يمانيون|تقرير*

يظل 2 ديسمبر تاريخاً محفوراً في ذاكرة اليمنيين، وهو كالشرارة التي حاولت أن تحرق العاصمة اليمنية صنعاء، لتصل بعد ذلك إلى قلب كل محافظة، لكنها انطفأت على أبواب صنعاء سريعاً، وبقي دخانها شاهداً على واحدة من أخطر الفتن التي مرت على اليمن منذ عقود.

  وفي ذلك اليوم كان اليمن يقف على حافة المجهول؛ فقد أعلن الخائن علي عبدالله صالح فكّ ارتباطه الكامل مع أنصار الله والقوى الوطنية، منهياً تحالفاً دام ثلاثة أعوام، ومتجهاً إلى أحضان تحالف العدوان السعودي الإماراتي الذي دمّر البلاد منذ مارس 2015، وبالأصح انكشفت ورقة الخيانة، فعفاش كان في الظاهر مع أنصار الله، لكنه في الخفاء كان يعمل مع العدوان، ويقتنص الفرصة للانقضاض عليهم.

 ويمكن القول إن فتنة 2 ديسمبر في عامها الثامن لم تبدأ في ذلك اليوم، فقد كانت فصولها تتراكم بهدوء وعلى غير عجل، لأشهر طويلة من التحضير، وفشل المحاولات، والمؤامرات المؤجلة، واللقاءات السرية.

 وخلال سنوات “الشراكة” بين حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يترأسه الخائن صالح، وأنصار الله والقوى الوطنية، كان صالح لا يتصرف كحليف، بل كمن ينتظر لحظة انقلاب ويتحين فرصة العودة من النافذة الضيقة.

 ورغم ظهوره كجزء من جبهة مواجهة العدوان، كان يرسل رسائله إلى الرياض عبر شخصيات مقرّبة، وكان ينتظر إشارة أو صفقة وفرصة للعودة إلى الحكم.

 لقد كانت الخيانة واضحة في سلوكه، فهو لم ينسَ من كان يراقبه، وتأخر إعلان موقفه المناهض للعدوان لما بعد أربعة أسابيع؛ حيث ظل خلالها صامتاً يبحث عن موطئ قدم لدى الرياض، رغم استهداف منزله بالطيران وصواريخ العدوان، وحين رفضه ابن سلمان، عاد ليقف مع صنعاء ومع اليمنيين، لكن دون إيمان بالتحالف مع أنصار الله والقوى الحية في الداخل.

 لقد كان الرجل يرى نفسه متفردًا فوق الجميع، ولم يكن يرى في “الشراكة” سوى جسر مؤقت، كما لم يكن يرى في دماء اليمنيين غير وقود أحلام نرجسية للعودة إلى السلطة.

أغسطس.. الشهر الذي كاد يحرق صنعاء

 لم يكن 2 ديسمبر أول محاولة لإحداث الفتنة ومحاولة الانقلاب على ثورة 21 سبتمبر ومشروعها التحرري الأصيل، فالمخطط الأصلي كان مقر التنفيذ في 24 أغسطس 2017.

 لقد تم تمويل حشد شعبي كبير تحت غطاء “احتفال” مزعوم بذكرى تأسيس حزب المؤتمر! فكان الهدف واضحاً من الحدث، وهو إطلاق خطاب يدعو لاحتلال المؤسسات واقتحام مراكز الدولة والانقلاب من ميدان السبعين، لكن أنصار الله كانوا قد اخترقوا الخطة بالكامل واطلعوا على تفاصيلها.

 وصل التحذير مباشرة لصالح عبر الشهيد الرئيس صالح الصماد، الذي وقف أمامه ملوحاً من تبعات أي تحرك أحمق لعفاش وأتباعه، وبسبب الضغط الشعبي والاستنفار الذي أحاط بمداخل صنعاء آنذاك، واستنفار الأجهزة الأمنية، تراجع صالح في آخر لحظة عن الخطة، وفشلت خطة أغسطس لكن صداها لم يختفِ من غرف صالح المغلقة.

ما بعد أغسطس..عمل سرّي

 بعد فشل خطة أغسطس الرئيسة، لم يتوقف عفاش، فكان نشاطه التخريبي قد تحول إلى نشاط سري، حيث أعاد تفعيل مجموعات عسكرية سابقة، وفتح مراكز تدريب سرية في معسكر الشهيد “الملصي”، ومعسكر التدريب في ذمار، وفعّل “هيئة الحفاظ على القوات المسلحة والأمن” التي كانت عملياً غرفة عمليات.

 وفي الوقت نفسه، تضاعفت الحملات الإعلامية ضد أنصار الله وما كان يعرف بـ”اللجان الشعبية”، وحملات التحريض ضد مؤسسات الدولة، وكان الهدف خلق مزاج شعبي ناقم يُستخدم ساعة تفجير الموقف.

 وكانت ذروة التصعيد العفاشي في ذكرى المولد النبوي الشريف في 29 نوفمبر، حيث بدت أغلب القنوات المرتبطة بالخارج تبث رسائل موجهة للشارع، تصور احتفال اليمنيين بالمولد كحال من البذخ والبدعة، والهدف كان التأليب على المحتفلين؛ أنصار الله وعموم اليمنيين.

2 ديسمبر… صباح الفتنة

ومع طلوع شمس السبت 2 ديسمبر، بدت صنعاء مدينة على وشك التشظي، كأنها ستحترق، فقد انتشرت مجموعات صالح في الأحياء الجنوبية، وأغلقت الشوارع، وأطلقت النار في الهواء، وكانت القنوات الخارجية التابعة لتحالف العدوان مثل العربية والحدث السعودية وسكاي نيوز الإماراتية تصبغ شاشاتها كاملة باللون الأحمر، وشعارها “صنعاء تنتفض”، وتبشر بمزاعم انتصار سريع، وتتحدث عن “سقوط المطار والتلفزيون”، رغم أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وكانت قراءة العدو مفعمة بالسذاجة والجهل بالموقف حد التخمة.

 كانت صنعاء تنتفض لكن ليس بطريقة التحالف، بل بطريقة الأحرار لتزيل ما تبقى من عفونة زمن طويل من العمالة والارتزاق.

 وحين خرج عفاش عن الإجماع، كانت البداية في القرار الأخطر الذي لم يكن محاولته تأليب الشارع فحسب، بل كان في الجبهات، ووقتها أمر صالح بقطع خطوط الإمداد عن جبهات القتال عبر صرواح ونهم، وتوقف الإمداد بالمؤن والوقود، وتُرك المجاهدون بلا عون في اللحظة التي كانت قوات تابعة للسعودية والإمارات تتحرك باتجاه جبهات صنعاء.

 أراد الخائن صالح أن يحقق انتصاراً سريعاً على أحرار الوطن، لكنه سرعان ما فرّ هارباً يجر وراءه الخزي والعار، فقُتل وهو في أعلى درجات الخيانة، لتظل خاتمته سيئة كما بدأها، وليتحرر اليمن من جبروته وطغيانه وفساده الكبير.

 ويومها خرج قائد جيشه الخائن طارق عفاش هارباً من صنعاء بملابس امرأة، وبعد أن وصل إلى عدن اتضحت الصورة جيداً، وأصبح الرجل بعد أشهر رجل الاحتلال الإماراتي الأبرز في اليمن، خادماً مطيعاً لها، يقود تحركات خيانة لا تهدأ على اليمن.

*نقلا عن المسيرة نت.

#فتنة_2ديسمبر#فتنة_عفاش

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: أنصار الله لم یکن

إقرأ أيضاً:

وأد فتنة ديسمبر.. ميلاد عصر القوة الإقليمية وسيّد البحار

 

 

تقف الكَياناتُ الأممية مشدوهة ومبهوتة أمام البأس والصمود اليماني المستحكم، هذا الصمود الأُسطوري الذي تأصّل وتجذّر في تربة العزة والكرامة، ونما كشجرة باسقة في وجه أعتى عدوان كوني غاشم شهده التاريخ الحديث.
إنه ليس مُجَـرّد ثبات راكز على الأرض، بل هو منعطف استراتيجي فارق في مسار الأُمَّــة، حَيثُ أضحى اليمن الشامخ قبلة الأحرار الصادقين ومعيارًا للفعل الرادع الصارم.
وفي خضم هذه الملحمة الكبرى ذات الفصول الدامية، ظهرت مكائدُ خبيثة ومحاولات خسيسة لنسف السد المنيع للجبهة الداخلية، في ما بدا أنه الرمق الأخير والفصل المبتذل من مسرحية العدوان الكوني البغيض.
حين استنفذ تحالف العدوان الغاشم على اليمن كُـلّ ترسانة الوغى المُحكمة وأدوات القصف الجهنمي، لم يبق لديهم سوى خنجر الغدر المسموم المستل من ضلوع الداخل المنهك.
لقد كانت محاولة تقويض الصرح الداخلي اليمني في 2 ديسمبر عام 2017 هي النفَس الأخير للتحالف المتداعي والمتهالك، فبعد أن أذعنت أمريكا وأبناؤها الصهاينة لحقيقة عقم عدوانهم المستطير، وإدراكهم أن جزءًا من الشعب اليمني قد تغلغل فيه روح الصمود الأبدي؛ لم يجدوا سبيلًا سوى تفجير بؤرة الفتنة المتربصة في عمق الشراكة الوطنية.
عندما أدركت الولايات المتحدة الأمريكية المتغطرسة والمُستكبرة، والكيان الصهيوني الغاصب المستأثر، وتحالف العدوان المتخاذل والمُخفق، أن اليمن عصي على الانكسار من خارج حدوده، وأن صواريخه ومسيراته قد تجاوزت خطوط الاحتواء المرسومة، وأن إرادَة شعبه المتوثبة فوق كُـلّ سلطة وإغراء؛ لم يبق لديهم سوى تفجير البركان الهامد من الداخل.
وكانت فتنة الخائن علي عبد الله صالح (عفاش) هي الضربة القاصمة التي ظنوا أنها ستُحقّق المستحيل الذي عجزت عنه أكثر من نصف المليون من الغارات وحصار ثلاث عجاف من السنين.
لم تكن هذه الانتفاضة الخيانية عملًا ارتجاليًّا عابرًا، بل جاءت في سياق تواطؤ مفضوح ومُخزٍ ينافي أي مبدأ من مبادئ الوطنية الصادقة، حَيثُ تَرَبّع سعر العملة في سوق الخيانة الرائجة عاليًا، حين بث عفاش قبل الانتفاضة المشؤومة تصريحاته المجدولة بحبال الارتهان، مُديرًا وجهه صوب تل أبيب والكيان الصهيوني قائلًا: «تعالوا يا (إسرائيل) نطبِّع معاكم».
هذه التصريحات المُدوية والماجنة لم تكن سوى إشارة البدء لتحالف الشر لتوفير الغطاء والدعم اللوجستي لتنفيذ المخطّط الهدام المدسوس، مُعلنًا بها عن تحول جذري من الشراكة الوطنية العفيفة إلى الغرق في مستنقع العمالة المُنتن.
لكن الإرادَة الإلهية الكلية كانت أقوى، ويقظة القيادة الحكيمة ووعي الشعب المتأجج بالبصيرة كانا لهما بالمرصاد، وتم وأد هذه الفتنة في مهدها البكر، وانتهت بمصرع زعيمها الأثيم، لـيُطوى بذلك سجل طويل من المكائد الدنيئة وتُطوى آخر صفحة من محاولات التقويض الداخلي المُمنهج.
إن هذا الانتصار ليس مُجَـرّد حدث أمني عابر، بل هو نعمة عظمى أنعم الله بها على اليمن وأهله، جزاءً لصبرهم الجميل وتضحياتهم وصمودهم المثالي المشهود.
ولو نجح هذا المخطّط الخبيث لا قدر الله، لكانت اليمن قد انشطرت إلى دويلات متناحرة، وتحولت إلى ساحة حرب أهلية متناهية الأطراف والويلات، ولما كان اليمن اليوم قوة إقليمية ضاربة ذات ثِقَل في حسابات المنطقة.
لقد كانت الثمرة اليانعة لوأد الفتنة هي التفرغ الكلي لخوض المعركة المحورية مع الكيان المحتلّ وداعميه.
ففي ساعة العسرة الغزّية، لم يتردّد اليمن المُتحرّر من الأغلال في تلبية نداء الضمير الحي والواجب الديني والقومي، حَيثُ أصبحت اليمن اليوم السند المتين والركيزة القوية لغزة والمقاومة الفلسطينية، مُدكّةً العمق الصهيوني بصواريخ البأس اليماني العاتية، ولم يتوانَ في إغلاق المضيق على الملاحة الآثمة المرتبطة بالكيان، ومنع التجارة الصهيونية في البحر الأحمر والعربي، محوّلًا إياهما إلى بحيرة للردع اليمني المُفاجئ.
والأهم من ذلك كله، هو مواجهة أمريكا وتحالفها المسموم «حارس الازدهار» لفترة واحد وخمسين يومًا من الاشتباك المباشر، والتي نجحت فيها القوات المسلحة اليمنية في إخراج أمريكا عن المعادلة برمتها، جاعلةً إياها تترك الكيان الصهيوني يواجه مصيره المحتوم أمام بأس الصواريخ والمسيرات اليمنية التي لا تُخطئ هدفها.
إن وأدَ فتنة عفاش هو قصةُ النجاة العظمى لليمن، والبُوصلة التي حدّدت مسار اليمن الجديد، ليتحول من بلد يقاوم الاحتلال والعدوان الخارجي الدنيء إلى قوة إقليمية مُحرّرة تعيد توزيع موازين القوة الراسخة في المنطقة، وتقف كصخرة صلدة صماء تتكسر عليها أحلام الهيمنة والتطبيع والانصياع.
فالشكرُ والثناء لله وحدَه الذي منّ وتكرَّم على هذا الشعب بنعمة البصيرة الصافية والانتصار المؤزَّر، والذي جعل من تلك اللحظة المهيبة نقطة تحول لانبثاق اليمن الجديد، اليمن العظيم في صموده الأُسطوري، المؤثر في قراره السيادي، والمستقل في سيادته المُطلقة.
وفي مسك الختام، يظل الشعب اليمني الأبيّ، ذو الجَلَدِ الموشى بالإيمان والصبر المستعذَب، مثالًا ساطعًا للصمود الأُسطوري، هذا الشعب الذي خاض غمار أعتى الخطوب وأشرس الملاحم على الثغور الداخلية والخارجية، وبرهن على تفوقه المَهيب في إجهاض ودحر كُـلّ المؤامرات المحاكة والمكائد المُدبرة.
لقد كان وأدُ هذه الفتنة بمثابة الاصطفاء الربّاني والتمكين الإلهي المبارك الذي أعتق موقفه، ليصبح اليومَ موقفًا شريفًا ماجدًا، يتبوَّأ صدارة العزة، ويغدو قاهر كيد المتآمرين، وسيدًا مهابًا على أمواج البحار، يسيّر دفّة النصرة وإغاثة المستضعفين والمنكوبين، معيدًا للأُمَّـة قيمة الشجاعة ونبل المبدأ.

مقالات مشابهة

  • فتنة ديسمبر 2017م.. ووأد الخيانة في مهدها
  • وأد فتنة ديسمبر.. ميلاد عصر القوة الإقليمية وسيّد البحار
  • فتنة ديسمبر.. رحم الله من أخمدها
  • طارق صالح: دماء 2 ديسمبر عهد لا يمكن التراجع عنه حتى تحرير صنعاء
  • صالح أبوعوذل: الـ2 من ديسمبر… أعادت الاعتبار للنخبة وغيّرت قواعد الاشتباك
  • فتنة ديسمبر.السقوط المخزي للعملاء
  • فتنة ديسمبر 2017.. وإطفاء الخيانة في مهدها
  • أنصار الله: حضرموت ساحة صراع نفوذ بين أدوات العدوان
  • 4 كلمات تحسن خاتمتك وتنور وجهك وتدخلك الجنة