فورين بوليسي: هل تغتال أميركا بوتين؟
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
سبق وأطاحت الولايات المتحدة بزعماء لحكومات تعدها معادية، وفي تقرير لصحيفة فورين بوليسي، يقيم ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية دوغلاس لندن احتمالية اغتيال واشنطن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو تنظيم انقلاب ضده.
وحسب تحليل الكاتب فإن الولايات المتحدة تفضل استمرارية الوضع الراهن، وترى في بوتين خصما يسهل التنبؤ بأفعاله، ما يسهل التعامل معه، ويجعل من الإطاحة به خياراً فيه مجازفة.
ولاحظ دوغلاس أهمية تقييم قرار كهذا عندما أثارت زيارة بوتين لكوريا الشمالية في يونيو/حزيران هذا العام تساؤلات عما إذا كان على الولايات المتحدة استغلال ابتعاد الرئيس وتنظيم انقلاب ضده.
ويجد الكاتب أن اتخاذ قرار بالتخلص من بوتين لن يحقق الأهداف المرجوة بل سيتسبب بحالة من الفوضى والتوتر داخل روسيا وخارجها، وسيزيد عداوة الحكومة القادمة تجاه الولايات المتحدة، وسيؤدي إلى تدهور الاستقرار الأمني الإقليمي والدولي.
وغالبا ما حققت خطط الولايات المتحدة للإطاحة بزعماء دول معادية لها نتائج عكسية، وتضمن ذلك دعمها لانقلابات عسكرية للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق في 1953، وبرئيس تشيلي سلفادور أليندي عام 1973.
ومن المهم برأي دوغلاس أخذ أسلحة روسيا النووية بعين الاعتبار، فقد تزيد أي حالة من عدم الاستقرار في القيادة الروسية من خطر استخدامها أو التهديد بذلك.
وتصعّب هذه المخاطر تبرير أي محاولة أو قرار للتخلص من بوتين، حتى لو كانت هناك فرصة لتحقيق ذلك بنجاح.
صعوبة اغتيال أو انقلاب من الداخلويعيد دوغلاس رأيه إلى أن الولايات المتحدة -التي تعتمد عادة على عناصر داخلية لتحقيق أهدافها- لن تجد حلفاء لها في نخبة روسيا السياسية ممن هم قادرون على الانقلاب على بوتين أو تنظيم اغتياله. إذ يعتمد النظام السياسي الروسي على مجموعة صغيرة من النخب الأمنية والعسكرية التي تربطها علاقات قوية بالرئيس.
ويعتبر مدير جهاز الأمن الفيدرالي -خليفة جهاز الاستخبارات السوفيتي "كي جي بي"- ألكسندر بورتنيكوف أكثر المقربين لبوتين، ويستبعد دوغلاس انقلابه عليه، وحتى وإن انقلب فإن منظور بورتنيكوف من السياسة والغرب لا يختلف عن بوتين، وفق رأيه.
ويكرس المدير الأمين جهاز الأمن الفيدرالي لدعم حكم بوتين من خلال كبح المعارضين وضمان تنفيذ سياسات الرئيس، بحسب دوغلاس.
أما مدير الحرس الوطني فيكتور زولوتوف فهو مدين بموقعه ونفوذه لبوتين، وكان حارسه الشخصي السابق، وقد أغدق الرئيس على عائلته -كما فعل مع آخرين من النخبة- بالمال، والأراضي، والهدايا، ويتمتع الحرس الوطني بصلاحيات كبيرة في قمع الاحتجاجات وضمان الأمن الداخلي.
كما لم يظهر مدير جهاز الأمن الرئاسي دميتري كوتشنيف أي مطامع سياسية، ويكرس نفسه وجهاز الأمن المتكون من 50 ألف جندي لحماية الرئيس، ويشير دوغلاس إلى أنه حتى إذا أراد كوتشنيف اغتيال الرئيس فسيكون عليه الحصول على دعم النخبة الآخرين أولا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات الولایات المتحدة جهاز الأمن
إقرأ أيضاً:
النظام العالمي أسسته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية.. هل يهدمه ترامب؟
واشنطن- قبل 80 عاما خرجت الولايات المتحدة كأكبر المنتصرين من الحرب العالمية الثانية، وبعيدا عن الدمار الذي شهدته اليابان ودول جنوب وشرق آسيا، دمرت الحرب القارة الأوروبية خاصة فرنسا وألمانيا وروسيا، وإلى حد كبير بريطانيا، وكبَّدتها ديونا ضخمة، وبدأت معها خسارة إمبراطورياتها الاستعمارية حول العالم.
ولم ينجُ من الخسائر الكبيرة إلا الولايات المتحدة بسبب مشاركتها المتأخرة في القتال، إضافة إلى عزلتها الجغرافية بين المحيطين، الأطلسي شرقا والهادي غربا. ولاغتنام هذه المكاسب، أسست أميركا نظاما عالميا، ماليا اقتصاديا، وسياسيا إستراتيجيا، لتضمن من خلاله هيمنتها على العالم الجديد في عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وظهرت مؤسسات عالمية اقتصادية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، وأصبح الدولار العملة غير الرسمية للتبادلات الدولية، كما أسست واشنطن التنظيم الدولي في مؤسساته الحديثة من هيئة الأمم المتحدة، ومنظماتها المتخصصة، وعسكريا أسست حلف "الناتو"، وعبر هذه الأدوات سيطرت أميركا على العالم خلال العقود الثمانية الماضية.
تضحيات أميركاومنذ بدء فترة حكمه الثانية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربا تجارية على جيرانه وأقرب شركائه التجاريين، كندا والمكسيك، وطالب الدانمارك ببيعه جزيرة غرينلاند وأن تسلم بنما قناتها المائية لأميركا.
إعلانوتحرك ترامب للانسحاب من منظمة الصحة العالمية، التي ساعدت الولايات المتحدة في تأسيسها، وألغى معظم برامج المساعدات الخارجية لفقراء العالم، ويقول إن العالم كله يستغل هذا النظام الدولي لاستغلال أميركا، والإضرار بمواطنيها ومصالحها.
ورغم ذلك، أصدر البيت الأبيض بيانا للاحتفال بما اعتبره "واحدة من أكثر الانتصارات الملحمية لقوى الحرية بتاريخ العالم"، وأضاف البيان "لولا تضحيات جنودنا الأميركيين، لما كُسِبت هذه الحرب، وسيبدو عالمنا اليوم مختلفا تماما، ونجدد التزامنا بالحفاظ على أميركا والعالم بأسره آمنا مزدهرا وحرا".
ويمثل إعلان ترامب في الاحتفال "بيوم النصر" في 8 مايو/أيار 2025، دليلا على إدراكه لأهمية هذا اليوم، بالرغم مما يتخذه من قرارات تعصف بالنظام الذي بني على أساس نتائج هذه الحرب.
ويقول الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي، ماثيو والين، "أشعر بالفزع من المحاولات المتعمدة لتفكيك الأنظمة التي عملت الولايات المتحدة بشق الأنفس لتجميعها على مدى السنوات السبعين الماضية، أخشى أننا فشلنا في تعلم دروس الماضي. لم يكن النظام مثاليا لأي شخص، لكنه أفضل نظام طوره هذا الكوكب حتى الآن".
ليس الوحيدوعلى مدار تاريخها الممتد لـ249 عاما، دفع تيار أميركي قومي قوي إلى انعزال بلاده عن تقلبات ومعارك السياسة الدولية خاصة في الساحة الأوروبية.
ويشير خبير الشؤون الدولية، ولغانغ بوستزتاي، إلى أن ترامب لم يخترع نهج "الانعزالية الأميركية"، بل كان منذ جورج واشنطن أحد مفاهيم السياسة الخارجية الرائدة، وأكثرها شعبية خاصة بين الجمهوريين، ويضيف "هيمنا على معظم القرن التاسع عشر وحتى الهجوم على بيرل هاربر (1942). غالبا ما تم دمجها مع التدخل في نصف الكرة الغربي".
إعلانويقول للجزيرة نت، إن هذا النهج الانعزالي العام لإدارة ترامب يتم تجنبه من خلال الإجراءات التي تعزز المصالح الوطنية الأميركية على مستوى العالم وعند الضرورة. وأضاف "يجب النظر إلى جميع إجراءات السياسة الخارجية لترامب من هذا الجانب. فعندما لا يكون هناك شيء ما في المصلحة الوطنية بوضوح، يتم لعب ورقة الانعزالية".
"أميركا أولا"
من جانبه، أشار والين إلى أن الهدف المعلن للرئيس ترامب في "زعزعة" النظام الدولي الأميركي الصنع هو محاولة لإعادة التوازن إلى علاقة أميركا بالعالم لمعالجة ما يراه "ظلما" في العلاقة. وهو يعتقد "أن الاختلالات في الإنفاق التجاري والدفاعي تأتي على حساب الولايات المتحدة".
فيما أشار بوستزتاي إلى أن المنظمات والتحالفات الدولية هي "أداة إستراتيجية" للأداة الدبلوماسية لسلطة الدولة، وتستخدِم معظم الدول هذه الأداة وفقا لمصالحها الوطنية، وتلعب الأمم المتحدة دورا رئيسيا في النظام العالمي.
وبما أن أميركا -يقول بوستزتاي- لم تعد تؤمن بهذا النظام، على الأقل ليس بشكل كامل، فقد تراجعت أولوية الأمم المتحدة لدى واشنطن، وينعكس ذلك أيضا "بخفض التمويل المقدم لها ولمنظماتها الفرعية".
وعن الناتو، قال بوستزتاي إن "الحلف" كان أداة مهمة لأميركا لاحتواء النفوذ الروسي على مستوى العالم والسيطرة على سوق الدفاع الأوروبي الضخم.
كما يوفر الناتو للولايات المتحدة مجموعة من الشركاء عند الحاجة للعمليات العسكرية في جميع أنحاء العالم لمواجهة التهديدات المشتركة، كما يعد وصول أميركا إلى أراضي الناتو ميزة جيوستراتيجية هائلة، ويوفر الوصول إلى القواعد الأمامية للعمليات العالمية، بما في ذلك الدفاع الصاروخي الباليستي والحرب المضادة للغواصات.
لذلك، توقع ولغانغ أن تظل أميركا "ملتزمة" بالناتو خلال رئاسة ترامب، وتدفع الأوروبيين إلى إنفاق المزيد على الدفاع. ويضيف "لن يزيد هذا الفرص المتاحة لصناعة الدفاع الأميركية فحسب، بل سيساعد في تحرير الموارد لمنطقة المحيط الهادي لمواجهة طموحات الصين المتنامية".
إعلانوعن فهمه لما تعنية رؤية ترامب "أميركا أولا" لهذا النظام الدولي، قال والين إن عقيدة أميركا في ظل إدارة ترامب تشير إلى أنها لن تنظر بعد الآن في قيمة العلاقات الدولية التي لا تُظهر أي فائدة للولايات المتحدة. كما أنها "لن تلتزم" بأي اتفاقيات لا تظهَر مظهر انتصار واضح لأميركا التي تتوقع من هذه المنظمات الدولية أن تفعل المزيد لنفسها".
البديلفيما قال والين للجزيرة نت إن البديل عن "النظام العالمي" -رغم عيوبه- هو الهيمنة الروسية أو الصينية والعودة إلى معايير ما قبل الحرب العالمية الثانية لحل الصراع.
بينما يرى بوستزتاي أنه ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يعد هناك نظام قائم على القواعد في العلاقات الدولية، ويتطلب مثل هذا النظام على الأقل أن تلتزم الجهات الفاعلة الرئيسية بالقواعد وأن هناك طرقا جادة لمعاقبة أولئك الذين لا يفعلون ذلك.
وقال إن البديل هو مزيج من "النظام العالمي" وعالم من التحالفات والقوة العسكرية الاقتصادية متعدد الأقطاب، وهذا يعني أنه يمكن للفاعل التعامل مع بعض الجهات الأخرى بناء على النظام العالمي، بينما يتعين عليه التعامل مع الآخرين الذين يعتمدون على قوته وعلى التحالفات.
وأضاف "بشكل عام، هذا لا يجعل العالم أكثر أمانا، ولكن من الناحية الواقعية، سيكون هذا هو الحال لمدة 10 سنوات على الأقل، وربما لفترة أطول".