اختياراتنا منورة حياتنا (١)
تاريخ النشر: 30th, January 2024 GMT
إنارة الحياة عكس الإضاءة الغازية التى تمثل وصفًا يستخدمه علماء النفس للإشارة إلى نوع من الإساءة النفسية الخطيرة، يقوم على التلاعب بالعقول، من خلال زعزعة ثقة شخص ما فى نفسه، وإشعاره بالخوف والضعف، وإقناعه بأنه موهوم أو ضعيف، عبر التشكيك فى علاقاته بالآخرين، بما فى ذلك العلاقات الأسرية، والعمل، وأية تفاعلات اجتماعية أخرى.
وبالتالى التأثير سلبًا على تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، مع تهدد لاستقرار المؤسسات الحكومية وثقة المواطنين فيها؛ لذا تمثل مكافحة الفساد الإدارى أحد التحديات الرئيسية التى تواجهها المؤسسات الحكومية فى مصر. ومن المهم تبنى إجراءات وأدوات لمكافحة الفساد الإدارى والحد من تأثيره على المؤسسات الحكومية، خاصة بعد تقرير مؤشر منظمة الشفافية الدولية، "مُدركات الفساد" لعام 2022 الذى صدر بداية عام 2023، وفيه حلت مصر فى المرتبة 130 عالميًا. وهو ما يعكس أن هناك تداعيات سلبية على المستوى الاقتصادى والاجتماعى، منها تباطؤ الاقتصاد عبر تراجع النمو، وتدهور البيئة الاستثمارية، وانخفاض معدل الثقة بين المستثمرين وزيادة تكاليف الأعمال. مع تفاقم الفقر، حيث يمنع الفساد توزيع الثروة بشكل عادل ويتسبب فى تجميع الثروة فى يد القلة القليلة التى قد تعود لتمثل نسبة الـ١٪ من المجتمع، لتتزامن مع تفشى الممارسات غير الأخلاقية، مما يضعف الأخلاقيات فى المجتمع ويؤثر على القيم والسلوكيات الاجتماعية، لذا فإن الواجب يحتم علينا قبل وضع آليات المواجهة أن نستعرض تشخيص العوامل التى قد تؤدى إلى حدوث الفساد الإدارى، ولعل من أبرزها ضعف الرقابة والمراقبة، أيضًا الرشوة والاحتيال، والأهم سوء التدبير وقلة الكفاءة، عندما يكون هناك سوء تدبير فى إدارة المؤسسات الحكومية وعدم وجود كفاءات ملائمة فى الموظفين، وهو ما يفتح الباب أمام الفساد، الذى بات واضحًا هذه الأيام، عبر واقع تتجلى أعماله فى اختيارات تبعدنا كل البعد عن وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب. واقع الاختيار فيه لا يحقق التنوير بل يثبت الإضاءة الغازية، لذا فإن منع الفساد وتعزيز الشفافية وتقوية المؤسسات أمر بالغ الأهمية فى هذه الفترة، إذا أردنا تحقيق الغايات المتوخاة فى أهداف التنمية المستدامة، ووثيقة الدولة خلال السنوات الست القادمة، المحققة لهدف أن نكون من أفضل ٢٠ اقتصادًا على مستوى العالم.
وباختصار فإن مكافحة الفساد الإدارى ضرورة ملحة فى المؤسسات الحكومية لحماية المصلحة العامة وتحقيق التنمية المستدامة. ويجب على الدول والمجتمع العمل سويًا لتعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد الإدارى فى جميع المستويات. فقد بلغت تكلفة الفساد المقدرة عالميًا بأكثر من 2.6 تريليون دولار (ما يساوى نحو 5٪ من إجمالى الناتج المحلى العالمي)، مما يعد عقبة رئيسية أمام التنمية، لأنه يحول الموارد بعيدا عن الاستخدامات الأكثر إنتاجية، ويؤثر سلبًا على الرخاء المشترك بسبب تحقيق المنافع غير المتناسبة لمن هم فى السلطة. وإدراكا من الرئيس عبدالفتاح السيسى للتكاليف المجتمعية والبيئية المرتفعة للفساد، فقد أعاد التأكيد على التزامه بمكافحة الفساد كأولوية إنمائية، مع السعى إلى تعزيز الشراكات مع أصحاب المصلحة الآخرين الذين يعملون على تحسين الحوكمة والنزاهة، وفقًا للتقارير الدولية التى تؤكد أن تدنى دور أجهزة الدولة وغياب المعيارية قد تساعد على تفشى الفساد، حيث إن ما يجرى من فساد إدارى قد يتبعه بالضرورة الفساد المالى.
وللحديث بقية إن شاء الله.
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحياة علماء النفس العقول العلاقات الأسرية الفساد الإدارى المؤسسات الحكومية المؤسسات الحکومیة
إقرأ أيضاً:
هل الفيل كفيل؟
تميزت تعليقات الكثيرين من قادة الشرطة على دفاتر الأحوال بجزالة العبارة التي تجمع بين الحكمة والمهنية والطرافة. ومن بينها ما خطه قلم الراحل السيد المقدم شرطة سيد الحسين عثمان – الفريق أول لاحقًا ونائب مدير عام الشرطة الأسبق – حين كان رئيسًا للقسم الأوسط الخرطوم (الجنوبي سابقًا).
فعند اطلاعه على دفتر الأحوال في الصباح، وجد قيدًا يشير إلى توزيعات قوة الدوريات الراجلة، ومن بينها الشرطي “الفيل” في دورية سوق السجانة، فعلق سعادته قائلًا: “وهل الفيل كفيل؟!”، ويعني هل الشرطي الفيل وحده كفيل بتغطية سوق السجانة على كِبَر مساحته؟!
هذا التعليق الطريف والعميق في آنٍ واحد يحمل روح الدعابة، لكنه يثير تساؤلًا مهنيًا جادًا يمكن إسقاطه على واقعنا اليوم: هل التحول الرقمي كفيل؟
خطوة حكومة الأمل، بتوجيه رئيس مجلس الوزراء د. كامل إدريس نحو تفعيل منصة “بلدنا”، تُعد خطوة مهمة في طريق الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد. فالعالم اليوم يتجه نحو الرقمنة لترسيخ الشفافية وضمان عدالة الخدمات، وقد أحسن رئيس الوزراء حين ربط التحول الرقمي بالحد من الفساد، فالمعاملات الورقية المعقدة لطالما كانت مدخلًا للمحسوبية وتعطيل مصالح الناس.
غير أن التجربة أثبتت أن التقنية وحدها لا تكفي، فالنزاهة لا تُنتجها الأجهزة ولا تُولدها المنصات. التحول الرقمي يمكن أن يضيّق منافذ الفساد، لكنه لا يغني عن إصلاح إداري وتشريعي يعيد الانضباط للمؤسسات، ويُرسخ قيم العدالة والمساءلة، ويقوِّي الأجهزة الرقابية ويمنحها استقلالها المهني.
ومن واقع التجربة، فإن محاربة الفساد لا تبدأ من الرقابة فقط، بل من تحسين الظروف المعيشية للعاملين، وهو ما انتبهت إليه المواثيق الدولية. فالسودان طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد منذ عام 2014، وهي التي وضعت معايير لتعزيز النزاهة في الخدمة العامة، من بينها ضرورة توفير مرتبات مناسبة ونُظم أجور عادلة تكفل حياة كريمة للعاملين، كما ورد في المادة (7) من الاتفاقية. وهي ذات الفكرة التي أكدها قرار الإنتربول في دورته الحادية والسبعين عام 2002 حول مكافحة الفساد داخل أجهزة الشرطة، حين دعا إلى اتخاذ خطوات عملية لضمان مستوى رواتب يتيح لضباط الشرطة والموظفين الحفاظ على مستوى معيشي معقول دون الاضطرار إلى ممارسة عمل آخر أو اللجوء إلى الفساد.
وإلى جانب هذه الجوانب المعيارية، فإن توقيع السودان على الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد يتيح له الاستفادة من الدعم الفني والمادي وبناء القدرات المؤسسية، عبر برامج تدريب وتأهيل، وتبادل خبرات، وتطوير نظم استرداد الأموال المنهوبة، وهي فرص يمكن للحكومة توظيفها في دعم التحول الرقمي ومكافحة الفساد بصورة عملية ومستدامة.
إن تطبيق مثل هذه المعايير لا يحتاج سوى إرادة سياسية جادة تدرك أن مكافحة الفساد تبدأ من تحصين الموظف ضد الحاجة والإغراء، لا بمطاردته بعد الوقوع في الخطأ. ومن هنا، فإن على حكومة الأمل أن تُفعّل هذه التدابير الوقائية في الخدمة المدنية وأجهزة إنفاذ القانون، وأن تُراجع سلم الرواتب والحوافز بما يحقق التوازن بين الواجب والمسؤولية.
وعلى المستوى الوطني، فقد نصت الوثيقة الدستورية لعام 2019م على إنشاء المفوضية القومية لمكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة، وصدر قانون ينظم أعمالها وسلطاتها، وهو إنجاز يمكن البناء عليه بتطوير القانون بما يواكب المستجدات، ويضمن أن تكون المفوضية أداة للعدالة لا ساحة لتصفية الخصومات السياسية.
إن التحول الرقمي سيكون خطوة ناقصة إن لم يُرافقه إصلاح مؤسسي ومناخ وظيفي كريم يضمن كرامة العامل العام. فحين يشعر الموظف بأن الدولة تحفظ حقه وتكافئ جهده، يصبح هو نفسه خط الدفاع الأول ضد الفساد، لا طرفًا فيه.
وعودًا على ذي بدء، وعلى نسق عنوان المقال، نعيد طرح السؤال إلى السادة المختصين والمهتمين: هل التحول الرقمي كفيل؟
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
Promotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/12/07 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة تسريبات وافتراضات مقتل دقلو2025/12/07 قوم لا للحرب قوم مجرمون مثلهم مثل كل من قتل أو آذى نفساً بغير وجه حق2025/12/07 أمريكا كانت تعرف، فلماذا سمحت بذبح السودانيين؟2025/12/06 ثالوث الإنكار لتبرئة الغزاة2025/12/06 العاقل من اتعظ بغيره!2025/12/06 مقترحات لبناء سودان جديد2025/12/06شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس…) 2025/12/06الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن