سلطت مجلة "إيكونوميست" الضوء على تأثير استمرار حرب غزة للشهر الرابع على الاقتصاد المصري، الذي يعاني أزمة انهيار كبير، خاصة في ظل مستحقات الديون الخارجية الضخمة لهذا العام، مشيرة إلى أن التمويل المنتظر من صندوق النقد الدولي للقاهرة لن يحل أزمتها.

وذكرت المجلة، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن مصر كانت على حافة الانهيار رغم كل ادعاءات رئيسها، عبدالفتاح السيسي، إذ تضررت بشدة من الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية بسبب الحرب في أوكرانيا، وتعد عملتها واحدة من أسوأ العملات أداءً في العالم، ومن المتوقع أن تصل مدفوعات ديونها الخارجية إلى 29 مليار دولار هذا العام، بما يمثل 8% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

ولتجنب الانهيار الكامل، اعتمدت مصر على الودائع من الخليج والدفعات المتكررة من صندوق النقد الدولي حتى أصبحت اليوم ثاني أكبر مدين للصندوق، وكما هو متوقع: عاد مسؤولو صندوق النقد الدولي إلى القاهرة لتفادي تخلفها عن السداد.

وذكرت المجلة البريطانية أن المشاكل الاقتصادية التي تواجهها مصر تسبق الحرب في غزة، ولكن الصراع وامتداده إلى البحر الأحمر يهددان بدفعها إلى الهاوية، فقد انخفضت عائدات السياحة، التي بلغت ذروتها في العام الماضي بنحو 14 مليار دولار (حوالي 14% من تدفقات الدولار إلى مصر)، منذ بداية الحرب.

وأدت الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن في البحر الأحمر إلى خفض حركة المرور عبر قناة السويس بنحو النصف، وهي الحركة التي وفرت لمصر 9.4 مليار دولار من رسوم العبور في العام المالي الماضي.

وفي الوقت نفسه، أدى الصيف الحار إلى زيادة استخدام الكهرباء، ما أدى إلى خفض صادرات مصر من النفط والغاز، فيما يشعر المصريون في الخارج بالقلق من تحويل أموالهم في ظل أزمة العملة المحلية (الجنية)، ويحجب معظمهم التحويلات المالية.

وفي الربع الثالث من عام 2022، انخفضت هذه التحويلات بنحو 30% مقارنة بالعام السابق، تزامنا مع سحب المستثمرين الأجانب لرؤوس أموالهم.

اقرأ أيضاً

للمرة الثالثة.. صندوق النقد الدولي يواصل خفض توقعاته لنمو الاقتصاد المصري

ومنذ أن ارتفعت أسعار القمح والنفط في عام 2022 بعد غزو روسيا لأوكرانيا، خفض السيسي قيمة الجنيه المصري 3 مرات رسميًا، وانخفضت قيمة العملة بنحو 50% خلال هذه الفترة، لكن قيمتها في السوق السوداء تبلغ 70 جنيها للدولار، أي أقل من ربع قيمتها السابقة.

ويعمل ذلك على تغذية التضخم، الذي وصل إلى معدل سنوي بلغ 34% في ديسمبر/كانون الأول، ارتفاعاً من 6% قبل عامين. كما يعني انخفاض الجنيه أن الحكومة المصرية تنفق الآن 60% من ميزانيتها على خدمة ديونها.

ومنذ أن تولى السيسي السلطة في عام 2013، تضاعف الدين الخارجي لمصر 4 مرات. ويرجع ذلك جزئيًا إلى المشروعات الضخمة التي تبناها، والتي تشمل عاصمة جديدة متألقة، والكثير من المدن والطرق السريعة الأخرى، التي أنفق عليها 60 مليار دولار، بما يمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي.

ورغم تباطؤ بعض من هذا الإنفاق مؤخرا، لكن السيسي يواصل في الغالب تبرير هكذا إنفاق على أساس الاستقرار الاجتماعي، وليس الاقتصاد، وهو ما عبر عنه في يناير/كانون الثاني الماضي متسائلا في أحد خطاباته: "أنا أوظف ما بين 5 ملايين إلى 6 ملايين شخص، كيف يمكننا إغلاق كل هذا؟".

 فمن الوظائف في مشروعات العاصمة الإدارية والبنية التحتية سيرتفع معدل البطالة في مصر، الذي يبلغ 7%، ولذا تستمر المشروعات الجديدة في الظهور، ويستمر الدعم المالي، مثل دعم الخبز السنوي الذي يلتهم 2.9 مليار دولار، أو 2.6% من ميزانية الدولة.

الجنرالات لا يكترثون

وفي السياق، تنقل "إيكونوميست" عن محلل مالي في القاهرة، دون ذكر اسمه: "لقد أفلسنا ولكننا لا نزال ننفق بشكل لا مثيل له"، مشيرة إلى أن الجيش هو المسؤول عن ما وصل إليه حال الاقتصاد المصري، ففي عهد السيسي شدد الجنرالات قبضتهم على اقتصاد البلاد.

وتضيف المجلة البريطانية أن هؤلاء الجنرالات "يختبئون في مجمعات سكنية، متجاهلين أنين فقراء المصريين خارج أبوابهم. فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 72% على أساس سنوي حتى سبتمبر/أيلول".

وبدا السيسي غير متعاطف مع هذا الأنين، إذ أشار مؤخراً إلى أن المصريين "محظوظون لأنهم لا يعانون معاناة الفلسطينيين في غزة، قائلا: "السلع باهظة الثمن وبعضها غير متوفر؟ وماذا في ذلك؟".

اقرأ أيضاً

رئيس الوزراء المصري: نحتاج ما لا يقل عن 6 سنوات لتجاوز الأزمة الاقتصادية

ويعود عدم اكتراث السيسي إلى قواته الأمنية، التي تحرسه من المتاعب، فيما يقبع عشرات الآلاف من المعارضين في السجون، بحسب المجلة البريطانية.

وبينما فاز السيسي في الانتخابات الرئاسية "المزورة" بنسبة تقارب 90%، تعج الشوارع في مصر بالسخط، وهو السخط الذي دفع الجيش في عام 2011 إلى التراجع والسماح للثورة بالإطاحة بالرئيس الأسبق، حسني مبارك، غير أن الأزمة الاقتصادية اليوم أسوأ بكثير من تلك الحقبة.

وتعوق تلك الأزمة قدرة الجيش على إظهار قوته في الخارج، ما ظهر في أزمة حرب غزة، إذ تحل قطر، الإمارة الخليجية الصغيرة والغنية، محل مصر باعتبارها المفاوض الرئيسي بين إسرائيل وحركة حماس.

ورغم التهديد الذي تتعرض له إيرادات قناة السويس، تراجعت مصر عن الانضمام إلى التحالف الأمريكي ضد الحوثيين، كما ظل السيسي عاجزا عن منع إثيوبيا من بناء سد النهضة على نهر النيل واستئجار قاعدة بحرية على البحر الأحمر في إقليم "أرض الصومال" الانفصالي.

تمويل صندوق النقد

وبعد الانتخابات الرئاسية، كانت مطالبة صندوق النقد الدولي لمصر بالإصلاحات الاقتصادية التي وعد بها السيسي في أواخر عام 2022 كشرط لإفراج الصندوق عن معظم قرض بقيمة 3 مليارات دولار، متوقعة، كما كان متوقعا حدوث انخفاض آخر في قيمة الجنيه، أو حتى تعويمه الحر، جنباً إلى جنب مع تحول في الاستثمار بعيداً عن المشروعات العملاقة.

وبدلا من ذلك، يبدو أن السيسي حصل على مهلة من الصندوق، فعندما يشتعل جزء كبير من المنطقة، فإن حلفائها الأجانب يعتبرون مصر "أكبر من أن تفشل"، ولا يسارع دائنوها الغربيون ولا الخليجيون إلى تحصيل ديونهم.

ومن المتوقع أن يضاعف صندوق النقد حزمة تمويله لمصر، البالغة 3 مليارات دولار، بدءاً بقرض بقيمة 3 مليارات دولار بشروط ميسرة، ما علق عليه الخبير المصري في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية، بقوله: "تعمق في الأمر وسترى أن مصر استفادت كثيرًا من الحرب".

لكن المجلة البريطانية تشير إلى أن هكذا قرض جديد من شأنه أن يجلب الراحة على المدى القصير فقط، لكنه سيؤدي في المقابل إلى ترسيخ حكم الجنرالات الذين تسببوا في تقويض الاقتصاد، ونقلت عن مسؤول مالي مصري سابق، دون ذكر اسمه: "يُطلب من نفس الأشخاص الذين يستفيدون من النظام تغييره. على المدى الطويل لن ينجح الأمر أبدًا".

اقرأ أيضاً

رئيس الوزراء المصري: نحتاج ما لا يقل عن 6 سنوات لتجاوز الأزمة الاقتصادية

المصدر | إيكونوميست/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: مصر عبدالفتاح السيسي الاقتصاد المصري قناة السويس الحوثيون البحر الأحمر غزة صندوق النقد الدولی ملیار دولار إلى أن

إقرأ أيضاً:

مصر تقترب من الشريحة الخامسة لصندوق النقد.. التزام بالإصلاح رغم العواصف الاقتصادية

تواصل الحكومة المصرية مساعيها لاستكمال مسار الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، في وقتٍ تمر فيه البلاد بجملة من التحديات الإقليمية والاقتصادية.

ويأتي ذلك في إطار برنامج "تسهيل الصندوق الممدد" البالغ قيمته 8 مليارات دولار، حيث تتطلع القاهرة إلى إنهاء المراجعة الخامسة والحصول على الشريحة الجديدة بقيمة 1.3 مليار دولار، قبل نهاية يوليو المقبل، بالتزامن مع انطلاق العام المالي الجديد.

مفاوضات مستمرة وسط التزامات إصلاحية

تسعى القاهرة إلى تثبيت التزاماتها الكاملة ببنود الإصلاح المتفق عليها، رغم الضغوط المتزايدة الناتجة عن تراجع إيرادات قناة السويس، وتذبذب عائدات السياحة، وتقلبات الأسواق الدولية.

وفي هذا السياق، شدد المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، محمد الحمصاني، على أن الحكومة لا ترى حاجة لتأجيل أي إجراء من إجراءات الإصلاح، مشيرًا إلى تمسّك مصر الكامل بتنفيذ سياسة مرونة سعر الصرف، وتعزيز دور القطاع الخاص، إلى جانب الاستمرار في برنامج الطروحات الحكومية لتوسيع قاعدة ملكية الدولة.

كما أشار الحمصاني في تصريحات إعلامية إلى أن الحكومة المصرية تتفاوض حاليًا مع عدد من الدول الخليجية لضخ استثمارات جديدة، معربًا عن أمله في التوصل لاتفاقات خلال الأسابيع المقبلة.

مراجعة حاسمة ومرونة فنية محتملة

وكانت بعثة صندوق النقد الدولي قد اختتمت زيارتها إلى القاهرة في نهاية مايو الماضي، وأصدرت بيانًا وصفت فيه التقدم المحرز بـ"الملموس نحو استقرار الاقتصاد الكلي". غير أن الصندوق شدد في الوقت ذاته على ضرورة مواصلة الإصلاحات المالية، لاسيما في ما يتعلق بتوسيع القاعدة الضريبية، وتحسين كفاءة التحصيل، بوصفهما شرطين رئيسيين لضمان استدامة الوضع المالي.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن الصندوق يُبدي تفهمًا للضغوط الإقليمية التي تواجه مصر، خصوصًا ما يتعلق بتداعيات الأزمة في البحر الأحمر والحرب الإيرانية الإسرائيلية. ويُتوقع أن يُبدي مرونة محدودة في بعض البنود الفنية، بهدف تسهيل صرف الشريحة الخامسة، وهو ما يُنظر إليه كمؤشر إيجابي على متانة العلاقة بين الجانبين.

قطاعات حيوية تحت الضغط

واجهت المراجعة الأخيرة مجموعة من العقبات المرتبطة بتباطؤ الإيرادات في عدد من القطاعات الحيوية. فقد تراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة 62.3%، لتصل إلى 1.8 مليار دولار فقط خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، نتيجة التوترات الأمنية في البحر الأحمر وتحوّل عدد من خطوط الملاحة العالمية إلى طرق بديلة أكثر أمنًا.

كما تأثرت السياحة، وهي إحدى ركائز الاقتصاد المصري، بشكل واضح بسبب الحرب الإقليمية بين إسرائيل وإيران، الأمر الذي أدى إلى انخفاض ملحوظ في معدلات الإشغال الفندقي، خصوصًا في مناطق البحر الأحمر.

نمو اقتصادي متوقع ودعم وشيك

ورغم هذه التحديات، أبدى صندوق النقد تفاؤلًا بأداء الاقتصاد المصري، حيث رفع توقعاته لمعدل النمو في العام المالي 2024/2025 إلى 3.8%، مستندًا إلى الأداء الإيجابي خلال النصف الأول من العام، وتحسّن احتياطي النقد الأجنبي، واستقرار أسعار الصرف.

ومن المتوقع، بحسب جدول البرنامج، أن يتم صرف الشريحة الخامسة من القرض بقيمة 1.3 مليار دولار خلال يوليو المقبل، عقب الانتهاء الرسمي من المراجعة. وتُعد هذه الشريحة جزءًا محوريًا من خطة مصر لسد الفجوة التمويلية، وتحقيق استقرار السوق، وتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري.

بين التزامات الإصلاح وتحديات الواقع، تسعى مصر إلى تثبيت موقعها كشريك ملتزم في برامج التمويل الدولية، مع الحفاظ على توازن دقيق بين المتطلبات الفنية والتحديات السياسية والاقتصادية التي تفرضها المرحلة. وستكون نتائج المراجعة الخامسة مع صندوق النقد بمثابة مؤشر حاسم لمسار الاقتصاد المصري في النصف الثاني من العام.

ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادي إسلام الأمين: "ما تقوم به الحكومة المصرية في الوقت الراهن يُعد نموذجًا نادرًا لقدرة الدول على الموازنة بين التحديات الطارئة والالتزامات الاستراتيجية."

وأضاف في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن استمرار القاهرة في تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة، رغم الضغوط الإقليمية وتراجع إيرادات قطاعات حيوية كقناة السويس والسياحة، يُبرهن على التزام حقيقي بتحقيق استدامة مالية ونمو متوازن.

ولفت الأمين أن المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي والمراجعة الخامسة المنتظرة ليست مجرد استحقاق مالي، بل مؤشر ثقة دولي في مسار الإصلاح المصري. وإذا ما تم صرف الشريحة الجديدة، فإن ذلك سيمثل دفعة قوية لبيئة الاستثمار المحلي، ويعزز قدرة الحكومة على الاستمرار في سياسات الحماية الاجتماعية دون الإخلال بالاستقرار الاقتصادي.

طباعة شارك النقد صندوق النقد الإصلاح الاقتصادي صندوق النقد الدولي

مقالات مشابهة

  • حضرموت الجامع يُحمّل الرئاسي والحكومة مسؤولية الانهيار الاقتصادي المتسارع
  • "حضرموت الجامع": الانهيار الاقتصادي والخدمي بلغ ذروته.. والحكم الذاتي خيار لا رجعة عنه
  • صندوق النقد الدولي: اقتصاد الأردن ينمو بنسق أقوى من المتوقع
  • صندوق النقد: الأردن على أعتاب انتعاش اقتصادي قوي
  • صندوق النقد الدولي يتيح للأردن صرف 834 مليون دولار
  • النقد الدولي يحذر من “الإنفاق المفرط” شرقي ليبيا
  • صندوق النقد: القطاعات غير النفطية تقود نمو اقتصاد المملكة
  • صندوق النقد: اقتصاد المملكة أثبت قدرته على الصمود بقوة في مواجهة الصدمات
  • مصر تقترب من الشريحة الخامسة لصندوق النقد.. التزام بالإصلاح رغم العواصف الاقتصادية
  • صندوق النقد يتيح 834 مليون دولار للأردن في إطار تسهيلين ماليين