أقسى ألوان الموت أن تكون حيا فقط بموجب الرقم القومي وهذا معناه أن الانسان أو المواطن حي على الورق ولكنه مات وشبع موتا في سجلات الأمل التي لم يجد فيها اسمه من يوم ولد الى أن يسقط كرقم من الأوراق الرسمية, والا فما معنى أن يعيش المرء ستين أو سبعين عاما يحلم ويتمنى ويكتشف وهو يوشك على وداع الدنيا بمن فيها أنه كان يلهث خلف سراب خادع بلعه ونزل بجوفه لتستقر الأحلام جيفة في قاع النفس لا تذكر صاحبها الا بطعمها المر .
نظرت خلفي على مدى قرابة السبعين عاما مضت من العمر وجدت أن المصريين وقفوا أمام أبواب حكامهم يتمنون ويتشوقون لمساحة من الحلم ويكتشفون في كل مرة أنهم قد طال وقوفهم في طابور جمعية لا تبيعهم إلا الوهم.. وقف المصريون قبل الخامس والعشرين من يناير 2011 أمام بلاط الحكم والحاكم طيلة ثلاثين عاما يستمعون لرجل لا يملك الا ان يخطب فيهم بين الحين والحين ليقول لهم إن وقوفهم سنوات في هذا المكان هو أكبر دليل على الاستقرار وإن من نعم الله عليهم أنهم أحياء.. ليس مهما أن تتورم أحلامهم وتصير سرابا، ويظل الأهم أن كل رقم في الطابور له مكان سيقف فيه صاحبه الى أن تأتيه ساعته.. فاجعة حقيقية أن يموت الناس وهم واقفون ينتظرون رشفة أمل وإذا بقطار الموت يدهسهم في اليوم ألف مرة لأن شيئا لا يتغير .عندما يتجمد الزمن بمعايير الفعل والارادة والوعي فإنه الموت يصبح جماعيا ، ويشبه أكبر جرائم الابادة في الحروب .
أكبر دليل على ذلك أن مصر على امتداد تاريخها قد عانى أهلها الأمرين من بطش الحكام من فرس وروم ومماليك وعثمانيين وانجليز وغيرهم كثر ، ومع ذلك كان المصريون قادرين على رؤية نقطة ضوء في نهاية نفق العذاب والهوان لأن الاحتلال في تاريخ كل الأمم وضع استثنائي وغير طبيعي مهما طال أمده ،ويخلق في العادة لدي أي شعب نوع من الارادة التي تبقي الأمل مشتعلا داخل النفوس.... أما في زمان ما بعد المحتلين الغرباء ،فإن المفجع حقا أن يتحول المصري من مواطن يحلم الى مجرد رقم في سجلات السلاطين الجدد من أبناء جلدته، ولا تظهر له قيمة الا اذا خطب السلطان واحتاج لمن يصفق له.
لقد رأيت المصريين المعاصرين طيلة ما يقرب من سبعة عقود من العمرعشتها واحدا منهم - معهم وبينهم وكأننا محشورون عند باب زويلة ننتظر الحساب والعقاب من مملوك على جرم لم نرتكبه.. جريمتنا أننا نحلم بالعيش والحرية والكرامة وهذا ما ضنت علينا به المقادير.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رقم قومي
إقرأ أيضاً:
الناتو يؤكد أنهم لم يعدوا أوكرانيا بالعضوية بعد التسوية السلمية
شدد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، على أن الناتو لم يعد أوكرانيا بالحصول على عضويته بعد التوصل إلى تسوية سلمية.
وقال روته في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس في بروكسل: لقد ضمن حلف الناتو لأوكرانيا مسارا لا رجعة فيه للانضمام إليه، لكننا لم نعد قط بأن يكون ذلك ضمن اتفاقية السلام. موضوع الانضمام إلى الحلف، مسألة طويلة الأمد وقد تتحقق فقط في مستقبل بعيد".
ويشار إلى أن ميرتس يتواجد حاليا في بروكسل في أول زيارة رسمية له كمستشار لبلاده.
وكان قد تم في أبريل 2008، خلال قمة الناتو في بوخارست، إدراج اسمي أوكرانيا وجورجيا في قائمة الدول التي سيتم العمل على ضمها إلى الحلف في الإعلان الختامي للقمة. وفي قمة عقدت في واشنطن عام 2024، قرر الحلف أن أوكرانيا "في طريق لا رجعة فيه" نحو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
وقد استمرت هذه الصيغة خلال اجتماعات الناتو لمدة ستة أشهر تقريبا وفي خطابات الأمين العام للحلف آنذاك ينس ستولتنبرج وخليفته مارك روته. وبعد وصول إدارة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير2025، وتلقي توضيحات من الإدارة الجديدة بشأن المسار الأمريكي الجديد، أعلن روته أن الناتو لم يقدم أبدا وعودا محددة بشأن قبول أوكرانيا.