الجزيرة:
2025-12-09@00:38:13 GMT

حرب دارفور الثانية.. هل يمكن تجنب الكارثة؟

تاريخ النشر: 24th, July 2023 GMT

حرب دارفور الثانية.. هل يمكن تجنب الكارثة؟

أصبح من المألوف أن تشاهد رتلا من السيارات تتجه غربا محملة بما يعرف بالغنائم، وأغلب هذه الأموال والمقتنيات لا تعدو أن تكون معظمها سوى ممتلكات مواطنين أجبرتهم حرب المئة يوم الدائرة رحاها بالخرطوم على مغادرة بيوتهم فرارا منها.

هذه الأموال ستكون عاملا حاسما في الجولة الثانية من الحرب، ومن المتوقع بشكل كبير أن يكون مسرحها دارفور.

كل من قوات الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح لا تريد لدارفور أن تشتعل، فالدعم السريع لا يريد نزاعا يبعده عن أرض المعركة في الخرطوم والحركات تخشى هزيمة نكراء إن واجهت الدعم السريع في فضاء دارفور.

وحدها الحكومة من تدعو في سرها لا جهرها أن تنتقل يوميات الصراع إلى هناك بعيدا عن الخرطوم. اعتادت الخرطوم التعايش مع حركات التمرد الطرفية في السنوات التي تلت استقلال السودان في عام 1956، حيث لم تشكل أي من هذه الحركات تحديا وجوديا لحكومة الخرطوم في التعامل معها وضبطها في الوقت المناسب، ولذا فانتقال الصراع إلى هناك هو أمل الحكومة.

يجب أن نطرح السؤال المهم: ماذا لو خسر الدعم السريع معارك الخرطوم؟ هنا سينفرط عقد الضبط والربط عند هذه القوات وستتحول إلى مليشيات غاضبة.

تمارين بالذخيرة الحية

بانتقال الحرب إلى دارفور تنتقل الحرب إلى منطقة مختلفة تمامًا، منطقة الجزاء بلغة كرة القدم، أي خطأ تكلفته قاتلة. قوات الدعم السريع التي تقاتل ضد الجيش السوداني تتكون في أغلبها من قبائل عربية تمكّن قائد قوات الدعم السريع من حشدها في حرب بلا غبينة، بل اجتهد عرابو الدعم السريع في إيجاد إحداثيات جديدة لشرعنة هذه الحرب واستيلاد الدافع المعنوي الذي يمكّنهم من ذلك، تارة بترويج أنها حرب على فلول النظام السابق من الإسلاميين، رغم أن الفريق حميدتي في الأساس هو أحد منتوجات حكومة "الكيزان" (الإخوان)، إذ إن 9 من أصل 10 أنجم تزين كتف محمد حمدان حميدتي كانت منحة من الرئيس المعزول عمر البشير.

وعليه، فالحديث عن دولة ما بعد الاستقلال التي همشت الهامش لا يجد سوقًا بين القوة الاجتماعية المناصرة لحميدتي، فاحتكار السلطة أكثر بروزًا في قوات الدعم السريع.

دارفور أرض المعركة القادمة

كل السيناريوهات تشير إلى أن الجولة الثانية من الحرب ستكون في دارفور، وإن لم ينتبه العالم أجمع ويوقف ذلك بأي شكل ستكون كارثة تفوق الوصف والتوقعات. إن انتصر الدعم السريع وتمكن من الاستيلاء على الدولة وما فيها سترتفع سقوف الأحلام بما يتجاوز أرض السودان. لكن قبل أن تصل رايات الدعم السريع إلى دول الجوار، بخاصة تشاد، سيكون عليه أن يخوض معارك ضد القبائل الأفريقية، حيث الثأر حاضر بين قبائل كثيرة اقتتلت في الماضي لأسباب لا تتجاوز العراك على شاحن أو هاتف أو سيارة، هناك حيث التنافس على الأرض بين المزارعين والتعالي العنصري بين الجميع، وكلٌّ يرى في الآخر كافة المناقص.

القبائل الأفريقية ترى في عرب البادية ضيفًا ثقيلًا عابرا من وراء الحدود يريد أن يشاركهم في الأراضي الزراعية المعروفة بالحواكير، بينما تظن القبائل العربية نفسها أنها تسمو بنسبها وأصلها العربي على ما سواها. هنا تتحول مكاسب الخرطوم في الحرب الجديدة القديمة في دارفور، وستتحرك المليشيات العربية مدفوعة بالزهو وآليات الدولة في معاركها الجديدة.

السيناريوهات الدامية

يبقى أن نطرح السؤال المهم وهو: ماذا لو خسر الدعم السريع معارك الخرطوم؟ هنا سينفرط عقد الضبط والربط عند هذه القوات وستتحول إلى مليشيات غاضبة وتمتلك أدوات مادية أفضل بجانب تدريب ساخن، ويُسخّر كل ذلك في حرب جديدة وغير محسومة في دارفور.

الانسحاب نحو دارفور لن يكون نزهة، فمعظم الحركات المسلحة في دارفور لم تقابل العناصر المهزومة بالزهور وستخرج من حالة الحياد الكاذب في هذه الحرب.

والحقيقة المجردة أن حركة التحرير والعدل بقيادة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة مني مناوي تناصران الجيش سرا، أما المجلس الانتقالي وحركة الطاهر حجر فتنسجان خيوطًا واهية من التواصل مع قوات الدعم السريع.

هذه الخطوط لن تصمد حين تُقرع طبول الحرب القبلية، فكل هذه الحركات تعدّ ممثلًا للقبائل الأفريقية أو تدّعي ذلك على وجه الدقة. وستحاول هذه الحركات أن تأخذ نصيبها من غنائم حرب الخرطوم كما ستعيد القبائل الأفريقية تموضعها لمواجهة جيش جرار ومفترس وقابل للاستفزاز إن لم تواجهه سيلتهمها بالكامل.

بوادر هذه المواجهة هو ما حدث في مدينة الجنينة من قتل جماعي لقبيلة المساليت قامت به المليشيات العربية المنتشية بما يحدث في الخرطوم، أو خطة المدافعة الحذرة التي يتبناها مني أركو مناوي في مدينة الفاشر والتي يمكن أن تكون شرارة الحرب القادمة.

الوحدة ضد المركز

هناك سيناريو آخر ينظر إليه بعض قادة الدعم السريع يتوجس منه قادة الحركات المسلحة ومن ورائهم القبائل الأفريقية. بدأ هذا السيناريو باجتماعات عقدها نائب قائد قوات الدعم السريع مع قادة هذه الحركات في دولة تشاد برعاية بعض الدول الإقليمية وبتشجيع من الرئيس التشادي، والفكرة تكمن في توحد كل الدارفوريين ضد الخرطوم لانتزاع السلطة ثم الجلوس لاحقًا لاقتسامها.

قادة هذه الحركات معظمهم لم ينسوا أن الذي فرّق شملهم وأذاقهم الهزيمة في دارفور لم يكن سوء الدعم السريع، وأن حريق دارفور الأول صنعته أيادي الجنجويد، لذا لن ينجح لقاء دولة توغو في توحيد أهل دارفور خاصة حينما يتحول إلى خطة عمل في الميدان متجاوزًا الشعارات.

هناك لاعبون خارج الملعب يمكنهم أن يرموا الميدان بالحجارة مثل الشيخ موسى هلال شيخ عشيرة المحاميد والخصم اللدود لقائد قوات الدعم السريع. موسى الذي حبسه حميدتي أكثر من 6 سنوات انطلق عائدًا إلى دارفور مستغلًّا السحب الدخانية التي تحجب رؤية أهل دارفور مثل قادة قبلائل المساليت الذين لم يتمكنوا حتى الآن من مواراة جثث قتلاهم في مدينة الجنينة غربي السودان. مثل هؤلاء من الصعب أن يضعوا أيديهم مع من يعتقدون أنه سفك دماءهم وشرد أهلهم ونزع سلاحهم.

تحييد أصابع الشيطان

السيناريو الأفضل هو أن يتمكن العالم من احتواء حرب الخرطوم عبر التفاوض والتنازل من الجانبين، لكن حتى التسوية السياسية للكارثة القادمة لن تمنع تفاقم الأوضاع في دارفور إن لم ينتبه العالم إلى الكارثة القادمة. التسوية ستحافظ على مكاسب مقاتلي الدعم السريع وغنائمهم من حرب الخرطوم، لكنها لن تحسم الصراعات المستقبلية بين قبائل دارفور بالدراجات البخارية والحصين والأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

ذلك زمنٌ ولّى وحان وقت استخدام الأسلحة الثقيلة وسيارات الدفع الرباعي، كل هذه ستكون بعضًا من غنائم الخرطوم التي ستحسم معارك المستقبل القريب في دارفور.

التدخل الدولي المحتمل يجب أن يقوم في البداية بتحييد الحواضن الإقليمية في صراع القبائل المحتمل، فقد ثبت بالدليل أن هناك من يخوض مغامرة جديدة في الإقليم الملتهب عبر مناصرته ودعمه غير المحدود لقوات الدعم السريع، حتى تشاد التي تقوم الآن بدور الناصح الأمين ستجد نفسها في أتون معركة حينما يستنجد أبناء القبائل المشتركة بأبناء عمومتهم من الداخل التشادي.

إن نجح العالم في غلّ يد تشاد في معركة دارفور المقبلة، وتكبيل أيدي اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ومنعه من إرسال المؤن والعتاد إلى حلفائه في دارفور، وقبل ذلك إقناع الدول الخليجية بأن هذه المغامرة الجديدة خاسرة وتكلفتها الدموية عالية، فكلها خطوات من شأنها أن تقلل من النزيف المتوقع حدوثه.

لكن هناك ما هو أهم؛ كيف السبيل إلى منع المركز من مناصرة طرف على آخر؟ جنرالات الخرطوم يناصرون هذه المرة القبائل الأفريقية لإضعاف حواضن الدعم السريع الاجتماعية حتى لا يعود في مرة جديدة ويقتلع سلطانهم. مهمة تنتظر العالم أن يجبروا قادة الجيش ألا يتورطوا في أزمة جديدة، ومن المفيد التلويح ببطاقة العدالة الدولية هذه المرة.

ثم قبل ذلك يحتاج العالم إلى وضع خطة دولية مسبقة للتعاطي مع أحداث الجولة الثانية من حرب الخرطوم التي ستدور رحاها في إقليم دارفور. رؤية تحدّ من تدهور الأحوال الإنسانية وتقلل من انتهاكات حقوق الإنسان، ثم تضع في المدى البعيد خطة تنموية شاملة تخرج دارفور من دائرة الفقر المفضي إلى الصراع.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع حرب الخرطوم فی دارفور

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: سقوط هجليج يمهد لفصل غرب السودان عن شرقه

قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إن سقوط مدينة هجليج النفطية في ولاية كردفان بيد قوات الدعم السريع يشكّل محطة حاسمة في اندفاعها من دارفور (غربي السودان) نحو النيل الأبيض، معتبرا أن السيطرة على المدينة تمهد لفرض فاصل جغرافي قد يعزل غرب السودان عن شرقه.

وتقع هجليج في ولاية غرب كردفان وتضم أحد أكبر حقول النفط في البلاد، وقد أكد الجيش انسحابه منها "لحماية المنشآت الحيوية" فيها، بينما حمّلت الحكومة قوات الدعم السريع مسؤولية انسحاب الشركات الصينية من قطاع النفط بسبب تدهور الوضع الأمني.

وأوضح حنا أن امتداد المعارك من الفاشر بشمال دارفور إلى بابنوسة وصولا إلى هجليج بغرب كردفان يعكس مسعى الدعم السريع للسيطرة على المساحات الحيوية والثروات، مؤكدا أن المدينة تمثل نقطة تؤدي عمليا إلى الطريق نحو النيل الأبيض وما يشكله من خط فاصل طبيعي.

وأضاف أن الحرب الحالية تدور في مساحة تتجاوز مليونا و800 ألف كيلومتر مربع، ما يجعل السيطرة على المواقع الغنية بالنفط والذهب عاملا مركزيا في ميزان القوة، وسط صعوبات لوجستية كبيرة تعاني منها قوات الجيش في الجبهات الممتدة.

ويعد حقل هجليج محطة رئيسية لضخ وتكرير ونقل النفط، وقد تعرض خلال الفترة الماضية لهجمات بطائرات مسيّرة نفذتها قوات الدعم السريع، في حين تحدثت مصادر حكومية عن انهيار سلاسل الإمداد وتضرر الاستثمارات الأجنبية بفعل التوتر الأمني المتصاعد.

عزلة ميدانية

وعن انسحاب الجيش، رأى العميد إلياس حنا أنه نتيجة "العزلة الميدانية" وضعف القدرة على التموين في مسارح العمليات الواسعة، موضحا أن القتال التقليدي بين الدبابة والطائرة يتطلب ثباتا لا يتوفر حاليا للجيش، بخلاف قدرة الدعم السريع على الحركة والمناورة.

وأشار إلى أن تطور العمليات في الفاشر وبابنوسة يعكس نمطا متكررا من الضغط على مواقع الجيش، لافتا إلى أن اختبار المرحلة المقبلة سيكون في كادوقلي بجنوب كردفان، باعتبارها مركز قيادة عسكرية سيحدد مدى قدرة الجيش على تثبيت خطوط دفاعه جنوبا.

إعلان

وكان مصدر عسكري قد قال للجزيرة إن هدف الانسحاب من هجليج هو حماية حقول النفط من الخراب، في حين أكدت مصادر حكومية أن الشركات الصينية أنهت شراكتها بعد 3 عقود بسبب المخاطر الأمنية وتعطل الإمدادات في غرب كردفان.

وبشأن المقارنة بين دارفور وكردفان، أوضح حنا أن دارفور تختلف في طبيعة الحدود والتمويل، إذ تحصل قوات الدعم السريع على دعم عبر الحدود الليبية، غير أن الهدف النهائي اليوم يتجاوز دارفور نحو الوصول إلى النيل الأبيض كخط عازل يعيد تشكيل الخريطة الميدانية.

واعتبر الخبير العسكري أن سيطرة الدعم السريع على مناطق النفط تتيح إمكانية تمويل الحرب عبر التهريب، محذرا من أن إبقاء هذه الثروة خارج سلطة الدولة يعزز التشظي (الانقسام)، ويمنح القوى المسيطرة غربا قدرة إضافية على فرض واقع جغرافي منفصل عن شرق السودان.

مقالات مشابهة

  • خبير عسكري: سقوط هجليج يمهد لفصل غرب السودان عن شرقه
  • بعد خسارة شريان النفط.. هل بات الجيش السوداني مجبرا على التفاوض؟
  • قوات الدعم السريع تسيطر على حقل هجليج الاستراتيجي.. ما دلالات الخطوة على الحرب في السودان؟
  • معارك ضارية في منطقة كردفان "الاستراتيجية".. ماذا يحدث في السودان؟
  • الكيان الصهيوني ومشروع تقسيم السودان
  • الحفرة التي سقطت فيها الفتاة: أهمية منع الإهمال لمنع الكارثة قبل أن تقع
  • أمريكا كانت تعرف، فلماذا سمحت بذبح السودانيين؟
  • وزير بحكومة إقليم دارفور: كارثة إنسانية تتفاقم في الفاشر وكردفان مع تمدد الدعم السريع
  • وزير إعلام دارفور: اعتداءات ميليشيات الدعم السريع تفاقم الكارثة الإنسانية وتُرهب المدنيين في غرب السودان
  • 79 ضحية بالسودان.. الخرطوم تدين هجوم الدعم السريع على كلوقي جنوب كردفان