عربي21:
2025-11-16@19:37:39 GMT

دستور يا أسيادنا!!

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

في الثقافة الشعبية المصرية ومن قبلها التركية القديمة (العثمانية)؛ حين يدخل أحد بشكل مفاجئ فإنه يرفع صوته بكلمة "دستور" أو "دستور يا أسيادنا" طلبا للإذن بالدخول، هذا يعني أن كلمة دستور ذات قوة رمزية في الوعي الشعبي العام. وفي الخبرة السياسية أيضا فإن للدستور مكانة سامقة، فهو القانون الأعلى أو أب القوانين، وهو الذي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين سلطات الدولة نفسها، وبين عموم الشعب ومكوناته وهيئاته، وهو الذي يحدد حقوق وواجبات كل طرف.

وقد كان من مفاخر حضارتنا الإسلامية دستور المدينة الذي أعلنه نبينا صلى الله عليه وسلم وتضمن 52 بندا؛ رسمت العلاقات بين مختلف الطوائف والجماعات في المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود وغيرهم.

لمصر تاريخ عريق مع الدساتير، ولكن الحكم العسكري قديما وحديثا لا يحترمها، ذلك أن الجنرالات يعتبرون كلامهم هو الدستور، في تطابق مع مقولة لويس الرابع عشر: أنا الدولة والدولة أنا.

يضطر العسكر من الناحية الشكلية لقبول دساتير (صورية) يُقسمون على احترامها، ويكونون أول منتهك لها، ولا يستطيع أحد محاسبتهم على ذلك، ويزداد احتقارهم للدساتير الحقيقية التي تأتي عقب الثورات الشعبية، وتكون تعبيرا صادقا عن الإرادة الشعبية الحقيقية كما هو الحال مع دستور 1923 و2012. وقد تخلص عسكر يوليو 1952 من الدستور الأول، والقوه في صندوق القمامة، فيما تخلص عسكر يوليو 2013 من الدستور الثاني بإدخال تعديلات عليه أفرغته من مضمونه، إنهم يتعاملون مع الدساتير كما تعاملت القبائل العربية قبل الإسلام مع أصنام العجوة التي كانوا يعبدونها ثم إذا جاعوا يأكلونها.

يضطر العسكر من الناحية الشكلية لقبول دساتير (صورية) يُقسمون على احترامها، ويكونون أول منتهك لها، ولا يستطيع أحد محاسبتهم على ذلك، ويزداد احتقارهم للدساتير الحقيقية التي تأتي عقب الثورات الشعبية، وتكون تعبيرا صادقا عن الإرادة الشعبية الحقيقية كما هو الحال مع دستور 1923 و2012
في العام 2014 وبعد شهور قليلة من انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، سمح العسكر للقوى السياسية الداعمة لهم بتعديل دستور 2012 وفقا لأهوائهم، وقد أقحموا في ديباجته ما يسمى بثورة 30 يونيو إلى جانب ثورة 25 يناير، لكن المهم أن السيسي الذي أقسم على احترام ذلك الدستور لم يخف احتقاره له، وقد وصفه بأنه "مكتوب بحسن نية، بينما الدول لا تدار بحسن النوايا"، تبريرا مسبقا لعدم الالتزام به.

يتضمن الدستور رغم كل ما لحقه من تشوهات بابا عظيما للحقوق والحريات هو من مكتسبات ثورة يناير، لكن هذا الباب بأكمله يظل حبرا على ورق، ويجري انتهاكه جهارا نهارا منذ صدور هذا الدستور في 17 كانون الثاني/ يناير 2014 وحتى الآن.

تضمن الدستور أيضا بنودا تتعلق بقضايا كبرى وحدد لتنفيذها مددا زمنية، كما حدد لبعضها نسبا مئوية، ولكنها لم تنفذ حتى الآن، نذكر من ذلك المواد 18 و19 و21 المتعلقة بالصحة والتعليم والتي حددت نسبة لا تقل عن 3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي للخدمات الصحية، ولا تقل عن 4 في المئة للتعليم، ولا تقل عن 2 في المئة للتعليم الجامعي ترتفع تدريجيا لتتوافق مع المعدلات العالمية، وهو ما لم يحدث حتى الآن بحجة عدم القدرة.

في مجال الحقوق والحريات وكما ذكرنا من قبل، فإن الدستور يتضمن بابا عظيما لكنه مجمد، ومنتهَك، ونشير فقط إلى المادة 35 عن "صون الملكية الخاصة وعدم جواز فرض الحراسة عليها" والمادة 40 حول "حظر مصادرة الأموال، إلا بحكم قضائي" والمادة 57 الخاصة بـ"حرمة الحياة الخاصة، والمراسلات"، والمادة 58 حول "حرمة المنازل، وعدم جواز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها".. وليست خافية تلك القرارات بفرض الحراسة ومصادرة الأموال والممتلكات الخاصة للمعارضين السياسيين، حتى قبل صدور أحكام قضائية، وكذا ليس خافيا انتهاك حرمة الحياة الخاصة والمنازل والمراسلات، والتجسس على هواتف المعارضين السياسيين.. الخ.

ليست هناك إرادة لاحترام الدستور رغم القسم على ذلك علانية، فنحن أمام حاكم يعتبر نفسه طبيب الفلاسفة، وحكيم زمانه، يردد الآية القرآنية "ففهمناها سليمان" مسقطا لها على نفسه، ويطالب المصريين بألا يسمعوا كلام أحد غيره، وبالمحصلة يعتبر كلامه هو الدستور النافذ، ويلغي كل ما يتعارض معه من نصوص وقرارات سابقة
وفي مجال الإعلام تحظر المادة 71 فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام، أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، وكذلك عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية (الحبس سواء حكمي أو احتياطي) في جرائم النشر. وليس خافيا على أحد وقف وإلغاء العديد من الصحف وحجب مئات المواقع الالكترونية، ومع أن المادة 72 تلزم الدولة بضمان استقلال الإعلام وتعبيره عن كل الآراء والاتجاهات، إلا أن الواقع هو الهيمنة الكاملة على الإعلام وفرض إعلام الصوت الواحد.

في المواد الانتقالية هناك أكثر من نص قانوني انتهت المهلة القانونية لتنفيذه ولم ينفذ، ومن ذلك المادة 236 التي تلزم الدولة بوضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات (انتهت يوم 17 كانون الثاني/ يناير ولم يعد أهل النوبة)، والمادة 241 التي تلزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بإصدار قانون للعدالة الانتقالية "يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدولية"، وقد انعقد مجلس النواب ثم انفض دورات عديدة دون أن يصدر هذا القانون، كما ألزمت المادة 242 بوضع نظام جديد للإدارة المحلية خلال خمس سنوات، وقد انقضت عشر وليس خمس سنوات ولم يصدر القانون.

بشكل عام ليست هناك إرادة لاحترام الدستور رغم القسم على ذلك علانية، فنحن أمام حاكم يعتبر نفسه طبيب الفلاسفة، وحكيم زمانه، يردد الآية القرآنية "ففهمناها سليمان" مسقطا لها على نفسه، ويطالب المصريين بألا يسمعوا كلام أحد غيره، وبالمحصلة يعتبر كلامه هو الدستور النافذ، ويلغي كل ما يتعارض معه من نصوص وقرارات سابقة.

twitter.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصرية الدستور السيسي مصر السيسي حريات الدستور مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من الدستور على ذلک

إقرأ أيضاً:

الدستور اللبناني والمقاومة.. ترابط أم انفصام؟!

 

 

جان يعقوب جبور

هذا المقال يتطرق إلى ترابط وتكامل الدستور اللبناني مع المقاومة الوطنية لأي اعتداء أو احتلال للبنان ومن أي عدو كان. ومبدأ المقاومة بالدستور اللبناني لا يشمل "المقاومة" التي مارستها بعض الميليشيات أبان الحرب الأهلية في لبنان.

أولًا: الإطار الدستوري العام

ينصّ الدستور اللبناني في مقدمته (الفقرة ب) على أن "لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بمواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان." كما تنصّ الفقرة (ج) على أن "لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد." أما الفقرة (هـ) فتؤكد أن "الدفاع عن الوطن واجب مقدس على كل مواطن." من هذه الفقرة الأخيرة تحديدًا، استمدّت فكرة المقاومة جزءًا من شرعيتها الدستورية، إذ اعتُبر الدفاع عن الأرض اللبنانية ضد الاحتلال واجبًا وطنيًا، لا يتعارض مع الدستور، بل ينسجم مع مبدأ السيادة الوطنية ورفض الاحتلال الأجنبي.

ثانيًا: المقاومة كحالة وطنية قبل أن تكون تنظيمية

بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ظهرت المقاومة اللبنانية كحركة وطنية جامعة تضمّ أطيافًا متعددة، ثمّ تطوّرت لتأخذ شكلًا منظّمًا بقيادة حزب الله. وفي هذا الإطار، لم يكن الدستور قد نصّ صراحةً على وجود “مقاومة مسلّحة” موازية للجيش، لكنّ الشرعية الوطنية والشعبية التي اكتسبتها من خلال تحرير الجنوب عام 2000، جعلتها جزءًا من الوجدان الوطني والسياسي، وليس مجرد تنظيم عسكري.

ثالثًا: وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) والموقف من المقاومة

اتفاق الطائف (1989)، الذي أُدرج في الدستور، نصّ في أحد بنوده على “حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية”، لكنه استثنى عمليًا القوى التي كانت تقاوم الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب والبقاع الغربي. وقد فُسِّر هذا الاستثناء على أنه اعتراف ضمني بشرعية المقاومة طالما أن الاحتلال مستمر. وهكذا، أصبحت المقاومة شرعية استثنائية مؤقتة نابعة من استمرار العدوان، إلى أن يتولّى الجيش اللبناني وحده مسؤولية الدفاع.

رابعًا: الشرعية المزدوجة (الدستورية والميثاقية)

من منظور دستوري صارم، احتكار الدولة للسلاح هو قاعدة أساسية في أي نظام سيادي. لكن في لبنان، تتداخل الشرعية الدستورية مع الشرعية الميثاقية والسياسية التي أفرزها التوافق الوطني بعد الحرب. فالمقاومة، في نظر مؤيديها، تُكمل دور الدولة في الدفاع عن السيادة، بينما في نظر معارضيها تُشكّل تجاوزًا لاحتكار الدولة للقوة المسلحة. هذا التناقض لا يُحسم قانونيًا إلا عبر حوار وطني جامع يوازن بين مقتضيات الدفاع والسيادة ومبدأ وحدة الدولة.

خامسًا: البُعد الدولي والدستوري

التزام لبنان بقرارات الأمم المتحدة، لا سيما القرار 1701 (الصادر عام 2006)، يجعل العلاقة بين المقاومة والدولة خاضعة أيضًا للشرعية الدولية. فالدستور اللبناني، في مقدمته (الفقرة ب)، يربط لبنان بمواثيق الأمم المتحدة، ما يعني أن الدولة مسؤولة أمام المجتمع الدولي عن كل ما يمسّ السلم والأمن. ومع ذلك، لا ينصّ الدستور على تجريم المقاومة، ما دام عملها في إطار الدفاع الوطني وليس الاعتداء الخارجي.

لذلك، يمكن القول إنّ علاقة المقاومة اللبنانية بالدستور اللبناني هي علاقة مرنة ومتعددة الأبعاد. فهي تستند من جهة إلى الفقرة (هـ) من مقدمة الدستور التي تعتبر الدفاع عن الوطن واجبًا مقدسًا، ومن جهة أخرى تواجه تحدّي الانسجام مع مبدأ احتكار الدولة للسلاح والشرعية الدستورية. وبين هذين الحدّين، تبقى المقاومة حالة وطنية مشروطة بظروف الاحتلال والتهديد، على أن تتحوّل مستقبلًا إلى جزء من المنظومة الدفاعية الرسمية حين تكتمل سيادة الدولة على كامل أراضيها.

وفي الختام، فإن الانقسام العامودي في لبنان ما زال مستمرًا مما يجعل من الدستور اللبناني والمقاومة في أضعف حالتهما حيث يُفسر الدستور من خلال أعراف مضمونها طوائف وأحزاب بأغلبيتها مرتبطة بمحاور خارجية وبتحليلات ميثاقية لا تحاكي الواقع الوطني. ففي الوقت الحالي يجلس أحزاب السلطة على طاولة واحدة من دون قرار حيث تجرهم العاطفة الجياشة الشعبوية بعيدة عن منطق العقل في الدفاع عن وطنهم وذلك لأغراض يعرفها كل لبناني شريف، وفيّ ووطني ألا وهي الاستسلام للخارج، ضرب الدستور وعلاقته بالمقاومة لأي احتلال لأرضه وموارده. إن الحرب الإقليمية الأخيرة قد كشفت أوراق ونيات الجميع محليًا وإقليميًا ودوليًا من خلال التواطؤ والخنوع والاستسلام للإبادة والتهجير والتطرف والتفتيت والتصفيق لسلام هزيل لا يخدم إلا مصلحة الأعداء.

فعليكم في لبنان التصرف حسب ما يقتضيه الحس الوطني والمواطنة ليكون الهدف جامعًا لكل مكونات الشعب اللبناني الحبيب بوجه أي اعتداء.

مقالات مشابهة

  • الدستور اللبناني والمقاومة.. ترابط أم انفصام؟!
  • إعتماد مواصفة عالمية للتمور الطازجة
  • الإكوادور تستفتي على الدستور وعودة القواعد الأجنبية
  • الجبهة الشعبية: العدو الصهيوني يستخدم الشتاء كسلاح إبادة جديد في غزة
  • ابن سليم: كأس العالم للكارتينج فصل جديد للسيارات الشعبية
  • تعديل في دستور باكستان يمنح الحصانة مدى الحياة للرئيس وقائد الجيش الحالي
  • اعتقالات بالضفة والجبهة الشعبية تدعو للاشتباك مع الاحتلال
  • تنفيذي كادقلي يؤكد دعمه لأنشطة وبرامج المقاومة الشعبية
  • الجبهة الشعبية: تصعيد العدو الصهيوني جرائمه في الضفة يهدف لخلق واقع استيطاني جديد
  • "الشعبية": تصاعد جرائم الاحتلال بالضفة تهدف لخلق واقع استيطاني جديد