بِــأَيَّــةِ حَــالٍ عُــدْتَ يَـا عِـيـدُ
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ويعيش أبو الطيب المتنبي أعمارًا فوق عمره، لأنه إذا قال صار قوله مثلًا وحكمة وأيقونة عابرة للزمان والمكان، المضروبين بالشأن العام والمهتمين بما يحيطهم والمهمومين بصناعة مستقبل أفضل للإنسان، تراهم دائما لا يقيمون وزنًا للأعياد والمناسبات التي من المفترض أن يبتهج بها الإنسان.
وكلما صاح واحد بأن العيد بعد أيام يرد صاحب الهم المقيم بما قاله المتنبي
"عِــيــدٌ بِــأَيَّــةِ حَــالٍ عُــدْتَ يَـا عِـيـدُ"
وبرغم اختلاف السياق وتغير الحالة عن اللحظة التي كتب فيها المتنبي هذا السطر الشعري الخالد إلا أن هذا السطر هو أول ما ينطق به المهموم والمهتم إذا أشار مجالسيه نحو اقتراب العيد.
عيدنا هذا العام يأتي والضمير الإنساني يواجه أكبر اختبار له بسبب حرب غزة الطاحنة والتي شهدت معاناة أكثر من 2 مليون إنسان لا ذنب لهم إلا أنهم فلسطينيون ولدوا في غزة، هؤلاء قدموا على مدار ستة أشهر ما يزيد عن مئة ألف ضحية ما بين شهيد ومصاب.
نحن في مصر الجار الأول لغزة الصامدة، ونحن كذلك البوابة الأولى لهم نسمع بوضوح صرخاتهم ونتألم ونصرخ معهم، لذلك نقول بأية حال عدت يا عيد، العيد الذي لا يحتوي على لم شمل أسرة هو ليس عيدًا على الإطلاق، والعيد الذي يأتي ولا يخجل من أنهار الدم التي تجري في شوارع غزة هو ليس عيدًا على الإطلاق.
عيدنا الذي نعرفه هو عيد وديع ومسالم فكيف يأتي وفوهات المدافع مشرعة نحو ما كانت بيوتا قبل أشهر ستة، عيدنا صاحب الكسوة الجديدة والكعكة يأتي هذا العام بوجهه ليبكي معنا وهو يرى الكسوة الجديدة في صورة أكفان الأطفال وحرائق الأبنية ومئات الأطنان من الركام، فهل شاهد الضمير العالمي ذلا أكثر من هذا؟.
لم يعد من حق الغرب أن يتكلم بعد الآن عن اختراع اسمه حقوق الإنسان وليس من حقهم اللجوء لميثاق الأمم المتحدة الحقوقي لكن يعايروا دولة من دول العالم الثالث لأنها أخفقت في الحق الفلاني وتهدد تلك الدولة بالويل والثبور وفظائع الأمور، على الأقل دول العالم الثالث وإن كان إخفاقها غير مقبول إلا أننا لم نسمع أن دولة فقيرة شنت حرب إبادة على جارتها الفقيرة، ولكننا سمعنا وتأكدنا أن أمريكا ضربت اليابان بالقنبلة النووية وسمعنا وتأكدنا أن أمريكا استطاعت إبادة سكان أمريكا الأصليين وسمعنا وشاهدنا وتأكدنا أن أوروبا الاستعمارية نهبت ثروات الشعوب الإفريقية وشعوب آسيا في جرائم ممنهجة وموثقة تاريخيًا.
وها نحن اليوم نرى بأم عيوننا منهج الإبادة الجماعية المنظمة يفعل مفعوله في شعب غزة الصامدة، فهل يصح أو هل من اللائق للعيد السعيد أن يأتي مبتسما؟ بأية حال عدت ياعيد.
وإن كانت خصومة أمريكا وإسرائيل ضد الشعوب العربية واضحة وصريحة فهل يجوز لنا أن نعلن على الأقل احتجاجنا بالكلمة وهذا أضعف الإيمان؟، الحسرة التي يتم تأسيسها الآن في وجدان الأجيال الجديدة هي مجرد إعلان رسمي عن هزائم متكررة، الأنظمة العربية تحاول جاهدة ومصر على رأسهم بذل الجهد تراكميًا من أجل وقف العدوان ولكن شاء من بين ظهرانينا من يؤجج الصراع ومن يرى أن حربا مثل هذه هي انتصار لتنظيمه، علينا المكاشفة أنه بقدر ما اجرمت إسرائيل إلا نحن أيضا لدينا اخطاؤنا، قد نكتبها عندما تحط الحرب أوزارها، ولكن الآن لا نملك إلا عض الأصابع ندما على حلم وحدة الشعب الفلسطيني الذي لم يتحقق وأن نذرف الدمع على عتبة العيد الذي يأتي وأطفالنا قد حفظوا كلمة النزوح من منازلهم ليقضوا عيدهم في خيمة جاء بها متبرعون لستر عوراتنا، أيها العيد بأية حال عدت يا عيد.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أمريكا
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان.. الودق الذي يُطفئ الحروب
د. أحمد بن علي العمري
سلطنة عُمان… بلد الأمن والأمان والسلام والإسلام والاعتدال والحياد والأعراف والعادات والتقاليد وحسن التعامل والتسامح، حيث إن الأعراف والتقاليد لدى العُماني أقوى من أي قانون؛ الأمر الذي جعلها محل ثقة وتقدير واحترام العالم أجمع دون استثناء.
ومع ذلك؛ فالرأي مفتوح للجميع، وسقف الحرية مرتفع بحكم القانون العُماني. ولقد لفت انتباهي الانطباع الذي خرج به المشاركون في معرض مسقط الدولي للكتاب من زوار ومؤلفين وناشرين؛ حيث عبّروا عن الحرية التي وجدوها؛ فهناك الكثير من الكتب التي يُمنع نشرها في العديد من الدول وجدت حريتها في عُمان تنتظرها، وأكدوا أن في عُمان مجالًا رحبًا للرأي والرأي الآخر، وأفقًا للرأي الواسع، كما أشاروا إلى حفظ الحقوق واحترام وتقدير الآخرين.
لقد وجدوا التطبيق الفعلي لعدم مصادرة الفكر؛ بل حمايته وتهيئة الجو المناسب له، فقد قالها السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه -: "إننا لا نصادر الفكر.. أبدًا"، وأتت النهضة المتجددة لتؤكد على استمرارها ونموها وتوسعها؛ فأضحت عُمان بلا منازع محل تقدير ومركز تسامح وموقعًا لثقة الجميع.
المعروف أن الودق هو المطر الذي يُنهي الجفاف ويحيي الأرض، وفي السياق الأدبي أو الثقافي يُستخدم كرمز للخير والسلام، وعندما نقول إنه يطفئ الحروب، فهو تعبير مجازي عن دور عُمان التاريخيّ في إخماد النزاعات بالحكمة والدبلوماسية، كما فعلت عبر تاريخها في الوساطة بين الأطراف المتنازعة.
إن سلطنة عُمان معروفة بسياسة الاعتدال والحوار؛ سواء كان ذلك في محيطها الخليجي أو العربي أو على المستوى الدولي، مما جعلها صانعة للسلام بامتياز. وهكذا فإن الودق العُماني ليس مجرد مطر مادي، وإنما هو إشارة للغيث الأخلاقي في البوتقة السياسية الذي تقدمه عُمان لتهدئة الصراعات ومسبباتها ووأد الفتنة في مهدها.
لقد وقفت السلطنة كعادتها الدائمة والثابتة والراسخة على الحياد؛ فلم تقطع العلاقات مع جمهورية مصر العربية إبان اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك الحياد في اتفاقيات مدريد وأوسلو ووادي عربة، وبقيت محايدة في الحرب العراقية الإيرانية، ولم تتدخل في الحروب التي تستعر هنا وهناك من حينٍ لآخر؛ فلم تتدخل في حرب ليبيا، ولا الصومال، ولا اليمن، ولا السودان؛ بل أغلقت أجواءها أمام الاستخدام العسكري لأي من الطرفين المتنازعين.
وقد كانت الوسيط لإطلاق عدد كبير من المحتجزين للعديد من الدول، كما إنها كانت وسيط الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وحاليًا تقوم بالوساطة ذاتها بين أمريكا وإيران للوصول إلى اتفاقية ثابتة وملزمة ومحكمة.
ومؤخرًا تدخلت السلطنة لإطفاء الحرب الملتهبة بين أمريكا واليمن، والتوصل للاتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين، وهي حرب بالغة في التعقيد، لكن الدبلوماسية العُمانية المعهودة كان لها التأثير السلس الذي يتواصل مع الفرقاء برقة النسيم، وعذوبة الودق، وشذى الياسمين.
كل ذلك بهدوء ودون صخب إعلامي أو ضجيج القنوات الفضائية أو جعجعة الحناجر، كعادتها عُمان تبتعد عن المنّ والأذى.
إن الطائر الميمون الذي يقلّ المقام السامي لحضرة مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - بين العديد من عواصم العالم بين الحين والآخر، إنما يحمل على جناحيه غصن الزيتون ومرتكزاته وأهدافه، هو نشر السلام والتسامح؛ فعُمان تلتقي ولا تودع، وتجمع ولا تفرّق، وتلمّ ولا تشتّت، وتمُدّ يد السلام والوئام والتسامح والأُلفة للجميع.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.