة أُحيلت إلى المستشارة القانونية للجنة، وإلى أن يُسمع رأيها – لن تُعقد المناقشات المقررة الأسبوع المقبل. في محادثة مع بيسموت، أدرك نتنياهو أن الفترة الزمنية المقدرة حاليا لا تقل عن شهر.
في اليوم نفسه، أعلنت الجماعات الحريدية المتشددة أنها ستواصل مقاطعة الائتلاف التي بدأتها في الدورة السابقة، وكأن شيئا لم يحدث. وكأن إقالة يولي إدلشتاين ومسودة القانون المقبولة لديهم التي قُدمت، لم تحدث. غضب نتنياهو بشدة، لكن قادة الفصائل الحريدية لم يتزحزحوا عن موقفهم. ثم جاء يوم الأربعاء. اضطر الائتلاف إلى سحب جميع القوانين الائتلافية لعدم وجود أغلبية، بل وخسر بفشل ذريع ومدوّ، عندما وافق الكنيست بأغلبية ضئيلة على مشاريع قوانين فرض السيادة في الضفة الغربية المقدمة من عضو الكنيست آفي ماعوز، وفي معاليه أدوميم – المقدمة من عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان.
أُحرج نتنياهو مرتين: من الخسارة في التصويت بحد ذاتها وعدم السيطرة الذي أظهره، وأيضا من محتوى القانون نفسه، الذي يدعمه جميع ناخبي اليمين، بما في ذلك حزب “الليكود”. فيما كانت جميع تفسيرات رجال نتنياهو بأن هذا القانون إعلاني وعديم الأهمية الحقيقية، وأن الحل الحقيقي في الضفة الغربية هو البناء على نطاق واسع، وهو ما تروج له الحكومة الحالية بالفعل أكثر من أي حكومة سابقة في العقود الأخيرة، هي تفسيرات واهية، إن لم تكن بعيدة عن الواقع.
وفي محادثات مغلقة هذا الأسبوع، أعرب نتنياهو عن إحباط كبير من أداء شركائه – من الجماعات الحريدية إلى الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين انتهكوا الانضباط الائتلافي، بينما يُسمع تهديد الانتخابات بوضوح. لم يقرر نتنياهو بعد أن كل شيء قد انتهى وأن مصير الكنيست هو الحل، ولكن إذا لم يتحسن الوضع في غضون أسابيع قليلة، فإنه سيفضل الشروع في خطوة بنفسه بدلا من التعرض للإحراج أسبوعا بعد أسبوع في الهيئة العامة.
برأي ماتي توشفيلد، “إلى جانب العصا، يحمل نتنياهو أيضاً جزرة كبيرة: إذا تم تمرير قانون التجنيد ونجح الائتلاف في تجاوز المقاطعة الحريدية بحلول ذلك الوقت، كما يقول نتنياهو، فإن الخطط التي يمكن للحكومة المضي فيها حتى الانتخابات ستكون ضخمة. بدءا من اتفاقيات سلام جديدة، مرورا بإكمال العمل في غزة، بما في ذلك تفكيك حماس ونزع السلاح بالكامل من القطاع، والسيطرة الكاملة على الجهات التي من المفترض أن تحكم القطاع في اليوم التالي، وتحديد وتيرة وطريقة انسحاب الجيش الإسرائيلي إن ومتى حدث ذلك”.
ويقدر نتنياهو أنه إذا تم تمرير قانون التجنيد، يمكن تمرير الميزانية بسهولة، وتقديم “بشرى اقتصادية” مهمة للجمهور، ستُلمس نتائجها حتى قبل الانتخابات. بدءا من إعلانات عن مزايا كبيرة للجمهور، ولأفراد الاحتياط، مرورا برفع التصنيف الائتماني للشركات الرائدة درجتين، وحتى إنشاء حاسوب عملاق (Supercomputer) آخر، بتكلفة مئات الملايين من الشواكل، على الأرجح في المنطقة الجنوبية – مما سيضمن استثمارات هائلة وبشرى توظيف مهمة للمنطقة. يوجد في العالم بضع مئات فقط من هذه الحواسيب، وعدد قليل منها فقط يمتلك قدرات الحاسوب العملاق المخطط له، والذي بدأت المناقشات الأولية لإنشائه بالفعل، بما في ذلك مناقشة حول الموضوع هذا الأسبوع في الكنيست. وفقا للخطة، سيكون هذا هو “الحاسوب الأكثر تقدما في العالم” من حيث قدرات الذكاء الاصطناعي (AI) التي سيتمتع بها، وستكون كمية البنية التحتية والطاقة اللازمة لإنشائه بحجم مدينة صغيرة سيتم بناؤها تحت الأرض.
ولكن قبل أن تبدأ الجرافات في مهمة حفر المدينة، سيتعين على نتنياهو بناء وإعادة تأهيل مكتبه، الذي يظهر علامات تفكك متقدمة منذ بعض الوقت: المستشار الكبير يوناتان أوريتش ممنوع من الحضور للعمل بسبب وضعه القانوني، ومنصب رئيس جهاز الإعلام لم يُشغل منذ سنوات، ورئيس الأركان عُين سفيرا في لندن، والمستشار السياسي عُين هذا الأسبوع مديرا عاما لليكود. وينضم أيضا وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي سيغادر قريبا، إلى باقي المغادرين – أي المُغادرين قسرا.
ويشمل ذلك أيضا مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، الذي اتسعت الفجوة بينه وبين نتنياهو في الأشهر الأخيرة حتى وصلت إلى نقطة اللاعودة. من غير الواضح ما إذا كان السبب هو تحقيق الشرطة أو أزمة شخصية أخرى، لكن هنغبي بدأ مؤخرا يسير في مسار كانت نهايته معروفة له مسبقا، حتى تلقى إشعارا بإنهاء عمله فورا.
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي تصريحات نُسبت إليه في محادثات مغلقة حول “الدعم المطلق لصفقة استسلام لحماس من أجل إطلاق سراح الرهائن”، بما في ذلك منع التوغل العسكري في غزة، بنصوص تذكر نصوص المتظاهرين في “كابلان” ورجال المعارضة. ليس لدى نتنياهو مشكلة في أن يقول هنغبي ما يفكر فيه في المنتديات المغلقة، فهذا هو الغرض منها، لكنه أعرب عن غضب شديد بشأن التسريب الذي يتهم فيه هنغبي نفسه. إن هنغبي، السياسي المخضرم والمتمرس في المعارك، يعرف جيدا “نفسية العميل” – في هذه الحالة، رئيسه – ومع ذلك اختار السير في الطريق الذي اختاره.