سحر التوافق يمتزج بعوامل التخادم والتوازن في اختيار رئيس البرلمان
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
28 ديسمبر، 2023
بغداد/المسلة الحدث: لا يزال الصراع محتدما في الأروقة السياسية العراقية على منصب رئيس مجلس النواب، وذلك بعد إقالة محمد الحلبوسي من منصبه الشهر الماضي.
وجاء قرار المحكمة الاتحادية العليا -أعلى سلطة قضائية بالبلاد- بإنهاء عضوية الحلبوسي كنائب ورئيس للبرلمان، على خلفية دعوى قضائية تقدم بها النائب ليث الدليمي اتهم فيها الحلبوسي بتزوير استقالته من عضوية مجلس النواب.
ومنذ ذلك الحين، تجري الاتصالات واللقاءات بين الكتل السياسية لاختيار مرشحها لرئاسة البرلمان.
وتشير التقارير إلى أن خميس الخنجر هو الاكثر اهتماما بمنصب رئيس البرلمان، ويسعى الى حسمه لصالح مقربين له، معتمدا على دعم من قوى شيعية وكردية، لكن الموضوع لا يتعلق كله بالخنجر، بل هناك عوامل أخرى تلعب دورا في الصراع على منصب رئيس البرلمان، منها التنافس بين القوى الشيعية اذ يسعى الإطار التنسيقي الى السيطرة على منصب رئيس البرلمان، وذلك خلال ترشيح شخصية سنية موالية له.
و يعكس الصراع على منصب رئيس البرلمان الصراع الأوسع بين السنة والشيعة في العراق، حيث يسعى السنة إلى الحصول على حصة أكبر من السلطة.
و يعتقد بعض المحللين أن التدخل الخارجي، وخاصة من إيران وتركيا، يلعب دورا في الصراع على منصب رئيس البرلمان.
ومن المتوقع أن تستمر الاتصالات واللقاءات بين الكتل السياسية العراقية في الأيام المقبلة، وذلك لمحاولة التوصل إلى توافق على مرشح لرئاسة البرلمان.
وأكد عضو حزب تقدم، عضو حزب تقدم محمد العلوي، أنه لن يكون هناك رئيس للبرلمان دون أن يسميه الحلبوسي”، مشددا على ان محمود المشهداني لن يصبح رئيسا للبرلمان “لو اجتمع الإنس والجن”.
لكن الاوساط السياسية تتحدث عن ان ملف رئاسة مجلس النواب سيتم حسمه خلال جلسات البرلمان المقبلة، وباب الترشيح مفتوح لاي جهة و ليس حكرا على جهة سياسية معينة .
واعتادت القوى السياسية على حسم المناصب العليا بالتوافقية، وهو أمر من المرجح ان يتكرر مع رئيس البرلمان الجديد.
ومنذ العام 2003، شهد العراق تشكيل الحكومات وفقًا لتوافق سياسي يُعتبر أساسًا للحكم، حيث لم يكن الدستور هو الساحر الوحيد في حسم النزاعات المتعلقة بالمناصب السياسية الحساسة. في ظل الظروف السياسية والأمنية الدقيقة، تبدو مفاوضات التوافق والتخادم المتبادل وكأنها السمة المميزة للمشهد السياسي العراقي.
أثناء تشكيل الحكومات، يكون التوافق بين الأطراف السياسية المختلفة الركيزة الأساسية، حيث تبرم الاتفاقيات والتفاهمات لتقسيم المناصب الرئيسية في الحكومة بناءً على النتائج الانتخابية وتوزيع القوى بين الأحزاب والفرقاء السياسيين المتنافسين.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: على منصب رئیس البرلمان
إقرأ أيضاً:
وهل يخدع الإنسان نفسه؟!
يُعّرَفُ عمّن يمارس النفاق على أنه يظهر للآخرين ما لا يخفـيه فـي نفسه. وبهذا المعنى فإن العلاقة بين الإنسان ونفسه علاقة لا يشوبها كدر، أو غبار، فكلا الطرفـين يواجهان بعضهما بعضا بحقيقة ما يبديانه، وما يخفـيانه؛ ولذا فمن المستحيل أن يخدع كلاهما الآخر، وتبقى حالة من المخادعة الظاهرية هي بينهما، وبين الآخرين من حولهما. وأصفها بـ «المخادعة»؛ لانتفاء صفة الصدق فـيها.
ولذلك يعيش الإنسان صراعا ذاتيا قاسيا مع نفسه فـي المواقف التي لا يكون صادقا فـيها، وإن أبدى المرح والسرور مع الآخر. ومن هنا فإن مشاعر القسوة لا يمكن التحايل عليها؛ حيث تتجلى قيمة الصدق فـيها أكثر، فلا خيار متاح فـي تلك اللحظة إلا تجرع الألم بكل حمولته القاسية، بخلاف مشاعر السرور التي قد يناور فـيها الفرد الآخرين، ويبدي عكس ما يضمره كنوع من المجاملة؛ ولذلك قال شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي: «لا تحسبوا رقصي بينكم طربا ... فالطير يرقص مذبوحا من الألم».
ومع ذلك فالناس مدمنون على إظهار السرور- كما يشاع -، وإن أظهروا ذلك السرور بتكلف فـي كثير من الأحيان؛ ولذلك تصنف الابتسامات المتكلف فـي إبدائها للآخرين على أنها «ابتسامات صفراء». وهذا التصنيف لم يأت من فراغ، وإنما يأتي عن تقييم حقيقي، فالآخرون - وإن حاول الفرد أن يخدعهم بابتسامة صفراء، أو بوصف مبالغ ليس فـيهم - فهم يدركون حقيقة الأمر، وإن أبدوا مجاملة لفظية. ففي قرارة أنفسهم يدركون حقيقة الطرف الآخر، وما يبديه من تكلف وتصنع؛ ولذلك سريعا ما تنكشف مثل هذه المراوغات، ويقع أصحابها فـي حرج شديد، ويظل تدارك الموقف ليس بالأمر الهين، وعادة ما يحدث مثل ذلك فـي المواقف التي يراد منها تحقيق غاية معينة، وهذه من أشدها خطورة فـي العلاقات القائمة بين الأفراد.
والسؤال هنا: كيف يجازف الفرد بحمولته الإنسانية، فـيبدي للآخرين عكس ما يختلج بين جوانحه؟ كيف يستطيع أن يخاتل نفسه فـي لحظة فارقة فـينفرد بقرار مخادعتها، وهو يدرك أنه غير صادق وغير أمين فـي تلك اللحظة؟ هذه من اللحظات التي يغتال الإنسان فـيها نفسه، وبالتالي فمع استطاعته اغتيال نفسه؛ كيف لا يستطيع أن يغتال من حوله، ولو كان هذا الاغتيال لأقرب الناس إليه! إنها من الحالات التي يمتحن الإنسان ذاته فـيها، وهذا الأمر ليس متاحا للجميع؛ حيث يحتاج إلى كثير من الخبرة والتجربة.
تشدنا بعض المواقف التي نرى فـيها ذلك الصراع المتوهج - ونصفه بالخطير- بين الحيوانات المفترسة، سواء بينها وبين الحيوانات المختلفة عنها، أو بينها وبين بني جلدتها، وهو صراع مادي صرف، تحسم نتيجته قوة الطرف على الطرف الآخر؛ لأن الحيوانات لا تعرف خداع بعضها بعضا، وإنما تبقى القوة هي الحاسمة لنتيجة الصراع القائم بين الطرفـين، بخلاف حقيقة الصراعات التي تدور بين بني البشر بعضهم ببعض؛ حيث لا تظهر الحالة الفـيزيائية الصرفة فـي هذا الصراع، وإنما يسود ذلك الصراع الباطني المبني على الخداع، والتضليل، مع قناعة كل طرف أنه يمارس فعلا شائنا لا يرتضيه مع نفسه، ويرتضيه مع الآخر من حوله؛ لتحقيق غاية ما.
ففـي الصراع الإنساني لا يتوقف الأمر على القوة المادية لكسب الرهان؛ حيث تميل جل الصراعات القائمة بين بني البشر إلى اختيار القوى الناعمة، وما أكثرها! ولكن أشدها خطرا تلك القوة التي يخادع فـيها الإنسان نفسه فـي لحظة ما، مع يقينه أنه يقع فـي مغالطة شعورية كبيرة، وذلك عكس ما ينادي به أبو الفتح السبتي:
« أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ».