الحزب الجمهورى مزق نفسه إلى أشلاء!
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
هل كانت الإطاحة بمكارثى رد فعل مبالغاً فيه ومثيراً للقلق و«أنانياً» و«سيئًا لأمريكا» كما يرى البعض. أم أنه من المناسب أن تنتهى رئاسة النائب كيفن مكارثى الفوضوية المصغرة بفشله؟؛ بينما كان مكارثى (الجمهورى من كاليفورنيا) يراقب بلا حول ولا قوة.
مزق الحزب الجمهورى بزعامة كيفن مكارثى نفسه إلى أشلاء. والآن بعد أن خرج نمر تجمع الحرية من قفصه، فإنه لن يكتفى بأكل وجوه الجمهوريين فحسب.
لقد سيطر الجمهوريون على مجلس النواب لمدة ثمانية أشهر قصيرة ولكنها مرهقة. وحتى بمعايير الفوضى المتواصلة فى مجلس النواب الجمهورى، فإن الإطاحة غير المسبوقة بمكارثى كانت متميزة. لقد كشفت الخطب اللاذعة فى كثير من الأحيان من جانب الفصائل المؤيدة والمعارضة لمكارثى عن حزب غارق فى ثورته الثقافية، حتى إن خط الأفق للحكم العقلانى لم يعد موجوداً.
تماماً مثل العديد من الثورات الثقافية التى سبقتها، فازت حركة MAGA (اختصار لشعار دونالد ترامب الانتخابى) ومكارثى بمنصب المتحدث عن طريق استرضائها. والآن أصبح كرسى رئيس مجلس النواب شاغراً- وهى شهادة مناسبة على الحركة السياسية التى أمضت معظم العام الماضى فى نقل أمريكا من أزمة داخلية يمكن تجنبها إلى أخرى. كما أنه لا يترك أى مجال للشك حول مدى عمق دمج حركة MAGA مع الحزب الجمهورى الأوسع. ويكمل سقوط مكارثى هذا الاندماج الكئيب. والآن أصبح المتطرفون يملكون عجلة القيادة.
من الواضح أن الحزب الجمهورى المؤسسى يشعر بالقلق بشأن ما سيأتى بعد ذلك. خلال ساعة من المواجهة حول الاقتراح، حذر المدافعون عن مكارثى مرارا وتكرارا من أن زملاءهم اليمينيين المتطرفين كانوا يزرعون الفوضى التشريعية.
وفى الحقيقة التصويت نقطة تحول حاسمة فى التاريخ. لحظة سريالية بالنسبة لمكارثى، الذى كان جالسا بصمت فى قاعة مجلس النواب، ليدرك أن رئاسته الفاشلة ستصبح قريبا مرادفا لتحذيرات رهيبة من الانحدار الوطنى الوشيك. وربما يكون عزاؤه الوحيد هو معرفة أن الأمور سوف تزداد سوءا من الآن فصاعدا.
ومن يدخل إلى مكتب رئيس مجلس النواب سيرث نفس الواقع القاسى الذى أدى إلى الإطاحة بمكارثى. والفارق الوحيد هو أن خليفة مكارثى سوف يتمتع بقدر أقل من النفوذ التفاوضى ضد تجمع الحرية فى مجلس النواب القادر على إقالة رئيس مجلس النواب غير المتعاون متى شاء. وهذا قدر هائل من السلطة، وقد أثبت عضو التجمع النائب مات جايتز أنه قادر على استخدامها بفاعلية، بمساعدة هامش الحزب الجمهورى الضئيل فى مجلس النواب. من قد يكون هذا الشخص السيئ الحظ. بالطبع رئيس مجلس النواب لا يحتاج بالضرورة إلى أن يكون عضواً فى الكونجرس. وفى غضون ساعات، بدأت عبارة «ترشيح ترامب» رائجة على موقع X، تويتر سابقاً.
لقد استغرق الأمر من الجمهوريين 15 ورقة اقتراع لانتخاب مكارثى فى يناير، عندما كان العناد الشامل لتجمع الحرية فى مجلس النواب لا يزال فى دائرة الضوء. الآن يمكن أن تؤدى إعادة انتخابهم إلى عرقلة عمل مجلس النواب لأيام أو حتى أسابيع، حيث يخوض حزب فى حرب مع نفسه معارك لتعيين رئيس صورى يرغب فى اللعب مع متطرفى الحزب. ومن ناحية أخرى، سوف يجلس الشعب الأمريكى فى الصف الأول فى كرنفال حقيقى للخلل الوظيفى الجمهورى، مع ظهور التهديد بإغلاق الحكومة مرة أخرى فى نوفمبر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى محمود الحزب الجمهورى رئاسة النائب رئيس مجلس النواب رئیس مجلس النواب الحزب الجمهورى فى مجلس النواب
إقرأ أيضاً:
انقلاب يقوده جنود.. رئيس مدغشقر يفر والتاريخ يعيد نفسه
في جزيرة نائية قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لأفريقيا، تتكرر قصة مألوفة تضرب جذورها في التاريخ السياسي: رئيس يصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري، ثم يسقط بالطريقة نفسها التي صعد بها.
تشهد مدغشقر، رابع أكبر جزيرة في العالم بمساحة تقارب 587 ألفا و41 كيلومترا مربعا، وأكبر دولة جزيرية منفردة في أفريقيا، أزمة سياسية عميقة قد تُعيد تشكيل مستقبلها للمرة الخامسة منذ استقلالها عن فرنسا قبل 65 عاما.
لقد اكتملت الدورة التاريخية لهذه الجزيرة التي يسكنها نحو 30 مليون نسمة، والتي ظلت فيها السلطة السياسية هشة مثل زهور الفانيليا التي تُعد مدغشقر أكبر منتج طبيعي لها في العالم بنسبة 80% من الإنتاج العالمي.
كانت شوارع العاصمة أنتاناناريفو (التي يقطنها أكثر من 1.6 مليون نسمة) تنبض بطاقة غير معتادة ظهر الأحد 12 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وبينما كانت الجموع تتدفق إلى "ساحة 13 مايو" (تخليدا لانتفاضة شعبية عام 1972 أطاحت بأول رئيس للبلاد)، كان المشهد يحمل مفارقة لافتة: أندري راجولينا، الرجل الذي استخدم الجيش للوصول إلى السلطة في انقلاب عام 2009، يُطاح به اليوم بالأداة نفسها التي رفعته.
في المقابل، شهدت الساحة عودة مفاجئة للرئيس السابق مارك رافالومانانا، الذي أُجبر على مغادرة القصر الرئاسي تحت تهديد السلاح عام 2009، ليقف اليوم شاهدا على سقوط من أطاح به.
وبحلول صباح الاثنين 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025، كان السؤال بسيطا لكنه عميق: أين الرئيس راجولينا؟
وأكدت مصادر عسكرية في مدغشقر أن الرئيس البالغ من العمر 51 عاما، والذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والملغاشية منذ عام 2014، قد غادر البلاد على متن طائرة عسكرية فرنسية، بموجب اتفاق رعاه شخصيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
رغم أن الجيش هو من حسم المشهد، فإن شرارة الأزمة لم تبدأ في الثكنات، بل في الشارع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.
إعلانفما بدأ في 25 سبتمبر/أيلول 2025 كاحتجاجات محدودة ضد نقص الكهرباء والمياه المزمن في العاصمة، تطور خلال أسابيع قليلة إلى انتفاضة شاملة تطالب بإسقاط النظام لعدة أسباب أبرزها أزمة البنية التحتية.
يحصل ثلث السكان فقط على الكهرباء التي يصل الانقطاع فيها حتى في العاصمة إلى 8 ساعات يوميا.
قاد الحراك جيل شاب أطلق على نفسه اسم "جيل زد مدغشقر"، واعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تيك توك، واتساب) لتنسيق الاحتجاجات، مستلهما من انتفاضات شبابية في بنغلاديش وكينيا وسريلانكا عام 2024.
وعندما ردت قوات الأمن بعنف في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025 باستخدام الرصاص المطاطي، أسفر القمع عن مقتل 22 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 100 وفقا لأرقام الأمم المتحدة.
لكن هذا العنف لم يخمد الاحتجاجات؛ بل زادها اشتعالا، وأصبح المطلب حاسما: رحيل راجولينا فورا.
"كابسات": صانع الرؤساء وكاسرهمجاءت نقطة التحول يوم السبت 11 أكتوبر/ تشرين الأول، حين أعلنت وحدة "كابسات" (فيلق إدارة شؤون الجيش) انشقاقها عن الرئيس وانضمامها إلى المتظاهرين.
والمفارقة أن هذه الوحدة كانت الدرع الواقي لراجولينا وضامنه الأساسي للبقاء في السلطة منذ انقلاب 2009.
فقد ظهر قائد الوحدة، العقيد مايكل راندريانيرينا، أمام الكاميرات في 12 أكتوبر/تشرين الأول معلنا أن وحدته "تستجيب لنداء الشعب" وترفض "تلقي أوامر بقمع المواطنين".
وفي اليوم التالي، نصّبت الوحدة رئيسا جديدا لأركان الجيش هو الجنرال ديموستين بيكوالس، في حفل رسمي حضره وزير القوات المسلحة، مما أضفى شرعية حكومية على الانقلاب الفعلي.
يذكر أن الجيش الملغاشي، رغم صغر حجمه (نحو 21 ألف فرد)، فقد لعب دورا سياسيا حاسما في معظم الأزمات الكبرى منذ الاستقلال.
لفهم دوافع الانتفاضة، يجب النظر إلى التناقض الصارخ الذي تعيشه مدغشقر:
– دولة غنية بمواردها الطبيعية، لكن شعبها من بين الأفقر على وجه الأرض.
– ثروات هائلة: مدغشقر ليست فقط أكبر منتج للفانيليا، بل هي أيضا ثامن أكبر منتج للكوبالت، وتملك احتياطيات ضخمة من النيكل والغرافيت والمعادن النادرة.
– فقر مدقع: رغم هذه الثروات، يعيش أكثر من 75% من السكان تحت خط الفقر الدولي (أقل من 1.90 دولار يوميا)، ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو 545 دولارا فقط.
ويرجع السبب الرئيسي لهذه المفارقة إلى الفساد المنهجي، إذ تُنهب معظم العائدات من قِبل النخبة السياسية أو تُهرّب عبر صفقات مشبوهة مع شركات أجنبية.
وقد وصف البنك الدولي الفترة بين 2007 و2021 بأنها "بيئة هشة تتسم بأزمات سياسية متكررة واستيلاء النخبة على موارد الدولة".
المستقبل.. هل تنكسر دورة العبث السياسي؟يبقى السؤال الكبير بعد فرار راجولينا: ماذا بعد؟ فبناء نظام مستقر وديمقراطي مهمة أصعب بكثير.
لقد عاشت مدغشقر في دوامة من عدم الاستقرار منذ استقلالها، شهدت خلالها 5 جمهوريات متعاقبة و4 انقلابات كبرى.
وكل انقلاب أو انتفاضة سابقة انتهت بنظام جديد لا يختلف كثيرا عن سابقه.
ويقع التحدي الآن على عاتق جيل "زد" ليحوّل طاقة الشارع إلى برنامج سياسي واضح، ويضمن أن التضحيات التي قُدمت لن تذهب سدى.
إعلانويبقى الحكم للتاريخ: هل سيتمكن هذا الجيل من كسر الحلقة المفرغة التي كبّلت بلادهم طوال 65 عاما؟