مقطع مصوّر لا تتجاوز مدته بضع دقائق، يعرض فيه أحد مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي تفاصيل صباحه المثالي. يستيقظ قبل الفجر، والهدوء يملأ المكان، ثم يبدأ باستعراض خطوات روتينه اليومي: عناية بشرته، مشروبه الصباحي، وملابسه المختارة بعناية ليومه. تتابع المقطع حتى آخر ثانية، مدهوشا من النظام والترتيب، وربما تهمس في نفسك: "أين أنا من هذا الصباح المثالي؟" لكنك قد لا تلاحظ أو تتجاهل أن ما شاهدته لتوّك لم يكن سوى إعلان غير مباشر لمنتجات عديدة استخدمها ذلك المؤثر أثناء روتينه الصباحي.

التسويق باستخدام المؤثرين

تلجأ كثير من الشركات اليوم إلى التسويق عبر المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، بأسلوب غير مباشر لا يعتمد على التوصية الصريحة، بل على عرض لقطات من حياة المؤثر اليومية، مثل روتينه الصباحي أو المسائي، حيث يستخدم منتجات معينة أمام الكاميرا دون أن يطلب من المتابعين شراءها، لكن النتيجة غالبا هي رغبتك في اقتناء ما يستخدمه.

تقول الدكتورة كريستال عابدين، عالمة الأنثروبولوجيا الرقمية ومؤسسة شبكة أبحاث "تيك توك"، في حديثها للغارديان، إن فكرة فيديوهات الروتين الصباحي بدأت على "يوتيوب"، ثم ازدهرت على "تيك توك" خلال جائحة كورونا، حين اضطر المؤثرون للتركيز على الحياة المنزلية البسيطة بدل السفر والفعاليات.

وتوضح عابدين أن هذا النمط تحول إلى أداة تسويقية فعّالة، إذ يقدم المؤثرون استخدام المنتجات كجزء طبيعي من حياتهم اليومية، مما يمنح انطباعا بالثقة والمصداقية، ويجعل الإعلان يبدو عفويا وغير مباشر، لكنه في الواقع من أكثر أشكال التسويق تأثيرا.

المؤثرون يقدمون لمتابعيهم صورة مثالية للحياة الصحية والسعادة عبر رسائل مبسطة (بيكسلز)

في عام 2019، أشار تقرير لموقع "هيلث لاين" إلى أن العديد من المؤثرين في مجالات الصحة ونمط الحياة يعملون بالفعل مع علامات تجارية ضمن شراكات تهدف إلى زيادة شهرتهم وتوسيع نطاق جمهورهم، إلى جانب الحصول على منتجات أو خدمات مجانية مقابل الترويج لها بشكل غير مباشر.

إعلان

وفي عام 2023، عاد الموقع ليؤكد أن التسويق عبر المؤثرين لم يعد مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبح أداة أساسية في تشكيل قرارات المستهلكين. فالمتابعون اليوم يلجؤون إلى المؤثرين للحصول على توصيات أكثر موثوقية وتجارب شخصية حقيقية، معتبرين أن اللمسة الإنسانية والواقعية التي يقدمها المؤثرون تفوق في تأثيرها الإعلانات التقليدية التي تفتقر إلى الصدق والتفاعل المباشر.

وأشارت دراسة نُشرت عام 2019 في مجلة بي إم سي للصحة العامة إلى أن نسبة كبيرة من منشورات المؤثرين الصحيين تضمنت علامات تجارية، معظمها مرتبطة بالتغذية والرياضة، وأن مكملات الغذاء تمثل الحصة الأكبر من هذه الإعلانات. لا يكتفي هؤلاء المؤثرون بعرض المنتجات، بل يوظفون أساليب تواصل عاطفية تجعل المتابعين يشعرون كأنهم أصدقاؤهم المقربون، مما يزيد من ثقتهم وتأثرهم بتوصياتهم.

العديد من المؤثرين يحصلون على منتجات أو خدمات مجانية مقابل الترويج لشركات وعلامات تجارية بشكل غير مباشر (بيكسلز)

ويُقدم المؤثرون لمتابعيهم صورة مثالية للحياة الصحية والسعادة عبر رسائل مبسطة، تربط بين تناول المكملات الغذائية وارتداء ملابس رياضية فاخرة وممارسة الرياضة بانتظام. إلا أن هذا النمط من المحتوى، الذي يجمع بين الإعلان المباشر والمبطن، يُلقي عبئا نفسيا واقتصاديا على المتابعين، إذ يشعر البعض أن السعادة والجمال مرهونان بالقدرة على شراء منتجات باهظة الثمن: من الحذاء الرياضي الذي يعادل راتب شهر، إلى كريم البشرة الذي يصعب اقتناؤه.

وعلى الجانب الآخر، حذّر باحثون من كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية من هذا النوع من التأثير، خصوصا بين المراهقات اللواتي يتابعن مقاطع العناية بالبشرة والمكياج على تيك توك. وأظهرت دراستهم أن منشئي المحتوى الشباب يستخدمون في المتوسط 6 منتجات للعناية بالبشرة تتراوح أسعارها بين 168 و500 دولار. وبعد تحليل المكونات، وجد الباحثون أنها تحتوي على مواد قوية ومهيّجة قد تسبب التهابات أو حساسية جلدية مزمنة، محذرين من أن تقليد هذه الروتينات دون وعي قد يضر أكثر مما ينفع.

أيضا، أشارت دراسة نُشرت عام 2019 إلى أن الأطفال الذين يشاهدون المؤثرين على يوتيوب، وهم يتناولون وجبات خفيفة غير صحية، يستهلكون، بدورهم، في المتوسط أكثر من 300 سعرة حرارية إضافية، بينما لم يكن لتسويق المؤثرين للأطعمة الصحية أي تأثير على الأطفال.

كيف تحمي نفسك من تأثير الإعلانات الخفية؟

هناك بعض الخطوات البسيطة التي تساعدك على التعامل بوعي مع الإعلانات الخفية التي تتعرض لها يوميا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها:

حدد وقت استخدامك للتطبيقات، فكلما زاد الوقت الذي تقضيه عليها، زادت كمية الإعلانات والمحتوى الموجّه الذي تراه. قيّم الأشخاص والمحتوى الذي تتابعه، واسأل نفسك: هل يُلهمني هذا الحساب نحو حياة أفضل؟ أم يجعلني ألهث وراء رغبات جديدة لا أحتاجها؟ وإذا كانت الإجابة الثانية، فلا تتردد في إلغاء المتابعة أو الحذف. كن واقعيا ولا تنخدع بالمظاهر، فالإفطار الفاخر الذي يعرضه المؤثر قد لا يكون واقعه اليومي، بل جزء من محتوى مُعدّ بعناية. تذكّر أن منصات التواصل هي عملهم، وأنهم يقضون ساعات طويلة في إنتاج مشاهد تبدو طبيعية لكنها مصممة لجذبك. إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات غیر مباشر

إقرأ أيضاً:

احذر مضادات الهيستامين.. مخاطر خفية لبعض أدوية الحساسية

أدوية الحساسية.. تكشف الدراسات و الأبحاث العلمية الآثار السلبية والمخاطر التي قد تسببها بعض الأدوية، وآخرهم دراسة طبية حديثة كشفت عن بعض المخاطر غير المتوقعة التي تسببها مضادات الهيستامين التي تستخدم في علاج بعض الحالات التحسسية.. وفقا لروسيا اليوم.
وأشارت مجلة American Geriatrics Society إلى أن الدراسة التي أجراها علماء من جامعة تورنتو الكندية بينت أن بعض مضادات الهيستامين من الجيل الأول، مثل ديميدرول، قد تزيد من خطر الإصابة بالهذيان والضعف الإدراكي لدى كبار السن خلال فترة وجودهم في المستشفيات.
وتمكن العلماء من الوصول إلى هذه الاستنتاجات بعد تحليل بيانات أكثر من 328 ألف مريض تزيد أعمارهم عن 65 سنة من 17 مستشفى كنديا.
وأظهرت النتائج أن المرضى الذين وصف لهم الأطباء هذه الأدوية بشكل متكرر، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالهذيان بنسبة 41% مقارنة بأولئك الذين نادرا ما حصلوا عليها تقريبا.

لمرضى الحساسية..مخاطر تسببها مضادات الهيستامين 

وحذر الباحثون من أن أدوية الحساسية التي تحتوي على مضادات الهيستامين المهدئة يمكن أن تسبب الارتباك وتحفز التلف الدماغي الحاد، خاصة لدى المرضى الذين يعانون من ضعف جسدي.

ودعا مؤلفو الدراسة الأطباء إلى توخي الحذر عند استخدام هذه الأدوية لعلاج كبار السن والبحث عن بدائل أكثر أمانا لتجنب المخاطر المرتبطة بالتدهور الإدراكي والخرف.

كما يحذّر الأطباء من أن بعض أنواع الأدوية المضادة للحساسية يمكن أن تسبب للمريض أعراضا مثل الدوار أو ضعف التركيز، لذا يجب الحذر عند استخدامها وتجنب تناولها أثناء قيادة السيارة.

مقالات مشابهة

  • أبرز الاتجاهات لتعزيز قدرات العلامات التجارية المتخصصة في السفر في تحسين حملاتها الإعلانية
  • احذر مضادات الهيستامين.. مخاطر خفية لبعض أدوية الحساسية
  • «المروءة.. عبادة خفية ومجدٌ باقٍ»
  • 7 أذكار نبوية صحيحة في المساء.. عبادة خفية تغفل عنها القلوب
  • محافظ الدقهلية يتفقد مدرسة المستشار يونس الصباحي الابتدائية بكفر الجنينة
  • المؤثرون والإعلانات: بين التأثير الحقيقي والضجيج الرقمي
  • جوجل تُنهي رسميًا مشروع حماية الخصوصية بعد 5 سنوات
  • عبدالله آل حامد يناقش دور المؤثرين في صناعة الوعي المجتمعي على المنصات الرقمية خلال ملتقى الأمين
  • بث مباشر | أحمد موسى يكشف كواليس زيارة الرئيس السيسي لـ بروكسل