موقع النيلين:
2025-10-22@07:06:02 GMT

مصطفى ميرغني: جنازة الخوف

تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT

في يوم من أيام الحرب في جبرة،بلغني الخبر أن جارا لنا توفي رحمه الله تعالى،وحينها لم يصطنع الناس أمر دفن الموتى في الأحياء،كان وقت الوفاة قبل الظهر بقليل،تطوع بعض الشباب وذهبوا إلى مقابر الصحافة،التي تبعد عنا ثلاثة كيلوهات،ودخلت أنا الغسيل،وأثناء الغسيل أفكر و أحمل هما كبيرا،كيف سنذهب بالجنازة إلى المقابر،فالسيارات تنهب من البيوت عنوة و قهرا فمن الذي بقيت سيارته و يمكنه أن يخرجها؟ لا أحد.

اقترب وقت العصر و الذين ذهبوا إلى المقابر حفروا أرضا صلبة استعصت عليهم فحتى وقت العصر لم يشارفوا على الانتهاء،وكان المعلن أن الدفن سيكون بعد العصر،فأخبروني أن نتأخر قليلا حتى يجهز القبر،و المكان الوحيد الذي يمكن أن يجتمع فيه الناس على قلتهم هو المسجد في صلاة العصر،و إن تفرقوا بعد العصر صعب جمعهم و ذلك لأن شبكة الاتصالات ضعيفة فكيف بشبكة الانترنت.

صلينا العصر ثم وقفت بعد العصر أمام الناس و كان لا حل سوى ذلك،قلت لهم أن فلانا جارنا قد مات و أبناؤه هاهم يصلون معنا،وتعلمون أنه لا يوجد سيارة يمكن أن نحمل عليها الجثمان،فكل شاب و كل من يأنس في نفسه القوة فليتحرك معنا سيرا على الأقدام نحمل الجنازة على أكتافنا ونتبادل حملها حتى نصل،سبحان الله رغم الخوف الشديد في تلك الأيام من اعتداءات الميليشيا، واعتداءات النهابة و الحرامية،وكانت الاشتباكات تدور وقتها في شارع الهواء جنوبنا مباشرة و طائش الذخيرة يأتينا كثيرا،رغم ذلك كله استجاب الناس و ما تخلف منهم أحد حتى كبار السن و أصحاب الأعذار أصروا على القيام بهذا الواجب العظيم،تحركنا نسارع الوقت حتى لا يأتي الليل فالظلام شديد لعدم الكهرباء و لقلة الناس أصلا.

تحرك فوج عظيم وعدد كبير من الناس من المسجد إلى المقابر سيرا على الأقدام حاملين الجنازة،وصلنا المقابر و كان الوضع مخيفا،فصوت الاشتباكات فوق رأسك مباشرة و هاهو الرصاص يتساقط من حولنا بكثرة،وكل ذلك لا يخيف الناس أكثر من مخافتهم من أن يتعرض لنا أفراد الميليشيا،كان هذا خوفنا أكثر من الرصاص و الله.

تأخر الحفر لصلابة الأرض،وأصاب الناس العطش و الماء قليل جدا،أذن المغرب و بدأت مراسم الدفن فلما فرغنا من الدفن و قد حان وقت المغرب،قلنا لو أننا صلينا في مكاننا هذا سنتأخر،و إن تأخرنا صار الأمر أشد خطرا على الناس،فكان القرار أن نؤخر المغرب حتى نرجع،حتى لو أذن العشاء فإن حالنا هذا يجوز فيه الجمع لشدة الخوف،فعلا تحركنا و خوفنا الكبير من أن يرانا بعض أفراد الميليشيا ثم خوفنا من النهابين و قطاع الطرق ثم خوفنا من الكلاب التي اشتد سعرها،وصارت لا تنصرف بعصا أو صراخ،توكلنا على الله و مضينا في ظلام بهيم، في زقاقات السوق المحلي الذي صار يبابا،فأبواب الدكاكين المكسرة و بقايا البضاعة التي نهبت ملقاة على الأرض و صوت الذخيرة من الميليشيا الذي يضربونه على رأس كل دقيقة بثا للرعب و نشرا للخوف في قلوب القلة القليلة التي بقيت،بعد قرابة الساعة مشيا وصلنا الحي مع أذان العشاء و جمعنا المغرب مع العشاء جمع تأخير،و من لم يذهب معنا أصابهم قلق وخوف شديد لتأخرنا،لعدم الشبكة و إن وجدت فمن ذا الذي يجرأ ليحمل هاتفه معه.

كان يوما عسيرا بمعنى الكلمة و لعل كلماتي هذه لا تعكس لك الخوف و المعاناة الشديدة التي لقيناها في ذلك اليوم،وهذا حال كل من يعيش في مناطق الميليشيا،لا شيء غير الخوف و القلق والتوتر وعدم الأمن وعدم الشعور بالطمأنينة

رحم الله المتوفى
وجزى الله خيرا أهل مسجدنا فذلك العمل أحسب أن له أجرا وشأنا عظيما عند المولى عزوجل فقد وضعوا حياتهم في محك الخطر ليواري مسلما الثرى،وبعد ذلك ابتدع الناس دفن الناس في الأحياء،حفاظا على أرواحهم و سلامة لأنفسهم و لا حول و لا قوة إلا بالله
اللهم عجل بالخلاص من هذه العصبة
كتبه
مصطفى ميرغني محمدصالح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

لا يقبلون لكنهم يخضعون

لا يقبلون لكنهم يخضعون

خالد فضل

المسألة لا تحتاج إلى تحليل كثير أو تفسير لعسير، فالمجموعة المسيطرة اليوم على القرار في أجزاء من السودان، وتهيمن على أقدار مجموعات من المواطنين هم في غالبيتهم في وضعية الأسرى والرهائن، هي نفس المجموعة التي ظلت تسيطر على السودان منذ يونيو1989م.

الناس الذين عايشوا تلك السنوات لا يحتاجون إلى من يخبرهم، ربما بعضهم نسي فيحتاج إلى تذكير.

كانت بداية العهد نفخة كاذبة عن استقلال القرار الوطني، والسيادة، وعلو الشأن، والزارعنا غير الله يجي يقلعنا، وأمريكا وروسيا قد دنا عذابها. وعلى مرّ البلاوي وكثر المصائب وانفلات الأوضاع عن السيطرة جيئ بالإستيكة لمحو كل ما قيل، فتسلّمت أمريكا ملفات جميع المطلوبين الإرهابيين الذين تطاردهم. فدنا عذاب المستجيرين بإخوة الإسلام، ولم يدن عذاب أمريكا، أما روسيا فقد سعى إليها قائدهم البشير محتمياً ببوتين من غضب الأمريكان. ودنا إنجاز قاعدة عسكرية روسية فأين دنو العذاب يا كذاب.

قصة الحرب الأهلية هي نفسها معادة ومكررة، نفس الحشود والفيالق والمسميات والمتحركات نفس المآكل والنثريات والتربح في الأزمات، وذات قرنق الذي أيامو انتهن.. يعود للخرطوم نائباً أولاً للرئيس. فمن أخرج قرنق من الركن القصي الذي قيل إنّه قد انزوى فيه على الحدود وحطّ بطائره الميمون في مطار الخرطوم.

نفس الفيلم عن، لن تطأ أرض السودان بوت عسكري أجنبي واحد، فإذا بقوات أفريقية أممية عددها 26 ألف عنصر تجوس أرجاء دارفور، تمكث لسنوات وسنوات لم يخرجها سوى انجاز حكومة د. عبد الله حمدوك بإخراج السودان من البند السابع بما فيه من جنود إلى البند السادس وفيه بعثة مساعدة فنية وتنموية لدعم الانتقال، وشتان ما بين البوت وكرافتة فولكر بيرس. لكن كثيراً من الناس لا يعقلون.

كل مبادرات السلام مرفوضة، أي مقترح للحل غير مقبول، أي فكرة لوقف المأساة لا تطاق، ما الذي يريدون؟

استمرار الحروب إلى أجل غير مسمى، بدأ بأربع ساعات وإذا لم يلجموا ويخضعوا يريدون أن تتواصل لأربعة عقود، فهناك دوماً وقود من المغفلين، تارة باسم الدين ومرة تحت راية الوطنية والكرامة، لماذا لا يصرحون بأن الدين هم والوطن هم والكرامة تعني أن يظلوا مسيطرين متنفذين.

ليس هناك حاجة لإخبار الناس عمّا فعلوا ويفعلون، كل فرد يدرك ذلك، ومع ذلك هناك من يبررون.

هذه الجماعة لا تقبل بالآخر أبداً، تعتبر نفسها مركز الكون، وحق لها التحكم ونيل الامتياز، من طالب بحقه البسيط جزاءه عندها القتل والاستئصال، فهل هذا هو مشروع الكرامة الجديد، ونبأ الاستقرار المنشود، وخبر السلام الشامل العادل المثقوب.

إنّ من لا يملك مشروعاً للحكم في ظل السلام والحرية والعدالة لا يجد أمامه سوى درب الحرب والخراب، هذا هو حالهم اليوم، ما لاحت بارقة أمل في وقف الحرب واستعادة المسار المدني السلمي حتى نهضوا يعطلون تلك البارقة، فهم لا ينعمون إلا بشقاء الآخرين ولا يسعدون إلا بعذابات الناس أجمعين، فحتى متى يظل بقية من شعبنا في عداد الغافلين.

الوسومأمريكا الإرهابيين البحر الأحمر الحرب الأهلية الخرطوم الدكتور عبد الله حمدوك السودان جون قرنق خالد فضل روسيا قاعدة بحرية

مقالات مشابهة

  • الكيان الذي يلتهم نفسه.. مرآة الخوف في مجتمعٍ بلا روح
  • مصطفى الفقي: الثقافة المصرية كان لها تأثير واضح في السياسة العالمية
  • دعوة أمي السبب.. مصطفى هريدي يكشف أسرار حياته وقلة أعماله الفنية
  • مصطفى هريدي: مش بتعاطى مخدرات وأقول لإيناس الدغيدي ربنا يسامحك
  • مصطفى هريدي: بدايتي كانت مع هشام عباس.. وانطلاقتي الحقيقية مع الزعيم
  • لا يقبلون لكنهم يخضعون
  • «ابني مش عارفني».. مصطفى هريدي يكشف عن أزمات في حياته دفعته للإدمان
  • مصطفى بكري: «اليونسكو» تؤكد حجم التطور الذي تشهده العملية التعليمية بقيادة محمد عبد اللطيف
  • نهاية العصر العسكري لحزب الله اللبناني
  • هبة مصطفى تكتب: تجار الأزمات