مع دخول الحرب على غزة مرحلة وقف إطلاق النار بموجب الاتفاقية الموقعة في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، تتجه الأنظار إلى "اليوم التالي للحرب" وما يحمله من تحديات سياسية وأمنية وإنسانية.

لقد فرضت هذه الحرب واقعا جديدا لا يمكن تجاهله، وهذا الواقع الجديد لم يكن وليد الصدفة، بل يبدو أنه جزء من رؤية استراتيجية أعمق.

فكما كشفت صحيفة "هآرتس" الصهيونية، بناء على شهادة ضباط مخابرات سابقين، فإن قائد حماس في غزة يحيى السنوار قضى سنوات في السجن يدرس بعناية حرب فيتنام، وتحديدا "هجوم يوم التيت" عام 1968. هذا الهجوم لم يكن يهدف لنصر عسكري حاسم، بل لكسر إرادة القوة العظمى عبر صدمة استراتيجية. ويبدو أن هذا النموذج التاريخي لم يكن مجرد قراءة عابرة للسنوار، بل كان بمثابة إلهام تاريخي لمشروع "التحرير". إنه الخيط الناظم الذي يربط رحلة المقاومة من يوم الإلهام، مرورا بيوم الطوفان، ووصولا إلى اليوم التالي للحرب.

الركائز الاستراتيجية والتحديات في اليوم التالي للحرب

تدرك حماس أن أي فراغ سياسي أو أمني في غزة سيتحول حتما إلى "فوضى منظمة". لذلك، فإن استراتيجيتها لمرحلة ما بعد الحرب يمكن أن تستند على ثلاث ركائز متكاملة، كل منها يتضمن آلياته الخاصة لمواجهة التحديات.

الركيزة الأولى: بناء سردية النصر وتجاوز تحديات الشرعية

إن أول وأهم تحدٍ يواجه حماس هو ترسيخ "سردية النصر" في وعي الشعب الفلسطيني والعالمي ويتجاوز تحدي الرفض الدولي وأزمة الشرعية، فلا يمكن أن يُختزل النصر في مجرد الصمود العسكري، أو حتى خسائر جيش الاحتلال والتي كانت كبيرة فعلا، بل يجب أن يُترجم إلى مكاسب سياسية واستراتيجية ملموسة، وما يعزز هذه السردية أن حماس خرجت من الحرب ككيان متماسك، حافظت على هيكلها وقيادتها السياسية دون انشقاقات تنظيمية، مع المرونة الكافية لتعويض استشهاد القيادات؛ بانتقال سلس للقيادة والتحكم، في إنجاز يُعتبر بحد ذاته انتصارا استراتيجيا. لكن النصر الكامل في هذه الحرب لن يكون حسما بالضربة القاضية؛ بل هو حسم بالنقاط يسرّع من نهاية الاحتلال. وتحقيق ذلك يتم العمل عبر مسارات متوازية:

1. على المستوى السياسي: ربط أي اتفاق بأهداف واضحة (انسحاب كامل، رفع الحصار)، وفي نفس الوقت، دعم "واجهة مدنية مستقلة" من التكنوقراط كحل عملي يسمح بتدفق أموال الإعمار ويتجاوز الفيتو الدولي.

2. على المستوى الشعبي: تأطير الصمود كإنجاز وطني جامع، واستثمار التحول الجيلي في وعي جيل Z"" في الغرب، هذا الجيل الذي رأى في فلسطين آخر معارك التحرر من الاستعمار في العالم. إن كسب قلوب وعقول الجيل الذي سيقود الغرب مستقبلا ليس مجرد نصر إعلامي، بل هو استثمار استراتيجي طويل الأمد، قد يكون المكسب الأهم في هذه الحرب، لأنه يهدد مستقبل الدعم الغربي المطلق للاحتلال من قواعده.

3. على المستوى الإعلامي: إنشاء "خلية إعلام استراتيجي" تخاطب الغرب بلغته، واستخدام دعاية العدو ضده لإثبات هشاشة جيشه. والتركيز على أن النصر الذي تحقق عمليا بتحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال؛ لم يقتصر على إثبات عجز العدو، بل أصبح رمزا لكسر إرادة السجان، وتأكيدا عمليا على أن ما عجزت عنه مسارات التفاوض الطويلة لسلطة أوسلو حققته المقاومة بفرض معادلاتها، وقدم للعالم صورة النصر الإنسانية الأقوى: صورة الحرية التي تُنتزع انتزاعا، مما رسخ شرعية المقاومة كأداة فعالة حققت إنجازات ملموسة على طريق التحرير.

الركيزة الثانية: تفكيك الفوضى وإدارة التوازنات الإقليمية

تراهن دولة الاحتلال على أن الدمار الهائل الذي ألحقته بغزة سيؤدي إلى انهيار النظام المدني ونشوء "فوضى منظمة" تسيطر عليها جماعات مسلحة عميلة للشاباك وعصابات محلية تقتات على السلب والنهب. هذا السيناريو يخدم أهداف الاحتلال من خلال إظهار غزة ككيان فاشل وغير قابل للحكم، مما يبرر استمرار السيطرة الأمنية الصهيونية، ولذلك يجب تلافي هذا المصير من خلال فرض النظام وتجاوز تحدي الانقسام الفلسطيني وتضارب المصالح الإقليمية:

1. على المستوى الداخلي: التحرك بسرعة لتشكيل لجنة وطنية مدنية تملأ الفراغ الإداري، وتطوير نموذج أمني هجين يجمع بين الجهاز الرسمي والشبكات المحلية لضمان السيطرة على الأرض ومنع الفراغ.

2. على المستوى الفلسطيني: فرض الوحدة من الأسفل عبر مشاريع عملية، مثل "صندوق إعمار وطني مشترك" يبني الثقة بين الفصائل، أو البدء بـ"انتخابات بلدية ومهنية" لتجديد الشرعيات المحلية.

3. على المستوى الدولي: استغلال انقسامات الخصم الداخلية لضرب التيار الدولي الداعم له في الإدارة الأمريكية وأوروبا، وتكمن المناورة السياسية في استغلال الشرخ الوجودي العميق داخل الكيان الصهيوني بين تيار اليمين الديني الذي يؤطر الصراع كـ"حرب قيامة"، وتيار الوسط العلماني الذي يفكر بمنطق براغماتي، وتصميم كل خطوة لتصب الزيت على نار هذا الانقسام، مما يزيد من ضغط الشارع الصهيوني، ويُصدّر هذا الانقسام إلى داعمي الكيان في الغرب، فيشل قدرتهم على تشكيل موقف موحد.

بهذا، تحول المقاومة خصمها إلى أكبر عدو لنفسه، بينما تستمر في طمأنة المحور العربي المعتدل بقدرتها على ضبط الأمن وعدم الصدام مع السلطة الفلسطينية، واستثمار علاقتها بالوسطاء (مصر، قطر، تركيا) للحفاظ على دعمهم من خلال قنوات التفاوض، واستخدام أوراق الردع الإقليمية (مثل جبهة اليمن) كورقة ضغط استراتيجية عند الحاجة.

الركيزة الثالثة: تأميم الإعمار والحفاظ على السلاح

يمثل ملفا إعادة الإعمار وسلاح المقاومة، التحدي الأكبر والأكثر تعقيدا في مرحلة ما بعد الحرب. تهدف دولة الاحتلال إلى التحكم في سلاح المقاومة من ناحية، وعملية الإعمار من ناحية أخرى، واستخدام ذلك كأداة للضغط السياسي والابتزاز. لذلك، يجب على حماس أن تتبنى استراتيجية التسويف في ملف السلاح، والتأميم في ملف الإعمار، وذلك بوضع الملفين تحت إدارة فلسطينية بغطاء عربي إسلامي من خلال الاستراتيجيات التالية:

1. على المستوى الإداري والمالي: إنشاء "هيئة وطنية مستقلة للإعمار تعمل بشفافية كاملة عبر منصة إلكترونية، مع إطلاق "لجان أحياء" تطوعية لتسريع الاستجابة على الأرض.

2. على المستوى السياسي: التمسك بموقف موحد يرفض أي شروط سياسية تربط الإعمار بالتنازل عن السيادة، وتقديمه كحق إنساني وقانوني.

3. أمام شرط نزع السلاح: المعالجة الواقعية تكمن في إعادة تعريف العلاقة بين السلاح والدولة، عبر طرح "نموذج الدمج في حرس وطني" الذي "ينظم" السلاح بدلا من "نزعه"، أو التحول إلى "مقاومة صامتة" تستخدم السلاح كورقة ردع وتفاوض، حتى يحين الوقت المناسب لاستخدامه في جولة أخرى.

إن نجاح حماس في مواجهة تحديات "اليوم التالي" يعتمد على قدرتها على الانتقال من منطق الفصيل إلى منطق الدولة، ومن استراتيجية المقاومة العسكرية إلى استراتيجية التحرير الوطني الشامل. إنها لحظة تاريخية فارقة، تتطلب رؤية استراتيجية واضحة، وإرادة سياسية صلبة، وقدرة على بناء أوسع تحالف وطني ممكن.

الحرب غير المتكافئة وفرض معادلة جديدة

في المحصلة النهائية، تتجاوز فعالية أي استراتيجية للمستقبل مجرد التخطيط العقلاني لتشمل صلابة العقيدة القتالية. لقد قدمت هذه الحرب نموذجا عمليا صارخا في "الحرب غير المتكافئة"، حيث دخلت قوة عظمى إقليمية، مدججة بأحدث ما في الترسانة الغربية من طائرات ودبابات وأنظمة استخبارات، وبدعم لوجستي وسياسي مطلق، بهدف معلن هو سحق قوة محلية محدودة الإمكانيات ومحاصرة من كل الجهات.

لكن النتائج على الأرض جاءت لتنسف كل التوقعات النظرية: الأهداف الاستراتيجية للغزو (تغيير ديموغرافيا الأرض، تفكيك بنية المقاومة، فرض واقع أمني جديد) لم يتحقق أي منها. بل على العكس، فُرضت على القوة الغازية صفقات تبادل مذلة، وبقيت هياكل السلطة المحلية قادرة على العمل، واحتفظت القوة المدافعة بقدراتها العسكرية الأساسية.

إن ما يثير الإعجاب ليس مجرد الصمود، بل هو القدرة على قلب الطاولة وفرض معادلات جديدة. لقد أثبتت هذه المواجهة أن عوامل مثل التخطيط الدقيق، والقدرة على التحمل، ووحدة الهدف، يمكن أن تعادل -بل وتزيد- التفوق المادي الساحق. قد تكون التكلفة البشرية والمادية باهظة، لكنها تُقاس في مقابل المبادئ (السيادة، الكرامة، التمسك بالحق)، وأي استنتاج بأن الصراع قد حُسم أو أن المقاومة قد انتهت؛ ليس إلا قراءة سطحية وقاصرة للأحداث.

وهنا، تكتمل الدائرة التي بدأت في تلك الزنزانة؛ إن الرحلة من يوم التيت مرورا بيوم الطوفان ووصولا إلى اليوم التالي للحرب لم تكن مجرد مغامرة؛ بل كانت مسارا استراتيجيا متكاملا، فالواقع الجديد الذي تشكل على الأرض؛ هو ما سيحدد قواعد اللعبة القادمة، وهو واقع صُنع بعزيمة لا تخضع لمنطق القوة المجردة؛ بل تخضع لرجال عقيدتهم هي تحرير أرضهم من الاحتلال، وتحرير شعبهم من الاستبداد، وتحرير أرواحهم من شهوات النفس والدنيا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة حماس المقاومة الاحتلال احتلال حماس مقاومة غزة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الیوم التالی للحرب على المستوى على الأرض هذه الحرب من خلال

إقرأ أيضاً:

محمود أبو طلال.. شهيد الأسر وصوت المقاومة في مخيم جنين

الضفة الغربية- لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بتدمير مخيم جنين شمال الضفة الغربية وتهجير سكانه واعتقال العشرات من أبنائه، وقتل عدد كبير منهم، بل واصل محاولاته لاجتثاث كل من له علاقة بالمقاومة وبحاضنتها الشعبية والوطنية، مستهدفا رموز المخيم وناشطيه داخل السجون الإسرائيلية وخارجها.

ومن بين تلك الرموز ظهر اسم المناضل والأسير الفلسطيني محمود عبد الله "أبو طلال" (49 عاما)، الرجل الذي نعى نفسه قبل استشهاده، ولا تزال كلماته تتردد في أزقة المخيم الذي أحبّه.

وتلك الكلمات التي لطالما شكّلت دعما للمقاومة ولشهداء جنين وأسراها، صارت اليوم نداء أخيرا بعد أن استشهد "أبو طلال" الأحد الماضي داخل سجون إسرائيل، ضحية لإهمال طبي أنهى حياته بصمت كما أراد الاحتلال، لكن صدى رحيله دوَّى بين أبناء المخيم ومدينة جنين بشكل أكبر.

عائلة مناضلة

وقبل اعتقاله الأخير، والذي استشهد خلاله، طورد أبو طلال واعتقل في نهاية الانتفاضة الثانية، حين نشط مع كتائب شهداء الأقصى -الجناح المسلح لحركة التحرير الوطني (فتح)- في مخيم جنين بين عامي 2006 و2007، وقضى آنذاك عامين في سجون الاحتلال.

وينتمي أبو طلال إلى عائلة مناضلة، فابن شقيقه محمد الحربوش نصب كمينا في حارة "الدمج" ضد جنود الاحتلال الذين اقتحموا مخيم جنين، في أغسطس/آب 2024 واستُشهد خلاله، وقبيل استشهاده تلقّى والده اتصالا من ضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي هدّده فيه وطالبه بتسليم ابنه، كما توعَّد أبو طلال -في الاتصال نفسه- بالملاحقة والاعتقال بسبب نشاطه الوطني والمقاوم.

"أنا بلّشت (بدأت) حياتي بشرف، وبدي أنهيها (أريد إنهاءها) بشرف"؛ عبارة تلخّص فلسفة الشهيد أبو طلال في الحياة والنضال، إذ كان يرى أن طريق المقاومة خيار شخصي اتخذه بإرادته الكاملة رغم امتلاكه حياة مستقرة وعملا وراتبا.

إعلان

ورغم أنه كان أحد أفراد الشرطة الخاصة التابعة للسلطة الفلسطينية قبل تقاعده، فإن ذلك لم يمنعه من الاختلاف مع توجهات السلطة السياسية، ما جعله عرضة للملاحقة خلال حملة "حماية وطن" التي أطلقتها السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2024 للقضاء على مجموعات المقاومة في مخيم جنين.

الشهيد محمود عبد الله شكل حالة دعم فريدة للمواطنين والمقاومين بمخيم جنين (الجزيرة)رفيق الكل

ويتحدث الصحفي عبادة طحاينة للجزيرة نت عن علاقته القوية بالشهيد أبو طلال بحكم عمله الميداني في المخيم، مشيرا إلى أنه كان دائم الحضور في كل فعالية أو مواجهة، قريبا من المقاومين، يمنحهم معنويات عالية بخطابه المؤثر وشجاعته الميدانية.

ويرى طحاينة أن أبو طلال شكّل نموذجا نادرا في المخيم، ويقول "رجل كبير في العمر، لكنه يتمتع بطاقة الشباب وإصرار المقاتلين، وكان حضوره يبعث الحماس في كل من حوله، ولم يخشَ التهديدات، لا من الاحتلال ولا من أجهزة السلطة، وكان يقول دائما إن أمامه خيارين فقط: النصر أو الشهادة".

ويؤكد طحاينة أن تأثير أبو طلال لم يقتصر على المقاتلين، بل امتد إلى الأطفال والنساء وكبار السن، إذ كان حاضرا في تفاصيل الحياة اليومية، محاطا بمحبة واحترام الناس، حتى صار اسمه مرتبطا بمخيم جنين كرمز للمقاومة والثبات في وجه الحملات العسكرية المتكررة.

ويبتسم أحد أبناء مخيم جنين والمقرّب من الشهيد أبو طلال، أحمد حواشين، حين يسترجع ذكرياته معه، ويقول للجزيرة نت "كان أبو طلال صاحب نكتة وشخصا له حضوره الخاص، وكان محبّا للحياة رغم قسوة الواقع، ويملأ الجلسات بالضحك والحديث، ويمتلك كاريزما لافتة بين الناس".

ويتحدث حواشين عن الصورة التي عاش بها أبو طلال في وجدان المخيم وتركها قبل رحيله، موضحا أن غيابه شكّل صدمة كبيرة لأهالي جنين، إذ ظل حاضرا في حياتهم كرمز للمقاوم الصادق والبسيط، الذي عاش من أجل الناس وبقي في صفِّهم حتى اللحظة الأخيرة.

"صُدمنا، أبي دخل السجن جبل، وأصيب بالسرطان واستــ..شهد"..

عائلة الأسير الشهيد محمود عبد الله "أبو طلال" من مخيم جنين، تتحدث عن تلقيها نبأ استشــ..هاده pic.twitter.com/TO6hflEHFQ

— شبكة قدس | الأسرى (@asranews) October 19, 2025

نزوح وفقد

أما عائلة أبو طلال التي تهجّرت من مخيم جنين بعد تدمير منازلها الـ18 بالكامل، تعيش اليوم في بيوت مستأجرة متفرقة، كما حال أهالي المخيم الذين هجّرهم الاحتلال من منازلهم، منذ أن شنّ ولا يزال، عملية السور الحديدي في يناير/كانون الثاني الماضي.

وتحمل العائلة وجعا مضاعفا بين فقدان البيت والابن، بينما يحاول أبناؤه الستة وزوجته، التأقلم مع واقع صعب رغم الحزن العميق الذي خلّفه اعتقاله ومرضه ثم استشهاده في الأسر.

ويروي شقيق الشهيد أبو طلال، ميمون عبد الله، للجزيرة نت، تفاصيل الاعتقال الأخير، مبينا أن الاحتلال اعتقله مطلع فبراير/شباط 2025 بعد مطاردة طويلة، وأن إصابته بسرطان في الكبد اكتُشفت بعد 10 أيام فقط من اعتقاله.

ويقول إن الاحتلال لم يقدّم له أي علاج فعلي طوال فترة اعتقاله، واكتفى بإعطائه المسكنات حتى تدهورت حالته الصحية بشكل كبير، رغم مناشدات العائلة المتكررة للمؤسسات الحقوقية من أجل التدخل والسماح بعلاجه أو الإفراج عنه.

أبو طلال استشهد داخل سجون الاحتلال بعد إصابته بالسرطان وتعرضه للإهمال الطبي (الجزيرة)منهجية القتل

من جهتها، أكدت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني، أماني سراحنة، للجزيرة نت، أن "الإهمال الطبي كان متعمدا، إذ تُرك أبو طلال من دون علاج فعّال حتى وصل إلى مرحلة لا يمكن التدخل فيها طبيا".

إعلان

وأضافت "ما جرى مع أبو طلال ليس مجرد إهمال طبي، بل عملية قتل ممنهجة تتكرر مع عشرات الأسرى المرضى داخل السجون، الذين تواجه المؤسسات الحقوقية صعوبة كبيرة في الوصول إليهم أو الحصول على معلومات دقيقة عنهم".

وأوضحت سراحنة أن نقل أبو طلال إلى مستشفى الرملة جاء بعد أن فقد وعيه تماما، وأن الاحتلال "لم يسمح بأي تدخل طبي حقيقي"، مضيفة أن حالته "تُعيد فتح ملف الأسرى المرضى الذين يواجهون الموت البطيء بصمت خلف القضبان".

رحل أبو طلال تاركا خلفه سيرة تختصر حكاية جيل كامل من أبناء مخيم جنين، وهو الذي ظلّ حاضرا في كل زقاق وفعالية وموكب شهيد، يرفع المعنويات ويُجدد الإيمان بالمقاومة والوحدة، لم يكن رجل شعارات، بل عاش كما قال "بدأت حياتي بشرف وسأنهيها بشرف"، فكانت كلماته وعدا تحقّق فعلا.

واليوم، بين أنقاض المخيم وصدى صوته الذي لا يغيب، يبدو أن إرث أبو طلال لم ينته برحيله، بل بدأ يتجسّد في الوجوه الشابة التي سار معها وعلّمها أن الشرف لا يُكتسب بالكلام، بل يُحفظ بالفعل والثبات حتى النهاية.

وباستشهاد أبو طلال، ومن ثم استشهاد المسن كامل العجرمي (69 عاما) من قطاع غزة، أول أمس الاثنين، يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة والمعتقلين منذ بدء حرب الإبادة إلى 80 شهيدا، وفق نادي الأسير الفلسطيني.

مقالات مشابهة

  • محمود أبو طلال.. شهيد الأسر وصوت المقاومة في مخيم جنين
  • أخطأ اليهودي كوشنر
  • السلام أولاً… لا إعمار بلا نهاية للحرب
  • غزة تنتشل أكثر من 400 شهيدا خلال 12 يوما
  • خبير علاقات دولية: العودة للحرب تعني فشل ترامب في خطة السلام .. فيديو
  • هل تنهار الهدنة؟
  • أحمد موسى: نتنياهو لن يستمر في عملية السلام ويريد العودة للحرب وغلق المعابر
  • ماذا حدث في غزة وكيف تجدد العدوان؟
  • المقاومة الفلسطينية: ملتزمون باتفاق وقف إطلاق النار