أخبار الإذاعة والخطوات الأولى
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
كانت رائدة ومهمة، تلك الخطوة التي اتخذتها الوزارة في عام 1982م عندما قامت بتعيين حوالي عشرين شابًا دفعة واحدة، وابتعثتهم إلى القاهرة لمدة أربعة أشهر لتعلم مبادئ الفن الإذاعي والتلفزيوني، لضخ دماء جديدة، رجعت لتنهل من أساتذتها الذين سبقوها من العمانيين وغيرهم، إلى جانب ما اكتسبوه من قواعد مهنية. فقد سجلت تلك المجموعة حضورًا مهمًا ومساهمةً واضحةً في مسيرة إذاعة وتلفزيون سلطنة عمان خلال العقود الأربعة الماضية.
دائرة الأخبار كيان مهم للغاية في الإذاعة كما هو الحال في الإذاعات، وبيئة من نوع خاص، خاصة بالنسبة لي أنا الذي ما زلت في مقاعد الثاني ثانوي مع زميلي سلطان وحمود. البيئة هنا لا تشبه أبدا بيئة المعهد الذي أدرس فيه، كما لا تشبه بيئة الوظائف النمطية في الوزارات.. كنت في الصباح طالبًا كبقية الطلبة، أتلقى العلم مع أقراني، وتصدر مني حماقات المراهقين مثل التهرب من طابور الصباح وما شابه، وفي المساء أنا موظف في مؤسسة مهمة من مؤسسات الدولة، أسهم في تحرير نشرة الأخبار، وألتقي بشخصيات كبيرة ومهمة محليًا وخارجيًا، حاملًا سلاح الكلمة.
في ظاهرة تحدث في كثير من ثنائيات المهن المتشابهة أو المتكاملة، هنا أيضًا تدور حرب باردة ولطيفة، وربما هي غيرة، أو منافسة بين المنتسبين للأخبار، والمنتسبين لدائرة البرامج -وأتوقع أن هذا ما يحدث في معظم الإذاعات والتلفزيونات، فكل منهما يرى أنه الأهم. فهنا يعتقد بعضهم أنهم الأهم وأن الأخبار هي أساس الإذاعة، وما عداها من أقسام البرامج والدراما والموسيقى والغناء والرياضة والمنوعات مجرد مكملات وسطحيات. بينما ينظر الطرف الآخر بأن في الأخبار كل عُقَد وهموم الدنيا، فالوجوه قليلة الابتسام في حين أن في الأقسام البرامجية أجواء أكثر انفتاحًا ومرونة، مع بعض الاستثناءات في الطرفين، بينما الهندسة بأقسامها ترى أنه من دونها لا إذاعة، وأنه لولاهم لما ظهر لكل هؤلاء صوت ولا صورة، فبزرّ واحد يقع ضمن اختصاصهم تغلق الإذاعة أو تفتح.. والحقيقة أن كل ذلك مجتمِعًا يشكل الإذاعة التي تحقق أهداف الإعلام، التي تُختزل في ثلاث كلمات (إخبار - تثقيف - ترفيه). ومن فضولي وحظوظي الجميلة أن الأقدار قد كتبت لي التعايش والتعامل مع كل هذه الأطراف، فخلال فترة قصيرة أنا مندوب ومحرر أخبار ومذيع نشرات ومنوعات وثقافة، وممثل أحيانًا، وتغطيات خارجية جلست خلالها مع المهندسين في مناقشة تفاصيل البث وما شابه. لذلك أعطاني هذا التنوع فرصة الرؤية الشاملة لمعظم مكونات وأدوات الإذاعة، لأستمتع بمعظم تخصصاتها وأكسب كل الأطراف، فأعرف متى يبتسم المحرر ويمزح، ومتى يغضب الفنان ومقدم المنوعات ويكشر عن أنيابه.. قال لي أحد الأصدقاء: ما شاء الله محمد موجود في كل شيء! فكان ردي مازحا: (عميل مزدوج).. كانت الخبرات الأجنبية تملأ الإذاعة والتلفزيون خاصة من الشقيقة مصر، وبالأخص من إذاعة صوت العرب وقلة من إذاعة الشرق الأوسط، إضافة إلى بعض الخبرات الأردنية والسودانية وغير العربية في الشؤون الهندسية، وفي القسم الناطق باللغة الإنجليزية للإذاعة.. قاعة التحرير المستطيلة تتوسطها طاولة خشبية كبيرة وطويلة متينة يتحلق حولها المحررون ورئيس تحرير النشرة. أسميها قاعة كمصطلح، أما من الناحية المعمارية فهي غرفة كبيرة نسبيا متواضعة المستوى، غير أن للأخبار هيبة خاصة.. ولا يكتمل هيكل التحرير إلا بوجود طبّاع النشرة الذي يجلس على طاولة صغيرة في إحدى الزوايا، يداه على أزرار الآلة الكاتبة، ووجهه المبتسم غالبًا ناحية المحررين، يتفق مع هذا في وجهة نظره، ويختلف مع آخر في كلمة أو مصطلح سياسي. فطبّاع النشرة ليس إمّعة في ما يطبع، وهو مشروع محرر أو مذيع في أي وقت، فهو يتمتع أيضًا بحس وثقافة سياسية، وفنيا يستطيع تقدير مدة النشرة، وقد يقول إن هذه النشرة ستطول إن قرأها فلان نظرًا لبطء قراءته، أو العكس.. وكانت الطباعة في الوحدات الحكومية عموما وظيفة لها جدولها من الدرجات والرواتب والعلاوة الخاصة بها. وكانت المادة الوحيدة التي تقدم للمذيع مطبوعة هي نشرة الأخبار، فكل البرامج هي بخط اليد.. في أحد أضلاع هذه الغرفة باب آخر مباشر لمكتب مدير الأخبار، ننتظر منه أي توجيهات أو أوامر أو توجهات سياسية.
في إحدى الزوايا طاولة جيدة، بها هاتفان أحدهما برقم محول القسم من البدالة، وآخر مباشر، فهذا المباشر يعد ميزة لا تتوفر لدى كل الأقسام، وآخر واضح أنه عتيق ويبدو أنه خرج من الخدمة بعد أن كان ضمن شبكة داخلية. يتوج هذه الطاولة جهاز راديو (جرانديج grundig) كبير نسبيًا، ما زلت إلى اليوم أتمنى اقتناء نسخة منه. يجلس فيها أحيانا رئيس التحرير، أو مذيع النشرة، أو معد برنامج (العالم اليوم) أو (من أجل عمان)، أو أي فضولي يغريه الهاتف المباشر.
على الجدران عدد من الخرائط باللغة العربية.. يحكي لنا بعض قدامى الزملاء أن السلطان قابوس -رحمه الله- كان في السنوات الأولى يمكن أن يفاجئهم بزيارة غير رسمية في أي وقت، ومنها زيارة دخل فيها قاعة التحرير، وغضب كثيرًا عندما وجد الخرائط باللغة الإنجليزية، فقام بتكسيرها بيده.
حتى بعض الأجهزة التي تبدو اليوم بدائية، كانت تعد في وقتها أحدث ما وصلت له تقنيات الاتصال، مثل جهاز الفاكسميلي، الذي عدت إلى البيت يومها لأحكي لوالدي عنه، مبتدئًا الحديث عن الرسائل والمكاتيب قديمًا، ومدى المعاناة والانتظار والشوق لانتظارها، لمفاجأته بالجديد. فقلت له: هل تعلم أنك تضع الرسالة هنا في الجهاز فتخرج منها نسخة في نفس اللحظة في أي مكان في العالم؟! وكان -رحمه الله- إذا اقتنع بحكايتي يعلق: «بو يعيش يشوف». وإذا لم يقتنع، أو لا يريد تكذيبي فيقول بلهجته المضيباوية: بَكُون (ربما).
يزورنا هنا على مدار الساعة، زملاء من خارج الأخبار عادة. هذا يبحث عن منوعات لم ترد في النشرة ليخفف بها برنامجه، وذاك يبحث عن خبر رياضي، وآخر يسأل عن حالة الطقس، وزائر ليلي قد قرصه الجوع، يأتي ملتمسا كوب شاي أو لقمة تصبيرة من (أبو أيمن) رحمه الله، هذا المحرر اللطيف الكريم الذي كلما فتح أدراجه «وجدنا عنده رزقا»..
التواضع سمة غالبة على معظم الزملاء هنا، وإن بدا على بعضهم شيء من التجهم أو الغلظة. هكذا قد يراهم بعض الذين لا يفرقون بين الغرور والجدية. فهنا يعيش الموظف عدة ساعات بين أخبار القتل والاغتيالات والانقلابات العسكرية والمؤامرات السياسية، والبروتوكولات الحازمة، والقرارات الدولية والمصيرية، والرقابة المباشرة وغير المباشرة عليهم من مختلف المستويات والجهات. وهنا يحمي وطيس بعض النقاشات السياسية حول موضوع من قضايا الساعة.. وهنا يعيش مذيع النشرة دقائق ثمينة وهو يشهد، بل ويشارك أحيانا في ولادة النشرة التي سيقرأها بعد قليل، وبالمقابل يجرى تقييم غير رسمي من المحررين لمذيعي النشرات. فهذا مذيع يأتي باكرا لمراجعة النشرة، من شدة إخلاصه وحرصه، وآخر يأتي باكرا أيضا من ضعف في مستواه وإمكانياته، وآخر يأتي قبل النشرة ببضع دقائق لثقته الزائدة في نفسه أو حتى لشدة غروره.
هذا النهر المتدفق من هنا يوميا بالأخبار، وأحداث الساعة، له روافده التي تمده بالجديد على مدار الساعة، من الأقسام التابعة للأخبار، سأحاول تذكّرها في المساحات القادمة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تخريج الدفعة الأولى من مبادرة “تأهيل الشباب لسوق العمل” بمحافظة كفر الشيخ
كتب- عمرو صالح:
شهدت محافظة كفر الشيخ تخريج الدفعة الأولى من مبادرة “تأهيل الشباب لسوق العمل”، التي أطلقتها أمانة التضامن الإجتماعي المركزية بحزب حماة الوطن بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربي، وبلغ عدد الخريجين 48 شابًا وشابة تم تأهيلهم مهنيًا في عدد من التخصصات الفنية.
وتستهدف المبادرة تدريب الشباب مهنيًا من خلال وحدات تدريب متنقلة مجهزة بأحدث التقنيات، تجوب محافظات الجمهورية بمعدل محافظة كل شهر، ضمن خطة مستدامة تسعى لتأهيل أكبر عدد من الشباب في المجالات الفنية والمهنية.
وأقيم حفل التخرج بحضور قيادات حزبية وتنفيذية على رأسهم اللواء أ.ح أحمد العوضي، النائب الأول لرئيس حزب حماة الوطن، واللواء أ.ح وليد فاروق حافظ، مدير المعهد الفني للصناعات المتطورة بقطاع التدريب بوزارة الإنتاج الحربي، والدكتور محمد توفيق مبروك، رئيس الإدارة المركزية للتخطيط والإدارة الاستراتيجية بالوزارة، والنائب محمد الشهاوي، أمين عام محافظة كفر الشيخ بالحزب، إلى جانب أعضاء أمانة التضامن الاجتماعي المركزية بالحزب.
وقالت الدكتورة مها الأنصاري، أمين أمانة التضامن المركزية بحزب حماة الوطن، خلال كلمتها في حفل التخرج: “نحتفل اليوم بثمار عمل وجهد كبير، نحتفل بتخريج أول دفعة من شباب المبادرة التي أطلقناها بكل فخر بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربي، تنفيذًا لتوجيهات السيد الرئيس، الذي يضع دائمًا بناء الإنسان المصري على رأس أولويات الدولة.”
وأضافت الأنصاري: “انطلقت هذه المبادرة من إيماننا بأن مستقبل مصر يبدأ من شبابها، وأن العمل المهني والفني ليس فقط وسيلة للرزق، بل هو طريق للكرامة والتمكين وبناء وطن قوي منتج. ولأجل ذلك وفرنا التدريب بأحدث الوسائل ومن دون أي مقابل.”
وأشارت إلى أن المبادرة تهدف إلى تمكين الشباب وفتح آفاق جديدة أمامهم بعيدًا عن شبح البطالة والهجرة غير الشرعية، من خلال توفير فرص تدريب حقيقية تُواكب المعايير الدولية وتُعد الشباب للانخراط الفوري في سوق العمل أو إنشاء مشروعاتهم الخاصة.
وتعد هذه الدفعة باكورة مراحل المبادرة التي تنفذ من خلال سيارات تدريب متنقلة مجهزة بكامل الإمكانيات الفنية والتكنولوجية الحديثة، وتجوب محافظات الجمهورية تباعاً، حيث تقدم ورشًا عملية في مجالات النجارة، وصيانة الأجهزة المنزلية، واللف الكهربائي، وصيانة الشاشات، والتركيبات الكهربائية، وغيرها، على أيدي نخبة من المدربين المتخصصين.
وشهد الحفل تكريم الخريجين وتوزيع شهادات اجتياز البرنامج التدريبي، وسط إشادة من الحضور بجودة التدريب ومستوى الأداء، مع التأكيد على أهمية استمرارية المبادرة وتوسيع نطاقها لتشمل أكبر عدد من الشباب في مختلف المحافظات.
اقرأ أيضًا:
انفجار أنبوبة وألسنة لهب.. ماذا حدث في حريق ميدان تريومف بحي النزهة؟
بعد إصابته بالسرطان.. تكريم وزير التموين السابق علي مصيلحي -صور
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
محافظة كفر الشيخ مبادرة تأهيل الشباب لسوق العمل التضامن الإجتماعي حزب حماة الوطن وزارة الإنتاج الحربيتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
تخريج الدفعة الأولى من مبادرة “تأهيل الشباب لسوق العمل” بمحافظة كفر الشيخ
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك