علي جمعة: الذكر في اللغة ضد النسيان وفي الاصطلاح يشمل جميع العبادات
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الذِّكرُ في اللغة يعرف بأنَّه مصدرُ: ذَكَرَ الشيءَ يذكره ذِكرًا وذَكَرًا، وقال الكسائي: الذِّكرُ باللسان ضدّ الإنصات، ذاله مكسورة، وبالقلب ضدّ النسيان، وذاله مضمومة، وقال غيره: بل هما لغتان.
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه يُستعمَل في اللغة بعدة معانٍ؛ منها: جريانُ الشيء على اللسان إذا نُطِقَ باسمه وتُحُدِّثَ عنه؛ قال تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15].
نقل صاحبُ «القاموس» في «بصائرِه» عن الراغب الأصفهاني قولَه: «الذِّكرُ تارةً يُراد به هيئةٌ للنفسِ بها يمكنُ الإنسانَ أن يحفظَ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظِ، إلَّا أن الحفظَ يُقال اعتبارًا بإحرازِه، والذِّكرُ يُقال باعتبار استحضارِه، وتارةً يُقال لحضورِ الشيءِ القلبَ أو القول. ولذلك قيل: الذكرُ ذكران: ذكرٌ بالقلب، وذكرٌ باللسان، وكلّ واحدٍ منهما ضربان: ذكرٌ عن نسيان، وذكرٌ لا عن نسيان، بل عن إدامةِ حفظ. وكلُّ قولٍ يُقال له ذكر. ومن الذكرِ بالقلبِ واللسانِ معًا قولُه تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}» [البقرة: 200].
أمَّا في الاصطلاح فللذِّكرِ معنَيان: الأوّل عامٌّ، وهو يشمل كلَّ أصنافِ العبادات؛ حيث إنَّها تشتملُ على ذكرِ الله، سواءٌ كان ذلك الذكرُ بالإخبارِ المجرَّد عن ذاتِه، أو صفاتِه، أو أفعالِه، أو أحكامِه، أو بتلاوةِ كتابِه، أو بمسألتِه ودعائِه، أو بإنشاءِ الثناءِ عليه بتقديسِه وتمجيدِه وتوحيدِه وحمدِه وشكرِه وتعظيمِه. وعليه فتسمَّى الصلاةُ ذِكرًا، وتلاوةُ القرآنِ ذِكرًا، والحجُّ ذِكرًا، وكلُّ أصنافِ العبادات.
ويكون بمعنًى أخصَّ، وهو إنشاءُ الثناءِ بما تقدَّم دونَ سائرِ المعاني الأخرى المذكورة. ويشيرُ إلى الاستعمالِ بهذا المعنى الأخصِّ قولُه تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]؛ فرغم أن الصلاةَ ذكرٌ بالمعنى الأعمّ، إلَّا أن المرادَ هنا هو المعنى الأخصّ، حيث فرَّق اللهُ بين الصلاةِ والذِّكر. وكذلك قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّ العزة: «مَن شغله القرآنُ وذِكري عن مسألتي أعطيتُه أفضلَ ما أُعطي السائلين» [رواه الترمذي]؛ وكذلك على الرغم من أن القرآنَ ذكرٌ بالمعنى الأعم إلَّا أن المرادَ في الحديثِ من الذِّكرِ المعنى الأخصُّ حيث فرَّق بينهما.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ذكر الله فوائد ذكر الله
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: وجود الشهوات والرغبات ليس معيبًا إنما الانحراف بهذه الأشياء هو المعيب
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن هناك حقيقةٌ إيمانية وسلوكية عالية القيمة يمكن أن نضع لها عنوانًا حتى نتفهمها بعمق، وحتى نحفظها، وحتى نحولها كما أرادها ربنا إلى سلوكٍ وعمل، عنوانها "تأجيل المحاكمة".
وتابع: عندنا رغبةٌ أننا نريد أن نحاكم أنفسنا، أو الناس، أو التاريخ، أو الأحداث هنا في الدنيا.
هذه الرغبة من خلق الله، لكن هل نستجيب إليها أو نقاومها؟
وجود هذه الرغبة في البشر ليس معيبًا، كما أن وجود الشهوة في البشر ليس معيبًا، ولا أن جبلنا الله على حب الطعام، وحب المنام، وحب الأنام، وحب الكلام... ليس معيبًا.
وإنما الانحراف بهذه الأشياء هو المعيب، والسرف فيها هو المعيب، وعدم تحكم النفس بشأنها هو المعيب، وارتكاب الحرام لنيلها هو المعيب.
ومره ان وجود هذه الأشياء من شهواتٍ ورغباتٍ وانطباعاتٍ ليس معيبًا.
ليس معيبًا أن تغتاظ، لكن المعيب ألا تسيطر على غضبك وغيظك فتؤذي الآخرين.
قال النبي ﷺ: «لا تَغضب ولك الجنة»، وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
نريد أن نعالج هذا العنوان وهو أن الله سبحانه وتعالى يعلمنا المرة تلو المرة، وفي الآية تلو الآية، تأجيلَ المحاكمة.
يقول ربنا: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108].
كلمة "ثم" تفيد الترتيب مع التراخي، أي في مدةٍ، فيريد منك التأمل والصبر والانتظار.
{ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ}، فلا تحاكم أحدًا؛ لأنك لا تعلم أيّكما يموت أولًا، وأيّكما يموت على الخير.
علَّمنا مشايخنا أننا عندما نرى رجلًا عاصيًا ننكر المعصية، ونتركه لله تعالى، ولكن هناك بعض الناس من يريد أن ينصب محكمةً في الدنيا، ويدخل الناس الجنةَ والنار، وكأنه يملك مفاتيح الجنة والنار!
إياك أن تفعل هذا؛ لأنك بهذا الشكل تأخذ خصائص الإله، فهو سبحانه وتعالى لم يُطْلِع أحدًا على الغيب، ولم يُعطِ مفاتيح الجنة والنار لأحدٍ.
وقد بيَّن النبي ﷺ في الحديث أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وعلى العكس من ذلك أيضًا.
فالله تعالى يفعل ما يشاء؛ فهو الذي يعفو، وهو الذي يستر، وهو الذي يدخل الجنة، وهو الذي يدخل النار.
عن جُندبٍ رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أنَّ رَجُلًا قالَ: وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ. وإنَّ اللَّهَ تَعَالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ؟ فإني قد غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وأحْبَطْتُ عَمَلَكَ». (صحيح مسلم)