الحرب نقلت السودان نقلة خطيرة، من رصيف الدول النامية إلى غرفة الإنعاش، وأصبح اليوم كما لو أنه رجل أفريقيا المريض، دون مبالغة في الوصف، بعد أن كان مرشحًا ليكون سلّة غذاء العالم،

وهي ردة لا نظير لها في التجارب المعاصرة، مما يتطلب كضرورة حاسمة، ثورة إصلاحيّة عميقة الجذور، أسوة بالتي حدثت في اليابان، ليس لما انتهت إليه من دولة صناعية هائلة، ولكن من البداية المُدهشة والخروج السريع مِن عُنق الزجاجة، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، حينما نفّذ الحلفاء هجومًا جويًا بقنابل حارقة، قضت والتهمت نحو 67 مدينة يابانية، ثم تلا ذلك إلقاء أميركا قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي لتستسلم طوكيو أخيرًا، وتنتهي الحرب بدمار هائل في كل أجزاء اليابان تقريبًا، ونتج عن ذلك نهاية القبضة الإمبراطورية، ودمار الاقتصاد والحياة القديمة كلها، حتى ظنّ الجميع أن اليابان لن تقوم لها قائمة بعد ذلك اليوم الأسود، وذلك بالضرورة يتطلب في سوداننا أيضاً تحطيم ما تبقى من جهاز الدولة البيروقراطي، والأفكار السياسية البالية للنظام القديم.

فالعقل الياباني بعد الهزيمة لم ينهزم، وقد أخذ رئيس الوزراء حينذاك يوشيدا المهمة على عاتقه بقدر من الجدية، وحول النقمة إلى نعمة؛ تحقيقًا لما عرف بعد ذلك بالمعجزة اليابانية، والتي حدثت في أقل من عشرين عامًا، تحت شعار: (فوكوكو كيوهيي)، والتي تعني تنمية القوة الاقتصادية والعسكرية للبلد، في محاولة جادّة للحاق بالركب الغربي الصناعي، والسير فوق جُملة مشروعات إصلاحية، استهدفت القوانين أولًا، ومن ثم التعليم والإنتاج الزراعي،

وقبل كل شيء بناء شخصية الفرد على نموذج “غامان”، الذي يعتنقه الياباني منذ الصغر، وهو مجموعة إستراتيجيات تهدف للتعامل مع الأحداث الخارجة عن السيطرة، حد أن الأفراد يطورون في أنفسهم قدرةً خارقة على تحمل أشياء غير متوقعة أو سيئة، ومن العسير اجتيازها بنجاح..

عزمي عبد الرازق
الجزيرة

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

محللون لـ «الاتحاد»: «عمالة الإخوان» تُعيق جهود وقف الحرب في السودان

عبدالله أبو ضيف (القاهرة)


تسلّط التحذيرات التي أطلقتها وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، الضوء على مرحلة أكثر خطورة في مسار الحرب الأهلية السودانية، بعدما ربطت بين جماعة الإخوان وأجندة قوى إقليمية وبين احتمالات وقوع فظائع جديدة تُعيق أي جهد لوقف إطلاق النار.

أخبار ذات صلة مسؤولون في منظمات أممية وإغاثية لـ«الاتحاد»: تفاقم الأزمة الإنسانية بمستويات خطيرة في السودان العراق يعبر إلى ربع نهائي كأس العرب

 ويأتي هذا القلق الدولي المتنامي في وقت تتقاطع فيه تقارير بحثية مع شهادات خبراء لتؤكد أن الصراع لم يعد مجرد مواجهة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بل تحوّل إلى ساحة لإعادة توزيع النفوذ تقودها شبكات إخوانية متجذرة داخل المؤسسة العسكرية نفسها، مستفيدة من لحظة الانهيار السياسي لتوسيع حضورها والتموضع في قلب القرار العسكري.
وتتصاعد الانتقادات الدولية لدور جماعة الإخوان في الجهاز التنفيذي للقوات المسلحة السودانية، حيث أفادت تقارير صادرة عن جهات بحثية، من بينها معهد الشرق الأوسط للأبحاث والإعلام، بأن الجماعة التي بنت نفوذاً طويلاً داخل هياكل القوات المسلحة باتت تتعامل مع الحرب باعتبارها نافذة أخيرة لضمان بقائها ومنع أي مسار للتسوية قد يطيح بها، إذ إن شبكاتها لا تقتصر على البنية العسكرية، بل تمتد إلى مؤسسات مدنية مؤثرة.
وقالت الباحثة السودانية في شؤون الإرهاب، رشا عوض، إن جماعة الإخوان في السودان كانت أحد أبرز المحركات التي دفعت نحو إشعال الحرب، في محاولة لإجهاض الثورة ومنع انتقال السُّلطة إلى الحكم المدني، بما يخدم مشروعها القائم على احتكار النفوذ السياسي والاقتصادي. 
وأضافت عوض، في تصريح لـ «الاتحاد»، أن هذا التوجه يرتبط أيضاً بحسابات إقليمية أوسع، إذ تسعى تنظيمات مرتبطة بالإخوان إلى إيجاد موطئ قدم جديد يعوّض خسائرها بالمنطقة، ويعيد بناء شبكات النفوذ التي تلقت ضربات قاسية خلال السنوات الماضية.
 في السياق، أوضحت لنا مهدي، الخبيرة في الشؤون الأفريقية ومستشارة الإعلام الدولي وفض النزاعات، أن تطورات الحرب في السودان تكشف انتقالاً حساساً في نظرة المجتمع الدولي للأزمة، إذ تتسع مساحة القلق إزاء صعود تنظيمات مؤدلجة، مثل الإخوان، في حين تحاول قوى إقليمية أن تثبت نفوذها من خلال عمالة جماعة الإخوان.
وقالت مهدي، في تصريح لـ «الاتحاد»، إن عمالة الإخوان تحوّل الصراع من حرب داخلية محدودة إلى ساحة تنازع إقليمي معقّد يتجاوز قدرة الأطراف المحلية على احتوائه، وهذه المقاربة الجديدة تعكس تحوّل الغرب من الاكتفاء بالمراقبة إلى التحذير من توظيف الإخوان واستثمارات هذه القوى الإقليمية لإدامة الفوضى ومنع أي مسار جاد لوقف إطلاق النار، وهو ما يتسق مع تقارير رصدت عمليات تجنيد ودعم لوجستي وتغذية أيديولوجية تزيد من قابلية المشهد للانفجار وتعقّد فرص التسوية السياسية.
وأضافت أن السودان يدفع اليوم ثَمن غياب إدارة مهنية للمشهد الإعلامي والدبلوماسي، مما سمح لأطراف خارجية بصياغة الرواية نيابةً عنه وفتح المجال أمام خطاب الإخوان، موضحة أن المؤسسات السودانية الرسمية تفتقر لمنظومة اتصال استراتيجي قادرة على تفنيد هذه النفوذات. 
وذكرت الخبيرة في الشؤون الأفريقية أن استمرار الحرب، في ظل تدخلات خارجية يستثمر أصحابها في إطالة عمرها، يضع البلاد أمام مسارين خطيرين، إما تدويل الأزمة، أو انزلاقها إلى حرب عابرة للحدود تهدد أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتصبح فرص الحل شبه معدومة.

مقالات مشابهة

  • دونالد ترامب: بايدن يتحمل أزمة الاقتصاد وحرب أوكرانيا
  • الأمم المتحدة تحذر من توسيع دائرة الحرب في السودان
  • أسئلة اليوم التالي ومستقبل السودان: معطى القبيلة وفخ القبلية1
  • في عيد ميلادها الـ62.. إمبراطورة اليابان تؤكد أهمية ترسيخ السلام ونبذ الحروب
  • Local ONLY يا له من خطاب كراهية مفزع
  • تحذيرات عربية من تفاقم العنف في السودان ومطالبات بوقف الانتهاكات
  • أبو الغيط: الأمن الغذائي العربي يتطلب تنسيقًا عاجلًا ومبادرات فعّالة
  • محللون لـ «الاتحاد»: «عمالة الإخوان» تُعيق جهود وقف الحرب في السودان
  • سفير باكستان: إنشاء غرفة تجارة خاصة بمجموعة دي 8 في إسطنبول
  • العاقل من اتعظ بغيره!