لم يكن الأمر منذرًا بسوء..
هكذا تحركت بتلقائية مغادرة فراشى الذى لم أكن قد توسدته، بعد يوم عمل طال.. رغم بعض الدوار الذى أشعر ببدء احتلاله رأسي.
أفكار عدة تزاحم عقلي، وتجبرنى على الانشغال بها وأنا أتلمس لقدمى موطئًا فى ظلام لم أهتم بهتكه بضغط زر الإضاءة، فما أفكر فيه كان حقا أهم.
دلفت حيث أزيح عن كفى شقاء اليوم، فتحت الصنبور وسمعت بأذنى انهمار المياه منه و.
وكان هذا آخر ما تناهى إليّ فى تلك اللحظات..
لم أشعر بشيء، ساد ظلام أكثر، لا أظنه طال، فقد أفقت على صوت ارتطام رأسى بشيء صلب جدا، فصرخت متأوهة، وإذا بالجميع متحلق حولي، يحاول ابنى استجلاء الأمر وتنظر إلىّ طفلتى بحيرة باكية.. وتقف أمى متكئة على عصاها ولا تدرى ماذا تفعل.
للحظة شعرت وكأننى فى حلم سمج، ماذا حدث؟
اكتشفت أننى أجلس بكامل ملابسى فوق قاعدة التويلت التى تواجه «الحوض»، وقد ابتلت ملابسى تماما..
فتحت عينى بصعوبة، أشعر بألم لا يطاق فى مؤخرة رأسى وجانب ذراعى الأيسر وظهري، وما زالت الأفكار تدور برأسي.. الآن بدأت أفهم..
دوار مفاجئ ثم إغماءة فسقوط، كلها حدثت فى لحظات، لكن الغريب وهو ما استدعى أن أدون ذلك فى مقال، أننى حين شعرت بدوار وحدثت الاغماءة، تهاوى جسدى للخلف ثم سقط فوق «القاعدة»، واصطدمت رأسى بشدة بالسيفون خلفي، لتتسبب تلك الصدمة العنيفة فى إفاقتى بعد لحظات...
حاول ابنى أن يساعدنى على النهوض لكنه لم يستطع، فقررت ألا أغادر مكانى إلا بعد أن أتمالك جسدى تماما، وقد كان..
تهاويت على الفراش وأنا غير مصدقة لما حدث، لم أفكر فى أسبابه طبيا ولا واقعيا، بل إن ما شغلنى حقا هو آلية ما حدث وأسبابه الميتافيزيقية التى قد لا أعلمها..
لماذا قدر الله أن تكون لحظة إغماءتى هى تقريبا نفس لحظة إفاقتي، فكان ارتطام رأسى الشديد سببا فى إفاقتي؟!
وتساءلت.. هل إذا طالت إغماءتى سيتمكن أطفالي وأمى المسنة من التصرف ومحاولة إفاقتي؟ هل سيستطيعون حملى إلى فراشي، واستدعاء طبيب؟
الإجابة واضحة.. بالطبع لا، وربما إن حاولوا مساعدتى قد أسقط من بين أيديهم لأصاب إصابة أكبر، قد تودى بحياتى مثلا..
هكذا أيقنت أن الله قد يرسل إلينا ابتلاء ليقينا ابتلاء أكبر منه، قد يصيبنا ألم نراه فى حينه عظيما «ارتطام رأسي»، ليجنبنا ألما أكبر وينقذنا من مواجهة ما لا نقدر على مواجهته، فيصبح الألم بوابتنا إلى التعافى «الإفاقة».
لندرك ببساطة أنه «لو علمتم ما فى الغيب لاخترتم الواقع»، هكذا يعلم الله ما يمكننا تحمله وما لا يمكننا تخطيه.
اعتدت هذا مع ربي، دائما أبدا أشعر بمجاورته لي، يده التى تمتد فى اللحظات الحاسمة لتنقذ ضعفى من مغبات كثيرة، هو خالقى الذى يدرك ألا مسئول سواي، وأن سقوطى لا بد له من نهاية سريعة، فلا سبيل سوى انتهائه، هكذا يتحول كل ما مررت به من ابتلاءات لمحطات لا تقيم، مهما طالت آثارها، إلا أننى فى كل مرة أنهض لأنفض عنى غبار السقوط وأمسك بأيدى أطفالى وأكمل الطريق، غير ملتفتة لألم مضى، فكل الآلام مصيرها حتما للنسيان، ولن يبقى إلا صمودنا ومسئوليتنا عمن نعول.
وكما اعتدت عقب كل ابتلاء يلهج لسانى بالحمد لله، وجدتنى أردد فى خشوع «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون».
نعم، الله يعلم ونحن لا نعلم، فاللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نبضات سمية عبدالمنعم
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان.. الودق الذي يُطفئ الحروب
د. أحمد بن علي العمري
سلطنة عُمان… بلد الأمن والأمان والسلام والإسلام والاعتدال والحياد والأعراف والعادات والتقاليد وحسن التعامل والتسامح، حيث إن الأعراف والتقاليد لدى العُماني أقوى من أي قانون؛ الأمر الذي جعلها محل ثقة وتقدير واحترام العالم أجمع دون استثناء.
ومع ذلك؛ فالرأي مفتوح للجميع، وسقف الحرية مرتفع بحكم القانون العُماني. ولقد لفت انتباهي الانطباع الذي خرج به المشاركون في معرض مسقط الدولي للكتاب من زوار ومؤلفين وناشرين؛ حيث عبّروا عن الحرية التي وجدوها؛ فهناك الكثير من الكتب التي يُمنع نشرها في العديد من الدول وجدت حريتها في عُمان تنتظرها، وأكدوا أن في عُمان مجالًا رحبًا للرأي والرأي الآخر، وأفقًا للرأي الواسع، كما أشاروا إلى حفظ الحقوق واحترام وتقدير الآخرين.
لقد وجدوا التطبيق الفعلي لعدم مصادرة الفكر؛ بل حمايته وتهيئة الجو المناسب له، فقد قالها السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -: "إننا لا نصادر الفكر.. أبدًا"، وأتت النهضة المتجددة لتؤكد على استمرارها ونموها وتوسعها؛ فأضحت عُمان بلا منازع محل تقدير ومركز تسامح وموقعًا لثقة الجميع.
المعروف أن الودق هو المطر الذي يُنهي الجفاف ويحيي الأرض، وفي السياق الأدبي أو الثقافي يُستخدم كرمز للخير والسلام، وعندما نقول إنه يطفئ الحروب، فهو تعبير مجازي عن دور عُمان التاريخيّ في إخماد النزاعات بالحكمة والدبلوماسية، كما فعلت عبر تاريخها في الوساطة بين الأطراف المتنازعة.
إن سلطنة عُمان معروفة بسياسة الاعتدال والحوار؛ سواء كان ذلك في محيطها الخليجي أو العربي أو على المستوى الدولي، مما جعلها صانعة للسلام بامتياز. وهكذا فإن الودق العُماني ليس مجرد مطر مادي، وإنما هو إشارة للغيث الأخلاقي في البوتقة السياسية الذي تقدمه عُمان لتهدئة الصراعات ومسبباتها ووأد الفتنة في مهدها.
لقد وقفت السلطنة كعادتها الدائمة والثابتة والراسخة على الحياد؛ فلم تقطع العلاقات مع جمهورية مصر العربية إبان اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك الحياد في اتفاقيات مدريد وأوسلو ووادي عربة، وبقيت محايدة في الحرب العراقية الإيرانية، ولم تتدخل في الحروب التي تستعر هنا وهناك من حينٍ لآخر؛ فلم تتدخل في حرب ليبيا، ولا الصومال، ولا اليمن، ولا السودان؛ بل أغلقت أجواءها أمام الاستخدام العسكري لأي من الطرفين المتنازعين.
وقد كانت الوسيط لإطلاق عدد كبير من المحتجزين للعديد من الدول، كما إنها كانت وسيط الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وحاليًا تقوم بالوساطة ذاتها بين أمريكا وإيران للوصول إلى اتفاقية ثابتة وملزمة ومحكمة.
ومؤخرًا تدخلت السلطنة لإطفاء الحرب الملتهبة بين أمريكا واليمن، والتوصل للاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهي حرب بالغة في التعقيد، لكن الدبلوماسية العُمانية المعهودة كان لها التأثير السلس الذي يتواصل مع الفرقاء برقة النسيم، وعذوبة الودق، وشذى الياسمين.
كل ذلك بهدوء ودون صخب إعلامي أو ضجيج القنوات الفضائية أو جعجعة الحناجر، كعادتها عُمان تبتعد عن المنّ والأذى.
إن الطائر الميمون الذي يقلّ المقام السامي لحضرة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بين العديد من عواصم العالم بين الحين والآخر، إنما يحمل على جناحيه غصن الزيتون ومرتكزاته وأهدافه، هو نشر السلام والتسامح؛ فعُمان تلتقي ولا تودع، وتجمع ولا تفرّق، وتلمّ ولا تشتّت، وتمُدّ يد السلام والوئام والتسامح والأُلفة للجميع.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.