الأسرة مرتكزًا لكل السياسات الاجتماعية
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
تحتفي سلطنة عُمان في أكتوبر من كل عام بيوم المرأة العُمانية، الذي يجسد يومًا وطنيًا تستذكر فيه الدولة والمجتمع الجهود والإسهامات المباركة التي تقوم بها المرأة في سبيل المشاركة في عملية التنمية الوطنية، إلى جانب دورها المحوري في التنشئة وتربية أجيالٍ متلاحقة بما في مفهوم التربية من اتساعٍ واستحقاقات، وبما يشمله من حفظ للقيم، ونقل للذاكرة المجتمعية عبر الأجيال، وتوريث صائب للمعايير والمحددات الاجتماعية بما يتسق وظروف وسياقات كل عصر وتحدياته.
وقد صادفت خطبة الجمعة ليوم الـ 17 أكتوبر 2025 أن كان موضوعها «تماسك الأسر سبيل استقرارها»، مؤكدة في مضامينها على أنه «باستقرار الأسرة وتماسكها يتماسك المجتمع، وتقل الانحرافات الفكرية والسلوكية والأخلاقية، فينبغ شباب المجتمع وفتياته، ويزدهر الوطن ويزهو بشبابه الصالحين». كل تلك الإشارات في الخطاب العام شكلت وحدة موضوعية مهمة تؤكد على ثلاثة اعتبارات أساسية: أن للمرأة دورها الحاسم اليوم في ظل التجاذبات التي تطال منظومة التربية والتنشئة الاجتماعية، وأن تلك المنظومة اليوم هي أساس منظومة التنمية الوطنية، وموجه رئيس لمساراتها ولنيل ثمارها ومكتسباتها، وثالث تلك الاعتبارات أن تحقيق استقرار الأسرة كمكون رئيس للمجتمع يحيِّد الكثير من الكُلف الاجتماعية للظواهر والمشكلات والقضايا الاجتماعية الناشئة؛ بما في ذلك ما ينشأ عن انحرافات الفكر والسلوك والأخلاق، أو ما يتأتى نتيجة تفكك الأسرة بظواهر النزاع والتخاصم والانفصال بين مكوناتها. إن محاولة حصر التحديات والتهديدات التي تحيط بالأسرة اليوم تبدو محاولة مضنية؛ فتزايد حالات عدم التوافق الأسري وما ينشأ عنها من تبعات على الوحدة الأسرية وتربية الأبناء، وضعف قدرة الأسرة على التحكم في مضامين عملية التربية ذاتها من ناحية المعارف والقيم والمنقول من الأفكار والمعايير نتيجة دخول عوامل ثالثة مؤثرة وأكثر قربًا لذهنية وتفاعل الأبناء، إضافة إلى (المحتوى الاستهدافي) في وسائل الإعلام المختلفة وبما فيها الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، وتزايد أعباء التدبير الاقتصادي لبعض الأسر نتيجة تبدل المعايير وارتفاع سقف توقعات الأبناء، إضافة إلى انسحابية بعض المربين نحو أدوار الإعالة الاقتصادية على حساب الأدوار التربوية الأصيلة، ودخول أطراف أخرى يعتمد عليها في التربية دون تمحيص كافٍ للمعايير أو تحديد واضح للأدوار، عوضًا عن تقلص الامتداد الأسري الذي قلص بدوره الفعل الذي كانت تقوم به الأسرة الممتدة في حفظ الاستقرار والتوجيه وموازنة التماسك الأسري إلى جانب المساهمة في نقل الذاكرة المجتمعية، كما أن الأسرة اليوم أمام تبدلات في مفاهيم رئيسة منها: خصوصية الأبناء، وفكرة الاستقلالية، والاتجاهات إزاء الزواج وعملياته، وفكرة التضامن الاجتماعي. هذه بعض التحديات والتهديدات البنيوية التي تهدد كيان الأسرة المعاصرة، غير أن هناك من الظواهر التي تتآزر يومًا بعد يوم طارئة على وجود الأسرة وعملياتها الرئيسية مثل إدمان الوسائط التقنية للأبناء، وضغوط الهجرة الاقتصادية للمربين، وانهيار التواصل بين الأجيال.
هذا يقودنا إلى التأكيد على ما ذكرناه مرارًا في مقالات سابقة، وهو أن المرحلة تقتضي بالضرورة تحولًا جذريًا في السياسات العامة لتكون مصممة لتتمحور حول الأسرة، في سبيل بقائها وتماسكها وازدهارها، فتشجيع تصميم التجمعات السكنية التي تضع خيارات للأسر ذات القربى أن تكون في ذات الحيز السكني، والإلزام بوجود وحدات رعاية للأطفال في أماكن عمل النساء العاملات، وتمكين سياسات ريادة الأعمال القائمة على اقتصاديات الأسرة، والتركيز في تصميم الخيارات الترفيهية والسياحية على تلك الخيارات التي تتناسب والمقاصد الأسرية المتكاملة، وإعادة النظر في المحتويات التعليمية لتمكين قيم الأسرة وامتدادها وتصحيح المفاهيم الناشئة المرتبطة بالزواج، ووضع اعتبارات وسياسات واضحة لعمل المربيات في المنازل بما يضمن عدم التأثير الثقافي أو الأخلاقي، وتمكين دور وسائل الإعلام في مناقشة قضايا الأسرة ـ ليس كشؤون فردية ـ وإنما كشؤون أسرية ومجتمعية، والتوسع في استحداث سياسات الحماية الاجتماعية المتمحورة والصديقة للأسرة، كلها نماذج مبسطة لسياسات تقتضي أن تتكامل للمساعدة في حفظ مركزية الأسرة ودورها المحوري في التكوين المجتمعي. غير أن تلك السياسات لا تعمل منفردة؛ ما لم تكن منطلقة من توجهات استراتيجية مركزية، وهذا يقودنا للقول أنه بقدر ما كانت الجهود والهواجس الاقتصادية والمالية محورًا رئيسًا للخمسية الأولى من رؤية 2040 بقدر ما أن الخمسية الثانية منها تستحق أن يخصص لها برنامج متكامل للسياسات الأسرية ـ تحت أي مسمى أو صيغة كانت , ويكون هدفه الأساس هو النظر في كافة السياسات العامة التي تتصل بشكل مباشر أو غير مباشر بالأسرة تكوينًا وأوضاعًا وتحولات، ومحاولة إعادة تصميمها لتكون متمحورة حول الأسرة، إلى جانب استحداث سياسات نوعية جديدة تضمن الركائز الخمس للسياسة الأسرية: سلامة التكوين، التماسك والاستقرار، سلامة التنشئة والتربية، الحماية من المخاطر، تأدية الدور المركزي في حفظ ذاكرة المجتمع.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع، والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلى جانب
إقرأ أيضاً:
برلماني: مبادرات الدولة في مكافحة الفقر نموذج يحتذى في العدالة الاجتماعية
أكد النائب أحمد البلشي، عضو مجلس الشيوخ، أن الدولة المصرية حققت خلال السنوات الأخيرة إنجازا غير مسبوق في مجال مكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال تحويل الجهود الحكومية إلى مشروع وطني متكامل يعتمد على التمكين الاقتصادي والتنمية المستدامة، وليس المساعدات المؤقتة.
وأوضح البلشي في تصريحات خاصة أن المبادرات الرئاسية، وفي مقدمتها مبادرة "حياة كريمة"، تمثل نقلة نوعية في تاريخ التنمية المصرية، بعدما أعادت بناء الريف المصري من جديد، عبر تطوير البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب، مما انعكس على تحسن مستوى المعيشة وتراجع معدلات الفقر في مختلف المحافظات.
وأشار إلى أن برامج الحماية الاجتماعية مثل "تكافل وكرامة"، و"سكن كريم"، و"100 يوم صحة"، إضافة إلى جهود التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، ساهمت في حماية الفئات الأكثر احتياجا ومساندة الأسر محدودة الدخل في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، مؤكدا أن هذا التكامل بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص يمثل ركيزة أساسية في بناء مجتمع متماسك وعادل.