قد تكون غزة بوتقة نظام جديد في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
يمرّ الشرق الأوسط بلحظة مفصلية، فالنظام القديم ينهار، ولم ينشأ بعد نظام جديد، وبرغم أن التحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة أسبق من هجوم حماس في السابع من أكتوبر، فإن الصراع الذي أعقبه في غزة وأصداءه في مختلف أنحاء المنطقة يشكّل البوتقة التي سوف تتشكل فيها ملامح الشرق الأوسط الجديدة.
لا بد أن تنتهز الولايات المتحدة - ولا غنى عنها برغم تراجع نفوذها - هذه اللحظة، وأن تساعد، من خلال دبلوماسية جريئة وإبداع، في تحفيز تحول المأساة الرهيبة الراهنة إلى فرصة لتحقيق سلام وازدهار دائمين.
ويمثل شهر رمضان الذي بدأ هذه الأيام والأمل في هدنة إنسانية أخرى أطول وإطلاق سراح الرهائن مفترق طرق حاسم في الحرب: فمن الطرق ما يؤدي إلى تفاقم العنف وربما اندلاعه على مستوى المنطقة كلها، والطريق الآخر يشير إلى سلام تحويلي يتوجه حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي طال أمده واندماج إسرائيل الأوسع في المنطقة.
إلى هذا الحد يبلغ التناقض الصارخ بين هذين المسارين المتباينين. وما من طريق ثالث. لقد تحطمت بلا رجعة الأسطورة القائلة بإمكانية إدارة الصراع، وتحطمت بفعل بؤر التوتر المنبعثة من غزة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. فقد تتفجر أي من هذه البؤر إلى صراع أوسع نطاقا، فتهوي بالمنطقة في عقود من الاضطراب مهددة الأمن العالمي.
وحتى قبل الاضطرابات الحالية، كان الشرق الأوسط يمر بمنعطف مزعج -نقطة انقطاع دامت سبعين عاما- منتقلا من عصر الهيمنة الأمريكية إلى عصر جديد متعدد الأقطاب. إذ أدى الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان في أغسطس 2021 وعدم رد أمريكا على هجوم ضخم بطائرة مسيرة مدعوم من إيران على منشأة أبقيق النفطية السعودية في عام 2019، إلى تعميق التصورات الإقليمية حول الانسحاب الأمريكي وعدم إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة.
وبفضل شعور أكبر بالقدرة على التصرف، سعت الجهات الفاعلة الإقليمية ـ أي المملكة العربية السعودية وتركيا، على سبيل المثال لا الحصر ـ على نحو متزايد إلى حل مشاكلها وتهدئة التوترات. وأدى ذلك إلى سلسلة من التحولات الداخلية في المنطقة. ومن الأمثلة القليلة على ذلك ترحيب جامعة الدول العربية بعودة النظام السوري، وإصلاح دول مجلس التعاون الخليجي خلافاتها الداخلية، والدفء بين تركيا والمملكة العربية السعودية.
يتميز هذا العصر الجديد متعدد الأقطاب أيضا بدور أكثر نشاطا للصين، التي توسطت بشكل ملحوظ في التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران (برغم لعب العراق وسلطنة عمان أيضا أدوارا رئيسية) وعلاقات اقتصادية وتجارية أعمق بكثير بين بكين والخليج. وكان انضمام مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران إلى مجموعة البريكس+ الموسعة حديثا علامة فارقة أخرى على طريق المنطقة إلى عصر متعدد الأقطاب.
وروسيا الضعيفة، والأكثر خطورة أيضا، تشكل هي الأخرى لاعبا أساسيا في النظام الناشئ في الشرق الأوسط. فقد أدى اعتمادها المتزايد على إيران لتغذية حربها في أوكرانيا إلى مستويات غير مسبوقة من التعاون العسكري، حيث تقدم طهران طائرات مسيرة وصواريخ باليستية لموسكو، بما يهدد بقلب التوازن الأمني في الشرق الأوسط اعتمادا على ما تقدمه روسيا في المقابل.
وبرغم ابتعادها الواضح عن المنطقة، لا تزال الولايات المتحدة تلعب دورا حاسما هناك. لقد بشرت بالاتفاقيات الإبراهيمية عام 2020 التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. كما أدت الدبلوماسية الأمريكية إلى مفاوضات ناجحة بشأن الحدود البحرية الدائمة بين إسرائيل ولبنان في عام 2022.
وأحدث من ذلك ما أفادت به تقارير من تحقيق واشنطن تقدما ملموسا في تنسيق ترتيب معقد كان من شأنه أن يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. والحقيقة أن حماس ربما اختارت توقيت هجومها بحيث يخرج بهذه الجهود عن مسارها قبل أن تكتسب قدرا كبيرا من الزخم.
لقد كان هجوم السابع من أكتوبر تذكيرا صارخا بأن المعركة من أجل تشكيل النظام الناشئ في الشرق الأوسط شرسة وسوف تتردد أصداؤها على مدى الأجيال القادمة. إذ يتكاثر المفسدون والمتطرفون الذين يستغلون ما لم يتم حله من الصراعات، من قبيل الصراع الذي يمزق الإسرائيليين والفلسطينيين، دونما طرح بديل حقيقي، ناهيك عن السلام أو الأمن لأي من الجانبين. وفي أماكن أخرى، سوف تزدهر القوى الخبيثة في مواجهة الحكم الطويل الأمد والتحديات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، مستغلة لصالحها السخط الشعبي الناتج عن سنوات من استشراء الفساد، وعدم كفاية الخدمات العامة، والقطاع الخاص الهزيل. وهؤلاء المفسدون والمتطرفون والجهات الفاعلة الخبيثة هم الذين سيخرجون منتصرين في الشرق الأوسط الذي مزقته الصراعات.
ويتصور الجانب الآخر من هذا السرد مسارا متغيرا نحو السلام، وتحقيق الأمن والرخاء في منطقة ظلت لفترة طويلة تفتقر إلى كليهما. وفي شرق أوسط متعدد الأقطاب، لا يزال يتعين على الولايات المتحدة أن تلعب دورا أساسيا في تحفيز الجهود الضرورية من جانب جهات فاعلة متعددة ــ مثل الدول العربية المعتدلة، والأوروبيين، والمنظمات المتعددة الأطراف، والمجتمع الدولي الأوسع ــ لحل المشاكل وحل الصراعات.
غير أن واشنطن يجب أن تنشط وتشجع دبلوماسيتها، مستغلة نفوذها عند الضرورة وصاقلة قدراتها الإبداعية على حل المشاكل للمساعدة في تحفيز سلام عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وضمان أن يتمكن أطرافه على كلا الجانبين من العيش في سلام وكرامة.
وهذا من شأنه أن يطلق العنان لإمكانات المنطقة الهائلة غير المستغلة، ويضع الأساس لتكامل إقليمي أوسع يشمل إسرائيل. ووفقا لهذه الرؤية الطوباوية، يجب أن يعمل أصحاب المصلحة في المنطقة معا من أجل معالجة التحديات المشتركة، ومنها التأثيرات المناخية الحادة، والبنية الأساسية غير الكافية، وتخلف التجارة العابرة للمنطقة.
ومن شأن إحراز التقدم في علاج العلل التي تعاني منها المنطقة منذ فترة طويلة أن يكون أعظم ترياق لتحييد أولئك المستفيدين من فوضى المنطقة. فالاقتصادات المزدهرة القادرة على خلق فرص العمل والحكم الفعّال الذي يعالج المشاكل اليومية للمواطنين هي التي من شأنها أن تحرم الجهات الفاعلة الخبيثة من الأكسجين الذي يدعمها.
سوف يشكل مسار حرب غزة النظام الناشئ في الشرق الأوسط. والولايات المتحدة تقف في طليعة الأطراف المعنية القادرة على التبشير بحقبة غير مسبوقة من السلام. وبين عدد كبير من اللاعبين، تبقى هي الممثل الذي لا غنى عنه.
غير أنه في مواجهة تراجع النفوذ الأمريكي وتنامي المشاعر المعادية لأمريكا، يجب أن تكثف واشنطن جهودها لإعادة تنشيط دبلوماسيتها بينما تظل الفرصة قائمة لتشكيل نتيجة الصراع بشكل إيجابي، ومعه الشرق الأوسط الجديد.
منى يعقوبيان خبيرة في شؤون الشرق الأوسط عملت سابقا في وزارة الخارجية ونائبة مساعد المدير في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
عن صحيفة ذي هيل
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العربیة السعودیة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط متعدد الأقطاب فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
تزايد التوترات في الشرق الأوسط يعزز ارتفاع أسعار النفط العالمية
عواصم «وكالات»: شهد سعر نفط عُمان الرسمي ارتفاعًا طفيفًا في الأسواق مع تحسن طفيف مقارنة بيوم سابق، وعلى الرغم من هذا الارتفاع فقد سجّل معدل سعر النفط الخام العُماني لشهر مايو انخفاضًا مقارنة بالشهر الذي قبله.
وعلى الصعيد العالمي شهدت أسعار النفط زيادة ملحوظة بعد انتشار تقارير تشير إلى تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، ما أثار مخاوف بشأن تأثيرها على إمدادات النفط. كما ظهرت مؤشرات إيجابية تدل على زيادة الإمدادات، حيث ارتفعت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة، في حين شهد إنتاج كازاخستان زيادة ملحوظة رغم الضغوط عليها من قبل منظمة أوبك بلس.
هذه التحولات على مستوى أسواق النفط كانت محط أنظار المستثمرين، مما أدى إلى تفاعل قوي في الأسواق المالية العالمية، حيث شهدت بعض المؤشرات تراجعات ملحوظة، في حين ارتفعت مؤشرات أخرى، مع تأرجح أسعار العملة والسلع الأساسية.
وبلغ سعر نفط عُمان الرسمي اليوم تسليم شهر يوليو القادم 66 دولارًا أمريكيًّا و5 سنتات، وشهد سعر نفط عُمان اليوم ارتفاعًا بلغ دولارًا أمريكيًّا و4 سنتات مقارنة بسعر يوم الثلاثاء والبالغ 65 دولارًا أمريكيًّا وسنتًا.
تجدر الإشارة إلى أنَّ المعدل الشهري لسعر النفط الخام العُماني تسليم شهر مايو الجاري بلغ 72 دولارًا أمريكيًّا و51 سنتًا للبرميل، منخفضًا 5 دولارات أمريكية و12 سنتًا مقارنة بسعر تسليم شهر أبريل الماضي.
على الصعيد العالمي شهدت أسعار النفط العالمية قفزة ملحوظة تجاوزت الواحد بالمائة، مدفوعة بتقارير تشير إلى تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، مما أثار مخاوف من تأثير هذه التطورات على استقرار الإمدادات.
وزادت العقود الآجلة لخام برنت لشهر يوليو بمقدار 86 سنتًا أو بنسبة 1.32%، لتسجّل 66.24 دولارًا للبرميل، كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط لشهر يوليو بنسبة 1.45%، لتصل إلى 62.93 دولار للبرميل؛ حيث إنه بعد نشر التقرير شهدت الأسواق تفاعلا كبيرا، حيث ارتفعت أسعار الخام الأمريكي أكثر من دولارين للبرميل، في حين سجّلت أسعار خام برنت زيادة ملحوظة أيضا.
ومع ذلك، ظهرت بوادر على زيادة الإمدادات، وذكرت مصادر بالسوق نقلًا عن أرقام معهد البترول الأمريكي أمس أن مخزونات النفط الخام بالولايات المتحدة ارتفعت الأسبوع الماضي بينما انخفضت مخزونات البنزين ونواتج التقطير.
وقالت المصادر التي اشترطت عدم الكشف عن هويتها: إن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للخام في العالم، ارتفعت بمقدار 2.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 16 مايو.
وكشف مصدر بالقطاع عن أن إنتاج كازاخستان من النفط زاد بنسبة اثنين بالمائة في مايو، وهي زيادة تتحدى ضغوط منظمة أوبك على كازاخستان لخفض إنتاجها.
على صعيد آخر سجّلت مؤشرات الأسهم العالمية أداء متباينا في تعاملات اليوم، وتراجع مؤشر داكس الألماني، في التداولات الأوروبية المبكرة، بنسبة 0.3% ليصل إلى 23967.81 نقطة، كما تراجع مؤشر كاك 40 الفرنسي بنسبة 0.7% ليصل إلى 7891.05 نقطة.
واستقر مؤشر فوتسي 100 البريطاني دون تغيير تقريبا عند 8780.46 نقطة، وتراجعت العقود الآجلة لمؤشري ستاندرد آند بورز 500 وداو جونز الصناعي بنسبة 0.6 %، وفي آسيا، تراجع المؤشر الياباني 225 القياسي بنسبة 0.6% ليصل إلى 37298.98 نقطة.
وارتفع مؤشر هانج سنج في هونج كونج بنسبة 0.6% ليصل إلى 23827.78 نقطة، كما ارتفع مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 0.2% ليصل إلى 3387.57 نقطة.
وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز/إيه إس إكس 200 الأسترالي بنسبة 0.5% ليصل إلى 8386 نقطة.
وارتفع مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية بنسبة 0.9% ليصل إلى 2625.58 نقطة، كما ارتفع مؤشر تايكس التايواني بنسبة 1.3%.
وأغلقت الأسهم الأمريكية على تراجع الثلاثاء؛ حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.4% ليصل إلى 5940.46 نقطة، مسجلًا أول انخفاض له منذ سبعة أيام. وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.3% ليصل إلى 42677.24 نقطة، كما تراجع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 0.4% إلى 19142.71 نقطة.
وفي أسواق العملة تراجع سعر الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني، ليصل إلى 144.10 ين ياباني من 144.51 ين، فيما ارتفع سعر اليورو ليصل إلى 1.1327 دولار من 1.1284 دولار.