اليمن العظيم، بعمق حضارته وتنوعه الثقافي والجغرافي، يمر بمرحلة مفصلية من تاريخه، حيث باتت الدعوات لإعادة النظر في شكل الدولة وطريقة إدارتها أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. في ظل فشل النخب السياسية المتعاقبة في إدارة البلاد بشكل عادل ومتوازن، أصبح التفكير في حلول تعزز من دور المناطق في إدارة شؤونها محلياً امرأ مشروعاً وضرورياً، وفقاً لرؤية وطنية جامعة تحافظ على وحدة الدولة وهويتها.
(الحل المفقود)
مخرجات الحوار الوطني الشامل، التي مثلت توافقاً تاريخياً بين مختلف الأطراف اليمنية، قدمت رؤية متقدمة لمعالجة مشكلات الحكم والإدارة. كان جوهر هذه المخرجات قائماً على فكرة الدولة المدنية الحديثة القائمة على النظام الاتحادي (الفيدرالي) الذي يمنح كل منطقة حقها في إدارة شؤونها محلياً، ضمن إطار دولة موحدة قوية.
هذا النظام يحقق عدة أهداف،
منها:
1.- تعزيز المشاركة المحلية:
تمكين الأقاليم والمحافظات من إدارة مواردها وتحديد أولوياتها التنموية.
2. - تقليل المركزية:
التخلص من البيروقراطية المركزية التي عرقلت التنمية وأدت إلى تهميش الكثير من المناطق.
3. - الحفاظ على الوحدة الوطنية: عبر توزيع عادل للسلطة والثروة بين مختلف الأقاليم، بما يضمن عدم شعور أي منطقة بالغبن أو الإقصاء.
مسؤولية النخب السياسية في التدهور
في مقابل هذه الرؤية، فشلت النخب السياسية المتعاقبة في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، بل ساهمت في تعميق الأزمات من خلال:
- الفساد المؤسسي:
حيث أصبحت مؤسسات الدولة أدوات لخدمة مصالح أجنبية وشخصية وحزبية ضيقة، بدلًا من العمل لخدمة الشعب.
- الإقصاء السياسي:
تهميش القوى الفاعلة في المجتمع وإقصاء الأصوات التي كانت تسعى إلى الإصلاح الحقيقي.
- غياب الإرادة السياسية:
لم تكن هناك جدية في بناء الدولة المدنية الحديثة، بل استمر التمسك بنظام مركزي فاسد أدى إلى تفاقم الأزمات بصورة مريعة.
إن هذا الفشل لم يدفع فقط إلى تفاقم معاناة المواطنين، بل أدى إلى تفكك الدولة وانتهاك سيادتها ومصادرة قرارها الوطني وتدمير مؤسساتها هذا كله شجع المناطق المختلفة على البحث عن بدائل، تعبيراً عن رفضها للواقع المفروض عليها.
- الحكم المحلي:
حق مشروع وضرورة وطنية
تُعد الدعوات الحالية في مختلف المناطق لإدارة شؤونها محلياً حقاً مشروعاً، لكن دون الذهاب بعيداً، لتنفيذ أجندات الاجنبي وتقسيم البلد، وتدمير الهوية الوطنية وهذا يتماشى مع تطلعات اليمنيين التي عبروا عنها في الحوار الوطني. ومع ذلك، فإن هذه الدعوات لا يجب أن تكرس أو تُفهم على أنها سعي للانفصال أو تمزيق اليمن، بل محاولة لاستعادة التوازن وضمان إدارة أكثر عدالة وكفاءة.
* سقطرى وحضرموت والحديدة وعدن ومأرب والجوف وكل المحافظات اليمنية تمتلك مقومات فريدة تجعلها قادرة على إدارة نفسها محلياً، بعيداً عن المركزية المفرطة التي أثبتت فشلها.
- الإدارة المحلية تُتيح لكل منطقة الاستفادة من مواردها بشكل مباشر، مع الالتزام بالمساهمة في القضايا الوطنية المشتركة.
- دور الحكومة المدنية المركزية الاتحادية
إن تطبيق نظام اتحادي مدني يقوم على مخرجات الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لضمان إدارة محلية ناجحة دون المساس بوحدة الدولة.
- الحكومة المركزية الاتحادية يجب أن تركز على:
1. - ضمان العدالة في توزيع الموارد:
عبر آليات واضحة وشفافة تُلبي احتياجات كل منطقة.
2. - الإشراف على القضايا الوطنية الكبرى:
مثل الدفاع والسياسة الخارجية وإدارة الثروات الاستراتيجية.
3. - دعم الأقاليم إدارياً وتقنياً: لضمان نجاحها في إدارة شؤونها المحلية.
- الخاتمة
إن ما يمر به اليمن اليوم هو نتيجة حتمية لعقود من سوء الإدارة وفساد النخب السياسية. ومع ذلك، فإن الأمل لا يزال قائماً في العودة إلى مخرجات الحوار الوطني كأساس لبناء يمن جديد قائم على نظام اتحادي يحقق التوازن بين الحكم المحلي والحكومة المركزية المدنية. إن منح المناطق الحق في إدارة شؤونها محلياً ضمن إطار وطني جامع ليس فقط استجابة للتحديات الراهنة، بل هو خطوة ضرورية لتحقيق العدالة والتنمية المستدامة، وتأمين اليمن كوطن موحد آمن ومستقر.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مخرجات الحوار الوطنی النخب السیاسیة
إقرأ أيضاً:
برلمانية: تعميق التصنيع المحلي خيار استراتيجي وليس رفاهية
أكدت النائبة إيفلين متى، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، أن المرحلة الحالية تفرض على الدولة التوسع الجاد في تعميق التصنيع المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، باعتباره الخيار الاستراتيجي الوحيد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الحقيقي، وتوفير فرص العمل، وتحسين الميزان التجاري.
قالت "متى" في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، إن لجنة الصناعة تُولي هذا الملف اهتمامًا خاصًا، في ظل التحديات العالمية المرتبطة بسلاسل الإمداد، وتقلبات الأسواق، مضيفة أن الصناعة الوطنية قادرة على لعب دور محوري في دعم الاقتصاد، لكنها تحتاج إلى تحفيز حقيقي ومناخ استثماري أكثر استقرارًا.
شددت على ضرورة دعم القطاعات الصناعية التي تملك فيها مصر ميزات نسبية وتنافسية، مثل الصناعات الهندسية، والصناعات الكيماوية، والغذائية، والملابس الجاهزة، مع توفير الحوافز المناسبة، وتقليل البيروقراطية أمام المستثمرين المحليين، مؤكدة أن رواد الصناعة يعانون من تكرار الإجراءات، وغياب التنسيق بين الجهات.
أشارت النائبة إلى أن البرلمان يعمل بالتنسيق مع الحكومة على مراجعة التشريعات الصناعية القائمة، من أجل تسهيل تأسيس المصانع، وتقليل فترة الحصول على التراخيص، وتوفير الأراضي الصناعية بأسعار مناسبة، وتفعيل نظام المطور الصناعي، خاصة في المحافظات الحدودية والصعيد.
وفيما يخص المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أكدت "متى" أن هذه المشروعات تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وتحتاج إلى تمويل مستدام، وتدريب فني، وتكامل مع المصانع الكبرى، حتى تصبح حلقة من حلقات سلاسل القيمة المحلية.
كما دعت النائبة إلى ضرورة توطين التكنولوجيا داخل القطاعات الصناعية، من خلال نقل المعرفة، والتعاون مع الدول المتقدمة صناعيًا، وتشجيع البحث العلمي التطبيقي، الذي يخدم احتياجات السوق وليس مجرد أوراق بحثية.
وختمت النائبة تصريحاتها بالتأكيد على أن الدولة تمتلك الإرادة، لكن تحتاج إلى آليات تنفيذ أسرع، مؤكدة أن لجنة الصناعة ستكثف جهودها في الرقابة والتشريع لدعم استراتيجية الدولة نحو تصنيع وطني قادر على المنافسة والتصدير، وقادر على الصمود في وجه الأزمات الدولية.