خيانة إبليس وزلل آدم
من يقرأ إرادة الله في الحكم على موقف إبليس وحكمه تنزه عن كل نقص على آدم؛ سيتبادر لذهنه أن هنالك عصيانا قوبل بحكم قاطع حول إبليس إلى شيطان رجيم وتساهل مع آدم حينما علمه كلمات الاستغفار ليتوب عليه، مع قليل من العمق سيجد المتأمل أن هنالك فرقا كبيرا بين سلوك إبليس وبين فعل آدم.
إبليس اتخذ موقفا بدافع الأنا وكبرياء نفسه فخالف عهده مع الله بالعبودية لله وطاعة أمره، فكانت النتيجة أن خان الهوية والكينونة التي بني عليها ليتخذ موقفا ضد إرادة الله تكبرا وعنادا فشط ليكون شيطانا، تماما كمن يزعم أنه مسلم وهو يتخذ موقفا ضد مسلمين، ويتهمهم ويثبطهم وهم يردون الظلم ويناصر الظالم، أو من يناصر الظالم من أجل المال أو كراهية للمظلوم كما كره إبليس آدم وهو لم يك ليؤذيه لهذا كان الحكم بعقوبته مباشرا.
أما آدم فهو خُدع لانه لم يستخدم منظومته العقلية ونسي الاستفادة من المعلومة والتفكر بها ونسي أن هذا الشيطان قد رفض السجود له مخالفا أمر الله. ولسنا هنا بصدد معنى السجود لآدم وهو السجود لبديع الخلق وليس كالسجود لله وبيان الأفضلية في التكوين، فاضطرب آدم ولم يعد يعلم كيف يصحح خطأه فعلمه ربه الكلمات.
العزيمة والإرادة عند آدم وإبليس:
بعد أن نظرنا إلى الفرق بين الموقف والغفلة لا بد من النظر إلى عواملها، فإبليس كان ذا عزيمة بالشر عندما فكر وقرر ونظر أنه الأفضل وفق هواه فتصرف بأناه رافضا كارها هذا المخلوق الجديد، وكان ذا إرادة عندما أغوى آدم وعن سبق إصرار وقرار ومكر؛ فالتفكير والمكر والقرار هو العزيمة وتنفيد هذا القرار هو الإرادة، وهكذا تتحد العزيمة والإرادة لتشكل الموقف عند كل شيطان يخون عهده، فهو موقف يستوجب الإبعاد والعقاب كذلك فعل الرب.
أما آدم فكان ناسيا أن هذا المخلوق عدوه وتصور أنه فعلا ينصحه ورغم أنه يمتلك المعرفة لكنه لم يدر محتواها ليعلم الطريق الصائبة والقرار الحصيف، فلم تك له عزيمة كذلك قال الله "لم نجد له عزما"؛ ونسي، كذلك قال الله إنه نسي، أما إرادته فبفقدان فاعلية المنظومة العقلية تحل الغفلة فسار مع غرائزه وفاعلية حب البقاء عندما صور له الشيطان أن هذا الشطط هو الصواب وأن هذه الطريق هي طريق الخلود، تولدت الإرادة في التنفيد ولحب حواء له كذلك خلقت تؤيده كما تؤيد أي امرأة زوجها عندما تحبه حتى في زمننا الحالي.
فآدم علمه ربه كلمات التوبة تصويبا لعزيمته، وعاقبه على سوء استخدامه لمنظومته العقلية عندما لم يصر على الخطأ فلم يصبح من شياطين الإنس، كذلك البشرية اليوم في اختبار المواقف والسلوك والقرار وتفعيل المنظومة العقلية أساسا، فمن اتبع غريزته في حب البقاء وفعل منظومته العقلية في نقض العهد فقد اتخذ موقفا شيطانيا إن استمر يدعي الانتماء لقومه وأن من يخالفوه هم الشياطين، أو اتخذ موقف التحول إلى طرف آخر وتبرأ من قومه، عندها هو له رأيه وقراره في مصيره وخياراته، فالخيانة موقف وانتماء ونفاق وعرضة للحساب إن لم يتحول بقناعة إلى صف المخالف عندها يأخذ حكمهم ووضعهم عند الله وعباد الله والله من يحاسبه لا البشر.
خيانة الأمة موقف أيضا:
نحن اليوم في فترة عصيبة تحتاج أن نميز المواقف، عندما نكتشف أن أمتنا غثاء وان أسياد قومهم ليسوا إلا في موقف لا يتصورون أنه موقف خيانة في حالة من الغفلة والازدواج ما بين الفعل الإبليسي والغفلة الآدمية، وكيف يرضى سادة القوم أن يكونوا أتباعا في ظن ديمومتهم على سيادة قومهم، كذلك ظن آدم الخلود..
بقاؤك أيها القائد على الانتماء لقومك وأنت تعمل ضدهم هو الخيانة، يخلصك منها إعلانك الانفصال عن قومك وما يؤمنون به، أما الانتماء للكرسي والمنصب فهو انتماء غريزي يمكن أن يستديم مع تغيير السيد ليكون الشعب وبما يرضي الله، فالتوجه للخارج ذلة وثمن باهظ والسيد بين قومه قائد أو زعيم.
الموقف هو تولد قناعة واستعداد لعمل من أجل الموقف، فالإخلاص موقف، كذلك الخيانة موقف، وكلا الحالتين تحتاج عزيمة وإرادة، لكن لتتخلص من وضعك الشاذ أيها الخائن، أعد تعريف نفسك فتكون من القوم الذين وقفت معهم عندها لك حقوق ومسؤوليات لها تعريف، أما اتهام الآخرين الذين فرض انتماؤهم عليهم عملا وتسفيههم ونصرة أعدائهم فهذا موقف خيانة والتحول لجانب عدوهم رسميا يضعك موضع الإنسان براي آخر وحساب آخر وشروط أخرى.
درس وعبرة
لا يحق لي القول إن الحاخامات ومن تجمع معهم في الكنيس يدعون على حماس ويطلبون النصر فهذا معتقدهم بل تمام الإيمان والإخلاص له، ولأن مثلهم في الطرف الآخر كل يدعو ما يظن أنه وعد إلهي له، ولكن من يتشفى أهله في ظنه أن هذا رزقه فيه وحياته في إرضاء من يرى نصر عدوه غاية وليس نصرة للحق، وحينما سيطرت غرائزه وحاجاته على منظومته العقلية فهو كإبليس شيطان خائن.
فيا أيها الناس كائنا من كنتم، لينظر كل إلى موقعه أهو إبليس أم آدم وكيف يحافظ على الآدمية فيه أو كيف يكون شيطانا بموقف خيانة العهد، ودوما هنالك كلمات ربك لمن تاب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الخيانة الخيانة أبليس ادم مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن هذا
إقرأ أيضاً:
عندما تثق بالبشرية ولا تثق بالبشر
الذكاء الاصطناعي ومصير الإنسان
مؤيد الزعبي **
في سيناريو مستقبلي في عالمٍ يهرول بسرعة نحو مستقبل تحكمه الخوارزميات عالمٍ من الذكاء الاصطناعي والروبوتات المتطورة والذكية، يثور في رأسي سؤال مصيري: هل سنستسلم نحن البشر أمام هذا الزخم والتطور التكنولوجي؟ هل سنكون ضعفاء أمامها؟، أم أننا سنُظهر ما يكفي من الحنكة والصمود لنُبقي إنسانيتنا في مركز المشهد؟ ولو سألتني- عزيزي القارئ- سأقول لك دون تردد: أنا أثق بالبشرية... لكني لا أثق بالبشر!
قد يبدو هذا التناقض غريبًا للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة يعكس مفارقة عميقة في مسيرة الإنسان منذ بداية الخليقة؛ البشرية كقوة تطورية جماعية أثبتت على مدار التاريخ قدرتها على تصحيح المسار، ومواجهة التحديات الكبرى، فهي التي أسقطت الطغاة، ووضعت دساتير الحقوق، وتعلمت من الكوارث لتعيد بناء ذاتها، أما البشر كأفراد فهم في نهاية المطاف خطّاؤون، يمكن أن تضلهم مصالحهم أو تغريهم السلطة، فيقررون ما يضر أكثر مما ينفع، ولهذا، فإن القلق الحقيقي لا يكمن في تطور الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل فيمن يطوره وكيف ولمصلحة من.
لقد تحدثت معك في مقالات سابقة محذرًا من أن الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي سيفقدنا الكثير من المهارات البشرية، وقد وجدت دراسة قام بها باحثون في جامعة تورنتو تثبت أن استخدام الذكاء الاصطناعي في المهام الإبداعية قد يؤدي إلى انخفاض في الأداء الإبداعي المستقل، مما يثير المخاوف بشأن التأثيرات طويلة المدى على الإبداع البشري والقدرات المعرفية، ونحن نتحدث هنا عن مهام إبداعية كانت جوهر عطاؤنا الإنساني.
على مدار التاريخ لم تُهزم البشرية أمام أي تحدٍ؛ سواء كان كارثة طبيعية، أو حربًا مدمرة، أو أزمة اقتصادية؛ بل كانت دائمًا قادرة على النهوض، وإعادة البناء، وتجاوز المحن؛ لكن اليوم نواجه تحديًا من نوع مختلف: الذكاء الاصطناعي أكثر منا ذكاء وتطورًا، وما يثير القلق أن عملية تطويره تسير بوتيرة متسارعة دون وجود رقابة صارمة أو مساءلة واضحة، والمستفيدون من هذا السباق هم شركات وأفراد، يتحولون يومًا بعد يوم إلى "حيتان" تسيطر على مفاتيح هذه التقنية، وفي المقابل نجد أنفسنا كمجتمعات نُسلم الراية تدريجيًا، دون أن نُدرك العواقب.
الغريب في الأمر أن مطالباتنا بوضع أطر تنظيمية وأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي ما زالت خجولة ومحدودة والاستجابة لا تزال دون المستوى المطلوب، وإذا استمر هذا الوضع، فقد نجد أنفسنا أمام "غول" تقني يلتهم إنسانيتنا، ويُعيد تشكيل مجتمعاتنا بطرق لا يمكن التنبؤ بها. لذا، يجب أن نُعيد التفكير في كيفية تعاملنا مع هذه التقنية، ونُطالب بوضع ضوابط صارمة تضمن استخدامها بما يخدم البشرية وليس العكس.
في حالتنا هذه نحن أمام 3 سيناريوهات يجب أن نختار فيما بينها حتى لا نُهزم كبشرية، الأول أن نعتمد بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي، مما قد يؤدي إلى تراجع المهارات البشرية الأساسية وحينها سنصبح نحن أسرى للتقنية، والسيناريو الثاني، أن نتفاعل ونتكامل مع التقنية والذكاء الاصطناعي لكي تخدم مصالحنا وتعزيز انتاجيتنا وابداعنا، رغم أن الكثيرين يرون في هذا الخيار حلًا رائعًا، إلا أنني أراه محفوفًا بالمخاطر، فنحن عندما نتفاعل مع التقنية ونتكامل معها سننجرف في مسار يجعلها تتعلم منا وتجعلنا نتخلف أمامها، فاستسهالنا لهذا الحل سيجعل الأمر معقدًا ويعود بنا الحال لنقطة البداية كما لو اخترنا الخيار الأول.
أما ما أجده واجبًا هو السيناريو الثالث وهو أن نعمل على إيجاد التوازن الذكي، وهو الخيار الأكثر واقعية؛ حيث نمزج بين الخيارين الاثنين السابقين بحيث نستخدم الذكاء الاصطناعي ليس لتحقيق مصالحنا فقط؛ بل لتعزيز قدراتنا العقلية والابداعية، وتعزيز مهاراتنا البشرية بحيث نكون دائما متقدمين بخطوة دون أن نسمح لها بالسيطرة علينا، لكن تحقيق هذا التوازن ليس بالأمر السهل فنحن أمام حالة من الاستسهال في استخدام التقنية دون أن نعلم أننا بذلك نقتل عقولنا ونحجم قدراتنا.
إنَّ التوازن الذكي بين اعتمادنا على التقنية وبين تطوير مهاراتنا كبشرية يتطلب وعيًا جماعيًا للبشرية، ومجهودًا مستمرًا من قبل الحكومات والمنظمات لكي نضمن أن نصل لهذا التوازن.
وكما ذكرتُ لك- عزيزي القارئ- في مطلع هذا المقال، أنا أثق بالبشرية وطالما أتحدث عن البشرية؛ فالضامن الوحيد لنا جميعًا هو قدرتنا على التعاون في وضع القواعد والأطر التنظيمية لتطوير الذكاء الاصطناعي من جانب، ومن جانب آخر العمل على تسليح أنفسنا كبشر بقدرات أكبر؛ إبداعية كانت أو عقلية، أو حتى مهارات يدوية فنحن البشر خُلقنا لعمارة الأرض، والعمارة تتطلب مِنَّا أن نكون المُسيطرين والمُسلحين بالعقول والمهارات.
**المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط
رابط مختصر