في ظلال #طوفان_الأقصى “55”
إغاثةُ غزة نخوةٌ وشهامةٌ ونصرةُ المقاومة فريضةٌ وعبادةٌ
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
سأبقى أكتب عن غزة وأهلها، وعن فلسطين وشعبها، وعن أطفالها ونسائها، وشيوخها وشبابها، وعن شهدائها وجراحها، وعن بيوتها المهدمة ومبانيها المدمرة، وعن معاناتها وآلامها، وعن شكواها وأنينها، وعن حاجتها وما يلزمها، وعن ظروفها وما ينقصها، وعن كل شيءٍ فيها يخصها ويتعلق بها.
وسأصر على مواصلة الكتابة تحت هذا العنوان، ولن أَمَّلَ الحديث عنها والتحريض على نصرتها، والتشجيع على مساعدتها والوقوف معها، حتى تضع الحرب أوزارها، وينتهي القتال ويتوقف العدوان، ويعود أهل غزة إلى شمالهم وجنوبهم، وبلداتهم ومخيماتهم، وشوارعهم وأحيائهم، يعمرون بيوتهم ومنازلهم، ويستعيدون حياتهم التي كانت وطبيعتهم التي غابت.
فغزة وأهلها، وفلسطين ومقاومتها، هم البقية الباقية من الثلة القليلة والفئة الشريفة، التي ما زالت على العهد باقية وبالوطن مؤمنة، تحافظ على الوعد، وتعمل بصدقٍ وكدٍ لاستعادة الحق وحيازة المجد، إلى جانب الشرفاء الصادقين من العرب والمسلمين، الذين ساندوا مقاومتها، وأشعلوا الجبهات تضامناً معها، ووحدوا الساحات التزاماً بسياستهم، ووفاءً بوعدهم، وأداءً للواجب المكلفين به، وبذلوا في سبيل ذلك الدماء وقدموا الشهداء، وضحوا ببيوتهم وممتلكاتهم واستقرارهم، وربطوا وقف مقاومتهم بانتهاء العدوان على غزة، وهددوا العدو بمواصلة القتال وتوسيع الجبهات ما لم يوقف عدوانه ويسحب جيشه ويوقف حصاره.
اليوم غزة وأهلها وفلسطين وشعبها، يستنصرون كل عربيٍ ومسلمٍ، ويستصرخون كل حرٍ وثائرٍ، وينادون أصحاب الضمائر الحية وبناة الحضارة ودعاة الإنسانية، ليقفوا معهم، ويؤيدوا حقهم، ويدافعوا عن قضيتهم، ويوقفوا العدوان عليهم.
فطوبى لمن كان له معهم دورٌ وقام بالواجب المطلوب منه، وقدم ولم يتأخر، وأعطى ولم يبخل، وصدح بالحق ولم يجبن، واتخذ قراراتٍ جريئة ولم يضعف، فالمرحلة جداً خطيرة، والعدو يتربص بفلسطين كلها وربما بالعرب أجمعين، وإذا تمكن -لا قدر الله- من المقاومة الفلسطينية في غزة، فإنه لن يقف عند حدود، ولن يلتزم بسياسات، ولن يعترف بسيادات، بل سيمضي قدماً في قضم المزيد من الأراضي العربية، ومصادرة حقوقهم وسلب خيراتهم، فلا يظنن أحدٌ من العرب والمسلمين، شعوباً وحكوماتٍ، مولاةً ومعارضةً، أنهم في منجاة من هذا السرطان القاتل والأخطبوط الخطير.
وليعلم الجميع أن نصرة غزة وأهلها شرفٌ وكرامةٌ، ورفعةٌ وشهامة، ومروءة ونبالة، وأنه لا يقوم بها ولا ينال شرفها سوى الرجال الأطهار، وأصحاب الفضل الأشراف، ذوو الهمم العالية والأخلاق الرفيعة، فمن قام بهذا الدور تزكو نفسه، وتسمو روحه، ويحسن ذكره، وتطيب سمعته، ويصبح قدره في الدنيا عالياً ومكانته بين الناس كبيرة، وفي الآخرة تكون له الدرجة العالية الرفيعة والمنزلة الكريمة والصحبة الشريفة، إذ يرضى الله سبحانه وتعالى عنه ويغدق عليه، ويوسع عليه ويكرمه، ويفتح عليه من واسع رحمته وعظيم عطائه، فنصرة فلسطين بوابة الخير ودرب العزة وعنوان الشهامة، وفاعلها يؤجر ويثاب، وتاركها يؤثم ويستحق العقاب.
أما الذين يجبنون ويخافون، ويتخاذلون ويمتنعون، ويخافون ولا يستطيعون، ويصمتون على الجرائم ويسكتون على ما يرتكب في حق أهل غزة من فظائع، أو يتآمرون مع العدو ويتفقون معه، ويساندونه في عدوانه أو يؤيدونه في سياسته، ويحاصرون أهل غزة ويضيقون عليهم، ويبتزونهم ويستغلون ظروفهم، وينظرون إليهم وهم يموتون جوعاً أو يقتلون غيلة وحقداً، فإن الله عز وجل كفيلٌ بأن يرسل عليهم قارعةً من السماء تدمر ملكهم، وتفتت سلطانهم، وتخرب بلادهم، وتهوي بمكانتهم وتضعف اقتصادهم، وتحرمهم البركة وتنزع منهم الخير والمنفعة، وتجعلهم يركضون ولا يلحقون، ويبذلون ويخسرون، ويحاولون ولا ينجحون، فويلٌ لهم من غدٍ قادمٍ ومصيرٍ محتومٍ لاحق، وتاريختا يشهد وسجلات الحياة تحفظ.
لن ينسى الفلسطينيون أبداً من وقف معهم وأيدهم، ومن ناصرهم وساعدهم، ومن ضحى في سبيلهم وقدم من أجلهم، وستبقى ذاكرتهم تحفظ لأهل الفضل حقهم، ولأصحاب السبق دورهم، فهؤلاء قاموا بواجبهم الإنساني والقيمي والديني، قربى إلى الله عز وجل وأملاً في رضاه، أما من غدر بهم وتخلى عنهم، وتآمر عليهم وخذلهم، فحسابهم سيكون عسيراً، وسينالهم الجزاء الأوفى بأيدي شعوبهم جزاء ما ارتكبوا بحق الشعب الفسطيني، طال الزمان أو قصر، وتأخر العقاب أو تأجل، فهذه سنة الله في خلقه التي لا تتغير، ونواميسه في الكون التي لا تتبدل.
بيروت في 20/3/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى غزة وأهلها
إقرأ أيضاً:
4 أعداء يعوقون سير الإنسان إلى ربِّه.. تعرف عليهم وجاهدهم
كشف الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عن 4 أعداء يعوقون طريق الإنسان خلال سيره إلى ربِّه.
4 أعداء يعوقون طريق الإنسان خلال سيره إلى ربِّه
وقال جمعة إن الإنسانُ وهو في طريقه إلى الله، هناك أربعةُ أسبابٍ تعوق سيرَه إلى ربِّه سبحانه:
أولُها: نفسُه، والثاني: الشيطان، والثالث: الهوى، والرابع: الدنيا.
وأضاف أن هذه أعداء لبني آدم؛ لأنها تحاول أن تصدَّه عن سبيل الله، وتحاول أن تجذبه إليها، وتحاول أن تجعله يخرج عن الصراط المستقيم، وعن الطريق القويم، الذي هو أقصرُ طريقٍ يصل به العابدُ إلى ربِّه، فهذه الأمور الأربعة تعكِّر على الإنسان صفوَ توجُّهه إلى الله سبحانه وتعالى.
وتابع: "وفي الحقيقة إن أشدَّ هذه الأعداء هي: "النفس"؛ لأن الدنيا قد تكون وقد لا تكون، والشيطان يذهب ويجيء، والهوى يأتي ويذهب، ولكن النفس هي التي تصاحب الإنسان من الإدراك إلى الممات، ونحن نستطيع أن نميِّز سعيَها، وحجابَها، وشهوتَها عن باقي هذه الأعداء بالعود والتكرار، وهذا معنى قولهم – وهي قاعدة أيضًا –: «نفسُك أعدى أعدائك»".
فكيف نميِّز بين وسوسة الشيطان ودعوة النفس؟
فقالوا: إن وسوسة الشيطان لا تدوم، ولا تعود، ولا تتكرَّر؛ يحاول أن يوسوس في صدور الناس، فإذا لم يستجب الإنسانُ لهذه الوسوسة، وقاومها وانشغل عنها، فإنه لا يعود إليها مرةً ثانية، ويذهب ليوسوس له في شيء آخر.
فإذا وجد الإنسان من نفسه دعوةً بالكسل عن الصلاة، أو عن الذكر، أو دعوةً تدعوه إلى شيء مكروه أو محرم، ثم لم يجد في نفسه ذلك بعد هذا، فإن ذلك من وسواس الشيطان: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}.
فهذه أذيةُ الشيطان، وهو ضعيفٌ، ولا سلطان له علينا، والله سبحانه وتعالى أوكله ولكنه أضعفه، وأبقاه لكنه خذله. والشيطان نستطيع أن نتقي شرَّه من أقرب طريق وبأبسط وسيلة:
فالأذان يذهب الشيطان، والذكر يذهب الشيطان، ونقرأ خواتيم سورة البقرة فتذهَبُ الشياطين وتُحصِّن المكان، ونقرأ آيةَ الكرسي فإذا بنا نحتَمي بها من الشيطان، ونذكر أذكار الصباح والمساء فإذا بنا نحصِّن أنفسَنا من الشيطان.
فالشيطان يُرَدّ من أقرب طريق، وبأسهل طريقة، وحياة الإنسان مع الذكر، ومع القرآن، ومع العبادة، ومع الطهارة، ومع الأذان، ومع الصلاة، ومع الصيام، تجعل الشيطان يفرُّ ويذهب.
ولكن المشكلة هي: مشكلة النفس؛ لأن النفس تحتاج إلى تربية، والنفس تُعيد على الإنسان دعوته إلى التقصير، ودعوته إلى الحرام، ودعوته إلى المكروه مرةً بعد أخرى. فإذا ما قاومتَها في أول مرة عادت تُلحُّ عليك في المرة الثانية.
هذه هي "النفس الأمَّارة"؛ ولذلك استعملوا معها صيغةَ المبالغة، فهي: "أمَّارة" على وزن «فعَّالة»، وصيغة المبالغة فيها تكرار، وعود، ومبالغة، وفعلٌ كثير. فالنفس لا تأمر مرة ثم تسكت، بل إنها تُلحّ مرة بعد أخرى.
وإذا ما وجدتَ إلحاحًا على شيء، لفعلِ القبيح الذي أعرف أنه قبيح، والذي أعرف أن فيه تقصيرًا، أو فيه ذنبًا، ومعصيةً، فعليَّ أن أعرف أن ذلك من نفسي، وأنه ينبغي عليَّ أن أُربِّيها.
"النفس الأمارة بالسوء" هي أصل النفوس؛ عمومُ الناس تأمرهم نفوسُهم بالسوء. فإذا ما ارتقينا إلى ما بعدها، أي إلى "النفس اللوَّامة"، وجدنا هناك نزاعًا بين الإنسان وبين نفسه؛ مرةً تأمره بالمنكر، فيحاول أن لا يستجيب، ومرةً يستجيب ثم يتوب ويرجع، ويدخل في منازعة، وفي أخذٍ وردٍّ معها، إلى أن تستقر على "النفس المُلهَمة"، وهي الدرجة الثالثة من درجات النفس.
وبعضُهم قال: إن هذا بداية الفناء، وأن النفوس ثلاثة: "أمارة، ولوامة، وملهمة".
وبعضهم قال: إننا لا نكتفي ببداية الكمال، بل علينا أن نترقَّى فوق ذلك إلى أن نصل إلى: "الراضية، والمرضية، والمطمئنة، والكاملة".
وعلى كل حال، فهذه المراحل تبدأ في عموم الناس، مسلمِهم وكافرِهم، تبدأ بالنفس الأمارة بالسوء. إلا أن هذه النفس الأمارة عندها استعداد لأن تتحول إلى نفسٍ لوامة، وهذه النفس اللوامة لديها استعداد لأن تتحول إلى النفس الملهمة؛ فالاستعداد موجود، ولكن الشائع أن نفس الإنسان من قبيل النفس الأمارة بالسوء.