في الثقافة الشعبية المصرية ومن قبلها التركية القديمة (العثمانية)؛ حين يدخل أحد بشكل مفاجئ فإنه يرفع صوته بكلمة "دستور" أو "دستور يا أسيادنا" طلبا للإذن بالدخول، هذا يعني أن كلمة دستور ذات قوة رمزية في الوعي الشعبي العام. وفي الخبرة السياسية أيضا فإن للدستور مكانة سامقة، فهو القانون الأعلى أو أب القوانين، وهو الذي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين سلطات الدولة نفسها، وبين عموم الشعب ومكوناته وهيئاته، وهو الذي يحدد حقوق وواجبات كل طرف.
لمصر تاريخ عريق مع الدساتير، ولكن الحكم العسكري قديما وحديثا لا يحترمها، ذلك أن الجنرالات يعتبرون كلامهم هو الدستور، في تطابق مع مقولة لويس الرابع عشر: أنا الدولة والدولة أنا.
يضطر العسكر من الناحية الشكلية لقبول دساتير (صورية) يُقسمون على احترامها، ويكونون أول منتهك لها، ولا يستطيع أحد محاسبتهم على ذلك، ويزداد احتقارهم للدساتير الحقيقية التي تأتي عقب الثورات الشعبية، وتكون تعبيرا صادقا عن الإرادة الشعبية الحقيقية كما هو الحال مع دستور 1923 و2012. وقد تخلص عسكر يوليو 1952 من الدستور الأول، والقوه في صندوق القمامة، فيما تخلص عسكر يوليو 2013 من الدستور الثاني بإدخال تعديلات عليه أفرغته من مضمونه، إنهم يتعاملون مع الدساتير كما تعاملت القبائل العربية قبل الإسلام مع أصنام العجوة التي كانوا يعبدونها ثم إذا جاعوا يأكلونها.
يضطر العسكر من الناحية الشكلية لقبول دساتير (صورية) يُقسمون على احترامها، ويكونون أول منتهك لها، ولا يستطيع أحد محاسبتهم على ذلك، ويزداد احتقارهم للدساتير الحقيقية التي تأتي عقب الثورات الشعبية، وتكون تعبيرا صادقا عن الإرادة الشعبية الحقيقية كما هو الحال مع دستور 1923 و2012
في العام 2014 وبعد شهور قليلة من انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، سمح العسكر للقوى السياسية الداعمة لهم بتعديل دستور 2012 وفقا لأهوائهم، وقد أقحموا في ديباجته ما يسمى بثورة 30 يونيو إلى جانب ثورة 25 يناير، لكن المهم أن السيسي الذي أقسم على احترام ذلك الدستور لم يخف احتقاره له، وقد وصفه بأنه "مكتوب بحسن نية، بينما الدول لا تدار بحسن النوايا"، تبريرا مسبقا لعدم الالتزام به.
يتضمن الدستور رغم كل ما لحقه من تشوهات بابا عظيما للحقوق والحريات هو من مكتسبات ثورة يناير، لكن هذا الباب بأكمله يظل حبرا على ورق، ويجري انتهاكه جهارا نهارا منذ صدور هذا الدستور في 17 كانون الثاني/ يناير 2014 وحتى الآن.
تضمن الدستور أيضا بنودا تتعلق بقضايا كبرى وحدد لتنفيذها مددا زمنية، كما حدد لبعضها نسبا مئوية، ولكنها لم تنفذ حتى الآن، نذكر من ذلك المواد 18 و19 و21 المتعلقة بالصحة والتعليم والتي حددت نسبة لا تقل عن 3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي للخدمات الصحية، ولا تقل عن 4 في المئة للتعليم، ولا تقل عن 2 في المئة للتعليم الجامعي ترتفع تدريجيا لتتوافق مع المعدلات العالمية، وهو ما لم يحدث حتى الآن بحجة عدم القدرة.
في مجال الحقوق والحريات وكما ذكرنا من قبل، فإن الدستور يتضمن بابا عظيما لكنه مجمد، ومنتهَك، ونشير فقط إلى المادة 35 عن "صون الملكية الخاصة وعدم جواز فرض الحراسة عليها" والمادة 40 حول "حظر مصادرة الأموال، إلا بحكم قضائي" والمادة 57 الخاصة بـ"حرمة الحياة الخاصة، والمراسلات"، والمادة 58 حول "حرمة المنازل، وعدم جواز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها".. وليست خافية تلك القرارات بفرض الحراسة ومصادرة الأموال والممتلكات الخاصة للمعارضين السياسيين، حتى قبل صدور أحكام قضائية، وكذا ليس خافيا انتهاك حرمة الحياة الخاصة والمنازل والمراسلات، والتجسس على هواتف المعارضين السياسيين.. الخ.
ليست هناك إرادة لاحترام الدستور رغم القسم على ذلك علانية، فنحن أمام حاكم يعتبر نفسه طبيب الفلاسفة، وحكيم زمانه، يردد الآية القرآنية "ففهمناها سليمان" مسقطا لها على نفسه، ويطالب المصريين بألا يسمعوا كلام أحد غيره، وبالمحصلة يعتبر كلامه هو الدستور النافذ، ويلغي كل ما يتعارض معه من نصوص وقرارات سابقة
وفي مجال الإعلام تحظر المادة 71 فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام، أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، وكذلك عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية (الحبس سواء حكمي أو احتياطي) في جرائم النشر. وليس خافيا على أحد وقف وإلغاء العديد من الصحف وحجب مئات المواقع الالكترونية، ومع أن المادة 72 تلزم الدولة بضمان استقلال الإعلام وتعبيره عن كل الآراء والاتجاهات، إلا أن الواقع هو الهيمنة الكاملة على الإعلام وفرض إعلام الصوت الواحد.
في المواد الانتقالية هناك أكثر من نص قانوني انتهت المهلة القانونية لتنفيذه ولم ينفذ، ومن ذلك المادة 236 التي تلزم الدولة بوضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات (انتهت يوم 17 كانون الثاني/ يناير ولم يعد أهل النوبة)، والمادة 241 التي تلزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بإصدار قانون للعدالة الانتقالية "يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدولية"، وقد انعقد مجلس النواب ثم انفض دورات عديدة دون أن يصدر هذا القانون، كما ألزمت المادة 242 بوضع نظام جديد للإدارة المحلية خلال خمس سنوات، وقد انقضت عشر وليس خمس سنوات ولم يصدر القانون.
بشكل عام ليست هناك إرادة لاحترام الدستور رغم القسم على ذلك علانية، فنحن أمام حاكم يعتبر نفسه طبيب الفلاسفة، وحكيم زمانه، يردد الآية القرآنية "ففهمناها سليمان" مسقطا لها على نفسه، ويطالب المصريين بألا يسمعوا كلام أحد غيره، وبالمحصلة يعتبر كلامه هو الدستور النافذ، ويلغي كل ما يتعارض معه من نصوص وقرارات سابقة.
twitter.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصرية الدستور السيسي مصر السيسي حريات الدستور مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من الدستور على ذلک
إقرأ أيضاً:
بالصور: اللجنة الشعبية للاجئين بالمغازي تنظّم لقاءً وطنياً لتعزيز السلم الأهلي ودور المخاتير
نظّمت اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم المغازي، بالتعاون مع دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، لقاءً وطنياً بعنوان: "دور المخاتير والوجهاء ورجال الإصلاح في المجتمع والحفاظ على السلم الأهلي"، وذلك ضمن فعاليات إحياء الذكرى الـ77 للنكبة، وبرعاية الدكتور أحمد أبو هولي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دائرة شؤون اللاجئين.
وجاء تنظيم هذا اللقاء في وقت حرج تمرّ به الساحة الفلسطينية، حيث تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقمت الأوضاع الإنسانية والاجتماعية، مما جعل الحاجة ملحة لتفعيل دور الشخصيات المجتمعية والاعتبارية في حفظ النسيج الاجتماعي وترسيخ السلم الأهلي.
مشاركة واسعة من وجهاء ومخاتير المنطقة الوسطى
عُقد اللقاء في ديوان المختار فرحان أبو ظاهر، أحد رموز الإصلاح في المحافظة الوسطى، بحضور نخبة من المخاتير والوجهاء ورجال الإصلاح، وبمشاركة الدكتور عادل منصور، مدير عام المخيمات في المحافظات الجنوبية، ممثلاً عن الدكتور أبو هولي، إلى جانب المختار أبو طلال أبو شحادة، مفوض لجنة الإصلاح الوطنية في المنطقة الوسطى.
كلمات وطنية تؤكد على دور المخاتير في حماية المجتمع
استُهل اللقاء بكلمة ترحيبية من المختار فرحان أبو ظاهر، عضو اللجنة الشعبية للاجئين بمخيم و مفوض المخاتير ورجال الإصلاح بالمغازي ، رحّب فيها بالحضور وأشاد بجهود الدكتور أحمد أبو هولي ودعمه المتواصل لقضايا اللاجئين، مؤكداً أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
بدوره، أكد الدكتور تيسير عبد الجواد، عضو اللجنة الوطنية العليا بالمغازي لإحياء ذكرى النكبة ٧٧، أن غياب المؤسسات الرسمية في بعض المناطق يمثل تهديداً لوحدة المشروع الوطني، قائلاً: "غياب المؤسسات ليس مجرد تقصير، بل انتصار للفوضى". وأضاف أن ما يتعرض له قطاع غزة اليوم لا يقتصر على العدوان العسكري، بل هو "إبادة جماعية تستهدف الأرض والإنسان والهوية".
أبو مشايخ: المخاتير و رجال الاصلاح والوجهاء صمام أمان للسلم ال مجتمعي
من جهته، شدد الأخ واصف أبو مشايخ، رئيس اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم المغازي، على أهمية الدور الذي يؤديه المخاتير ورجال الإصلاح، مشيراً إلى أن تعليمات الدكتور أبو هولي منذ بداية الحرب على غزة كانت واضحة بضرورة دعم ومساندة هذه الفئة المجتمعية التي تُعد ركيزة السلم الأهلي.
وأوضح أن الوجهاء يتمتعون بمكانة مرموقة في المجتمع نظراً لحكمتهم وخبراتهم وسيرتهم المجتمعية، مشيراً إلى أن لجان الإصلاح ساهمت في حل أكثر من 70% من النزاعات العائلية، الأمر الذي يُجنب المواطنين اللجوء إلى المحاكم ويحافظ على الروابط الاجتماعية.
كما دعا أبو مشايخ إلى تعزيز المبادرات المجتمعية، ودعم مشاريع التنمية المحلية، وتفعيل دور رجال الإصلاح في التوجيه والإرشاد الأسري والمجتمعي، خصوصاً في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الحرب المستمرة.
شلط: رجال الإصلاح صمام أمان في أوقات الشدة
في كلمته، تناول قاضي عشيرة الغدايرة، أبو نضال شلط، الدور التاريخي للمخاتير والوجهاء خلال فترات الحرب والنزاع، مؤكداً أنهم عملوا بلا مقابل وكانوا صمام أمان حقيقياً في وجه الفوضى. وشدد على ضرورة تمكين رجال الإصلاح وتوفير بيئة ملائمة لأداء دورهم، مثمّناً الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية، ومطالباً بمزيد من الجهود العربية والدولية لرفع المعاناة عن قطاع غزة.
توصيات اللقاء: نحو ميثاق وطني للسلم الأهلي
في ختام اللقاء، تم الاتفاق على مجموعة من التوصيات العملية التي تهدف إلى تعزيز دور المخاتير ورجال الإصلاح وترسيخ السلم المجتمعي، أبرزها:
1. تجديد الفكر العشائري بما يرسخ القيم الإيجابية ويُدين التعدي على الحقوق والحريات.
2. صياغة ميثاق وطني يحدد ضوابط ومعايير عمل رجال الإصلاح والمخاتير كمدونة سلوك.
3. تفعيل دور القوى السياسية والمجتمعية في تعزيز ثقافة التسامح والحوار.
4. إشراك القطاع الأهلي والخاص في معالجة الأزمات الاقتصادية التي تؤثر على السلم الاجتماعي.
5. تطوير الخطاب الإعلامي لمحاربة التحريض على العنف والتطرف وتعزيز القيم الوطنية.
6. تمكين رجال الإصلاح وتعزيز دورهم في الوقاية من الجريمة، خاصة في صفوف الأطفال والشباب.
7. تنمية المهارات في إدارة النزاعات والقضايا المجتمعية.
8. عقد ندوات توعوية تستهدف الأسر والمجتمع، خاصة في ظل غياب دور بعض المؤسسات الحكومية.
9. تعزيز دور رجال الدين في نشر ثقافة التسامح عبر المنابر الدينية.
ختام اللقاء: دعوة للوحدة والعمل المشترك
وأجمع المشاركون في اللقاء على ضرورة حماية الوحدة الوطنية وصون السلم الأهلي في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، مؤكدين أن رجال الإصلاح والمخاتير يشكلون ركيزة أساسية في هذا المسار، وأن دعمهم وتمكينهم هو مسؤولية وطنية وأخلاقية تقع على عاتق الجميع.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من أخبار غزة المحلية غزة - المجاعة تهدد حياة أكثر من 65 ألف طفل في القطاع شاهد: كتائب القسام تبث مقطع فيديو جديد لكمين رفح غزة: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف محال تجاري في حي الرمال الأكثر قراءة 19 شهيدا جنوب القطاع - "مجزرة" باستهداف إسرائيلي لمنزل وسط خان يونس اتفاق أميركي إسرائيلي وشيك - تفاصيل آلية جديدة لإدخال المساعدات إلى غزة صورة: استشهاد طفلة نتيجة سوء التغذية والجفاف في غزة "التنمية والإعلام المجتمعي" يصدر بيانا بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025