بما أن البرلمان يمثل أحد أضلاع المثلث الذى تقوم أي دولة عليه، فقد اكتسب أهمية كبيرة، فى طريقة تصميمه وإنشائه و بنائه.
فالمثلث يتكون من:
1- النظام التشريعى.
2- النظام القضائى.
3- النظام التنفيذى.
و فى هذه المذكرة سنتكلم عن الضلع الأول للمثلث، و هو النظام التشريعى.
أكبر مهمة للنظام التشريعى هى إنتاج و تصميم القوانين و اللوائح التى تحكم الحياة داخل حدود الدولة.
وكذلك تنظم البيئة من إنسان و حيوان و مكافحة الأوبئة والسميات. وباختصار شديد جداً، كل ما يتعلق بك وبأسرتك من حقوق وواجبات ومسئوليات.
وكذلك يتولى البرلمان مراقبة ومحاسبة الجهاز التنفيذى والنظام السياسي والاجتماعي ومن قبل ذكرنا النظام الاقتصادي.
لذلك صارت هناك أهمية كبرى فى طريقة وشكل اختيار مناديب الشعب لتولى هذه المسئولية الجسيمة والخطيرة نيابة عنه .
فالعالم مازال يبحث ويحاول أن يجد صيغة وطريقة تكون عادلة ومنصفة وفعالة يتم بها اختيار الممثلين للشعب. هؤلاء الممثلون من المفترض أن يعكسوا مكونات الدولة الفاعلة، بأوزان و طريقة لا تهمل أثر النشاطات الإنسانية الحيوية وقوة تأثيرها داخل الدولة. فقصة صوت واحد لشخص واحد ليست موزونة ولا عادلة للقضايا المتنوعة التى يتناولها النظام التشريعي بتعقيدات الحياة وتشابك أجهزة الدولة. ومستوى الإدراك فى المجتمع مختلف.
فصوت أستاذ فى قضايا التعليم لا يعادل صوت شخص بسيط يعمل فى نظافة الأسواق. ولكن يستويان فى الحق الإنسانى والاحترام المعني.
و نشير لأقدم وأشهر نظام برلماني فى العالم وهو البرلمان الإنجليزى، والذى ظهرت فيه مع الزمن عيوب وثغرات كثيرة، سببت أضراراَ داخل وخارج بريطانيا. والدراسات المختصة فى هذا المجال منشورة بكثرة ، وخاصة فى الدوريات والوثائق المتعلقة فى هذا التخصص من العلوم السياسية.
وفى السودان جرب هذا النوع من البرلمانات، وفشل عدة مرات. ( برلمان قبل ١٩٥٨، برلمان قبل ١٩٦٩ وبرلمان قبل ١٩٨٩).
لكن كانت أكثر المحاولات قرباً للتمثيل العادل للقوى العاملة داخل الدولة، هى محاولة نظام مجلس الشعب في عهد ثورة مايو؛ فقد أختار نظام مايو السياسي أسلوب الحزب الواحد ولكن اختيار ممثلي الشعب للجهاز التشريعى يتم بنيانه على ما سمى ” تحالف قوى الشعب العاملة”. و عرفت القوى العاملة بالمهن مثل المهندسين، الأطباء، الإداريين، الاقتصاديين، أساتذة الجامعات، الزراعيين، المعلمين و القوات النظامية … الخ . كذلك قطاع الصناعيين، التجار، الزراعيين ، البنوك. و كذلك القطاع التقليدى من الرعاة، الحرفيين، رجال الأعمال ، الطرق الصوفية. إضافة إلى تمثيل جغرافي يمثل الحكم المحلى.
العيب الرئيسى فى ذلك البناء أنه تم عبر تنظيم سياسى واحداً منفرداَ بكل الصلاحيات السياسية داخل الدولة، مما أدى لفشله.
مبدأ حرية الرأى و التفكير وحرية تكوين الجمعيات مسألة إنسانية فطرية، وحق أساسى للانسان، كفله له الدين الإسلامي بكل وضوح .
ماذا نريد الآن؟
نقترح نظاماً مشابهاً، يمثل تحالف القوى العاملة، لكنه مفتوح لكل الأحزاب والأفراد والمجموعات والتكتلات. ترشح من تشاء، فيما تشاء من دوائر وكليات انتخابية. وذلك حتى نضمن تمثيلاً عادلاَ، منصفَاً ، فعالاً لكل القضايا المتنوعة التى تخص المواطنين .
(أ) الفئات
(ب) القطاعات التقليدية
(ج) جغرافية.
الدوائر الجغرافية محصورة العدد لا تتعدى عدد المجالس المحلية الحالية و مربوطة بعدد السكان .
ميزة هذا النظام:
1- يتيح للأحزاب أن تطرح برامج مفصلة عن كل فئة وقطاع، حتى تضمن حصتها من الأصوات بما يرضي تلك الفئات.
2- الجهاز التشريعي سيمثل كل قطاعات الوطن بشكل موزون وعادل وبكفاءة عالية ومناديب يمثلون الفئة التى تعرفهم ويعرفونها ، واختصاص ومعرفة علمية بقضايا القطاع أو الفئة. فمثلا قضايا العلاج والدواء ومكافحة الأوبئة، خير من يعرفها القطاع الصحى.
3- الدوائر الجغرافية تعطى فرصة لعموم المواطنين فى الحيز الجغرافى الواحد فرصة لاختيار ممثل أو أكثر ليعبروا عن قضايا المنطقة السكنية .
نتوقع أن تدفع الأحزاب و التكتلات بأعداد من الشباب و النساء فى هذا التمثيل . و لا نشجع وجود دوائر منفصلة للمرأة و الشباب حيث فشل مثل هذا التمثيل ولا داعى له.
أكون شاكرا منك أخي وأختى و ابنى و ابنتى المشاركة بالرأى فى هذه القضية المصيرية والحاسمة فى تاريخ و مستقبل بلدنا و شعبنا وأبناءنا .
و هذه مشاركتى البسيطة فى هذه القضية الهامة. وأنظر لدعمك لها وتطويرها وتحسينها وسد أى ثغرات بها.
ب. مصطفى عمر نوارى
كلية الهندسة، جامعة الخرطوم.
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: المسيّرات تُقوّض فرص السلام
كل يوم يمر من حرب مليشيا الدعم السريع ضد الدولة السودانية، يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنهم غرباء عن معرفة طبيعة الشعب السوداني، حيث يظنون أن الهجمات الشرسة التي قادوها خلال الأيام الماضية على البنية التحتية والخدمية، بإمكانها أن تخلق واقعًا ضاغطًا على السودانيين، يجعلهم يمارسون تأثيرًا على الحكومة والجيش للذهاب إلى مفاوضات استجابة لهذا الابتزاز السياسي والعسكري المكشوف.
بينما ذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة تمسّك الشعب بخياراته، رفضًا للخضوع والابتزاز. اليوم يقف السودان أمام مفترق طرق بين مشروع يسعى لترسيخ سيادة القانون والمؤسسات، وآخر يسعى لتفكيك هذه الأسس مدعومًا بأجندات خارجية. في هذا المقال نحاول مناقشة تداعيات هذه الحرب من منظور سياسي وأخلاقي، مع دعوة للمليشيا وداعميها للجلوس إلى طاولة التفاوض، بعد ما شهدته البلاد من أحداث مأساوية.
لقد تحوّلت الحرب بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع من نزاع سياسي إلى مواجهة وجودية حاسمة. لم تعد القضية نزاعًا على السلطة، كما يدّعي البعض، بل اختبارًا لمصير الدولة السودانية، بين مشروع سيادة يحتمي بالقانون والمؤسسات، ومشروع تفكيك تُغذّيه أجندات خارجية وتُسنده انتهاكات ممنهجة على الأرض.
الهجمات بالطائرات المسيّرة على مدينة بورتسودان، وتعطيل الكهرباء والمياه والاتصالات، تمثل حرب نفسية واقتصادية تهدف إلى كسر إرادة الشعب وإخضاع الدولة. وتؤكد البيانات الرسمية أن هذه المسيّرات أُطلقت من خارج الحدود، في دلالة واضحة على حجم التدخل الإقليمي ومحاولات فرض واقع سياسي جديد على السودان، لا يعكس مصالحه، بل يخدم أطرافًا خارجية ظلت تحاول السيطرة على البلاد .
عقب استهدافها البنية التحتية بمدينة بورتسودان عبر الطائرات المسيّرة، جاءت دعوة مليشيا الدعم السريع للحوار بشكل متناقض، مما عمّق القطيعة بينها وبين الشعب السوداني. الدعوة التي روّجت لها بعض المنصات الإعلامية، لم تلقَ ترحيبًا، خصوصًا مع استمرار استهداف المنشآت المدنية التي تخدم مصالح الشعب السوداني في المقام الأول.
وقد أُخذ على د. عبد الله حمدوك رئيس تنسيقية صمود ، حديثه عن الذهاب لتفاوض و عدم إدانته الصريحة للعدوان الذي شنّته المليشيا على المنشآت المدنية في بورتسودان ، رغم فداحة الهجوم وتداعياته على المواطنين والبنية التحتية. هذا الحديث اعتبره كثيرون موقفًا غير منسجم مع تطلعات الشعب السوداني، خاصة في ظل تضامن إقليمي ودولي واسع مع البلاد ، وهو ما جعل دعوته للحوار تبدو منبتّة عن الواقع ومجافية للعدالة.
لقد سقطت فرص السلام حين تحوّل التفاوض إلى أداة استسلام، وتحوّل الاستهداف بالمسيّرات إلى وسيلة ابتزاز وضغط، في ظل غياب بيئة سياسية مناسبة. فحين تُستخدم الأسلحة لفرض واقع دموي، تصبح الدعوة للتسوية مجرّد غطاء لإعادة إنتاج الفوضى. وما جرى من مذابح وجرائم كفيل بسحب أي شرعية تفاوضية من مليشيا الدعم السريع ، التي لم تترك جريمة إلا وارتكبتها، حيث ما زالت ذاكرة السودانيين يقِظة.
في أبريل ومايو 2023، ارتكبت المليشيا مجازر مرعبة في مدينة الجنينة بغرب دارفور، حصدت أرواح آلاف المدنيين في أيام قليلة، وتُركت الجثث في الشوارع وسط صمت دولي. ثم تكررت الجرائم ذاتها في ود النورة بولاية الجزيرة في ديسمبر 2023، وفي السريحة والهلالية في مطلع 2024، فضلًا عن جريمة سوق صابرين نتيجة قصفها العشوائي في فبراير 2025، راح ضحيته 61 شخصًا.
كذلك في الصالحة (3 مايو 2025م) 250 شخصًا، وآخرها جريمة مدينة النهود (مايو 2025) بشمال كردفان، التي قُتلت فيها 300 مواطن بدم بارد، وفقًا “لشبكة أطباء السودان”. وقد ارتُكبت الانتهاكات على أساس الهوية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان أبشع صفحات الحروب. هذه الجرائم سياسة ممنهجة، هدفها تفريغ الأرض، وبث الرعب، وشلّ الإرادة الشعبية.
ورغم هذا الجحيم، أثبت الشعب السوداني أنه لا يُقايض الكرامة بالرفاهية. عاش كثيرون منهم بلا ماء، ولا كهرباء، ولا اتصالات، لكنهم لم يتراجعوا عن دعمهم للدولة. وكما قال الملك فيصل: “لقد كنا نعيش تحت الخيام ونستطيع أن نعود إليها، فلَئن نخسر المال خيرٌ من أن نخسر الشرف”. إنه موقف متجذّر في الوعي الجمعي السوداني، تمامًا كما عبّر مالك بن نبي: “من يفقد كرامته لا يملك إلا أن يعيش عبدًا، ولو بدا حرًّا”.
كما نراه من وجه الحقيقة، فإن الصراع في السودان لم يعد محصورًا بالجغرافيا، بل تجاوزها إلى الفضاء الإلكتروني، وأصبح يتطلب وعيًا استراتيجيًا، يبدأ بفهم طبيعة التهديد، ويمر بتحصين الجبهة الداخلية، وينتهي برفض أي تسوية تُفرض من الخارج تحت الضغط. إن خارطة الطريق لن تكون للتفاوض مع من استباحة المدن، بل مع من أدرك أهمية أن يحترم الدولة ومقدّراتها، ويضع السلاح انحيازًا لإرادة الشعب. هذه معركة الكرامة والسيادة، لا مجال فيها للتسويات الرمادية، ولا خيار أمام السودانيين سوى الانتصار.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 8 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com