الولايات المتحدة الأمريكية.. إلى أين؟
تاريخ النشر: 16th, November 2025 GMT
عصفت بذهني مجموعةٌ من التساؤلات والأفكار بخصوص الوضع الأمريكي الذي دخل نفقًا مظلمًا في عهد رئيسه الحالي منذ أول يوم في البيت الأبيض؛ فبداية مع مناكفاته اللسانية وتصعيداته ضد عدد كبير من دول العالم ورؤسائها، وتهديداته العسكرية غير المتزنة وغير واضحة الأهداف ضد دول أخرى، وإجراءاته الاقتصادية العالمية المُربكة لأسواق المال، ودخوله المباشر الصريح إلى حرب غزة والهجوم على إيران، ومؤخرا هجومه العسكري على فنزويلا وتهديداته العسكرية ضد نيجيريا، وسريان الإغلاق الحكومي الذي يعكس التدهور المالي والاقتصادي الأمريكي المكبّل بالديون، وتنامي أزمة الجوع في أمريكا التي بلغ عدد المتضررين فيها عشرات الملايين من الأمريكيين.
نبدأ بالمنطق الأمريكي السياسي العام المعني بتأويل الذهنية الخاصة بالنخبة السياسية الأمريكية، ولعلّ أفضل من يمكن أن نستعين به في فهم هذه المعادلة الأمريكية وظواهرها السياسية هو عالم اللسانيات الأمريكي «نعوم تشومسكي» كما أشار إلى ذلك في مؤلفاته أهمها ما جاء في كتاب « Hegemony or Survival: America›s Quest for Global Dominance» « الهيمنة أو البقاء: سعي أمريكا إلى الهيمنة العالمية» الذي يلخص فيه توجّه الولايات المتحدة الأمريكية وإستراتيجياتها الإمبراطورية بعد الحرب العالمية الثانية عبر سعيها الدؤوب لضمان بقائها القوة العسكرية والاقتصادية المهيمنة عالميا، من دون بروز أنداد لها، وتتركز مواقع هيمنتها خاصة على المناطق الغنية بالموارد الطبيعية ـ النفط والغاز والمعادن ـ في مقدمتها مناطق الشرق الأوسط، وهذا يقودنا إلى فهم أسباب بقاء منطقة الشرق الأوسط في حالة عدم استقرار منذ الحرب العالمية الثانية التي تُوّجت بزرع كيان دخيل على المنطقة استفادت بوجوده القوى الكبرى أهمها أمريكا التي تجد من إسرائيل حليفا إستراتيجيا لها في المنطقة يضمن بقاء نفوذها العالمي العسكري والاقتصادي. تُطلعنا كتب «تشومسكي» ونصوصه على كثير من ملامح الذهنية السياسية الأمريكية التي تعمل على توزيع العالم ـ كما نشهد الآن ـ إلى مناطق نفوذ حسب الموارد والثروات أو الجغرافيا الإستراتيجية لتقبع تحت سيطرتها وسيطرة حلفائها.
كذلك يلخّص لنا «تشومسكي» الترجمة العملية للذهنية السياسية الأمريكية في ثلاث قوى تتحرك بواسطتها الولايات المتحدة الأمريكية لضمان هيمنتها العالمية، ويراها في القوة العسكرية المباشرة التي تتمثّل في شكل حروب واحتلال مباشر للدول وانتشار لقواعد عسكرية وتدخلات استنادا إلى ذرائع عدّة مثل «مكافحة الإرهاب» أو «الدفاع عن الديمقراطية» أو «نزع الأسلحة النووية»، وكذلك يجدها في القوة الاقتصادية عن طريق مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واتفاقيات التجارة؛ لفرض توصياتها الاقتصادية سواء تحت مظلة الدعم المالي أو قرضه أو ما يرافق اتفاقيات التجارة؛ فتُضعف سيادة الدول وتمارس عليها الضغوط لبيع أصولها أو مؤسساتها الاقتصادية وفتح أسواقها بشروط مجحفة تصب في صالح الطرف الأول «أمريكا». كذلك يُدرِج «تشومسكي» التدخلات السرية والسياسية باعتبارها قوة ثالثة لا يمكن أن تنفصل عن الأجندة الأمريكية التي تكون في العادة رديفة للقوة الثانية عبر ما يُعرف ب»الاغتيال الاقتصادي» الذي يكون بطابعٍ استخباراتي إن لم تُجْدِ الضغوط التقليدية، وتشمل أيضا دعم الانقلابات داخل الدول المناوئة للتوجهات الأمريكية، ودعم القوى المعارضة الحليفة، وفرض العقوبات على الحكومات المتمرّدة على السياسة الأمريكية، والتي تشكّل تهديدا لمصالحها السياسية والاقتصادية.
بتعقّبنا للذهنية الأمريكية، لا نجدها، في صورتها الحاضرة مختلفة كثيرا عن ماضيها خصوصًا منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ إذ أفرزت تلك الحقبة ظهور خصمٍ قوي لأمريكا، ونقصد به «الاتحاد السوفيتي» ومشروعه الشيوعي الذي عكفت أمريكا على مواجهته بحرب باردة طويلة تمثّلت في سباق تقني وفضائي قوي خاضه الطرفان، ومولت فيه أمريكا حروبًا ضد الاتحاد السوفيتي، أشهرها حرب أفغانستان في ثمانينيات القرن المنصرم، وانهارت أسطورة الشيوعية واتحادها السوفيتي مع بداية تسعينيات القرن العشرين؛ لتلتقط أمريكا أنفاسها وتطمئن إلى بقائها الدولة ذات النفوذ الأكبر في العالم عسكريا واقتصاديا، غير أن ذلك لم يدم طويلا مع بروز التنين الصيني الذي أخذ ينمو بهدوء غير ملحوظ؛ ليقترب في وقتنا الحالي من مرحلة التحول إلى خصم عسكري واقتصادي جديد لأمريكا، وهذا ما يفسّر بعضا من سلوك ترامب غير المتزن الذي بسببه أربك أسواق المال، وتزامن مع الحرب الروسية على أوكرانيا والإنفاق الأمريكي غير المجدي لدعم أوكرانيا، ودعمها غير المحدود للكيان الصهيوني في حروبه الإجرامية القذرة؛ فأفرزت كل هذه السياسات بما رافقها من همجية «أمريكية» إلى خلل في الداخل الأمريكي من حيث تفكك مجتمعه وأحزابه وانقساماته السياسية المعارضة لكثير من سياسات ترامب وإدارته -الداخلية والخارجية- بما فيها رفضهم القاطع لشعار «إسرائيل أولا» المطالب بوقف المساعدات الأمريكية لإسرائيل من قبل عدد من نواب الأحزاب -الجمهوري والديموقراطي- والمجتمع الأمريكي.
استنادًا إلى مسار الولايات المتحدة التاريخي ورهان ذهنيتها القائمة على مبدأ تفوّق القطب الواحد؛ فإننا أمام سيناريوهات محتملة مثل التهاوي الاقتصادي الأمريكي نتيجة قصور الحكمة السياسية والاقتصادية، ويتعاظم تحقق هذا السيناريو مع استمرار الحماقات مثل الانخراط في حروب مباشرة ومساعي احتلال دول أخرى ونهب ثرواتها الطبيعية، وتصعيد خيار المواجهة الاقتصادية مع الصين، وغيرها من الممارسات المتهورة؛ فكلها ستصب في صالح تنامي تشكّل قطب عالمي مناوئ ـ الذي تشكّل أصلا ـ واتساع سطوته العسكرية والاقتصادية؛ ليكون خصمًا منافسًا، وأشكُ في قدرة الولايات المتحدة في مواجهته كما فعلت مع خصمها السابق «السوفييت»؛ إذ لم تعد تملك كثيرا من أوراق النصر المتمثّلة في القوة الاقتصادية ـ الآخذة في التراجع مع النمو الصيني والإنفاق العبثي ـ وتراجع ثقة الحلفاء بسياسات حكومة ترامب ونضيف معهم الخصوم الذين سبق أن جربوا الخيانة الأمريكية لعهودها معهم مثل إيران وروسيا وغزة.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الذی ی
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تختبر قنبلة نووية
الثورة نت/وكالات أعلن مختبر “سانديا” التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، أنّ “طائرة مقاتلة من طراز إف-35 أسقطت قنابل نووية من طراز بي-61-12 بدون رؤوس حربية في ميدان تونوباه للتجارب في نيفادا” ،حسبما أفادت وسائل إعلام أمريكية اليوم السبت. وأوضح المختبر أنّ “الاختبارات أجريت في الفترة من 19 إلى 21 أغسطس، في إطار تقييم سنوي لموثوقية الترسانة النووية وتدريب الطيارين”. وقد مددت مدة خدمة قنابل “بي-61-12” لمدة 20 عاماً أخرى في عام 2024. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكد نيته استئناف الولايات المتحدة تجارب الأسلحة النووية “قريباً جداً”، دون تقديم أي تفاصيل. كما أعرب عن تأييده لنزع السلاح النووي، معلناً رغبته في عقد اجتماع مع قيادات روسيا والصين بشأن هذه القضية. في غضون ذلك، من المقرر أن يجتمع مسؤولون من وزارة الطاقة مع مسؤولين من البيت الأبيض لرفض فكرة ترامب بشأن إجراء تجارب نووية متفجرة، وفق ما أوردت “سي أن أن”. ويعد هذا أحدث مؤشر على تداعيات منشور ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي في أكتوبر، والذي أصدر فيه تعليمات لوزارة الدفاع ببدء اختبار الأسلحة النووية “بسبب برامج اختبار دول أخرى”.