إياك وهذا الفعل.. يصيبك بالمحن والمصائب ومحق البركة
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
تركنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وأرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح لنا في الدنيا والآخرة، ونهانا عن كل ما يعرضنا لغضب الله سبحانه وتعالى.
وجعل الإسلام حقوق العباد مصونة، وحفظ المال هو أحد الضروريات الخمس، بجانب حفظ الدين والنفس والعقل والعرض، بل جعل قبول التوبة مشروطًا بالوفاء بحقوق الناس؛ فالمماطلة والتسويف في رد الحقوق- وبخاصة للقادر على سدادها يعد من أكل أموال الناس بالباطل وهو مما نهى اللَّه عنه، وشدَّد الشرع الشريف على حرمته؛ فقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام : دمهُ، ومالهُ، وعرضهُ»[رواه مسلم].
وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ». صحيح البخاري.
-(فمن أخذ أموال الناس) بوجه من وجوه التعامل أو للحفظ أو لغير ذلك كقرض أو غيره، لكنه (يريد أداءها) (أدى الله عنه) أي يسر الله له ذلك بإعانته وتوسيع رزقه.
-(ومن أخذ) أي أموالهم (يريد إتلافها) على أصحابها بصدقة أو غيرها (أتلفه الله) يعني أتلف أمواله في الدنيا بكثرة المحن والمغارم والمصائب ومحق البركة.
وجاء حديث هذا الباب خالصاً للجانب القلبي لأنه خاص بإرادة الرد أو قصد إتلاف ولأن مدار الأعمال في الإسلام محلها النية فقد وعد الله تعالي من اقترض مالاً أو دينا ويكون عازمًا على القيام بسداده ورده إلى من أخذه منه بأن يتولي الله معونته، وييسر له أمره، أما من مات قبل الوفاء بدينه دون تقصير منه فلا تبعة في الآخرة على من مات قبل الوفاء بغير تقصير، بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين بل الله يتكفل عنه ويرضي صاحبه، فضلا وتكرما عليه لحسن نيته وعزمه على الوفاء.
وما يؤخذ من الحديث: الحض على حسن التأدية لأموال الناس عند المداينة والتحذير من أكلها بالباطل، وأنه على النية تدور الأعمال شرعًا لا على المظهر والصورة، ومن حسنت نيته أمده الله تعالي بعظيم العون والرعاية، ومن ساءت نيته عرض نفسه لحرب شديد من الله وعقوبه، وأن الجزاء من جنس العمل، وعدم التحرج من الدين لمن ينوي الوفاء.
ونظمت الشريعة الإسلامية المعاملات بين الناس، ووضعت الضوابط المالية للحفاظ على الحقوق، والتي شملتها «آية الدَّين أو آية المداينة» أطول آية في القرآن الكريم من حيث عدد الحروف والكلمات من كتابة للدَّين وتحديد أجله والاشهاد عليه، ضمانًا للحقوق وحرصًا على مصلحة الفرد والمجتمع.
والتهرب والمماطلة في رد الحقوق لاستحلال أموال الناس حرام شرعا، ويزيد صاحبه إثمًا لأكله أموال الناس بالبطال، ولقد علمنا الإسلام المسارعة في أداء الحقوق إلى أهلها وعدم المماطلة والتسويف متى وجد الإنسان الفرصة وتمكن من أداء دَّينه؛ فلا ينبغي له التأخير في السداد لأنه لا يدري فقد لا يتمكن بعد ذلك فيكون مضيعًا لحق غيره.
ولقد حذرنا الشرع من التهاون في أداء حقوق الناس، وخاصة قضاء الدين؛ حتى لا يأتي الأنسان أجله وفي ذمته دينٌ لأحدٍ فيعلق به؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «نفس المؤمن معلقةٌ بدَّينه حتى يقضى عنه» [صحيح الترمذي وابن ماجه]، أي: حتى يسدد عنه دَّينه، فينبغي على المدين أن يبرئ ذمته من الدَّين المستحق عليه؛ فيجب علينا المسارعة في أداء الحقوق إلى أهلها دون مماطلة أو تسويف.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: حقوق العباد المعاملات بين الناس الضوابط المالية قضاء الدين أموال الناس
إقرأ أيضاً:
خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في الدين تجرؤ واستخفاف يقود للفتنة
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر فضيلة الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "واجب المؤمن في زمن الفتن".
وقال د. ربيع الغفير، إن من أقدار الله تعالى وأرزاقه لهذه الأمة أن تمر بابتلاءات متنوعة الأشكال والصور، ولكن من رحمته سبحانه بنا أن أرسل إلينا نبيه محمدًا ﷺ الذي أوضح لنا كل ما يهمنا في ديننا، وبين لنا كذلك كيف نتعامل مع الفتن والأزمات، لأن في هدي النبي ﷺ إلهام لنا في الصمود على الحق وتجاوز الفتن والأزمات، وهو باب من أبواب الرحمة التي منحها الحق سبحانه وتعالى لعباده، فهو بنا رؤوف رحيم كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.
خطيب الأوقاف بالشرقية: الأزهر هدية الله لأهل مصر وحما به الشريعة.. فيديو
رسالة من شيخ الأزهر إلى الهند وباكستان: أوقفوا الحرب
حكم ترك صلاة الجمعة والتكاسل عن أدائها؟.. الأزهر للفتوى يجيب
إذا بليتم فاستتروا.. هل ثبتت هذه المقولة عن النبي؟ عالم أزهري يوضح
وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن من أساليب النبي ﷺ الدعوية العظيمة أنه إذا ذكر الشر ذكر المخرج منه، فعندما تُذكر الفتن، يذكر ﷺ كيف نواجه هذه الفتن، فمن الأمور العظيمة التي ينبغي علينا أن نراعيها عند الفتن والأزمات، الإقبال على العبادة، فالفتن من أوقات الهرج والمرج، الكل مشغول بالكلام والحديث عنها، فهذا يحلل وهذا يدلي برأيه وهذا يقول أظن وسمعت، لذلك رغّب النبي ﷺ في العبادة وقت الفتن والأزمات فقال: (عبادة في الهرج كهجرة إليّ)، ومنها الدعاء، فالمسلم حريص على تحقيق هذه العبادة العظيمة التي لها صلة كبيرة جدا بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، فتجده منطرح بين يدي الله، فقير إليه محتاج إلى لطفه وكرمه ومنته.
وأضاف: وفي عبادة الدعاء، يتبرأ الإنسان من حوله وقوته وإبعاد للعجب والغرور عنه، وهذا أمر في غاية النفع وقت الفتن والأزمات، وقد كان النبي ﷺ يستعيذ بالله من شر الفتن، فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: "أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ".
وأعرب خطيب الجامع الأزهر عن استيائه الشديد من تجرؤ البعض على الحديث في مسائل الدين بغير علم، مستخفين بأمر الخوض في أمور الدين بهذا الطريقة، مشيرًا إلى أنه إذا كان علمُنا بالدين محدود، فإن الواجب علينا هو التوجه إلى العلماء الثقات الراسخين في العلم، امتثالًا لأمر الله تعالى الذي فيه الخير والبركة والراحة والطمأنينة، حيث قال سبحانه: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
وحذر من أن يُعجب الإنسان برأيه وقت الفتن فيرى أنه هو الذي على الصواب وغيره على الخطأ، وهذا كله خطأ وقصور في العقل والتفكير قال ﷺ: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا)، فلو رأى الإنسان نفسه أنه قد بلغا مبلغا عظيما من العلم أو الخلق أو أي شيء آخر فالواجب عليه أن لا يعجب بنفسه، وأن يحتقر غيره، مبينا أن الانخراط في الشائعات والفتن ما يتعارض مع سنة النبي ﷺ الذي أوصانا بالتمسك بكتاب الله وسنته ﷺ.
وحذر فضيلته من الانسياق وراء الإشاعات وبخاصة التي تنتشر وقت الأزمات، لأن هذا الوقت بيئة خصبة لانتشارها، وأبدى أسفه لتصديق البعض كل ما يقل أو ينقل، دون إعمال العقل بالبحث عن الحقائق أو التفكير فالأمر بموضوعية، فالواجب علينا التروي وعدم التسرع في تصديق ونشر الأخبار.
وشدد على ضرورة أن يكون المسلم حريصًا على النطق بالخير أو الصمت عن الشر، مع تجنب الفرقة والنزاع في أوقات الأزمات، واللجوء إلى الله بالتعوذ من الفتن وسد أبوابها، والاتحاد واليقظة لما يُدبر للبلاد والدين، بالإضافة إلى ضرورة تربية الأبناء على الوحدة والاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، فهما سبيل النجاة من كل فتنة ظاهرة وباطنة.