نحو نموذج عربي للجاهزية السيبرانية
تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT
لم يعد الفضاء السيبراني مجرد امتداد تقني للبنى المعلوماتية، بل أصبح مجالًا جيوسياسيًا قائمًا بذاته، يتداخل فيه الأمن القومي مع الاقتصاد الرقمي، وتتقاطع فيه القوات المسلحة مع خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتتداخل فيه الحدود السيادية مع حدود رقمية غير مرئية، تصنع الواقع وتشكّل الإدراك وتعيد صياغة معادلات النفوذ والقوة.
من هذا المنطلق، طرحت في أطروحتي للدكتوراه المتعلقة بالفضاء السيبراني وتحولات القوة في العلاقات الدولية سؤالًا محوريًا: كيف يمكن إعادة تعريف القوة في عالم لم تعد فيه السيطرة تُقاس بالحدود المادية والقدرات العسكرية وحدها، بل بالقدرة على امتلاك البيانات وتوجيهها، والتحكم في البنى الخوارزمية التي تصنع الوعي وتدير السلوك وتعيد تشكيل المجال العام؟
أحد أبرز الاستنتاجات التي خلصت إليها الأطروحة تمحورت حول مسألة أنّ العالم العربي لا يمكنه الاكتفاء بدور المستهلك أو المتلقي للمعايير الدولية في قياس القوة السيبرانية؛ لأن امتلاك أدوات القياس ليس وظيفة تقنية، بل هو فعل سيادي يمس تعريف الذات وتحديد موقعها في النظام الدولي. فالانتقال من موقع من يُقاس إلى موقع من يضع معايير القياس هو في جوهره انتقال من التبعية المعرفية إلى إنتاج السلطة الرمزية والتقييمية، وهو شرطٌ لبناء حضور عربي مستقل في المجال السيبراني العالمي.
وفق هذا المنظور، فإن الدعوة إلى تأسيس نموذج عربي مستقل لقياس القدرات السيبرانية لم تأتِ كتوصية شكلية، بل كضرورة إستراتيجية مرتبطة بوجودنا في نظام دولي يتشكل، حيث تتنافس الدول الكبرى على وضع المعايير، وتحديد قواعد السلوك في الفضاء السيبراني، وصياغة أطر تقييم القدرات الوطنية. إذ إن غالب النماذج الرائجة اليوم - مثل مؤشرات جامعة هارفارد، والاتحاد الدولي للاتصالات، ووكالات الاستخبارات الغربية - تعكس منظومات قيمية وسياسية مُصممة لتعزيز تصورات محددة للقوة.
لماذا نقول ذلك؟ لأنّ مراجعة الأدبيات ذات الصلة في هذا السياق كشفت عن مشكلتين جوهريتين متأصلتين في بنية المؤشرات الدولية ومعاييرها التقييمية. أولًا: التحيّز المعرفي والسياسي في المؤشرات الدولية.
فالتحيّز في القياسات الدولية يعكس شكلًا جديدًا من القوة المعيارية (Normative Power)؛ حيث تُدار المنافسة السيبرانية عبر تعريفات ومعايير مسبقة تُحدد من يستحق صفة «المتقدّم» ومن يُوضع ضمن خانة «المنكشف» أو «غير الجاهز»، حتى وإن امتلك قدرات تشغيلية وعملياتية أثبتتها التجارب الميدانية.
المؤشرات الحالية لا تلتقط حقيقة أنّ الفضاء السيبراني في المنطقة ليس فقط مجالًا تقنيًا، بل مسرحًا جيوسياسيًا يرتبط بالأمن الوطني والاقتصاد السياسي الإقليمي
ثانيًا: تجاهل السياقات الوطنية والبيئة الأمنية العربية وهذا الأكثر جوهرية بالنسبة للعالم العربي، حيث تتمثل في فجوة السياق بين البيئة الواقعية الإقليمية والمعايير المستخدمة عالميًا لتقييم القدرات السيبرانية. فغالبية المؤشرات تُبنى على فرض أنّ التهديدات المهيمنة هي جرائم إلكترونية ونشاطات تجسسية تقليدية وهجمات على البنى الرقمية المدنية، في حين أنّ البيئة العربية تُظهر طبيعة تهديدات أكثر تعقيدًا وتشابكًا.
بمعنى آخر، فإن المؤشرات الحالية لا تلتقط حقيقة أنّ الفضاء السيبراني في المنطقة ليس فقط مجالًا تقنيًا، بل مسرحًا جيوسياسيًا يرتبط بالأمن الوطني والاقتصاد السياسي الإقليمي. وبالتالي، فإن تقييم دول المنطقة وفق معايير تركّز على عناصر تقنية معزولة دون دمجها في سياق أوسع من التحديات الإقليمية يجعل المؤشر غير قادر على عكس القدرات الفعلية أو الاحتياجات الإستراتيجية.
في الحالتين، تكمن الإشكالية في أن هذه المؤشرات تتحول، دون قصد مباشر أحيانًا، إلى أدوات لتعريف «من هو جاهز سيبرانيًا» وفق منظومة قيمية خارجية، وليس وفق احتياجات وطنية، ومصالح إستراتيجية، وتحولات جيوسياسية تخص المنطقة العربية. وبذلك يصبح تأسيس نموذج عربي فعلًا معرفيًا سياديًا يستعيد القدرة على تعريف الذات الرقمية، وتحديد موقعنا في النظام السيبراني العالمي وفق معايير نابعة من سياقاتنا وضروراتنا، لا وفق عدسات الآخرين ومصالحه
الشرق القطرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قرصنة تكنولوجيا الامن السيبراني سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الفضاء السیبرانی
إقرأ أيضاً:
الهلال يدرس بين أبوظبي والعين لحسم موقع المعسكر الشتوي… وإنزاجي يرسم برنامجًا خاصًا للجاهزية
كشف تقرير صحفي جديد أن إدارة نادي الهلال لم تحسم حتى الآن المدينة التي سيستضيف فيها الفريق معسكر شهر ديسمبر المقبل داخل الإمارات، حيث تفاضل الإدارة الهلالية حاليًا بين مدينتي أبوظبي والعين، قبل اتخاذ القرار النهائي خلال الأيام المقبلة، في ظل حرصها على اختيار المكان الأكثر مناسبة لمتطلبات الجهاز الفني بقيادة الإيطالي سيموني إنزاجي.
الاختيار بين المدينتين ليس قرارًا سهلًا، فلكل مدينة مزاياها الفنية، إذ توفر أبوظبي بنية رياضية ضخمة، وملاعب قريبة من مراكز التدريب، ومرافق فندقية من أعلى درجات الجودة، فيما تتمتع العين بطابع هادئ يساعد على التركيز العالي، إضافة إلى مرافق تدريبية ممتازة توفر بيئة معزولة ومثالية للتطبيقات التكتيكية المكثفة.
الجهاز الفني للهلال يريد الاستفادة القصوى من هذا التوقف، ولذلك فإن القرار النهائي سيُحسم بناءً على تفاصيل تدريجية دقيقة تتعلق بعدد الملاعب المتاحة، جودة الأرضية، المسافات الزمنية، جدول المباريات الودية المقترحة، مدى الهدوء، وخطة الأحمال البدنية اليومية.
إنزاغي بحسب مصادر داخل النادي ينوي تطبيق نهج تدريبي مختلف خلال معسكر ديسمبر، يعتمد على تقسيم اللاعبين لمجموعات داخل العمل الفني، مع رفع معدل الأحمال لمن شاركوا بصورة أقل هذا الموسم، بهدف رفع جاهزيتهم لمستويات متوازنة مع العناصر الأساسية، وهو ما سيزيد من خيارات الجهاز الفني ويوسع دائرة المنافسة داخل الفريق.
وسيتم تنظيم مباريات ودية عالية الإيقاع داخل المعسكر، لاختبار الجوانب التكتيكية، وتحسين الانسجام داخل خطوط اللعب، إضافة إلى تطبيق نموذج تدريبي خاص يعتمد على سرعة الخروج من الضغط، وبناء الهجمات من الخلف، مع تطوير الجانب التهديفي عبر زيادة كثافة التسديد، والتحركات داخل منطقة الجزاء.
الخطة كذلك تتضمن جانبًا غذائيًا خاصًا تم اعتماده للجميع، يشرف عليه الطاقم الطبي بالتعاون مع المعد البدني، بهدف تحسين نوعية بناء الكتلة العضلية، وخفض نسب الدهون، ورفع قدرة الاستشفاء لدى اللاعبين بعد الحمل التدريبي المكثف خلال فترة التوقف.
الهلال يدخل فترة التوقف وعينه على العودة للمنافسات بأعلى جاهزية، لأن الفريق يواجه تحديات قوية على مستوى المنافسات المحلية والقارية، وبالتالي سيكون هذا المعسكر هو الخطوة الأهم قبل دخول مرحلة الحسم.
الإدارة الهلالية تعتبر أن العمل الدقيق في التفاصيل الصغيرة خلال هذا التوقف، قد يكون هو الخط الفاصل الذي يصنع الفارق داخل أرض الملعب مع عودة المنافسات.. والقرار النهائي للمدينة الأقرب لاستضافة المعسكر سيتم حسمه رسميًا خلال أيام قليلة.