حول نوع جديد وطارئ من الحفلات الليلية يسمى "أفتر بارتي" مساءات محافظة مسقط الهادئة والجميلة إلى مساءات مزعجة وصاخبة، كما حول وقار فجرها وسكينته إلى لحظة خادشة ترتفع فيها أصوات الأغاني الراقصة والمائعة إلى حد تقض فيه مضاجع السكان المحيطين بمواقع الحفلات التي لا يبدو أنها مرخصة ويتنافى ما يحدث فيها مع أعراف المجتمع وقيم الدين والقوانين السارية في البلاد.

ولا تكتفي تلك الحفلات بمحيطها المغلق ولكنها تتماس بطريقة أو بأخرى مع المجتمع المحيط، فتكشف عن تناقض كبير بين مشهدين، مشهد طلاب المدارس السائرون نحو مؤسسات التعليم والموظفون الحكوميون نحو أعمالهم ومشهد الساهرين في حفلات "أفتر بارتي" الذين يخرجون منها عند الساعة السادسة صباح بعد أن تتسلل خيوط الشمس الذهبية من النوافذ والأبواب حيث ينتقل صوت الأغاني إلى مسجلات السيارات وما يصاحبها من سلوكيات مخله لا يرتضيها المجتمع في تجمعاته السكانية.

تقام هذه الحفلات الآخذة بالانتشار في مقاهي الشيشة بعد منتصف الليل وإلى السادسة صباحا بعد أن تلاعب هذه المقاهي بالنشاط المرخص لها بممارسته، من تقديم المعسل إلى إقامة الحفلات والأغاني والرقص، وأصبحت تدريجيا ملاه ومراقص بدون ترخيص، مخالفة القوانين واللوائح المنظمة لها، مستغلة غياب الرقابة عليها، وعبثت بالهدوء والأخلاق والسكينة، وأقامت الحفلات يوميا من الثانية بعد منتصف الليل إلى السادسة صباحا دون حسيب أو رقيب وعلى مسامع الجميع.

وللوقوف على حقيقة هذه الحفلات المشبوهة "زرنا" خمس مقاهٍ للشيشة تقيم حفلات "أفتر بارتي" دون الكشف عن هُويتنا الصحفية، وتعمدنا أن تبدأ الزيارات قبل بدء الحفلات لنقف على التغيير الذي يحدث في هذه المقاهي من مقاه لتقديم الشيشة إلى ملاه راقصة تغيب فيها القيم الأخلاقية والدينية والضوابط ويختلط فيها الرجال بالنساء في وصلات رقص متناغمة مع الأضواء الخافتة والألوان المستمدة من أجواء الملاهي الليلية.. تتصاعد أدخنة المعسل على وقع الأغاني المائعة والخصور المتمايلة فيصبح كل شيء ممكنا ومتوقعا وتفتح الطرق بين الداخل والخارج وبين الحلال والحرام وبين القانوني والمجرم.. فتشعر وكأنك في مكان آخر لا ينتمي إلى وقار هذه المدينة وعفتها ولا وقار أهلها وحدة قوانينها وصرامتها فيما يتعلق بانتهاج الجوانب الأخلاقية.

الثانية بعد منتصف الليل

يزداد أعداد الزوار بعد الثانية صباحا، يدخل الرجال والنساء فرادى وجماعات ومن جنسيات مختلفة لحجز مواقعهم وسط المقهى، وفي بعض المقاهي "الراقية" حسب الوصف أو حسب درجة الزحام ونوعية الزبائن يتم فرض رسوم على حجز الطاولة للجلوس بمبلغ يصل إلى خمسة ريالات، وفي كثير من الأحيان لا تجد مكانا، فكل الطاولات محجوزة مسبقًا خاصة في الأيام التي تلي تاريخ الثالث والعشرين من كل شهر أو في أيام الإجازات الأسبوعية.

تمتلئ الطاولات ويجوب النادل بين الطاولات حاملًا في كلتا يديه ما طلبه الزوار من شيشة وبعض المشروبات، بينما يبدأ مطرب الحفلة بتفحص مكبرات الصوت ومشغل الموسيقى (دي. جي) إيذانًا ببدء الحفلة الغنائية. يبدأ بالترحيب بالجميع ويخص الزبائن المعتادين بالتحية، ويدور بين المطرب وبعض الزبائن حديث عابر يسألهم فيه بأي أغنية يبدأ هذه الليلة الحالمة والواعدة بالمفاجآت.

تبدأ الأغاني الصاخبة، وتبدأ الحفلة في كل مرة أقل صخبا، ومع تزايد الأعداد يزداد تصاعد أدخنة المعسل مشكلة سحابة في أجواء المقهى، وتتسلل الأضواء بين الأدخنة ويبدأ الرقص الماجن. وبين أغنية وأخرى "نتسلل" للخارج لنلتقط أنفاسنا من حفلة الدخان، ونشاهد المنظر في الخارج الذي يبدو أنه امتداد لما يحدث في الداخل، حيث يختلط مع أصوات الأغاني التي تصدر من السيارات القادمة للمقهى، وصوت الفنان والموسيقى الصاخبة القادمة من الداخل، سيارات خاصة وأجرة تنزل المزيد من الزبائن، وأصوات الموسيقى والأغاني تعم المنطقة.

وضع لا يوصف

في وقت لاحق من تلك الحفلة، زرنا المنطقة وبحثنا عن من يعبر لنا من السكان عن الوضع، (م. س) من سكان منطقة المعبيلة قال: الوضع لا يوصف، نحن نعاني من هذه الحفلات، نحن نخاف على أبنائنا لدينا فتيات في مقتبل العمر وشباب مراهقون، لا نملك إجابة لتساؤلاتهم عن هذه الأغاني والأصوات التي تصدر من تلك المقاهي، وأضاف: ما يحصل لابد أن يتم وقفه، نحن في بلد لديه عادات وتقاليد ومجتمع محافظ لا يمكن الاستمرار في ذلك، هناك مواقع وأماكن مخصصة لمثل هذه الحفلات، ولكن ليس في هذه المقاهي القريبة من المباني السكنية، نحن منزعجون ونطالب بتدخل عاجل من الجهات المختصة لوقف هذه المقاهي وما يقام فيها من حفلات.

منتصف الحفلة

عدنا لمواصلة حضور الحفلة بعد مشاهدة المنظر في الخارج، الرقص يتزايد والأغاني تصل لمستويات هابطة وسوقية وبذيئة، أما الرقص فوصل هو الآخر إلى لحظة الابتذال الجسدي وكل شيء وصل إلى طريق اللاعودة.

وبينما الحفلة مستمرة والأغاني في أوجها، تسقط القيم نتيجة تلك اللحظة المجنونة من الاختلاط والرقص الماجن فيمتد الأمر إلى الخارج المجاور للمقاهي وإلى الخارج البعيد في مشهد فوضوي لا يمكن وصفه أو تصوره في مجتمع مثل مجتمعاتنا المحافظة.. ولا يمكن وصفه في صحيفة محافظة هي الأخرى.

حاولتُ الحديث مع أحد حضور الحفلة، كان بمنتهى الاحترام في الحديث، لم أكشف له عن صفتي، وتعاملت معه كزبون مثله، سألته هل تأتي هنا دائمًا؟ قال: نعم أنا زبون معروف هنا، وانت؟ قلت هذه زيارتي الأولى للمكان، مع ابتسامة أوحت له بأنني مسرور بما أشاهده. قال هذا المكان دائمًا بهذه الصورة زحمة وفتيات من مختلف الجنسيات وأغانٍ للصبح، لكن المشكلة الوحيدة أن الأسعار بدأت تصبح غالية بعض الشيء! حاولت أن أسأل شخصا كان يجوب المقهى يمينا ويسارا وتبدو على ملامحه صفة المسؤول يتابع الطاولات ويرشد الناس للجلوس ويأمر النادل بالتوجه إلى كل زائر جديد لتلبية طلباته، سألته هل هذه الحفلات مرخصة؟ تظاهر بعدم السماع وابتسم وقال: تفضل تطلب شي! وذهب. توجهت لمكان الاستقبال الذي توجد به مكتب المحاسب حيث تجلس فتاة فائقة الجمال، نظرت إلى الحائط خلفها ووجدت رخصة البلدية معلقة ومكتوب فيها "مقهى شيشة".

لا تترك وحدك في مثل هذه الحفلات وإن جئتها وحيدا، فالكثير من الفتيات سيترددن على طاولتك بابتسامات وأسئلة وحوارات شرط أن تتحمل مصاريف ما طلبته! والمراهقون هم أكبر الضحايا في مثل هذه المقاهي، وما أكثرهم نتيجة قربها أو تمكنها من وسط الأحياء السكنية.

العراك في لحظة الذروة

الغريب أن تلك المشاهد الراقصة والمائعة والخادشة سرعان ما تتحول إلى عراك بالأيدي في لحظات التجلي الأخيرة، ويمتد ذلك العراك من داخل المقهى في ساحة الرقص إلى خارجه وتتباين الإصابات بتباين البنية الجسدية للمتعاركين وشدة صحوهم ما يكشف عن تعدد الأخطار وتباين مستواها المادي والمعنوي. وأغلب هذه المقاهي لا توفر رجال حراسة يمكن أن يملكوا القدرة على فصل المتعاركين في اللحظة التي تتقاطر فيها الدماء من الوجوه.

الساعة الاخيرة

وفي التجارب الخمس، تبدو الساعة الخامسة والنصف فاصلة فيها، حيث يتحول الرقص من الأرض إلى فوق الطاولات بعد أن يتساقط الحياء أرضا وتنتهي المرؤة ويصل الجميع إلى الذروة والتي فيها يمكن أن تتخيل حصول كل شيء. وهي اللحظة التي يكون الناس قد خرجوا فيها من المساجد بعد أداء فريضة الفجر في سكينة ووقار، فيصدمهم هذا الصوت المتسلل من هذه المقاهي/ الملاهي ولا يملكون إلا أن يقولوا "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" وسرعان ما يخرج الركب الراقص من داخل المقهى إلى خارجه في ضحك وقهقات لا تحترم أعراف المجتمع وقيمه وتمتد لاحقا في السيارات بسلوكيات فيها امتداد مما كان داخل المقهى.

خارج المقهى

وبينما تشرق شمس الصباح معلنة بداية يوم جديد، يدهشك ذلك التناقض بين المشهدين في مكان واحد، مشهد وقوف طلبة المدارس أمام منازلهم لانتظار حافلاتهم المدرسية والمستيقظين باكرًا للتوجه إلى أعمالهم، ومشهد الخارجين من سهرة (أفتر بارتي) وهم يتمايلون مثقلين بليلة مجنونة دون أي محاولة للستر على أنفسهم رجالا ونساء أو محاولة عدم خدش حياء المجتمع المحيط بهم.

ما يؤكد أهمية متابعة هذه المقاهي التي تحدث هذه التجاوزات تنفيذا للقوانين السارية ولأحوال المجتمع وخصوصياته. خاصة وأن كل هذا يخالف المادة (56) من الفصل التاسع الخاصة بالاشتراطات الصحية لممارسة نشاط مقهى الشيشة تنص بوضوح على حظر تقديم الشيشة في الحدائق والمتنزهات والشواطئ العامة أو في الأراضي المخصصة للمهرجانات أو مدن الملاهي للأطفال، كما تحظر تخصيص مواقع مغلقة في المقاهي أو إقامة خيم في الفنادق لهذا الغرض، وتمنع توصيل الشيشة إلى المنازل أو الأماكن العامة، أو السماح بدخول من تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عامًا إلى المقاهي أو تقديم أي خدمات لهم، وتشمل كذلك منع الدعاية والإعلان والترويج لمنتجات التبغ والمعسل أو وضع أي إعلانات مطبوعة أو مسموعة أو مرئية داخل المرفق المرخص، إضافة إلى حظر تشغيل مكبرات الصوت وإقامة الحفلات الغنائية والمناسبات في هذه المقاهي.

كانت التجربة صعبة ومحزنة ولكنها مهمة لكشف التفاصيل التي بدا أنها غائبة عن جهات الاختصاص الأمر الذي يطرح الكثير من علامات الاستفهام خاصة وأن هذا الامر من شأنه أن يفتح الكثير من أبواب الجرائم المرتبطة بمثل هذه الحفلات ناهيك أنها تضعف المجتمع وتشظي شبابه وتكسر حياءه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه المقاهی هذه الحفلات

إقرأ أيضاً:

فينيسيوس وفيرجينيا.. علاقة النجوم تتحول إلى مشروع تجاري

صراحة نيوز- تحولت العلاقة بين نجم ريال مدريد فينيسيوس جونيور وصديقته فيرجينيا فونسيكا إلى حديث وسائل الإعلام العالمية، بعد خيانة علنية من اللاعب تبعتها اعتذارات أمام الملايين، ما أثار جدلاً واسعاً حول دوافع الطرفين.

سرعة تجاوز فيرجينيا للأزمة وعودتها إلى العلاقة أثارت التساؤلات: هل هو حب عاطفي أم استراتيجية تجارية مدروسة؟ وتحليل الخبراء يشير إلى أن العلاقة تحمل أبعاداً اقتصادية وإعلامية، إذ تشكل فرصة لتعزيز الصورة العامة وزيادة العائدات التجارية للأطراف المعنية.

ويأتي هذا الموقف في سياق تحولات عالم كرة القدم الحديث، حيث أصبحت حياة النجوم الشخصية جزءاً من صناعة “البيزنس الرياضي-الإعلامي”، كما يظهر في تجربة كريستيانو رونالدو وجورجينا رودريغيز، التي تحولت من علاقة عاطفية إلى إمبراطورية مالية وعلامة تجارية عالمية.

وبحسب المراقبين، فإن هذه الظاهرة تعكس التحول في مفهوم العلاقات الشخصية لدى نجوم الرياضة، لتصبح أدوات لتعزيز الثروة والشهرة، بعيداً عن مجرد الجانب العاطفي.

مقالات مشابهة

  • دراسة: العمل الدائم بنوبات ليلية مرتبط بالقولون العصبي
  • فينيسيوس وفيرجينيا.. علاقة النجوم تتحول إلى مشروع تجاري
  • محافظ الجيزة : رفع إشغالات المقاهي والكافيهات بشارع جزيرة العرب بالمهندسين
  • خلال جولة ليلية مفاجئة.. مخالفات بالجملة في مستشفى حلوان العام والنصر للتأمين
  • مقاهي الشاي تزيّن أرصفة الكوفة احتفاء بالخريف (صور)
  • أبرز الولايات التي نشر فيها ترامب قوات الحرس الوطني
  • أفكار مبتكرة لحفلات الهالوين تجعل الحفلة ممتعة ولا تُنسى
  • الاحتلال ينفذ اقتحامات ليلية في الخليل ونابلس وطوباس
  • «أم كلثوم: دايبين فى صوت الست».. حين تتحول الأسطورة إلى إنسانة من لحم ودم