مفهوم الكرامة الإنسانية في الفلسفة والأديان
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
عيسى الغساني
يُشكِّلُ الإنسان العنصرَ الأهم على هذه البسيطة، وتدور كل الأفكار والمعتقدات حول الحياة الإنسانية الكريمة، بحيث يُصان عقل الإنسان وجسده ومقومات بقائه من مسكنٍ ومأكلٍ ومشربٍ؛ بل إن توفُّر مقومات الحياة وتشارك الإنسان فيها مع الآخرين هو حق له وواجب عليه الحفاظ عليها؛ فالاجتماع الإنساني يقوم على قاعدة الاحترام والتشارك والتآزر.
والكرامة الإنسانية تُعد من القيم المحورية التي تتناولها كل من الفلسفة والأديان الكبرى وكل المعتقدات والنِحَل. والإسلام، يؤكد كرامة الإنسان منذ خلقه؛ إذ يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء: 70)، وهذا يُظهر الشأن السامي للإنسان في الدين الحنيف. كما إن الإسلام يشدد على العدل والمساواة بين الناس. إلى جانب أن الكرامة الإنسانية في المسيحية مبنية على فكرة أن الإنسان خُلِقَ على صورة الله؛ مما يعني أن كل فرد يحمل قيمة مُقدَّسة. ويُشدد الكتاب المقدس على المحبة والاحترام بين البشر كجزء من الإيمان. بينما ترى التعاليم اليهودية أن كل إنسان يستحق الاحترام والكرامة. وإذا انتقلنا إلى النصوص التلمودية، نجد أنها تُشدد على احترام الكرامة الإنسانية، وتجنب الإذلال أو الإساءة للآخرين.
وكذلك البوذية التي تُوطِّد مفهوم الكرامة من خلال السعي والعمل على تخفيف معاناة الآخرين والعيش برحمة وتسامح؛ إن تعاليم بوذا تدعو إلى احترام الحياة الإنسانية وتعزيز السلام الداخلي والخارجي. وهناك في الهندوسية، مفهوم الكرامة مرتبط بفكرة "أهيمسا" (أي عدم الأذى)، وفكرة أهميسا (Ahimsa)، نظرية جوهرية في العديد من المُعتقدات الهندية مثل الهندوسية والبوذية والجينية، ويعني "عدم الأذى" أو "اللاعنف". وهذا المفهوم يعد من أنبل القيم الأخلاقية الإنسانية، وتكون مقطعًا حيويًا من الفلسفة والوجدانية والممارسات العملية في الحياة اليومية لاتباع هذه النِحَل.
واللاعنف هو الطريق إلى السلام الداخلي والخارجي، في حين أن العنف كممارسة، مناقضٌ للقيم الإنسانية، وليست فقط سلوكًا ساقطًا ومُنكرًا يوصم من يقوم به بالتردي الأخلاقي والخلل العقلي؛ بل تمتد آثاره إلى فاعله ومحيطه، فيُصاب بشتي العِلَل والأمراض النفسية والعقلية والجسدية؛ ذلك أنه مخالف ومنافٍ ومتناقض مع طبيعة النفس البشرية السوية.
ومن زاوية التحليل النفسي، فإنَّ الأشخاص الذين يمارسون التعذيب قد يعانون من اضطرابات شخصية مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder) أو اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder)، وهذه الاضطرابات قد تجعلهم غير قادرين على التعاطف مع الآخرين أو احترام حقوقهم، وبالتالي أصبح اليوم اختبار الحالة النفسية للوظائف ذات الارتباط المباشر بالأفراد؛ سواء على مستوى المؤسسات الخاصة أو العامة، تمُر بمرحلة تقييم واختبار حالة الصحة النفسية وهو اختبار يسمى تقييم الملاءمة النفسية للوظيفة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اللامركزية.. نحو مضاعفة قوة الدولة ونموها الاقتصادي
تتواصل الجهود الحكومية لتحقيق اللامركزية في المحافظات، تنفيذًا للتوجيهات السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- وذلك من خلال الاستغلال الأمثل للموارد؛ بما يُحقق التنمية الشاملة والمستدامة، وتعزيز جهود التنويع الاقتصادي.
ويأتي منتدى الإدارة المحلية الذي تنظمه الأكاديميّة السُّلطانيّة للإدارة بالشراكة مع وزارة الداخلية؛ ليُسلط الضوء على هذه الجهود ويستعرض المبادرات الناجحة في القطاعات الخدمية والتنموية والاجتماعية، إلى جانب استشراف سُبل تعزيز مبدأ اللامركزية.
وفي السنوات الأخيرة، عمِلت المحافظات على استغلال مواردها المتنوعة لإيجاد فرص العمل وتعزيز قدرات الكفاءات الوطنية وتحسين جودة الخدمات، وترسيخ مفهوم المشاركة بين الحكومة والمجتمع، وهو نهج انعكس أثره الإيجابي على الكثير من القطاعات التنموية.
ولعل مسابقة "أفضل مشروع إنمائي" التي جرى تنفيذها لتعزيز التنافسية بين المُحافظات، كانت من الخطوات الرائدة التي حفزت القطاعات المختلفة على الابتكار، ونأمل أن تتواصل هذه التنافسية بما يخدم الوطن والمُواطنين، بأن تشمل مجالات كثيرة وأن تستند إلى آراء ومقترحات الشباب ورؤيتهم للتطوير.
إنَّ التحول نحو اللامركزية وتمكين المحافظات ليس مجرد إعادة توزيع للصلاحيات، بل هو ترجمة للفكر الاستراتيجي لحضرة صاحب الجلالة- أعزه الله- الذي نقل مفهوم "الإدارة المركزية للخدمات" إلى مفهوم "القيادة المحلية للتنمية"؛ إذ إنَّ اللامركزية ليست تخفيفًا عن المركز؛ بل مُضاعفة لقوة الدولة ونموّها الاقتصادي.