جنيف - صفا

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن مناطق مدينة غزة وشمالي القطاع تواجه مأساة مروعة ناتجة عن الشح الكارثي في مصادر المياه الصالحة للشرب بفعل منع الاحتلال الإسرائيلي وصولها، وهو ما يمثل حكمًا بالإعدام الفعلي، وجريمة حرب، بالإضافة إلى كونه شكلا من أشكال الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" ضد السكان المدنيين في القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي.

 

وأكد المرصد في بيان، وصل وكالة "صفا" أن "العطش يغزو مناطق مدينة غزة وشمالها بشكل صادم بسبب قطع إمدادات المياه عن قطاع غزة والقصف الإسرائيلي المنهجي والمتعمد لآبار ومصادر المياه، إلى جانب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات تحويل وتوزيع المياه.

وحذر من أن "نقص مياه الشرب في قطاع غزة بات مسألة حياة أو موت، في وقت يجبر السكان على استخدام مياه غير نظيفة من الآبار، وهو ما ساهم في انتشار الأمراض المنقولة والمعدية، خاصة مع انقطاع الكهرباء الذي ساعد في نقص امدادات المياه".

وكان قطاع غزة الذي يعتبر من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم يواجه في الأصل قبل الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة منذ مائة يوم أزمة خانقة في توفر مياه آمنة للشرب فقدها أكثر من 90% من السكان الذين تجاوز عددهم 2.3 مليون نسمة، يعيشون بالحد الأدنى من الخدمات الأساسية في واقع اقتصادي متردٍّ.

ووثق الأورومتوسطي نهاية الأسبوع الماضي دمارًا كليا لحق بخزاني "البلد" و"الرمال" الرئيسين في مدينة غزة، نتيجة تجريف جيش الاحتلال الإسرائيلي لهما خلال عملياته البرية العسكرية في المنطقة.

وطال التجريف خزان "البلد" الذي يضم "بئرًا للمياه ومستودعًا لقطع صيانة خطوط المياه في مدينة غزة، إلى جانب مكاتب إدارية لدائرة المياه، فيما جرى تجريف خزان "الرمال" على تقاطع شارعي "الجلاء" و"الوحدة"، والذي يضم مكاتب دائرة الصرف الصحي ومستودعًا لقطع صيانة شبكات الصرف الصحي".

وأشار المرصد إلى تدمير ما لا يقل عن "12 بئرًا بفعل القصف الإسرائيلي مما أدى إلى نقص حاد وغير مسبوق في المياه في مدينة غزة".

مضيفًا "قبل بدء "إسرائيل" هجماتها العسكرية على القطاع في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، كانت بلدية غزة تضخ شهريًا ما يقارب ثلاثة ملايين كوب من المياه،؛ حيث كان يتم توفير 700 ألف كوب يوميًا من خط "ماكروت" الإسرائيلي، بما يمثل 25%، فيما يتم توفير 10% من محطة التحلية، ونحو مليوني و200 ألف كوب من الآبار المحلية في المدينة، وقد باتت جميع تلك المصادر متوقفة تقريبًا".

وبحسب سلطة المياه الفلسطينية، فإن الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة دمرت البنية التحتية المائية في قطاع غزة، بما ما لا يقل عن 65% من آبار المياه في مدينة غزة وشمال القطاع.

وبين المرصد أن "المحنة تتضاعف مع مواصلة سلطات  الاحتلال الإسرائيلي فرض قيود مشددة على وصول الإمدادات الإنسانية إلى قطاع غزة، لا سيما مناطق مدينة غزة وشمال القطاع، بما في ذلك كميات الوقود اللازمة لتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي".

وذكر منذ بدء هجماتها العسكرية غير المسبوقة على غزة، فرضت "إسرائيل" إغلاقًا شاملًا على القطاع ومنعت إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، ودمرت لاحقًا محطات وخزانات المياه بشكل منهجي ومتعمد.

وأوضح على وقع الضغوط الدولية، سمحت "إسرائيل" بدخول 100 شاحنة مساعدات يوميًّا إلى القطاع عبر معبر رفح البري، وهي معدلات لا تقارن مع متوسط حمولة 500 شاحنة كانت تدخل لتلبية الاحتياجات الإنسانية قبل السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي.

وأضاف المرصد أن "معاناة انعدام مياه الشرب في شمال قطاع غزة أشد وأكثر كارثية، حيث لم يتذوق سكان مخيم جباليا للاجئين مياه الشرب النظيفة منذ بدء الهجمات العسكرية الإسرائيلية".

وقال المسن "عليان فارس عبد الغني" (73 عامًا) الذي يعيش في (بلوك 4) وسط مخيم جباليا لفريق الأورومتوسطي إنهم يضطرون لشرب المياه المالحة والمستخدمة للحياة اليومية والتي يتم توفيرها بصعوبة.

وأوضح "عبد الغني" أن "جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر محطتي تحلية المياه الوحيدتين في المخيم، وهما محطة "شومر" ومحطة "طبريا"، منذ الأيام الأولى لبدء الهجمات العسكرية".

وأفاد عبد الغني بأن "القصف الإسرائيلي، وفي ظل انقطاع الوقود اللازم لعمل المحطات الأخرى والبعيدة عن المخيم، دفع بسعر الغالون الواحد من المياه من شيكل إسرائيلي واحد (0.27$) إلى أربعة شواكل (1.08$). لكن المياه انقطعت نهائيًّا بعد أيام قليلة".

وذكر أن "الكثير من عائلات مخيم جباليا يعمدون إلى غلي المياه على نيران الحطب وتبريدها في محاولة لتعقيمها وجعلها قابلة للشرب نسبيًّا، لا سيما بعد أن تفشت الأمراض في صفوفهم، بمن في ذلك الأطفال الذين باتوا يعانون بشكل متكرر من المغص والإسهال".

ونبه المرصد إلى أن "الإفراط في تناول الماء المالح غير الصالح للشرب، إلى جانب تسببه بأمراض المعدة والنزلات المعوية والقيء والإسهال المستمرين، يؤدي إلى زيادة ضغط الدم وأمراض الكلى واحتمال الإصابة بالسكتة الدماغية، ويؤدي ذلك في النهاية إلى الجفاف المفرط لأنسجة الجسم، خاصة المخ".

وذكر عبد الغني أن "مياه الشرب إن كانت تُستخرج من الآبار من دون معالجة، فإن ذلك قد يُحدث اختلالاً في نسبة الأملاح في الجسم، وقد يؤدي إلى الجفاف، في وقت يبقى فيه الأطفال وكبار السن الأشد تضررًا نظرًا لضعف مناعتهم، حيث قد تؤدي النزلة المعوية دون الوصول إلى محلول لمعالجة الجفاف إلى الوفاة".

وتزداد المخاوف بشأن الأمراض المنقولة والمعدية عن طريق المياه مثل الكوليرا والإسهال المزمن بشكل خاص، نظرًا لنقص المياه الصالحة للشرب، خاصة بعد هطول الأمطار والفيضانات في ظل موسم الشتاء.

وفي كانون أول/ديسمبر الماضي، أجرى المرصد الأورومتوسطي، دراسة تحليلية شملت عينة مكونة من 1200 شخصًا في غزة للوقوف على آثار الأزمة الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع، أظهرت أن 66% من عينة الدراسة؜ يعانون أو عانوا من حالات الأمراض المعوية والإسهال بسبب عدم توفر مياه صالحة للشرب.

ورصدت الدراسة أن "معدل الحصول على المياه، بما في ذلك مياه الشرب ومياه الاستحمام والتنظيف، يبلغ 1.5 لتر للشخص الواحد يوميًا في قطاع غزة، أي أقل بمقدار 15 لترًا من متطلبات المياه الأساسية لمستوى البقاء على قيد الحياة وفقا لمعايير (اسفير) الدولية".

وأعاد الأورومتوسطي التذكير بأن "القانون الإنساني الدولي يحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل الأعيان والمنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، بما يشمل مرافق مياه الشرب وشبكاتها، كما ويحظر وبشكل صارم استخدام التجويع والتعطيش كوسيلة من وسائل الحرب، واعتبارها انتهاكا جسيما وعقابا جماعيا محظورا، ويشكل كذلك مخالفة للالتزامات المترتبة على عاتق "إسرائيل"، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال لقطاع غزة، وواجباتها وفقًا للقانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم".

وينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن "تجويع المدنيين عمدًا من خلال حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية ، يعتبر جريمة حرب".

ويذكر المرصد أن "الحرمان الشديد والمتواصل للسكان المدنيين في قطاع غزة من المياه الصالحة للشرب وبالكميات الكافية، يعتبر شكلا من أشكال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" ضدهم منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي، كونه يلحق أضرارا جسيمة بالسكان المدنيين الفلسطينيين في القطاع، ويخضعهم لأحوال معيشية يقصد بها تدميرهم الفعلي، وذلك وفقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والأحكام القضائية الدولية ذات الصلة".

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: الأورومتوسطي مياه غزة عطش الاحتلال الإسرائیلی الهجمات العسکریة مناطق مدینة غزة فی مدینة غزة فی قطاع غزة میاه الشرب عبد الغنی السابع من تشرین أول فی ذلک

إقرأ أيضاً:

الأورومتوسطي: تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي يؤكد جريمة التجويع بغزة

يمانيون../
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إنّ تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر اليوم الاثنين، والذي حذّر من أنّ سكّان قطاع غزة بأكملهم مهدَّدون بمجاعة وشيكة بفعل الحصار الخانق، يثبت أنّ الاحتلال الإسرائيلي يستخدم التجويع كسلاح مركزي وجزء لا يتجزّأ من جريمة الإبادة الجماعية الجارية التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من المدنيين.

وأضاف المرصد الأورومتوسطي، في بيان له أنّ حرب التجويع الإسرائيلية تفتك ببطء بآلاف الأرواح، وخاصة بين الأطفال وكبار السن، في مشهد يومي خفيّ عن عدسات الإعلام، ودون أي توثيق يعكس حجم الكارثة.

وتوقّع تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، الصادر عن منظمات أممية ودولية، أن يواجه نحو 470 ألف شخص في قطاع غزة جوعًا كارثيًا (المرحلة الخامسة، وهي الأشدّ في التصنيف) خلال الفترة من مايو إلى سبتمبر 2025، أي بزيادة تفوق 250% عن التقديرات السابقة.

كما بيّن أنّ سكان القطاع بأكملهم يعانون من مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وذكر التقرير أنّ نحو 71 ألف طفل، وأكثر من 17 ألف امرأة حامل أو مرضع، سيحتاجون إلى علاج عاجل من سوء التغذية الحاد خلال الأشهر الـ11 المقبلة، من بينهم أكثر من 14 ألف حالة يُتوقع أن تكون في وضع حرج. كما قدّرت الوكالات الإنسانية، في مطلع عام 2025، أنّ نحو 60 ألف طفل سيحتاجون إلى تدخلات علاجية بسبب سوء التغذية.

ومنذ 2 مارس الماضي، يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا على قطاع غزة، وتمنع بشكل كامل دخول المساعدات الغذائية والطبية، كما يمنع جيش الاحتلال الإسرائيلي المزارعين من الوصول إلى الغالبية العظمى من أراضيهم الزراعية المتبقية، ويستهدف بالرصاص الصيادين الذين يحاولون تأمين الغذاء عبر صيد الأسماك.

وبحسب التقرير، فإن الهجوم العسكري الإسرائيلي المتواصل، والحصار الخانق، والنقص الحاد في الإمدادات الأساسية، ستدفع خلال الأشهر الخمسة المقبلة بالأوضاع إلى تجاوز عتبة المجاعة، مع ارتفاع خطير في مستويات الجوع وسوء التغذية والوفيات.

وتعاني الغالبية العظمى من أطفال غزة من حرمان غذائي شديد، وسط توقّعات بارتفاع حاد في معدلات سوء التغذية الحاد في محافظات شمال غزة، وغزة، ورفح، في ظل محدودية شبه كاملة للوصول إلى الخدمات الصحية، ونقص حاد في المياه النظيفة والصرف الصحي.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي، أنّ هذه الأوضاع تُظهر تدهورًا حادًا مقارنة بتحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الصادر في تشرين أكتوبر 2024، مؤكدًا أنّ استمرار جريمة الإبادة الجماعية والحصار المشدد يُغذّيان واحدة من أشد أزمات الغذاء والتغذية في العالم، في ظل معاناة إنسانية غير مسبوقة.

وكان الأورومتوسطي وثق وفاة 14 مسنًا فلسطينيًّا في قطاع غزة خلال أسبوع واحد (4 – 10 مايو الجاري)، نتيجة مضاعفات سوء التغذية ونقص الرعاية الطبية اللازمة بسبب الحصار المتواصل.

وأكّد الأورومتوسطي أنّ استمرار الفشل الدولي في إنقاذ حياة أكثر من مليوني مدني فلسطيني في قطاع غزة يُشكّل تقويضًا صارخًا لحقّهم الأساسي في الحياة والصحة والغذاء، وفي الحماية من الإبادة الجماعية، كما يُعدّ انتهاكًا فادحًا للقانون الدولي الإنساني، وللمبادئ الجوهرية التي تُلزم بحماية السكان المدنيين في أوقات النزاع.

وأشار إلى أن هذا التقاعس يكرّس حالة إفلات منهجي من العقاب، ويبعث برسالة خطيرة مفادها أنّ استخدام التجويع كسلاح يمكن أن يمرّ دون محاسبة، ما يهدّد بتقويض النظام القانوني الدولي برمّته.

ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان جميع الدول إلى وقف جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، والاستجابة العاجلة لمطالب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بضرورة استعادة الوصول الإنساني ورفع الحصار الإسرائيلي غير القانوني، باعتباره السبيل الوحيد الكفيل بوقف التدهور الإنساني المتسارع وضمان دخول المساعدات إلى قطاع غزة.

كما طالب بتجميد الأصول المالية للمسؤولين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، والتحريض عليها، وفرض حظر السفر عليهم، إلى جانب تعليق الامتيازات التجارية والاتفاقيات الثنائية التي تمنح “إسرائيل” مزايا اقتصادية تمكنها من الاستمرار في ارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • عشرات القتلى والجرحى في مناطق متفرقة بقطاع غزة
  • الأورومتوسطي:” إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة”
  • الأورومتوسطي: تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي يؤكد جريمة التجويع بغزة
  • مؤسسة مياه حمص بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، تنهي تجهيز منظومة طاقة شمسية لتشغيل بئري مياه في مدينة كفرلاها بريف المحافظة
  • الأورومتوسطي: “إسرائيل” تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة
  • ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 52,829 شهيدا و119,554 مصابا
  • بينهن 7920 أمًا.. إسرائيل تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة
  • ‏موقع "والا" الإسرائيلي: استعدادات إسرائيلية لشن هجمات على غزة بشكل لم يشهده القطاع منذ أشهر
  • عاجل- ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 2720 شهيدًا و7513 مصابًا منذ استئناف العمليات في مارس
  • الجوع يفتك بسكان قطاع غزة رغم وفرة الإمدادات على حدوده