عربي21:
2025-05-15@15:25:47 GMT

العَولمة.. الصهيونية.. والنّازيات الجديدة

تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT

رغم أن تعريفات العولمة ليست تعريفات اقتصادوية محضة، ورغم البعد التفصيلي لتلك التعريفات التي يمكن اختزالها في أن العولمة هي "الانتقال الحر للأموال والقوى العاملة والتٍّقانة وحتى الثقافات ضمن الإطار الرأسمالي"، فإننا لا نكاد نعثر -حسب مبلغ علمنا المتواضع- على تعريف يربط العولمة (أي الإمبريالية العسكرية والاقتصادية والثقافية الرأسمالية) بالصهيونية أو بالنازية.

ولا شك عندنا في أن التعريفات -رغم طابعها التجريدي- تظل مرتبطة بالأطر الفكرية والموضوعية وبالرهانات الشخصية والجماعية لسياقات وضعها. ولا شك أيضا في أن "طوفان الأقصى" قد وفّر مناسبة للتفكير المختلف في العديد من المفاهيم الغربية "المُعولمة". فالطوفان ليس بداية "الاستبدال العظيم" للأشخاص وللسرديات فقط، بل هو أيضا دعوة لمراجعة النماذج التفسيرية (البراديغمات) السائدة لدى "التابع"/ موضوع الهيمنة الغربية في لحظتها المتصهينة.

ونحن لا نطرح على أنفسنا في هذا المقال إنتاج مفاهيم جديدة، ولا ندعي القدرة السحرية على "شطب" المقاربات السائدة لعلاقة العولمة بالصهيونية والنازية، ولكننا نزعم أننا سنحاول تقديم بعض الأفكار التي قد تصلح لمقاربة العلاقة بين تلك المفاهيم الإجرائية بصورة مختلفة.

في كتاب "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" المنشور سنة 1917، اعتبر فلاديمير لينين الإمبريالية مرحلة متطورة من مراحل الرأسمالية عندما "اكتسب تصدير رأسمال أهمية كبرى وابتدأ تقاسم العالم بين التروستات العالمية وانتهى تقاسم الأرض كلها بين كبريات البلدان الرأسمالية". وليس يعنينا في هذا المقال تفكيك الجوهر "الإمبريالي" للشيوعية السوفييتية رغم كل ادعاءاتها التحريرية والتقدمية، بل يعنينا فقط الإشارة إلى أن لينين قد أهمل -لأسباب تتعلق بطبيعة التحليل الماركسي ذاته- أهمية البعد الفكري أو "العقدي" في المشروع الاستعماري، بل أهمية المخيال الجمعي ما قبل الرأسمالي في صوغ العقائد الاستعمارية وجعلها أمرا "حسنا" في عين العقل وعين الرب على حد سواء.

بصرف النظر عن الجدل المعروف بين الإسلاميين وخصومهم في تحديد طبيعة الصراع ضد المشروع الصهيوني، فإنّنا نذهب إلى أن ذلك المشروع يعكس انتقال الإمبريالية إلى مرحلتها المتصهينة. ونحن نعني بـ"التصهين" هنا الإطار الفكري العام الذي يضبط سياسات القوى الاستعمارية الكبرى في المنطقة بدفع من السرديات الإنجيلية والتلمودية، وبضغط من اللوبيات المالية والإعلامية والثقافية اليهودية، وبتواطؤ جلي أو خفي من "الكيانات الوظيفية" التي تُسمّى مجازا دولا وطنية
وإذا كانت الماركسية تصادر على أن المحدد النهائي للصراع هو المحدد الاقتصادي، وتصادر أيضا على أن "الأيديولوجيا" (أو العقائد) ليست إلا أداة للتغطية على جوهر الصراع ورهاناته الدنيوية، فإن مقولاتها تفقد الكثير من قوتها التفسيرية عند استحضار المشروع الصهيوني في فلسطين.

بصرف النظر عن الجدل المعروف بين الإسلاميين وخصومهم في تحديد طبيعة الصراع ضد المشروع الصهيوني، فإنّنا نذهب إلى أن ذلك المشروع يعكس انتقال الإمبريالية إلى مرحلتها المتصهينة. ونحن نعني بـ"التصهين" هنا الإطار الفكري العام الذي يضبط سياسات القوى الاستعمارية الكبرى في المنطقة بدفع من السرديات الإنجيلية والتلمودية، وبضغط من اللوبيات المالية والإعلامية والثقافية اليهودية، وبتواطؤ جلي أو خفي من "الكيانات الوظيفية" التي تُسمّى مجازا دولا وطنية.

وإذا كنا لا نستطيع أن نفصل "مقبولية" المشروع الصهيوني في الغرب عن تطبيع الثقافة الإمبريالية مع الاستعمار "الإحلالي" (مثلما وقع في أمريكا وأستراليا وجنوب أفريقيا.. الخ)، وإذا كنا أيضا لا نستطيع فصل ذلك المشروع عن مصالح القوى الاستعمارية في المنطقة، فإننا لا نستطيع فصله عن مخرجات الحرب العالمية الثانية وسردية "الهولوكست". بل إننا لن نجانب الصواب إذا قلنا بأنّ إنشاء "إسرائيل" هو استمرار خفي لسياسات استبعاد اليهود من الغرب، لكن بطريقة "ناعمة" ومقبولة من لدن اليهود أنفسهم.

ربما يستغرب القارئ إذا ما اعتبرنا إنشاء إسرائيل هو امتداد لروح النازية. فالسرديات الغربية تدعي أنّ إنشاء "الوطن القومي لليهود" هو أساسا لحمايتهم ولتعويضهم عما عانوا منه في الغرب، خاصة من النازية وخيار "الحل النهائي". ورغم أنّ من المشروع أن نسأل لماذا لم تنشئ لهم القوى المنتصرة في الحرب وطنا قوميا في أوروبا -وفي ألمانيا تحديدا باعتبارها المتسبب الأعظم في "الهولوكست"- ورغم أن اليهود الشرقيين لم يعرفوا طوال تاريخهم أي مجزرة مماثلة في المجال العربي الإسلامي، فإن إنشاء "إسرائيل" كان يعني ضمنيا القبول بتحويل ضحية النازية (وضحية كل سرديات معاداة السامية في الغرب) إلى نازي جديد. فسردية "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" لم تكن تعني واقعيا إلا إبادة الشعب الفلسطيني بروح يهودية متصهينة.

إن الحديث عن "الحركات النازية الجديدة" هو حديث منقوص ومخادع عندما يستثني الصهيونية. فالصهيونية هي نازية متهوّدة. فرغم علاقة العداء المعروفة بين الصهيونية والنازية، فإن الصهيونية في جوهرها ليست إلا "تهويدا" للمشروع النازي. وهو تهويد يتحول فيها الضحية إلى جلاد، ولكنّ هذا الجلاد لا يمارس عنفه على سبب مأساته في الغرب، بل يمارسه على الموضوع المتاح في الشرق (أي الفلسطيني خاصة، والعربي والمسلم بصفة عامة).

الدعم المطلق الذي يقدمه الغرب لحرب الإبادة التي يمارسها الصهاينة ضد غزة (وسيمارسونها ضد كل فلسطين ولو بعد حين لتحويل "إسرائيل" إلى دولة لليهود) هو أعظم دليل على تهافت الأساس الأخلاقي للعولمة، ولا شك أيضا في أن تلك الإبادة المُمنهجة للفلسطينيين هي أكبر دليل على أن "الحل النهائي" النازي لم ينته بخسارة ألمانيا للحرب، بل هو باق مع السردية الصهيونية لكن تحت غطاء غربي عام، وبتواطؤ عربي رسمي مفضوح
وإذا كانت العولمة في جوهرها هي "عبادة العجل الذهبي" بأشكاله وتمظهراته الاستهلاكية/ الدهرية المعروفة، فإن ذلك العجل هو عجل توراتي وتلمودي بالضرورة. ولا يمكن للأطروحات الغربية والعربية "المُعلمنة" أن تُخفيَ هذا الجوهر، خاصة بعد طوفان الأقصى، كما لا يمكن للصراع "الخطابي" بين الصهيونية والنازية أن يخفيَ العلاقة الاشتقاقية التي تربط بينهما. فالنازية هي مشروع مسيحي تمت علمنته و"جرمنته" (ربطه بالعرق الجرماني الآري)، والصهيونية هي مشروع نازي غربي تم تهويده وتحويله إلى قاعدة متقدمة للإمبريالية في لحظتها التي تلت الحرب العالمية الثانية، أي مرحلتها المتصهينة.

ختاما، فإننا نعتبر استراتيجية الربط بين العولمة والصهيونية من جهة، وبين النازية والمشروع الإحلالي اليهودي من جهة ثانية جزءا من خيار المقاومة في المستوى الفكري. فالسرديات السياسية المهيمنة على أطر التفكير في الغرب ولدى "التابع" (أي العربي المسلم) قد حرصت على تأبيد التقابل بين الصهيونية والنازية، بل إنها قد حرصت على شرعنة المشروع الصهيوني باعتباره مقابلا "أخلاقيا" للمشروع النازي.

ولا شك في أن الدعم المطلق الذي يقدمه الغرب لحرب الإبادة التي يمارسها الصهاينة ضد غزة (وسيمارسونها ضد كل فلسطين ولو بعد حين لتحويل "إسرائيل" إلى دولة لليهود) هو أعظم دليل على تهافت الأساس الأخلاقي للعولمة، ولا شك أيضا في أن تلك الإبادة المُمنهجة للفلسطينيين هي أكبر دليل على أن "الحل النهائي" النازي لم ينته بخسارة ألمانيا للحرب، بل هو باق مع السردية الصهيونية لكن تحت غطاء غربي عام، وبتواطؤ عربي رسمي مفضوح. وهذا ما يستدعي من الكتابة "المقاومة" الدفع بهذه الترابطات الخفية إلى واجهة السجال العام، خاصة في الفضاء الغربي الذي ما زال أسير السردية الصهيونية ومشتقاتها المُعلمنة.

x.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العولمة فلسطين النازية الصهيونية فلسطين العولمة الصهيونية النازية الامبريالية مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصهیونیة والنازیة المشروع الصهیونی دلیل على فی الغرب ولا شک على أن

إقرأ أيضاً:

ليبيا تحت صفيح ساخن: بعد مقتل الككلي وعودة شبح داعش!!

منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في 2011، لم تهدأ نيران الفوضى في ليبيا، بل ازدادت اشتعالًا مع كل محطة انتقالية لم تكتمل، وكل محاولة فاشلة لبناء دولة مؤسسات، وانقسام سياسي وعسكري مزمن.

واليوم، تعود العاصمة طرابلس إلى واجهة العنف من جديد، بعد مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، قائد "جهاز دعم الاستقرار"، في ظروف غامضة فجّرت اشتباكات عنيفة في قلب العاصمة.

مقتل الككلي.. رصاصة في قلب المليشيات.. .؟

عبد الغني الككلي لم يكن مجرد قائد ميليشيا محلية، بل أحد أبرز رموز مرحلة ما بعد القذافي، ومن اللاعبين الرئيسيين في غرب ليبيا، خاصة في طرابلس. كان رأس حربة في شبكة التحالفات التي نسجتها حكومات متعاقبة مع الجماعات المسلحة، بحثًا عن السيطرة مقابل الشرعية. وفاته لم تكن مجرد خسارة لرجل، بل اهتزاز لتوازن هشّ يقوم على توزيع الغنائم لا على بناء الوطن.

الاشتباكات التي اندلعت فور إعلان مقتله، وامتدت إلى مناطق متفرقة، أبرزها صلاح الدين والهضبة، تشير إلى أن الانقسام لم يعد سياسيًا فقط، بل بات اجتماعيًا وقبليًا وأمنيًا متشابكًا، مع غياب الدولة المركزية وانهيار الثقة الشعبية.

داعش يطل برأسه من جديد..

وسط هذه الفوضى، تؤكد مصادر أمنية محلية ودولية تصاعد مؤشرات وجود عناصر تابعة لتنظيم "داعش"، سواء في جنوب ليبيا أو عبر تسربهم إلى الفراغات الأمنية في الغرب.

فشل الحكومة في توحيد الأجهزة الأمنية، وتضارب المصالح الإقليمية، سمح للتنظيمات المتطرفة بإعادة التموضع، مستفيدة من انشغال الفرقاء بصراعات النفوذ.

في الأيام الأخيرة، تم رصد تحركات مريبة لعناصر تحمل فكر التنظيم في مناطق جبلية جنوب غرب البلاد، وسط تحذيرات من عودة الهجمات الانتحارية، لا سيما في ظل تساهل بعض المجموعات المسلحة في تمرير عناصر إرهابية مقابل المال أو التحالفات المؤقتة.

(من هو عبد الغني الككلي.. ؟ ولماذا يشكل مقتله نقطة تحول.. ؟

وُلد الككلي في أحد أحياء طرابلس، وبزغ نجمه مع بداية الانتفاضة ضد القذافي، حيث أصبح لاحقًا من أبرز القادة الميدانيين الذين حجزوا لأنفسهم موقعًا في الخارطة العسكرية الجديدة. قاد "كتيبة الأمن المركزي" التي تطورت إلى "جهاز دعم الاستقرار"، وهو جهاز أمني بمسميات رسمية لكنّه في الواقع ظل أداة من أدوات التوازن الميليشياوي.

امتاز الككلي بأسلوب مزدوج: خليط من الشراسة الميدانية والمرونة السياسية، حيث لعب دور الوسيط أحيانًا، والمهيمن في أحيان أخرى. ارتبط اسمه بتهم تعذيب واعتقالات خارج القانون، لكنّه ظل محصنًا تحت مظلة الدولة الضعيفة التي احتاجت إليه أكثر مما خافت منه. اغتياله، إن ثبتت فرضية الاغتيال، قد يُفهم كرسالة لتصفية مراكز القوى القديمة في سبيل إعادة تشكيل سلطة جديدة، أو على الأقل إعادة ترتيب أوراق الغرب الليبي.

البعد الإقليمي: ساحة لتصفية الحسابات، ،

ليبيا لم تكن يومًا شأنًا داخليًا صرفًا منذ 2011، بل تحولت إلى رقعة شطرنج إقليمية ودولية. إذ دعمت تركيا حكومة طرابلس ومليشياتها في الغرب، فيما وقفت الإمارات ومصر إلى جانب قوات حفتر في الشرق، وتورّطت فرنسا وروسيا في اللعب خلف الستار. ومع توغل النفوذ القطري سابقًا، وعودة السعودية إلى التأثير مؤخرًا عبر القنوات الدبلوماسية، بات لكل طرف إقليمي "أوراق ضغط" داخل ليبيا.

أما مقتل الككلي، فيأتي في لحظة حساسة إقليميًا، إذ تشهد علاقات أنقرة وأبوظبي تقاربًا هشًا، ومحاولة لإعادة رسم النفوذ في الساحل الشمالي الأفريقي. من هنا، فإن غياب الككلي قد يخدم ترتيبات جديدة لتوزيع أدوار الميليشيات، أو إعادة دمجها ضمن رؤية دولية لتفكيكها تدريجيًا، خاصة بعد فشل مسارات الحوار السابقة.

ويبقى السؤال معلقًا: هل ما يحدث اليوم هو مخاض لولادة دولة بعد طول غياب.. ؟ أم بداية لمرحلة أكثر تعقيدًا تقود نحو التشظي الكامل.. ؟ ما بين الغياب السياسي وعودة أشباح الإرهاب، تبقى ليبيا تئن تحت صفيح ساخن، واللبن المسكوب بعد القذافي لم يجف بعد.، ، !!محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية، !!

[email protected]

مقالات مشابهة

  • "الدِّين والخُلُق قبل المال والنَّسب" ندوة توعوية لوعظ الغربية للعاملين بمديرية الزراعة بالغربية
  • “هيونداي الشرق الأوسط لصناعة المحركات” -المشروع المشترك بين صندوق الاستثمارات العامة وشركة هيونداي موتور- تحتفل بوضع حجر الأساس لمنشأتها الجديدة
  • رئيس جهاز مدينة سوهاج الجديدة يتفقد وحدات سكن لكل المصريين
  • جولة في الصحافة العبرية: تفاعلات الضربة اليمنية في أروقة الصهيونية
  • حركة حماس: اغتيال “أصليح” جريمة مزدوجة تعكس السادية الصهيونية
  • «سلام العقارية» تعلن عن أحدث مشروعاتها «The Residence» بالقاهرة الجديدة
  • حماس: اغتيال أصليح جريمة مزدوجة تعكس السادية الصهيونية
  • كاتب بريطاني يتساءل: متى يقول الغرب للجرائم في غزة كفى؟
  • ليبيا تحت صفيح ساخن: بعد مقتل الككلي وعودة شبح داعش!!
  • هيئة البث الصهيونية: الأسير المفرج عنه رفض مقابلة نتنياهو