علي جمعة يكشف عن سبب شيوع الفساد والفتن بين الناس
تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك: ما ترك الله لنا طريقًا يبلّغنا رضاه وجنّته إلا أرشدنا إليه، وحثّنا عليه رسولُه الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وما ترك لنا طريقًا يؤدّي بنا إلى النار إلا حذّرنا منه، وأحدث لنا منه ذِكرًا، وتركنا رسول الله على المحجّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
سبب شيوع الفساد والفتن
وتابع: فلما زاغ الناس عن المحجّة البيضاء شاع الفساد، وفشت الفتن من حولنا؛ تلك الفتن التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «يخرج في آخر الزمان رجالٌ يختلون –أي يطلبون في خِداع– الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب؛ يقول الله عز وجل: أبي يُغترّون؟ أم عليّ يَجترئون؟ فبي حلفتُ لأبعثنّ على أولئك منهم فتنةً تدع الحليم منهم حيران» (رواه الترمذي). وفي ذلك تصديق لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال: 25].
وبين أن ذلك الحليم الذي يفكّر فلا يعرف قبيل الفتن من دبيرها، يحاول أن يعلم أين هو منها، فإذا به كأنّه في ظلماتٍ بعضها فوق بعض، كموج البحر. قال تعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].
فهي فتنٌ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا. ونحن في هذه الحال نريد أن نعتصم بحبل الله، ونتعلّق بسفينة النجاة التي توصلنا إلى الله بإذنه تعالى.
وأشار إلى أننا لابد أن نحاول معرفة أسباب ما يجري من حولنا؛ فإن العصر اتسم بالإنجاز الذي سبق الأخلاق والقيم، وسبق النشاط الفكري والتفكر والتدبر، وقدّمت المصلحة على الشريعة، وتقدّمت اللذّات على عبادة الله؛ فكان الناس في العصر على ثلاثة أنحاء: "فاجرٌ قوي، وعاجزٌ تقي، ومؤمنٌ كاملٌ وفيّ".
أمّا "الفاجر القوي" فيتبنّى مبدأ تقديم الإنجاز على القيم والأخلاق، وهو نموذج يخافه الجميع لقوّته، رغم ظهور فضائحه وسوء أخلاقه، ولا يرى في ذلك ضررًا ما دام ينجز وينجح في عمله.
ونحن نخشى على أولادنا من هذا النموذج، الذي يعلّمهم أن معيار النجاح في الحياة هو القوّة والإنجاز، ولو خالطه الفجور.
ما تقوم به الحضارة الإنسانية الحقيقية
وفي المقابل نرى تربية الله ورسوله لنا على غير هذا الشأن؛ فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يربّينا أن نكون أقوياء، وأن نأخذ بيد العاجز منا ونصل به إلى القوّة؛ فالعجز مذموم، خاصة إن كان في عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس.
غير أنّ "المؤمن العاجز خيرٌ من الفاجر القويّ عند الله"، وينبغي أن يكون كذلك عند الناس؛ فالمؤمن يمتلك القيم والأخلاق، والإصلاح هو البناء الذي تقوم به الحضارة الإنسانية الحقيقية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الفتن الحليم الفاجر تربية الله رسول الله رسول الله علی جمعة ل الله
إقرأ أيضاً:
متى سيبقى عطرك عالقا بالأذهان؟
يبدو أن لا أذن تسمع ولا عين ترى، فكم من محاضرات دينية نبهت، وتعرضت للتحذير من بعض الأفعال الخاطئة التي يمارسها بعض الناس عن "جهل".
فالبعض تتعجب من حجم إنفاقه السنوي في مساعدة الآخرين؛ ظاهريًا هو خير عميم، ولكن باطنه شر مستطير. كيف ذلك؟
تحدث الخطباء في منابر المساجد والجوامع عن أشخاص اعتنقوا فكر "الرياء والمظاهرة" كمسلك لهم في كسب ود الناس والحصول على الثناء، وارتداء ثوب الشهرة وحديث الناس عنهم وعن أعمالهم، لكنهم والله أبعد من أن يكونوا ذوي تقوى وورع، فكل ما يقومون به هو تسخير الآخرين في خدمة أنفسهم وإدارة أمورهم عند الناس!
وكم من عارف بالله أسدى لهم النصيحة وحثهم على تقوى الله في الناس وعدم التشهير بحوائجهم، لكن قسمًا كبيرًا منهم لا يعي ولا يرتدع، بل يتمادى في التلذذ بسؤال الناس لهم، ومن ثم يكشف أسرارهم على الملأ، مدعيًا أنه كان عونًا لهم في محنتهم، ناسٍ بأن الله قادر على كل شيء.
البعض حتى اللحظة لا تعجبه هذه النصيحة: "اعمل الخير بصوت هادئ فغدا يتحدث عملك بصوت مرتفع"، وأيضا يعرض تماما عن قول آخر: "اترك أثرا طيبا أينما حللت، فإنما الإنسان أثر.. فانظر ما أنت تارك خلفك، أينما حللت اترك أثرا جميلا: كلمة طيبة، معاملة حسنة، خلقا كريما، مكانا نظيفا. أنت تنساه، لكن الله يحفظه لك"، وقول ثالث يقول: "كن ذا بصمة في قلوب تمر بها وتمر بك.. كن معطاءً سخيًا، كن ذا أثر في حياة من تحب، وفي حياة الناس جميعًا، اترك أثرًا طيبًا أينما حللت.. سترحل يومًا ويبقى عطرك عالقًا بالأذهان".
هي أقوال خالدة ونصائح ذات قيمة كبيرة، ولكن البعض لا يفكر فيها، بل يسعى دوما لتحقيق مصالحه، أما حوائج الناس فهي الطريق الذي يسلكه لإيذائهم. فبعض الناس يعد قائمة طويلة ممن قام بمساعدتهم، ثم يعرضها على الملأ معتقدًا أنه قام بإنجاز عظيم، لكنه والله فعل ذميم.
إن قضاء حوائج الناس بالكتمان يكون أثره عظيمًا عند الله والناس، فالدين الإسلامي ينهى عن التشهير بحاجات الناس وكشف جوانب النقص التي يعانون منها. فالله سبحانه وتعالى منحك الخير وأعطاك من حيث لا تحتسب، فلا تنفق من أجل الرياء والتعالي ونسب الفضل إليك.
من الأشياء الراسخة في الحياة أن الإنسان بعد سنوات من سيره في طريق الظلالة سيدرك شيئا مهما، وهو أن الزمن لا يتوقف، والأيام هي من تعلم البشر ما لا يتوقعون حدوثه. فقد يبدل الله حالك إلى حال آخر، وهناك نماذج بشرية كثيرة تغيرت حياتهم من الغنى إلى الفقر، لذا عليك أن تكون على الدوام مستعدًا، وستدرك أن الخسائر قد تأتي إليك فتحسر مالك ونفسك.
ومن الثوابت في الحياة الدنيا أن الإنسان يرتقي بعمله الصالح الموجه إلى الله عز وجل، فقد تظفر بدعوة خالصة من قلب صادق تُستجاب، فتربح دنياك وآخرتك، وربما تصلك دعوة أخرى من روح أحبتك أو نفس، فتُرد إليك جميل صنعك فتُثاب على عملك الصالح.
أما سألت نفسك يومًا: متى سيبقى عطرك عالقًا بالأذهان؟
والجواب: عندما تترك أثرا طيبا في نفوس الناس، سيصلك دعاؤهم وترحمهم عليك. فكن على حذر من الدنيا، فكل ما في جيبك الآن سوف يذهب إلى غيرك، فالأكفان، كما نعلم، ليس بها جيوب مخفية يمكن أن نخبئ فيها ما نملك من متاع الدنيا.