20 نوفمبر.. ذاكرة وطن ومسيرة فخر
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
د. إبراهيم بن سالم السيابي
اليوم الوطني هو يوم نستعيد فيه تاريخنا العريق، ونحتفي فيه بكل إنجاز، ونستحضر القيم التي صنعت هويتنا. يومٌ يعكس روح الوحدة والانتماء، ويذكّرنا بأنَّ الوطن ليس مجرد مساحة جغرافية؛ بل قصة تكتبها الأجيال بحبٍ وعطاء.
في هذا اليوم، لا نحتفل فقط بالأعلام المرفوعة أو الفعاليات المتنوعة؛ بل نحتفل بالحلم الذي تحقق، وبالجهود التي بذلها الآباء والأجداد لبناء مُجتمعٍ يفتخر بأبنائه ويؤمن بمستقبله.
في يوم الوطن من نوفمبر المجيد، لا نحتفي بالتاريخ فحسب؛ بل نحتفي بالمعنى المتجذر في القلوب؛ ذلك الإحساس العميق الذي يجعل الانتماء لهذه الأرض الغالية ليس مجرد موقعٍ نعيش فيه؛ بل هويةٌ تتنفس داخلنا، وقصةٌ ممتدة عبر الزمن. إنه يومٌ تتجدد فيه المشاعر، ويعود فيه الوعي الوطني ليربط الماضي بالحاضر، ويُذكّرنا بأنَّ لكل واحدٍ منَّا جذورًا ضاربة في أرضٍ لم تنقطع يومًا عن مسيرة البناء.
ويوم الوطن ليس مُناسبةً عابرة؛ بل لحظة تتقدم فيها القيم والمعاني على الاحتفال؛ لحظة نرى فيها صورة عُمان كما أراد لها التاريخ أن تكون: دولةٌ راسخة الجذور، تحمل إرثًا حضاريًا وسياسيًا تشكّل عبر القرون، ليمنح حاضرها ثباتًا ومستقبلها أفقًا واسعًا. إنه اليوم الذي نُدرك فيه أنَّ هذا الوطن لم يكن صدفةً في تاريخ الجغرافيا؛ بل كان دائمًا قرارًا من إرادة الإنسان العُماني الذي بنى وعمّر ودافع وحافظ.
ونحن كمواطنين عُمانيين نشعر بفخرٍ عميق بهذا الإرث العظيم الممتد في جذور الزمن؛ إرثٌ لا يشيخ ولا يتراجع، ولا يتخلى عن قيمه. ويزداد هذا الفخر كلما ذُكر اسم عُمان بين الأمم؛ اسمٌ يدخل الساحات الدولية بثقة، ويُستقبل بالاحترام قبل أن يُقال، لأنَّه محمّل بسمعة طيبة صنعها نهج سياسي ثابت يقف مع الحق، ويُساند المظلوم، ويُمارس حيادًا حكيمًا لا يبتعد عن المبادئ؛ بل يبتعد عن الصراعات التي لا تُبنى بها الأوطان. نهجٌ يمنحنا شعورًا بالاعتزاز، لأنه يجمع بين الحكمة والقوة، وبين المبدأ والواقعية.
وهنا تتجلى ذاكرة الأجيال، تلك الذاكرة التي تحفظ الوطن في القلوب قبل الكتب، وتنقل معاني الانتماء من جيلٍ إلى جيل. فالأوطان لا تبقى بالخرائط وحدها؛ بل بما يُورّثه الآباء للأبناء من قيمٍ وثباتٍ وصورٍ مشرقةٍ لهذا الوطن. وما نحتفل به اليوم ليس لحظةً عابرة في التاريخ؛ بل استمرارٌ لروحٍ حملها العُمانيون عبر الزمن، وحافظوا عليها كما تُحفظ الأمانة في الصدور.
ويأتي يوم الوطن كتذكيرٍ بما تحقق من إنجازات، وما نأمله من مستقبل. فقد استطاعت بلادنا أن تقطع شوطًا مهمًا على طريق النهضة والتنمية، وتسعى اليوم إلى إعادة بناء منظومتها الاقتصادية وفق رؤيةٍ واضحة. ورغم ما يشهده العالم من تقلباتٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ تُؤثر في مسارات العمل، فإنَّ المرحلة القادمة تستدعي تسريع خطوات التنويع الاقتصادي وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي حتى تواكب الطموح الوطني المتزايد. ومع ذلك ندرك أن أمامنا تحدياتٍ تتعلق بتطلعات المواطن نفسه؛ فطموحات العُماني اليوم اتسعت، وأصبحت أكثر وعيًا وارتباطًا بتحقيق مستوى أعلى من الرفاهية والاستقرار وجودة الحياة.
وهنا تبرز أهمية تسخير الإمكانات المتاحة ووضع خارطة طريقٍ واضحةٍ توازن بين الموارد وبين رغبات المواطن المشروعة؛ فالتطلعات لا يمكن أن تتحقق دفعةً واحدة، ولا يمكن تجاهلها في الوقت ذاته. ولذلك أصبح من الضروري أن نضع في الحسبان أهمية المرحلة القادمة بقدرٍ أعلى من التخطيط العملي القائم على ترتيب الأولويات، وتعظيم الموارد، وتسريع الإجراءات، وابتكار مساراتٍ جديدةٍ تفتح المجال أمام فرص العمل والاستثمار وتحسين الخدمات. إن مواجهة التحديات لا تعني تجاهل الواقع؛ بل تعني فهمه وترشيد الإمكانات والعمل على تحويلها إلى نتائج ملموسةٍ يشعر بها المواطن في تفاصيل حياته اليومية.
وفي قلب هذه المسيرة، يأتي دور المواطن؛ إذ إنَّ المُستقبل الذي نتطلع إليه لا تصنعه الخطط الحكومية وحدها؛ بل يصنعه وعي أبناء الوطن. إن المواطنة ليست بطاقة تعريف؛ بل ممارسة يومية تبدأ من احترام القانون، وتمرّ بالالتزام بالعمل، وتتجلى في المحافظة على المصلحة العامة. فالمواطن الواعي هو الثروة التي لا ينضب عطاؤها، وهو الاستثمار الحقيقي الذي تقوم عليه نهضة الدول. فالدول التي تنهض ليست تلك التي تمتلك الموارد فقط؛ بل تلك التي يمتلك مواطنوها الوعي والإرادة والإيمان بأن كل سلوكٍ صغير هو لبنة في بناء وطنٍ كبير.
ومن هنا، نحن كمواطنين نضع أيدينا مع القيادة الحكيمة التي تضع نصب أعينها الوطن والمواطن معًا. نساند، ونعمل، ونشارك، وندرك أن نهضة الأوطان لا تُصنع من جهةٍ واحدة؛ بل من التقاء إرادة الدولة مع وعي المجتمع، وتعاون السلطة مع المواطن. فهذا التكامل هو الذي يحوّل الرؤية إلى واقع، والطموح إلى منجز.
وطريق النهضة لم يكن يومًا مفروشًا بالورود؛ بل كان طريقًا يحتاج إلى صبرٍ وإصرارٍ ومراجعةٍ وتطويرٍ مستمر. لكنه الطريق الذي يستحق أن نسير فيه، لأن نهايته عُمان أقوى، أعظم، وأكثر ازدهارًا.
وفي هذا اليوم المجيد، لا نحتفل بوطنٍ فحسب؛ بل نحتفل بأنفسنا ونحن نرى هذا الوطن يكبر بنا ونكبر به.
وفي الختام.. وبمناسبة اليوم الوطني المجيد، نرفع أسمى آيات التهاني لمقام حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- قائدًا وملهِمًا وربّانًا لمسيرة الوطن.
وكل عامٍ وعُمان في صعودٍ وازدهار، وكل عامٍ وقلوبنا معلّقة بها، فخورين بتاريخها، مؤمنين برؤيتها، ثابتين على حبها والولاء لها.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استعداداً لزوال الكيان الإسرائيلي: هارفرد تجمع ذاكرة إسرائيل في مخزن سري
أفادت صحيفة "هآرتس" العبرية بوجود "موقع سري" داخل جامعة هارفارد الأمريكية مخصص لحفظ كل ما يُنشر في دولة الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة تهدف إلى تخزين النتاج الثقافي والعلمي تحسباً لزوال الكيان.
ووفق التقرير المنشور بعنوان: "موقع سري في الولايات المتحدة يخزن كل ما نشر في إسرائيل تحسبا لزوال البلاد"، فإن عشرات آلاف المجلدات والمؤلفات المرتبطة بالثقافة الخاصة بالاحتلال الإسرائيلي محفوظة ومفهرسة داخل قاعات ضخمة في الجامعة.
وكشف التقرير أن الشاعر والروائي الإسرائيلي حاييم بئير روى تفاصيل زيارته إلى هذا الموقع خلال مشاركته في مؤتمر أدبي بجامعة هارفارد في أواخر التسعينيات، حيث اصطحبه منظمو المؤتمر إلى مكان وصفه بأنه "استثنائي".
وبحسب روايته، بدا المبنى من الخارج شبيهاً بمعبد يوناني، قبل النزول إلى قبو واسع تحت الأرض. وقال بئير: "انفتح أمامي مكان ضخم ممتلئ بكل أنواع المواد المطبوعة.. رأيت شابات يعملن بلا توقف أمام الحواسيب، وكل منهن توثق نوعاً من المواد التي لا تُتوقع رؤيتها في مكتبة أكاديمية".
وأوضح أن المحتويات شملت منشورات لكنائس يهودية، ونشرات كيبوتسات، وكتيبات تخليد قتلى الحروب، وأعلام عيد سمحات هتوراه، وإعلانات، ومواد دعاية سياسية.
ولم يصدر أي تعليق من جامعة هارفارد بشأن ما ورد في التقرير.
وذكرت "هآرتس" أن العاملين على المشروع يرون في هذه المواد وثائق اجتماعية ثمينة، تعكس تطور المجتمع داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي وتغير اللغات والتحولات السياسية والدينية عبر الزمن.
وأضافت الصحيفة أن المشروع الأرشيفي ليس مبادرة أكاديمية تقليدية، بل يُعد "نظام ذاكرة بديلة" بعيداً عن مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي الرسمية، ما يمنحه قدراً أكبر من الأمان في حال تعرض البلاد لأزمات وطنية.
ووصف الكاتب الإسرائيلي الذي زار الموقع الأرشيف بأنه "نسخة احتياطية كاملة للثقافة الإسرائيلية"، معتبراً حفظ هذا الإرث في الولايات المتحدة شكلاً من "التأمين الحضاري" لحماية التاريخ الاجتماعي والثقافي للاحتلال الإسرائيلي في بيئة سياسية مستقرة.
وأضافت الصحيفة أن المشروع يقف خلفه الباحث اليهودي تشارلز برلين، الذي بدأ منذ ستينيات القرن الماضي في تطوير قسم جديد بجامعة هارفارد يُعنى بتوثيق الحياة والثقافة اليهودية على مرّ الأجيال.
وبحسب أمناء المكتبات في هارفارد، يضم القسم حالياً نحو مليون عنصر أرشيفي، قد يحتوي الواحد منها على عشرات أو مئات الوثائق، إلى جانب عشرات آلاف الساعات من التسجيلات الصوتية والمرئية، وما لا يقل عن ستة ملايين صورة.
ونقلت "هآرتس" عن موشيه موسك، المدير السابق لـ"أرشيف إسرائيل" الحكومي (1984–2008)، أنه رفض مشاركة بعض الأرشيفات الحساسة مع برلين، مثل أرشيف الشعب اليهودي وأرشيف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بسبب تحفظه على الفكرة التي ينطلق منها المشروع والقائمة على احتمال عدم بقاء إسرائيل في المستقبل.
كما ذكر الكاتب الإسرائيلي إيهود بن عزر، وهو أحد المتعاونين مع برلين، أن الأخير تعرض لانتقادات شديدة، بينها اتهام من مؤرخ إسرائيلي شاب بأنه يوثق الاحتلال الإسرائيلي بدافع الشك في استمراره.
وقال بن عزر: "لم أتلق أي مقابل.. فعلت ذلك خدمة للباحثين في المستقبل.. وحتى اليوم أعتقد أن إسرائيل ما تزال مهددة بهجوم نووي، لذلك أرى أن هذا الدعم الأرشيفي في هارفارد بالغ الأهمية".
وأشار إلى أن برلين أخبره بأن وجود المشروع لا يتطلب كارثة لتبريره، فالأرشيفات داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي مهددة بالتلف بسبب الفيضانات أو الحرائق أو سوء التخزين، الأمر الذي يجعل حفظ نسخة احتياطية في بيئة مناسبة ضرورة بحثية وتاريخية.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن