أصدرت وزارة الثقافة، ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «فتاوي المصريين في نصف قرن.. الشارع والقصر والإنجليز (1895- 1952)، للدكتور عمرو محمد عبد المنعم، ضمن إصدارات سلسلة تاريخ المصريين.
يأتي الكتاب بعنوانه البسيط ومضمونه العميق: «فتاوي المصريين في نصف قرن الشارع والقصر والإنجليز»،  ليضع بين أيدينا مفتاحًا لفهم أعمق لعلاقة الدين بالحياة اليومية، من خلال عدسة تاريخية موثقة، وبحث أكاديمي رصين حاز عليه الباحث درجة الماجستير من جامعة القاهرة بامتياز.


ليست الفتوى هنا مجرد رأي فقهي، بل وثيقة اجتماعية وسياسية واقتصادية بامتياز، هكذا يعاملها الباحث الذي تتبع كيف تعامل المؤرخون والمستشرقون مع الفتوى، خاصة في المغرب العربي، باعتبارها مرآة تعكس نبض المجتمعات وتفاصيل حياتها اليومية.
تظهر الفتوى، كما يقدمها الكتاب، باعتبارها عملية مركبة تبدأ من تصوير السائل للواقعة، إلى تكييفها فقهياً، وانتهاءً بالحكم الذي قد يختلف من مفتي لآخر بحسب تصوره للواقع، لا النص فقط، وهذا ما يفسر التناقض الظاهري بين فتاوى حول قضايا كبرى.
يستعرض الكتاب بدقة الفتاوى التي كانت في قلب التحولات السياسية الكبرى: الاحتلال البريطاني، سقوط الخلافة، الدستور، الاغتيالات السياسية، وغير ذلك، فيقف القارئ على دور دار الإفتاء والمفتين في مواجهة هذه الأحداث، أحيانًا بمواقف جريئة، وأحيانًا بتحفظ محسوب.
لكن ما يلفت النظر هو الجرأة البحثية في تتبع أثر السياسة على الفتوى، وكيف أن بعض المفتين اضطروا لمجاراة السلطة أو تجنب الاصطدام بها، بينما تمسك آخرون بمواقفهم، وتاريخ هؤلاء موثق ومحل تحليل في الدراسة.
يتنقل بنا الباحث بين فتاوى حول قضايا اجتماعية وثقافية قد تبدو بسيطة لكنها كانت شديدة الرمزية آنذاك: كحكم لبس «البرنيطة»، أو الكفاءة في الزواج، أو استخدام البرق والتلغراف، إلى فتاوى حول تحرير المرأة، وموقف الشرع من الغناء والتمثيل وتجسيد الصحابة، وكلها تسلط الضوء على صراع الحداثة والتقليد في مصر الحديثة.
أما الجانب الاقتصادي فلا يقل إثارة، حيث يعالج الكتاب فتاوى حول الربا، فوائد البنوك، شركات المضاربة، اليانصيب، صناعة الدخان، وحتى مشروب الكوكاكولا، ويكشف الباحث كيف أن الفتوى لم تكن فقط تحكم على المعاملة، بل تؤثر في السوق وسلوك الناس، بل وتتحول أحيانًا إلى أداة مقاومة للاحتلال أو التغريب.
في عصر رقمي تنفجر فيه الفتاوى يوميًا على الشاشات وصفحات الإنترنت، يعيد الكتاب التنبيه إلى خطورة «حمى الفتيا»، خاصة حين تصدر من غير المتخصصين، أو في سياقات سياسية وإعلامية غير منضبطة، ويشير الباحث إلى أثر ذلك في بلبلة الناس، وتغذية العنف، والتطرف، أو التشكيك في الدين ذاته.
ينتهي الكتاب بدعوة صريحة لتنظيم الفتيا في العصر الحديث، وتأهيل المفتين علميًا ومهنيًا، خاصة في القضايا المستجدة كالطب، والاقتصاد، والإعلام، والعلاقات الدولية، مؤكدًا أن الفتوى تظل توقيعًا عن الله، لا رأيًا بشريًا عابرًا.
الكتاب لا يخاطب فقط المتخصصين في التاريخ أو الفقه، بل يهم كل من يسعى لفهم كيف يتداخل الدين مع السياسة والمجتمع، وكيف يمكن أن تكون الفتوى مفتاحًا لفهم مصر الحديثة، لا مجرد إجابة على سؤال شرعي.

طباعة شارك وزارة الثقافة الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين فتاوي المصريين في نصف قرن عمرو محمد عبد المنعم

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: وزارة الثقافة الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين عمرو محمد عبد المنعم فتاوى حول

إقرأ أيضاً:

المطيعي بمعرض الكتاب .."حُجّة الله على خليقته" بيان كلام الله من البشر

أفاد مجمع البحوث الإسلامية أنّه قريبًا، وفي إطار فعاليات معرِض القاهرة الدولي للكتاب، سيُعاد طرح كتاب «حُجَّة الله على خليقته» لعلم الأمة محمد بخيت المطيعي — مفتي الديار المصرية سابقًا — والذي يناقش فيه قضية مركزية: أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا ليس تأليف بشر، بل هو كلام الله تعالى، مبني على أدلة لغوية، عقائدية، وأسانيد شرعية رصينة.

وفي بيان المجمع، اعتُبِر هذا الكتاب من أهم المراجع التي تعالج "حقيقة القرآن" بعمق، وتقدّم منهجًا علميًا متينًا للحفاظ على النصّ، الكتابة، والترجمة، بعيدًا عن التأويلات الارتجالية والشبهات التي رافقت هذا الملف عبر التاريخ.

صفة الكلام لله، وحجة على الخلق

بدأ المؤلف في كتابه من أصل ثابت: صفة الكلام لله تعالى — أي أن الله تعالى له كلامٌ قائم بذاته، ليس من مخلوقاته — وهو أصل تنبثق منه جميع المسائل التي يدور حولها الجدل فيما يخص القرآن: نزوله، كتابته، تدوينه، ترجمته، وحفظه.

المطيعي يعرض للقضية "بناء لا يُنقض" — بحسب وصف المجمع — ويسرد كيف نزل الوحي على رسول الله ﷺ بشتى الوجوه كما نقلها النصّ القرآني والحديث، وكيف حفظ القرآن في الصدور وفي السطور، ثم جمع وترتب ليبقى محفوظًا إلى يومنا هذا.

وبعد هذا التحقيق العقدي واللغوي، ينتقل إلى تسليط الضوء على حكم كتابة القرآن، طباعته، وترجمته — موضوع أثار جدلًا بين العلماء على مر العصور — فيوضح أن الأصل في القرآن هو الثبات على صيغة النصّ العربي "كما أنزل"، مع شروط دقيقة لمن يريد الاقتراب من ترجمته أو نشره، تفادياً لأي لبس أو تحريف.

لماذا هذا الكتاب؟ وما ذا تريد تحقيقه المؤلّف؟

بحسب مقدّمة الكتاب — كما نقل المجمع — فإن المؤلف رأى أن كثيرين "خاضوا في مسائل لا يحسنونها"، وخلطوا بين الباطل والحق بخصوص كتابة وترجمة القرآن، فظهرت اختلافات وفتن دعائية – كما وصفها – بين من يعتقد بأن القرآن ممكن أن يؤلفه بشر، أو يُنزل على شكل كتاب، أو يُغيّر — وما إلى ذلك من دعاوى ضعيفة.

ولذلك جاءت "حُجّة الله على خليقته" كردّ واضح ومفصل على هذه الشبهات، لإعادة التوثيق الشرعي والعقلي لحقيقة القرآن، وتعزيز موقف الحفظ على النصّ، مع فتح باب النقاش حول الترجمة — لكن بشروط تحفظ قدسية النصّ.

 

 


 

صدور جديد بين أرفف معرِض القاهرة للكتاب

إعادة طباعة هذا الكتاب — وبخاصة مع اقترابه من العرض في معرِض القاهرة الدولي — تكتسب أهمية كبيرة حيث يُوجّه إلى:

دارسي الشريعة والقرآن والكلام الإسلامي.

المهتمين بقضايا الترجمة والنسخ والطباعة.

جمهور المثقفين والباحثين في تاريخ القرآن وعقيدة التنزيل والحفظ.


ومع الإقبال على ترجمات ونسخ متعددة للقرآن في العالم، يصبح هذا المرجع — برأيي — حاجة ضرورية لمن يريد أن يعي طبيعة النصّ القرآني والتعامل معه بوعي وحرص.

 

مقالات مشابهة

  • «في مرايا الشعر» جديد هيئة الكتاب للشاعر جمال القصاص
  • في مرايا الشعر.. جديد هيئة الكتاب للشاعر جمال القصاص
  • فتاوى| ما هو دعاء كفارة المجلس ؟.. هل تمحى الذنوب من الصحيفة بعد التوبة وموقف أجر العبادات؟.. حكم التبرع بالأموال لرفع القمامة من أمام مسجد
  • المطيعي بمعرض الكتاب .."حُجّة الله على خليقته" بيان كلام الله من البشر
  • رئيس مركز البحر الأحمر يلتقي السفير الألماني ويعرض إصدارات المركز لتعزيز الشراكات الدولية
  • هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش دعمًا للثقافة في شمال سيناء
  • هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش
  • بعد زواجهما.. مي عز الدين رفقة زوجها أحمد تيمور في أحدث ظهور
  • إطلالة كاجوال.. مى عز الدين تخطف الانظار برفقة زوجها فى أحدث ظهور
  • فتاوى| كيف يتمثل الشيطان في صورة الله ولا يتمثل في هيئة النبي؟.. لماذا اتسم الله بالحق وليس الحقيقة؟.. الأزهر للفتوى يوضح منزلة وثواب من يخدم الضعفاء ويرعى المحتاجين