المفتي: صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان متلازمة مع المرونة والتيسير
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان قد جاءت متلازمة مع المرونة والتيسير التي اتَّسمت بها تشريعات ديننا الحنيف كلُّها، وإن قضية التكليف الشرعي هي التي تربط تصرفات الإنسان وأفعالَه في هذه الحياة الدنيا بخالقه سبحانه وتعالى، وهذا هو المبدأ الذي انطلق منه المجتهدون الكرام في جميع مناهجهم الاستدلالية على اختلافها وتنوعها؛ تحقيقًا لمراد الله تعالى ورعاية لحِكمته البالغة.
جاء ذلك خلال كلمة فضيلة المفتي الرئيسية في افتتاح أعمال مؤتمر "الاستيعاب الشرعي للمستجدات العلمية «المنهجية الحضارية، والتطبيقات الواقعية، وأخلاقيات الاستدامة»"، الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، وتستمر فعالياته على مدار يومين، تحت رعاية سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، وبرئاسة العلَّامة عبد الله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.
وأوضح فضيلة المفتي أن دوائر النظر الاجتهادي قد اتسعت، وكذا آفاق الاستدلال بالنص الشرعي، اتساعًا جعلها غيرَ منحصرة في ظواهر النصوص من الكتاب والسُّنة، مؤكدًا أن الاستدلال بالمصالح المرسلة عند إمام دار الهجرة الإمام مالك رضي الله عنه والاستدلال بالاستحسان عند الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه، وغير ذلك من مصادر التشريع وأدلته قد انضم إلى ذلك، لأن الشارع الحكيم في نصوصه لم يستوفِ ذكر النوازل كلها منصوصًا عليها، بل ذكر منها أشياء وفتح للعلماء المجتهدين ورثةِ النبي صلى الله عليه وسلم بابَ الاستنباط وآفاقَ الاجتهاد من خلال تلك الأمور التي سكت عليها عن غير نسيان.
وتابع: كان من الممكن عقلًا أن يورد الشارع ألفاظًا مستوعِبة لمراده محددة لمقاصده، تستوعب كل الصور والوقائع، ولا يتصور فيها اختلاف، كما ذكر ذلك الإمام المازري رحمه الله في شرحه للبرهان، وعلل عدم ورود التشريع على هذه الصورة بقوله: «لكنه لم يفعل؛ توسعة على الأمة بالاجتهاد في المسكوت عنه»، مشيرًا إلى أن الاجتهاد هو مناط تحقيق المقصد الشرعي من استيعاب النوازل والمستجدات في كل زمان ومكان، وذلك من خلال المناهج الأصولية العلمية الرصينة التي استخرجها العلماء من أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصرفاته وفتاواه، وكذا من تتبع مناهج الاستدلال عند الصحابة الكرام.
وأكد فضيلة المفتي خلال كلمته أن تلك المناهج قد سارت من بعد ذلك على أصول الأئمة المجتهدين الذين ضبطوا مناطات الاجتهاد، وحققوا القواعد الشرعية، وفتحوا الباب لمن بعدهم في تطبيق تلك المناهج اجتهادًا وتنزيلًا، حيث يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات: «وقد قبل الناس أنظارهم وفتاويهم، وعملوا على مقتضاها...وإنما كان كذلك؛ لأنهم فهموا مقاصد الشرع في وضع الأحكام، ولولا ذلك، لم يحل لهم الإقدام على الاجتهاد والفتوى...فالاجتهاد منهم وممن كان مثلهم وبلغ في فهم مقاصد الشريعة مبلغَهم صحيحٌ، لا إشكال فيه»، موضحًا أن ذلك المعنى يتجلى بوضوح فيما نجده بين أيدينا من كتب الفتاوى والنوازل، التي راعى فيها العلماء معاني الشريعة وأحوال المكلفين بقدر مراعاة النصوص والدلالات الشرعية، فصارت اجتهاداتهم وفتاويهم تمثل كنزًا حضاريًّا ومصدرَ إلهام لكل من يمارس صناعة الفقه والفتوى.
وفي إطار متَّصل أكَّد فضيلة المفتي أن طبيعة المستجدات العلمية التي فرضت نفسها في هذا العصر، مستمرة في إحداث تغير هائل على المستوى الفكري والنفسي والاجتماعي، وترفع سقف التوقعات التي ينتظرها المسلمون من علمائهم ومؤسساتهم الفقهية والإفتائية، لتوجيه وترشيد مسيرتهم في الحياة في إطار شرعي ومصلحي، وهو ما يرجى أن تثمر عنه مثلُ هذه اللقاءات العلمية في هذا المؤتمر وغيرِه من المحافل العلمية، التي تقوم بدَورها في التأصيل الشرعي نظريًّا وتطبيقيًّا، خصوصًا في ظل التحديات والطموحات التنموية التي تطمح إليها العديد من المجتمعات والدول الإسلامية.
وإنه لمن الضروري في التعامل مع تطورات العصر وآلياته الجديدة، أن يكون الجانب الأخلاقي والبعد القيمي والحضاري حاضرًا ومؤثرًا كما كان كذلك في مناهج المتقدمين رضي الله عنهم، فإننا نجد بعض مصنفات الفقهاء قد افتتحها مؤلفوها، وبصفة خاصة في الفقه المالكي، ببعض قضايا الاعتقاد وختموها ببعض الآداب والقضايا السلوكية، وذلك للفت النظر إلى ضرورة أن تكون صناعة الفقه معبرة عن رؤية الإسلام الحضارية والأخلاقية للكون والوجود.
وأشار فضيلة المفتي إلى أننا أمام تحديات أخلاقية كبرى تفرضها بعض المفاهيم المعاصرة التي لا تنظر إلى الدين والأخلاق بعين الاعتبار، وقد تكون بعضُ مجالات التنمية كالذكاء الاصطناعي وغيرِه من نوافذ المعرفة بابًا لإشاعة تلك المفاهيم التي تضرب بالمنظور الأخلاقي عُرض الحائط، وهو ما يجعل العمل التنموي قاصرًا على الجانب المادي، دون التفات إلى الجوانب التي تغذي روح الإنسان، وتجعل لحياته غاية ومقصدًا فيسمو بأفعاله وتصرفاته، حتى تحقق مقصد وجوده في هذا الكون.
وفي ختام كلمته توجه فضيلة المفتي بالشكر إلى معالي الشيخ الكريم العلامة عبد الله بن بيه- رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي-، مُثمنًا جهوده ومساعيَه الحميدةَ في عقد مثل هذه المؤتمرات العلمية التي تعين على دراسة كيفية الاستفادة من المناهج الشرعية المعتبرة في التعامل مع الوقائع والمستجدات والنوازل، وذلك من أجل إبراز دور الشريعة الإسلامية في الارتقاء بالإنسان مبنًى ومعنى، وتجعل من الأمة الإسلامية شريكًا حضاريًّا في المجتمع الإنساني، وتؤكد مرونة الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان، فضلًا عن رسمها خارطة طريق واضحة لمواجهة التحديات الملحَّة التي تشهدها المؤسسات الفقهية والإفتائية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مفتى الجمهورية فضیلة المفتی زمان ومکان
إقرأ أيضاً:
«يا رايحين للنبي الغالي».. ما هي الأمور التي تفسد الحج؟
يتساءل كثير من المواطنين المتوجهين لأداء فريضة الحج عن ضوابط ومناسك الحج، حيث يفصلنا أيام قليلة و يبدأ حجاج بيت الله الحرام في أداء مناسك الحج، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة.
وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها معرفة كل ما يخص الأمور التي تفسد الحج، وذلك ضمن خدمة مستمرة تقدمها لزوارها في مختلف المجالات ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنا.
- حلق شعر الرأس، لقوله تعالى: «ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله»، وألحق العلماء بحلق الرأس حلق سائر شعر الجسم، وألحقوا به أيضاً تقليم الأظافر، وقصها.
- استعمال الطيب بعد عقد الإحرام، سواء في ثوبه أو بدنه، وفي أكله أوفي غسله أو أي شيء يكون، لأن استعمال الطيب محرم في الإحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه" والحنوط أخلاط من الطيب توضع على الميت.
- قتل الصيد، لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم"، أما قطع الشجر فليس بحرام على المحرم، إلا ما كان داخل حدود الحرم، سواء كان محرماً أو غير محرم، ولهذا يجوز في عرفة أن يقلع الأشجار ولو كان محرماً، لأن قطع الشجر متعلق بالحرم لا بالإحرام.
- لبس القميص والبرانس والسراويل والعمائم والخفاف للرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: "لا يلبس القميص ولا البرانس ولا السراويل ولا العمائم ولا الخفاف" إلا أنه صلى الله عليه وسلم استثنى من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين.
- تغطية الرأس بالإحرام وخلافه مما يلصق على الرأس مثل الكوفية، والشماغ، والعمامة، محظور وإن غطى المحرم رأسه ناسياً أو جاهلاً الحكم، وجب عليه إزالة الغطاء متى تذكر أو علم بالحكم ولا شيء عليه.
- النقاب، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ومثله البرقع، فالمرأة إذا أحرمت لا تلبس النقاب ولا البرقع.
ما هى مباحات الإحرام- لبس النعلين والخاتم والنظارة وسماعة الأذن وساعة اليد والحزام والمحفظة التي يحفظ بها المال والأوراق.
- تغيير ثياب الإحرام وتنظيفها، ولكن يكره تنزيهاً.
- الاغتسال بقصد الطهارة أو النظافة، أو للتبريد، ومن المعروف بأن الاغتسال بالصابون المعطر من المحرمات، ولكن هذا لا يحرم الاغتسال بالماء والصابون والشامبو غير المعطر فهو أمرٌ مباح.
- حك الرأس والجسم، سقوط الشعر هو من الأمور التي توجب الصدقة، ولكن هذا لا يعني بأنه محرمٌ حك الرأس والجسم مخافة تساقط الشعر، فمن المباح الحك ولكن يجب التأني والرفق.
- قلع الضرس وتجبير الكسر: يعتقد بعض الحجاج بأنهم لا يستطيعون أثناء الحج عيش حياتهم الطبيعية، وهذا أمر خاطئ وخاصة فيما يتعلق بسلامتهم الصحية.
اقرأ أيضاًموسم الحج 2025.. تنسيق عالي المستوى بين الغرفة والشركات ووزارة السياحة
موعد وفضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 2025
موسم الحج 2025.. «مصر للطيران» تُسير 12 رحلة لنقل أفواج الحجاج اليوم