في ظل صخب الحياة وضغوطات الواقع، وتسارع الأحداث، أحياناً ننسى أو نغفل أهمّ أعضاء الجسد وهو “القلب”، المضخة التي تعمل على مدار الساعة دون توقف أو ملل، وتنبض بلا كلل، تُخفي بين جوانبها مشاعرنا وذكرياتنا، وتُرسل دفء الحياة إلى أرجاء جسدنا، وتتحكم أحيانًا في تصرفاتنا وسلوكياتنا.
وللقلب أنماط عديدة: القلب النقي والقلب السليم والقلب القاسي والقلب الغليظ.
أما القلب السليم: فهو القلب الذي سلم من الشرك والشك، ويتمنى الخير والسعادة للآخرين، ولا يعرف الكراهية، وأصحاب القلب السليم يميزون الحق من الباطل، محبون ومخلصون ومتوكلون على الله، ويتقونه في جميع الأحوال، ويبادرون بالتوبة إذا أخطأوا. بينما القلب القاسي: هو القلب الذي لا يعرف أصحابه الرحمة أو الشفقة، ولا يشعرون بألم ومعاناة الآخرين. ويتصفون بالجفاء، والأنانية، فهم يحملون الحقد والكراهية لكل من حولهم، وقد يتسببون في إيذاء الآخرين جسديًا أو لفظيًا.
والقلب الغليظ.. تجد أصحابه يُشعرون بالحب والحنان، ولكنهم لا يُظهرونه للآخرين، وقد يتسببون في إيذاء الأخرين عاطفيًا، ويشعرون بانعدام الثقة، فنجدهم متحفظين في معاملاتهم، ومترددين في الإفصاح عن مشاعرهم.
هناك علامات ودلائل تشير إلى أن قلبك بحاجة إلى صيانة منها: الشعور بفقدان الثقة واللامبالاة، التعب والإرهاق الفكري والنفسي، القلق والأرق والاكتئاب، صعوبة التسامح مع الآخرين أو النفس، عندما يضيق صدرك بأمور ليس لها مكان داخل قلبك، وعندما تتزاحم المشاكل وتتراكم الهموم، وعندما ترى الحياة بصورة سوداوية، والطريق إلى المستقبل معتم، أعلم جيدًا أن قلبك يحتاج للصيانة.
فعندما تشعر بأن قلبك يحتاج إلى صيانة، لا داعي للقلق أو الحيرة، فسلامة القلب وصيانته أمر طبيعي ومهم للحفاظ على الصحة العامة والسعادة النفسية، لذلك يجب أن نعود إلى طريق الإيمان والتقرب إلى الله عز وجل، والالتزام بأداء الفرائض الدينية والقيم الأخلاقية، ومسامحة والعفو عن الآخرين، التركيز على الأشياء الإيجابية في حياتنا، والابتعاد عن الأفكار السلبية، والحرص على تقديم المساعدة والدعم للآخرين.
في النهاية.. بعد ظهور وانتشار البرامج التقنية مثل”الفلاتر والتأثيرات” التي تهدف إلى تحسين الصور، وظهورها بشكل لائق، أتمنى وجود “فلاتر” داخل الإنسان تعمل على تنقية قلوبنا من الأحقاد، كما أنه يجب علينا أن نفيق ونبتعد عما يزعجنا ويعكر صفو سعادتنا حتى نحافظ على سلامة قلوبنا.. فماذا سنجني إذا تعرّض قلبنا للتعب والإرهاق؟ وتراكمت عليه غشاوة الحزن أو ملامح القلق، وصدأ الكراهية؟
أخيرًا وليس آخرًا.. علينا أن نسعى دائمًا إلى تصفية قلوبنا من الصفات السيئة للنفس البشرية مثل “الحقد والغل والحسد والكراهية والغيرة والأفكار المسمومة”، وأن نملأ قلوبنا بالحب والخير والتسامح والعطاء، حينها ستتبدل الأوضاع وتتغير الأحوال للأفضل.
ختاماً.. تذكر أنّ قلبك هو أغلى ما تملك بكونه جوهر وجودك، فاهتم واعتني به، ودعه ينبض بالحياة والسعادة. وتذكر دومًا أن ولادة القلب الجديد رحلة مستمرة تبدأ بالتخلص من المشاعر السلبية، والتسامح مع الذات والآخرين، فلا تنسى أن ولادة جديدة لقلبك تعني ولادة جديدة لحياتك.
جمال عبدالصمد – بوابة روز اليوسف
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
هذا هو البابا الجديد الذي يحتاج إليه العالم اليوم... يخلف أهم ثلاثة بابوات
مستلهمين الروح القدس والهاماته، وهو الذي قاد الكنيسة منذ تأسيسها مع القديس بطرس وبعده البابا القديس لينوس وصولًا إلى البابا الراحل فرنسيس، وهو الذي حمل الرقم 266 في تسلسل البابوات، الذين قادوا كنيسة المسيح، "التي لا تقوى عليها أبواب الجحيم"،انتخب الكرادلة المئة والثلاثة والثلاثون، بابا جديدًا، وهو الذي ستلقى على كتفيه مسؤولية كبيرة، خصوصًا أنه سيخلف ثلاثة بابوات من بين أهم البابوات الذين جلسوا على كرسي بطرس، وهم يوحنا بولس الثاني وبندكتوس السادس عشر وفرنسيس، ولكل منهم مميزات وصفات وسمت تاريخ الكنيسة الكاثوليكية بطابع خاص لم تغب عنه ما تركه كل منهم من أثر طبع المسيرة الروحية والايمانية لهذه "الصخرة"، التي بنى السيد المسيح عليها بيعته.فالبابا الجديد انتخب بعد ثلاث جلسات اقتراع، في أسرع عملية انتخابية في تاريخ انتخاب البابوات، وهو الكاردينال الأميركي بريفوست.
البابا يوحنا بولس الثاني
فالبابا القديس يوحنا بولس الثاني عُرف بانفتاحه على العالم، وكانت لزياراته الخارجية الأثر الكبير في إحداث تغيير كبير في الأنماط السياسية، التي كانت متبعة في أكثر من منطقة من العالم، وبالأخصّ بالنسبة إلى بولونيا، البلد الذي نشأ فيه وترعرع، وفيه خبر ما تركته الأنظمة التوتاليتارية من مساوئ، وكيف كانت تُعامل الشعوب التي حُرمت من أقدس ما لديها، وهي حرية الانسان وكرامته، والعيش في سلام وفي ممارسة شعائره الدينية من دون أن يُلاحق ويُعذَّب وتُهان كرامته ويقتل بأبشع الأساليب غير الإنسانية. فكان لتدّخله المباشر في مسرى الأحداث التأثير الفعلي في انهيار حائط برلين وسقوط نظام الاتحاد السوفياتي وعودة الايمان لصفائه إلى الكنيسة الارثوذكسية في روسيا الفيديرالية، وعودة الكنائس لممارسة شعائرها الدينية وطقوسها الايمانية بكل حرية.
فالبابا القديس هو واحد من أقوى عشرين شخصية في القرن العشرين، فهو إضافة الى الدور الذي لعبه في إسقاط النظام الشيوعي في بلده وكذلك في عدد من دول أوروبا الشرقية، لم يتوانَ بالتنديد بـ "الرأسمالية المتوحشة"؛ ونسج علاقات حوار بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الأنغليكانية إلى جانب الديانة اليهودية والإسلامية، على رغم أنه انتقد من قبل بعض الليبراليين لتمسّكه بتعاليم الكنيسة ضد وسائل منع الحمل الاصطناعي والإجهاض والموت الرحيم وسيامة النساء ككهنة، كذلك فقد انتقد من بعض المحافظين بسبب دوره الأساسي في المجمع الفاتيكاني الثاني والإصلاحات التي أدخلت على إثره على بنية القداس الإلهي، ولكسره عددًا وافرًا من التقاليد والعادات البابوية.
كان البابا واحدًا من أكثر قادة العالم سفرًا خلال التاريخ، إذ زار خلال تولّيه منصبه 129 بلدًا. ويكفيه أن التاريخ يحفظ له أول بابا في التاريخ تطأ قدماه مسجدا في بلد مسلم إذ تم ذلك أثناء زيارة البابا لسوريا في ايار 2001. ولا ينسى اللبنانيون تلك الزيارة التاريخية، التي قام بها لبلدهم، الذي وصفه بـ "بلد الرسالة".
البابا بندكتوس السادس
أمّا البابا بندكتوس السادس، فقد اعتبر اللاهوتي الفيلسوف، الذي عقلن اللاهوت، وهو الذي طرح أكثر من سؤال عن معنى الحياة، وتحديات الأزمنة. وقد بدت الإنسانية في عيون البابا الراحل على مفترق طرق، ولذلك رفع صوته الخفيض، عبر كتاباته الفلسفية العميقة، مشدداً على أنه حان الوقت للتفكير والتغيير، وأكد غير مرة برباطة جأش على أن: "هناك الكثير من المشاكل يجب حلها".
وفي سنوات بحثه المعرفي العميق، وضع البابا بندكتوس العالم أمام العديد من التساؤلات المصيرية المضنية، ومن بينها قضية التقدم والمعرفة، وما إذا كانت البشرية تتقدم إلى الأمام أم تتراجع إلى الخلف. ولم يتوانَ عن تكرار تحذيره من من أن مستقبل البشرية، ومصير كوكب الأرض، قد صارا في خطر.
وأخيرً وليس آخرًا وضع البابا بندكتوس أصبعه عند موضع الجرح البشري، وذلك حين أعتبر أن قوة الإنسان الغربي المادية قد بلغت أبعاداً مخيفة، في وقت لم تواكبها فيه، صعوداً، قدرته الأخلاقية، ما من شأنه أن ينعكس في ثمار تقدم خال من أسس أخلاقية.
البابا فرنسيس
أمّا الحديث عن البابا فرنسيس فيطول، إذ شهدت حبريته عدداً من القضايا غير المسبوقة خلال سعيه المتواصل من أجل إجراء إصلاحات داخل الكنيسة الكاثوليكية، والحفاظ في ذات الوقت على مكانته بين المؤمنين المحافظين. فهو الآتي من النصف الجنوبي للكرة الأرضية، في سابقة لم تتكرر منذ أن أُسدل الستار على عهد البابا غريغوريوس الثالث، ذو الأصول السورية، عام 741 ميلادياً. كما كان أول بابا ينتمي إلى الرهبنة اليسوعية على كرسي القديس بطرس.
إلاّ أن رياح الإصلاح التي حملها البابا فرنسيس واجهت تيارات اتسمت بالمقاومة داخل أروقة الفاتيكان البيروقراطية، إذ أظهر، منذ أن تبوأ كرسي البابوية، إصراراً على انتهاج أسلوب مغاير، استهله باستقبال كرادلة الكنيسة بطريقة غير رسمية، واقفاً بين الحاضرين، متخلياً عن الجلوس على الكرسي البابوي، وهو الذي آثر التواضع على الفخامة ومظاهر البذخ، متخلياً عن استخدام عربات الليموزين البابوية، وحرصه على مشاركة الكرادلة في رحلاتهم بالحافلة، فرسم درباً أخلاقياً لرعيته قائلاً: "آه، كم أودّ أن تكون الكنيسة فقيرة ومن أجل الفقراء".
فالبابا الجديد سيكون حتمًا مكمّلًا لما تميّز به البابوات الثلاثة، الذين سبقوه على هذا الكرسي المقدس.
مواضيع ذات صلة رئيس الجمهورية جوزاف عون من روما: وجودي هنا اليوم كرئيس للجمهورية اللبنانية ليس فقط لتقديم التعازي بوفاة البابا فرنسيس بل لأجدد تأكيد الدور الروحيّ والرساليّ الذي يحمله لبنان في هذا العالم Lebanon 24 رئيس الجمهورية جوزاف عون من روما: وجودي هنا اليوم كرئيس للجمهورية اللبنانية ليس فقط لتقديم التعازي بوفاة البابا فرنسيس بل لأجدد تأكيد الدور الروحيّ والرساليّ الذي يحمله لبنان في هذا العالم