المناعة الثقافية والهمة الوطنية
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
تعد «المناعة الثقافية» كجهاز المناعة فى جسم الإنسان، فهى تحمى المجتمع وتحقق له الأمان وتدفع عنه أذى أى أضرار قد تنال من قدر ومكانة ودور البناء الفكرى والأخلاقى، ولعل من علامات ضعف المناعة الثقافية أمرين:
أولاً: كلما ذابت ثقافة شعب فى ثقافات أخرى وخصوصاً المنافسة دل هذا على ضعف أو انعدام المناعة الثقافية.
ثانياً: إذا ابتعد الناس عن المنهج الفكرى أو تعاملوا معه على أنه من المسلمات أو حدث الفهم الخاطئ للفكرة المأمول تبنيها والذى يعطل جوهرها، هنا تتولد فرصة لدخول أفكار خارجية معوقة أو ملوثة..
فى المقابل هناك عوامل تشكل أسس المناعة الثقافية الحضارية القوية لعل أهمها:
الذهاب لتبنى وضع مشروع ثقافى، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد طالب بضرورة وضع ملامح وأسس ثورة ثقافية وإنشاء مسارات متجددة لتطوير الخطاب الثقافى والإعلامى والدينى، حيث الانحياز لفكر تنويرى وإصلاحى ونقدى كأسس لذلك المشروع من شأنه دعم المناعة الثقافية..
لابد أن تصل أهداف وأفكار وملامح المشروع بوضوح لمواطنينا والاطمئنان لإدراكهم شرح أفكاره بكل وضوح لعامة الناس، حيث لابد أن يكون الناس عارفين ومدركين أبعاد بنيان عمليات التجديد الثقافى وأهدافها..
يجب أن تتماهى قناعات مواطنينا بالمشاركة الوطنية والإيجابية فى تفعيل مشاريع التجديد وصياغتها، فمن دون الإيمان والعمل بالفكرة، فإنها سوف تندثر وتنسى أو تظل فى دائرة النخبة فقط..
قبل أن أغلق صفحة الفسبوك فى نهاية تعاملى معها بالأمس، لفت انتباهى وجود صورة ملونة لخمس تفاحات على صفحة صديق فسبوكى شاب كــ«بوست» وكتب تحتها «خمس تفاحات غيرت التاريخ.. الأولى أكلها آدم فأخرجته من الجنة.. الثانية وقعت على رأس نيوتن فكان اكتشاف ظاهرة الجاذبية الأرضية.. الثالثة اتخذها «ستيف جوبر» شعاراً لأكبر شركة حاسبات (آبل) التى غزت العالم كله بمنتجاتها الشهيرة الناجحة.. أما الرابعة والخامسة فكانت من نصيب العرب واللى عملوا منهم معسل (أبوتفاحتين)..».. إنجاز!!
البوست، ومثله المئات من تلك النوعية التى تنتزع ضحكات أولادنا وآهات التفاعل التى تترجمها «لايكات» و«تشييرات» لمزيد من النشر المثير بلغة وتعريفات التفاعل الإيجابى الفسبوكى الحالية، وهى الخطيرة فى مردوداتها السلبية فى نشر مشاعر الإحباط واليأس وتراجع ثقافة العمل والنيل من الهمة الوطنية..
وهنا، علينا تفعيل ثقافة المواجهة التفاعلية والتعامل السلس البناء، أو ما يطلق عليها مقومات «المناعة الثقافية» الكفيلة بالتعامل مع المعطيات الجديدة والقادرة على أداء عمليات الفرز الإيجابية ورفع قدر تلك المناعة على المستوى الجمعى..
أخيراً، ينبغى إدراك أننا أمام مجموعة من التحديات فى مواجهة دنيا وعالم متعدد المفاهيم القيمية والعلمية، وعلينا الانفتاح الموضوعى ورفع شعار «نعم نستطيع»، دون الارتكان لحالة تيبس مفاصل الحركة بدعوى الحفاظ على الهوية والتراث والقيم والأصول، فالدول التى تمتلك «المناعة الثقافية والفكرية» قادرة على صناعة التقدم والقدرة على التنافس بمفاهيم عصرية وهمة وطنية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رؤية المناعة الثقافية الرئيس عبدالفتاح السيسي المناعة الثقافیة
إقرأ أيضاً:
«رؤية عُمان 2040» ... الهوية الثقافية والإبداعية
كانت الأيام التي قضيتها فـي عُمان جميلة، وهو البلد الذي يحظى بزياراتي المتعددة خلال العام الواحد؛ لما له ولأهله من مكانة كبيرة بدأت منذ أول زيارة عام 2014 كناشر، فتحولت إلى علاقة حميمة وجدانية مع الأصدقاء والأهل، لتتوج فـي حصولي على درجة الدكتوراة من أهم جامعاتها، جامعة السلطان قابوس العريقة والمتقدمة أكاديميا عبر تصنيفات عربية وعالمية. فكانت زيارتي مؤخرا استكمالا لهذه المحبة، وستستمر بإذن الله، حيث قدمت حلقة عمل ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب تحت عنوان «تجويد كتابة القصة القصيرة» بدعوة من اللجنة الثقافـية للمعرض حيث الحفاوة والضيافة والتنسيق والاهتمام الذي برهن على القدرة العالية والنشطة والاحترافـية للقائمين على الأنشطة والمعرض، بما يمكنهم من إقامة فعاليات ثقافـية عالمية على مدار العام. وهذا يؤكد على تحوّل الفعل الثقافـي باعتماد الثقافة موردا رئيسا فـي تنمية الإنسان فـي سلطنة عمان، وإذ تؤكد «رؤية عمان 2040» على بناء مجتمعٍ يفخر بهويته وثقافته ويعمل على صون تراثه وتعزيزه فمن أهداف الرؤية دعم المعرفة والإبداع فـي المجتمع وتعزيز الاستثمار المستدام فـي التراث والثقافة والفنون كركائز للتنمية الاقتصادية الوطنية، حيث ترتبط هذه الأهداف بتعميق الوعي بالهوية الوطنية والإرث الحضاري فـي المناهج ووسائل الإعلام؛ إذ تهدف إلى تكوين مجتمع مبدع قادر على استثمار معارفه وثقافته فـي دفع التنمية.
ففـي قطاع الفنون والآداب، تشمل توجهات الرؤية دعم القطاع الثقافـي والإبداعي عبر رعاية الفنون والإعلام والثقافة. وفـي إطار الاستراتيجية الوطنية للثقافة، أُطلق مشروع «المختبرات الثقافـية العمانية» فـي فترة المعرض- الذي يهدف إلى تقديم موروث سلطنة عمان الزاخر بالطاقات الوطنية عبر معارض وبحوث ومنتديات، ويسعى إلى تعزيز الهوية العمانية عالميا من خلال التعاون بين المؤسسات الحكومية والخاصة. كما تتضمن المبادرات إنشاء مرافق فنية جديدة؛ فمثلا تم الإعلان عن مشاريع مثل «مدينة الأفلام» لدعم صناعة السينما المحلية و«متنزه إبداع» لعرض المنتجات الثقافـية العمانية. وتستهدف هذه المشاريع جذب المواهب الشابة والمستثمرين فـي مجالات الأدب والفنون عبر توفـير بنية أساسية متخصصة ومعارض دورية وفرص للشراكة الدولية، بما يعزز الشراكة الثقافـية بين الجميع، وانحسار مساحة الجزر الثقافـية.
وفـي قطاع التراث، تضع الرؤية الحفاظ على التراث الثقافـي المادي وغير المادي نصب عينيها من خلال تبنّي سياسات صون وترميم للمعالم التاريخية. فقد ركزت على ضرورة الحفاظ على الهوية العمانية من خلال ترميم القلاع والحصون وتحويلها إلى مواقع ثقافـية وسياحية جذابة. وضمن خطة التنمية السياحية والثقافـية، تم طرح الفرص الاستثمارية لإحياء هذه المواقع وتحويلها إلى مراكز ثقافـية تخدم المجتمع والزوار؛ انسجاما مع التوجهات الوطنية لصون التراث العماني المتعدد على امتداد رقعة السلطنة وتعزيزه دوليا. بالإضافة إلى ذلك، تدعم الحكومة إنشاء متاحف ومدارس للفنون والحرف التقليدية، وإقامة مهرجانات أدبية وفنية لتعزيز التعبير الثقافـي وإثراء المشهد الثقافـي العماني.
وفـيما تعلق بالصناعات الإبداعية، اعتُبرت هذه الصناعات من القطاعات المحورية فـي تنويع الاقتصاد. إذ أطلقت الحكومة برنامجًا وطنيًّا لتطوير هذه الصناعات (تحت مظلة برنامج «نَزْدَهِر» للاستثمار والتصدير) شمل وضع خريطة طريق واستراتيجيات لتعزيز هذا القطاع، وقد أعلنت وزارة التجارة والصناعة عن استشارة عالمية لصياغة استراتيجية قطاع الصناعات الثقافـية والإبداعية وضوابطه الاستثمارية، بهدف جذب الاستثمارات إلى هذا القطاع الجديد، كما نظّمت حلقة عمل وطنية بالشراكة بين وزارة الثقافة والرياضة والشباب وهيئات الاستثمار لتحديد الفرص والقدرات الرئيسية، ما أثمر إطلاق مشاريع كبرى (مثلا: «مدينة أفلام» و«إبداع بارك» وغيرها)، وفرص استثمارية جديدة فـي مختلف أنحاء سلطنة عمان، وتعتمد هذه البرامج على تعزيز شراكات مثمرة بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الثقافـية لتحفـيز الإبداع وتشغيل الطاقات الوطنية فـي الإنتاج الفني والأدبي.
وبتكامل هذه الخطوات، تبرز «رؤية عُمان 2040» كداعمٍ قوي للثقافة والإبداع، من خلال تحقيق مجموعة من المبادرات القطاعية التي تحفز الفنون والآداب، تحمي التراث، وتطلق العنان للصناعات الإبداعية كمحرك مهم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا تنحصر بفعاليات عام معين أو دورة أو خطة سنوية، وإنما هي مسيرة مكملة، ستحقق ريادتها فـي المنطقة على مختلف القطاعات الثقافـية، العلمية والرياضة.
المصادر:
بيانات رسمية عن «رؤية عُمان 2040»،
وبيانات وزارة الثقافة والرياضة والشباب ووسائل الإعلام العمانية حول مبادرات القطاع الثقافـي.
د.فهد الهندال كاتب وناشر وناقد كويتي