لا تتوقف البارجات والطائرات الأمريكية عن النشاط العسكري الذي يشمل هجمات على البر اليمني لملاحقة أسلحة وصواريخ وطائرات مسيّرة ومنصات إطلاقها، لجماعة الحوثي، في تكرار حرفي لحرب التحالف العربي الذي وضعت أمامها واشنطن خطوطا حمراء كثيرة ومارست بسببها ابتزازا مقززا للرياض، ويريد الأمريكان من الجميع أن يقتنعوا بأنهم يتصرفون بشكل مناسب، وأن كل مقارباتهم نموذجية تجاه اليمن المنكوب.



تبنت واشنطن سلسلة من التدابير المهمة تجاه جماعة الحوثي من بينها إعادة تصنفيها منظمة إرهابية، وإن بمستوى أقل حدة من التصنيف الذي فرضه الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن ذلك لم يكن بهدف ترويض موقف الجماعة التفاوضي حول خارطة الطريق المؤدية إلى إنهاء الحرب في اليمن، بل من أجل مواجهة التطور العسكري الناشئ في البحر الأحمر والناجم عن الهجمات الحوثية على السفن التجارية العابرة في الممر البحري الدولي الهام.

وتعلم واشنطن أكثر من أي طرف دولي أن النشاط العسكري لجماعة الحوثي في البحر الأحمر يتكئ عمليا على دعم إيراني مثابر ممتد لسنوات، يشمل الصواريخ والمسيرات والأسلحة النوعية الأخرى؛ في ظل التواطؤ الواضح من جانب البحرية الأمريكية والغربية المتواجدة في بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، رغم أنها كانت ترفع عن نفسها الحرج من وقت لآخر؛ بوضع اليد على شحنة أسلحة كلاشينكوف أو بعض المكونات التي تدخل في تركيب أسلحة أكثر تعقيدا، ثم لا يعلم أحد إلى يد من تنتهي تلك الأسلحة.

ما من دافع أخلاقي وراء التحديثات المفاجئة في المقاربة الأمريكية تجاه اليمن، سوى أن واشنطن لا تريد أن تظهر أمام المجتمع الدولي وكأنها تتواطأ مع الحوثيين الذين يُفترض أنهم يهددون الملاحة الدولية ويلحقون الأذى بالتجارة والاقتصاد الإسرائيليين، ويتسببون في كارثة اقتصادية لمصر التي فرضت عليها واشنطن أن تمارس دور الحياد أو تبدو كذلك، إزاء العدوان الصهيوني الغاشم وجرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني
خلال السنوات الماضية من زمن البحر وفي السنوات الخمس الأخيرة على وجه الخصوص، تبادلت الرياض وواشنطن -وهما العاصمتان الأكثر تأثيرا في مسار الأزمة والحرب اليمنيتين- السلوك التكتيكي نفسه في مقارباتهما لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن، على نحو لا يعكس سوى الأولويات الأنانية لكلا البلدين، ويُبقي السلام الذي ينشده اليمنيون بعيدا إلى حد كبير، ومرهونا بترتيبات لا تمس المسببات الأساسية للحرب، ولا تتضمن نية من أي نوع للقيام بالخصم المؤثر من المكاسب العسكرية والجيوسياسية للجماعات المسلحة ذات الأجندات السياسية المتصادمة من النظام الجمهوري الديمقراطي ومع وحدة التراب الوطني لليمن، وهي جماعات تشكلت وبسطت نفوذها بفعل التكييف الخارجي السيئ لمعركة استعادة الدولة ضد مع أهدافها الواضحة، والدعم المفتوح من قبل القوى الخارجية لهذه الجماعات.

تبدو الولايات المتحدة الأمريكية اليوم أنها حريصة على تذكير السعودية بضرورة تجميد أو التراجع عن الخطوات التفاوضية المنفردة التي قررت المضي بها مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران، بعيدا عن السلطة الشرعية اليمنية، والقوى السياسية والعسكرية المرتبطة بها، وهو ما لا تحبذه أو ترغب فيه الرياض. وثمة ما يرشح عن وجود خطط أمريكية تكتيكية لإعادة إحياء الدور العسكري للقوى المحسوبة على الشرعية والتي كانت قد أجهضته واشنطن على مشارف ميناء الحديدة نهاية 2018، بعد أن أجبرت الشرعية على الذهاب إلى تفاهمات ستوكهولم والقبول باتفاق الحديدة الناتج عن تلك التفاهمات، ولم يُنفَّذ على أرض الواقع حتى اليوم؛ بل عزز من قبضة الحوثيين على أهم وأكبر موانئ البلاد على البحر الأحمر.

ما من دافع أخلاقي وراء التحديثات المفاجئة في المقاربة الأمريكية تجاه اليمن، سوى أن واشنطن لا تريد أن تظهر أمام المجتمع الدولي وكأنها تتواطأ مع الحوثيين الذين يُفترض أنهم يهددون الملاحة الدولية ويلحقون الأذى بالتجارة والاقتصاد الإسرائيليين، ويتسببون في كارثة اقتصادية لمصر التي فرضت عليها واشنطن أن تمارس دور الحياد أو تبدو كذلك، إزاء العدوان الصهيوني الغاشم وجرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وتكتفي بدور الوساطة.

لحسن الحظ أن حرب أوكرانيا والعدوان على قطاع غزة قد فضحا ما يمكن وصفه بـ"المثالية الأمريكية المصطنعة"، التي قادت قاطرة المواقف الغربية تجاه اليمن طيلة السنوات الماضية من زمن الحرب، وكان العنصر الأقوى فيها هو فرض المفاوضات كخيار لا بديل له، للوصول إلى السلام، وهو توجه شكل استمرارا للمقاربة الغربية العدائية التي كانت قد سهلت للحوثيين إسقاط صنعاء ومعها العملية السياسية، عبرت مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه الأزمة والحرب في اليمن عن اضطراب غير معتاد في سياسات واشنطن تجاه الأزمات الدولية، والأمر لا يتعلق باليمن بشكل مباشر، بل بالأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة فيه، وبالتوجه نحو إعادة تصميم المنطقة، وإلى التباين في مواقف الحزبين الأمريكيين الرئيسيين تجاه الحليف السعودي، وإلى طغيان البعد الأيديولوجي، وإلى حضور المعطى الإسرائيلي وارتباطه بالتوجه نحو تصفية الدولة الفلسطينيةوأطلقت يد الجماعة الطائفية لتفرض سيطرة عسكرية وسياسية على اليمن، مقابل قيامها بخوض معارك استعراضية مع بضع عشرات من العناصر الإرهابية المزعومة المحسوبة على تنظيم القاعدة في وسط البلاد.

لقد عبرت مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه الأزمة والحرب في اليمن عن اضطراب غير معتاد في سياسات واشنطن تجاه الأزمات الدولية، والأمر لا يتعلق باليمن بشكل مباشر، بل بالأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة فيه، وبالتوجه نحو إعادة تصميم المنطقة، وإلى التباين في مواقف الحزبين الأمريكيين الرئيسيين تجاه الحليف السعودي، وإلى طغيان البعد الأيديولوجي، وإلى حضور المعطى الإسرائيلي وارتباطه بالتوجه نحو تصفية الدولة الفلسطينية.

وخلاصة القول، إن الأزمة والحرب في اليمن تطورت بشكل دراماتيكي، وعكست في كل المراحل الأنانية الدولية الإقليمية والاستهانة باليمن وشعبها، وكرست للأسف تشظي وارتهان القوى الوطنية وتوزعها على مشاريع؛ جميعها تمضي قدما في تمزيق التركة الجيوسياسية التي خلفها نظام على علي عبد الله صالح بعد ان أثخن فيها ووضع كل إمكانياتها تحت تصرف إيران وحليفها الحوثي، وساهم خَلَفه عبد ربه منصور هادي في توفير الغطاء الدستوري لكل المؤامرات الداخلية والخارجية؛ لنجد أنفسنا أمام هذا الجمود وهذا الحصاد المر.

x.com/yaseentamimi68

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمني السعودية الحوثيين امريكا السعودية اليمن الحوثيين مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البحر الأحمر تجاه الیمن فی الیمن

إقرأ أيضاً:

ناشيونال إنترست: الحملة الأمريكية على اليمن مضللة ولم تكن ضرورية

وقالت مجلة ناشيونال إنترست الامريكية"  عندما شنت الولايات المتحدة "عملية" في اليمن كانت الهجمات اليمنية تستهدف "إسرائيل" وليس السفن الأمريكية .

وأضافت "  الاتفاق أعاد الوضع الراهن الذي كان قائما بين الولايات المتحدة و"اليمنيين " قبل الحملة.

لافتة الى ان إدارة ترامب كانت مُحقة في الانسحاب من الحملة باليمن مع ارتفاع تكاليفها ومخاطر تصعيدها.

وأشارت ناشيونال إنترست الى ان معظم شركات الشحن لا تخطط للعودة إلى البحر الأحمر إلا بعد انتهاء حرب غزة.

موضحة  ان حدود القوة الجوية في اليمن اتضحة بعد شهر واحد من تنفيذ ضربات شبه متواصلة وفشلت أمريكا في تحقيق تفوق جوي.

وقالت"  بعد وقف إطلاق النار أقرّ أحد المسؤولين بأن اليمن لاتزال تحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة.

مؤكدة ان إنهاء حرب غزة هو الخيار الأمثل لوضع حدّ للهجمات من اليمن.

مقالات مشابهة

  • إيران تعلن استعدادها السماح بدخول مفتشين أميركيين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا تم التوصل إلى اتفاق مع واشنطن
  • واشنطن تعلن دعمها لعقود النفط الأمريكية مع أربيل: تنفع جميع العراقيين
  • المنظمة الدولية للهجرة والولاية الشمالية: “معالجة قضايا الهجرة المقننة وغير المقننة”
  • الكرملين: المواقف الأمريكية متزنة تجاه تسوية الأزمة الأوكرانية
  • من التصعيد إلى التهدئة.. ماذا وراء الانسحاب الأمريكي من اليمن؟
  • صاروخ جديد من اليمن تجاه الأراضي المحتلة.. هو الثاني خلال ساعات (شاهد)
  • صاروخ جديد من اليمن تجاه الأراضي المحتلة.. مر من فوق القدس (شاهد)
  • أحمد موسى يكشف عدد الشركات الأمريكية التي تعمل في مصر
  • ناشيونال إنترست: الحملة الأمريكية على اليمن مضللة ولم تكن ضرورية
  • بطولة لبنان الدولية للناشئين في الغولف.. إليكم النتائج