فقدت الأمة الإسلامية اليوم واحدًا من أعلامها الكبار، ورمزًا من رموز العلم والدعوة، هو فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم، الذي كان بحق شخصية عظيمة جمعت بين العلم والخلق، وبين البيان والإيمان، وبين حب النبي ﷺ وخدمة سنته المطهّرة.

لقد كان الدكتور أحمد عمر هاشم عاشقًا صادقًا للرسول ﷺ، ملأ حبه قلبه ولسانه وشعره، فكان لا يملّ من ذكره والصلاة عليه، ولا يضيع مناسبة إلا جعلها منبرًا للحديث عن سيرته العطرة وشمائله الزكية.

وفي كل ندوة أو مؤتمر، كان إذا تحدّث عن النبي ﷺ رأيت الدموع تسبق كلماته، والقلوب تذوب مع عباراته، وكأن لسانه يجري بصدق المحبة لا بتكلّف اللفظ.

وكان رحمه الله شاعرًا ارتجاليًّا فريدًا، يجيد نظم الشعر في لحظاته دون إعداد، فتجري الأبيات على لسانه كأنها وحي بيان، تحمل من المعاني والعاطفة ما لا تجده في قصائد مكتوبة. وكما كان شاعرًا بالفطرة، كان خطيبًا مصقعًا يأسر العقول ببلاغته، والقلوب بحرارته، يقف على المنابر في الجامعات والمساجد والمحافل الدولية، فيملأ المكان نورًا، ويُحدث في النفوس يقظة وغيرة على الدين.

ولم يكن البيان وحده سرّ عظمته، بل جمع إليه علمًا واسعًا راسخًا، فهو محدث كبير من كبار علماء الحديث الشريف، حفظًا وفهمًا وإسنادًا، وله جهود عظيمة في تدريس السنة وتبسيطها للأمة. وكان يرى أن خدمة الحديث واجب العمر، فدرّسه في الأزهر الشريف عقودًا طويلة، وربّى عليه أجيالًا من العلماء والباحثين.

وكان الدكتور أحمد عمر هاشم عالمًا عاملًا، لا يكتفي بالكلمة بل يسعى للتطبيق، يجمع بين التدريس والميدان، بين القلم والمنبر، وبين العلم والعمل. كان معلمًا مثاليًّا، يربي طلابه على الأدب قبل العلم، وعلى الإخلاص قبل الشهادة. وقد شهد له الجميع بتواضعه الجمّ، وصبره على الطلبة، وحرصه على نفع الناس دون تفرقة.

أما في مواقفه من الحكام وقضايا الأمة، فكان مثالًا في الحكمة والصدق؛ يوجّه ولا يهاجم، وينصح ولا يتملّق. كان يرى أن كلمة الحق تُقال بميزان العلم والرحمة، لا بالغضب والتهور، ولذلك احتفظ بمكانته وهيبته عند الجميع، فكان موضع احترام الملوك والرؤساء، وموئلًا للعلماء والدعاة.

وكان رحمه الله صوتًا قويًّا لأهل السنة في مصر، ينافح عن معتقدهم، ويدافع عن منهجهم الأصيل، ويردّ الشبهات بالحجة والدليل. وفي زمن كثرت فيه الأصوات المتطرفة والمنحرفة، كان هو الميزان المعتدل، يجمع ولا يفرّق، ويهدي ولا يضل.

وبرغم تقدّمه في السن، ظلّ نشِطًا في مدح الرسول ﷺ وخدمة الدعوة حتى آخر أيامه، لا يملّ من المحاضرات والندوات، ولا يعتذر عن لقاء علمي أو دعوي، كأن روحه لا ترتاح إلا في ذكر الله ورسوله.

لقد كان الدكتور أحمد عمر هاشم تاجًا على رؤوس العلماء، ووجهًا مضيئًا في سماء الأزهر والعالم الإسلامي. جمع بين الأصالة والتجديد، وبين العلم والزهد، وبين الورع والعمل. لم يطلب شهرة ولا جاهًا، بل عاش لله، ومات على حب الله ورسوله ﷺ.
رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجعل علمه وسيرته نبراسًا للأجيال القادمة، وسقى قبره من أنهار الجنة كما سقى القلوب من علمه وبيانه.

طباعة شارك الدكتور أحمد عمر هاشم الشعر علماء الحديث الشريف العالم الإسلامي الأزهر الإسلام

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الدكتور أحمد عمر هاشم الشعر علماء الحديث الشريف العالم الإسلامي الأزهر الإسلام الدکتور أحمد عمر هاشم

إقرأ أيضاً:

بأمرٍ سامٍ.. تسمية مشروع مجمع عُمان الثقافي بـ "مجمع السّيد طارق بن تيمور الثّقافي"

مسقط- العمانية

حرصًا من الفكر السّامي لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم /أعزّهُ اللهُ وأيّدهُ/ على تخليد الأثر الطيّب والسّيرة العطرة للقامات العُمانية التي أدّت دورًا بارزًا على امتداد مسيرة الخير والازدهار لسلطنة عُمان؛ فقد تفضّل جلالتُه /أعزّهُ اللهُ/ مُسديًا أوامره السّامية بتسمية مشروع مجمع عُمان الثّقافي بمجمع السّيد طارق بن تيمور الثّقافي عرفانًا لما قدّمه المغفورُ له بإذن الله تعالى صاحبُ السُّموّ السّيد طارق بن تيمور من إنجازات أسهمت في بناء عُمان الحديثة، ولما ينطوي عليه هذا الاسم من دلالات وطنيّة ثقافيّة وحضاريّة توازي في عمقها ما يُراد لهذا الصّرح من جعله منارةً للثّقافة محليًّا ودوليًّا.


 

وتتشرّف وزارةُ الثّقافة والرّياضة والشّباب أن ترفع إلى المقام السَّامي لجلالةِ السُّلطان المعظّم /أدامهُ اللهُ ذخرًا/ غاية الامتنان وجزيل الشّكر والعرفان لما يُوليه جلالتُه /أعزّهُ اللهُ/ من رعاية كريمةٍ وتوجيهاتٍ سديدةٍ، بوّأت عُمان بهُويّتها الأصيلة مكانتها الرّفيعة على السّاحة الثّقافيّة، سائلين المولى العليم الحكيم في هذه الأيام المُباركة من مسيرة النّهضة العُمانية أن يحفظ جلالتَه لعُمان وشعبها قائدًا فذًّا هُمامًا، وأن يفيض عليه وافر نعمائه.

وتولى السّيد طارق بن تيمور بن فيصل بن تركي بن سعيد بن سُلطان بن أحمد بن سعيد البوسعيدي منصب أول رئيس وزراء مع بداية انطلاق عصر النّهضة المباركة في سلطنة عُمان.

وتلقّى ؤ تعليمه في كلٍّ من تركيا وألمانيا، وأتقن لغتي هاتين الدّولتين إلى جانب اللغة العربية. 

كما حصل على تدريبه العسكري في الهند، وعند عودته إلى البلاد تولّى منصب رئيس بلدية مسقط ومطرح خلال أربعينات القرن العشرين.

وقد أسهمت نشأته العلميّة والسياسيّة والعسكريّة في دعمه مسيرة الاستقرار السياسي للدّولة خلال فترة حكم أخيه السُّلطان سعيد بن تيمور. كما كان له دورٌ بارزٌ في وضع اللبنات الأولى لعصر النّهضة المباركة في عهد السُّلطان قابوس بن سعيد /طيّب الله ثراه/.

وعلى الصّعيد الدّولي، أسهم السيد طارق بن تيمور في انضمام سلطنة عُمان إلى منظّمة الأمم المتحدة، وترأس وفدها عام 1971م، حيث ألقى كلمة سلطنة عُمان التي رسّخت حضور عُمان على المستوى الدولي، وشكّلت انطلاقة للسياسة والدبلوماسية العُمانيّة الحديثة.

مقالات مشابهة

  • العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم.. قراءة في كتاب أحمد العلاونة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أحاديث…)
  • بأمرٍ سامٍ.. تسمية مشروع مجمع عُمان الثقافي بـ "مجمع السّيد طارق بن تيمور الثّقافي"
  • إشعال الحروب وتدمير الشعوب
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (الناس…)
  • أحمد عاطف آدم يكتب: الشتاء واكتئاب حواء الموسمي
  • بعد شروق الشمس.. هل أصلي سنة الفجر القبلية أم أبدأ بالفريضة مباشرة؟
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (صورة ذهن)
  • العلم ينهض برجاله… والدكتور أحمد السلمان نموذجٌ يستحق التكريم
  • العيسوي يكتب لوالدته في ذكرى رحيلها