رائد الشيخ.. من عذاب السجن إلى وجع الإبعاد عن الأهل
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
غزة - خاص صفا
بعد 25 عامًا من الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حُرر الأسير رائد الشيخ بصفقة تبادل الأسرى الأخيرة، لكنه لم يصل إلى بيته ولم يحضن أبناءه كما كان يتشوّق.
خرج المُحرر "الشيخ" (53 عامًا) من قيد السجن إلى وجع الإبعاد عن الأهل؛ ليجد قطاع غزة الذي اشتاق إليه ركامًا، ويحيا "حريةً بطعم الغربة".
و"الشيخ" من أصول غزّية، وكان يقيم في مدينة القدس المحتلة وتزوّج وكوّن أسرة هناك قبل اعتقاله عام 2000م بتهمة "إلقاء جندي إسرائيلي من الطابق الثالث"؛ ليُحكم عليه بالسجن المؤبد.
وكان "الشيخ" واحدًا من 838 أسيرًا من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية، حرّرتهم المقاومة بثلاث صفقات تبادل خلال معركة "طوفان الأقصى".
"سُجنتُ وتعرضتُ لشتى أنواع العذاب الذي لا يخطر على بال بشر. لا أتحدث عن نفسي فقط، بل عن وجع كل أسير ما زال خلف القضبان"، بهذه الكلمات استهل الأسير المحرر حديثه لوكالة "صفا".
ويضيف "كنّا نموت جوعًا ونعذّب بلا رحمة، حُرمنا لأيام من الطعام، عُذبنا وتألمنا دون تلقي علاج، قُيّدت أيدينا، وغُطّيت أعيننا بعصائب، وأطلقوا علينا كلابهم، لقد قضيتُ سنوات في العزل الانفرادي".
نُقل "الشيخ" خلال مسيرة عذابه التي استمرت رُبع قرن إلى عديد السجون، من أبرزها عوفر، والنقب، و"سدي تيمان"، وكانت جميعها "نسخًا من الجحيم"، كما يصف.
عذاب لا ينتهي
ولم تفارق آثار التعذيب جسد المُحرر، إذ ترك الضرب والشبح ندوبًا غائرة لم تتمكن الأيام من طمسها، في وقت ما زالت تطارده الاضطرابات النفسية الناتجة عن شدة التعذيب الحاط من الكرامة الإنسانية.
إبعاد عن الأسرة
وخلال ما مر به من عذاب، كانت لحظة الحرية حلمًا جميلًا يراوده دائمًا، لكنه عندما تحقّق، لم يكن كما تخيّل.
لم تسمح سلطات الاحتلال بعودة "الشيخ" إلى أحضان أبنائه وزوجته في مدينة القدس، بل أخرجته إلى غزة. وصل المُحرر بجسده إلى غزة لكن قلبه ما زالا معلقًا في "العاصمة".
"شعرت أن فرحتي ممزوجة بالوجع، إنها حرية بطعم الغربة، كنت أحلم باحتضان أطفالي، لكن الاحتلال حرمنا من هذا الحق البسيط"، يقول "الشيخ".
وعن غزة يضيف، "اشتقت لها كثيرًا داخل السجن، لأهلي، لإخوتي، لأصوات أذانها وضجيج أحيائها، لكنني لم أكن أتصور أن أراها بهذا الشكل، كأنها خرجت من زلزال.. الحرب لم تترك حجرًا على حجر".
ويقيم المُحرر حاليًا مع إخوته في مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع، لكنه لا يُخفي حزنه العميق على ما آلت إليه الأوضاع؛ "فقلبي يؤلمني عندما أرى غزة تنزف، وشعبها يئن، وأطفالها يحملون الحرب على أكتافهم".
وبالنسبة لـ"الشيخ" فإن "الحرية تبقى منقوصة ما لم يعد كل أسير إلى حضن عائلته، وما دامت السجون لم تُفرغ، وطالما بقي نازح بعيدًا عن أرضه وبيته".
صفقات التبادل
وخلال معركة "طوفان الأقصى"، نجحت المقاومة بإبرام 3 صفقات تبادل للأسرى، الأولى كانت في نوفمبر/ تشرين ثاني 2023 برعاية مصرية وقطرية، ضمن هدنة إنسانية مؤقتة في القطاع مدتها 6 أيام.
أطلقت المقاومة خلالها سراح 81 أسيرًا إسرائيليًا مقابل إفراج الاحتلال عن 240 أسيرًا فلسطينيًا بينهم 71 امرأة و169 طفلًا داخل السجون.
أما صفقة التبادل الثانية، كانت ضمن اتفاق يناير/كانون الثاني 2025 برعاية الوسطاء: "مصر، قطر، أمريكا"، الذي انقلب عليه الاحتلال في 2 مارس/ آذار 2025 وأعاد استئناف حرب الإبادة على غزة.
إذ أطلقت المقاومة سراح 33 إسرائيليًا أحياء وجثامين مقابل إطلاق سراح 1778 أسيرًا فلسطينيًا غالبيتهم من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات، وكان من بين المحررين 1024 من أسرى غزة.
في حين الصفقة الثالثة والتي جاءت ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم في 10 أكتوبر 2025، أطلقت المقاومة سراح 20 أسيرًا إسرائيليًا ممن تبقوا من الأحياء وسلمت حتى اللحظة 13 جثمانًا لأسرى إسرائيليين مقابل حرية 1967 أسيرًا حتى اللحظة.
وبإتمام صفقات التبادل الثلاثة، تكون المقاومة نجحت بالإفراج عن 3985 أسيرًا وأسيرة فلسطينيين، منهم 486 أسيرًا من ذوي أحكام المؤبدات، 319 أحكامًا عالية، 33 مؤبدًا وحكمًا عاليًا، 144 امرأة، 297 طفلًا، 2724 أسيرًا من غزة.
وفي السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي إبادة جماعية في قطاع غزة، شملت قتلًا وتجويعًا وتدميرًا وتهجيرًا، متجاهلًا النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة أكثر من 238 آلاف شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: رائد الشيخ اسرى سجون الاحتلال افراج عن اسرى حرية غزة ابعاد تعذيب الم حرر أسیر ا
إقرأ أيضاً:
أبو شاويش.. أسير محرر يُنهي عذابات الاعتقال بصدمة استشهاد عائلته
غزة- مدلين خلة - صفا لم تكن عذابات السجن خلال اعتقاله لمدة عامين أسوأ ما رأته عيناه، فحجم الدمار والخراب في مدينة رفح، لم يسبق أن تخيله عقل أو علق في بصيرة إنسان.. هكذا عبر الأسير المحرر محمد أبو شاويش عما رآه خلال رحلة عودته لغزة، عقب الإفراج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي. يقول أيو شاويش لوكالة "صفا": "قبل خروجي من السجن نصحني أحد الأسرى في سجن النقب بتوقع أسوأ المشاهد والأخبار من غزة، حتى لا أصاب بالصدمة والذهول". ويضيف "لقد كان ما رأيته عقب اجتيازي معبر كرم أبو سالم، والدخول لمدينة رفح جنوبي القطاع أصعب وأعقد وأعجز مما يتخيله العقل والإنسان، فالدمار الذي طال أحياء وأبنية المدينة واسع ولم يتبق من معالمها أي شيء". "كانت لحظات رؤية الناجين من الابادة فرحة لا يمكن وصفها،، إلا أنها لم تكتمل، فمن حضر في استقبال الأسرى المحررين بضعٌ ممن كتب لهم البقاء لاستقبالنا". صدمة عمره في هذا المكان الذي احتشد فيه آلاف المواطنين لاستقبال أبنائهم الأسرى، كان الشقيقان "أدهم" و"رياض" في استقبال شقيقهم المحرر أبو شاويش دون بقية أفراد الأسرة. لحظات فرح وسعادة تسللت إلى قلوب الأشقاء، دون الكشف عن "السر المؤلم" للمحرر الذي وصل منزل أسرته في المخيم الجديد شمالي مخيم النصيرات وسط القطاع. "وصلت المنزل، وبدأت بالسلام على الأهل والأحبة والجيران، وبعد وقت قصير من الراحة والهدوء، سألت: أين أبي؟ أين أمي وإخوتي وأخواتي؟". يقول أبو شاويش ويتابع: "لقد كانت المشاهد والأخبار والحقائق أسوأ مما يتخيله العقل أو الإنسان، حين تدخل شقيقي الأكبر أدهم وبدأ بتجريعي خبر استشهاد أمي وأبي و7 من أفراد عائلتي رويدًا رويدًا". هذا شعور لا يمكن وصفه ولا يتمنى أبو شاويش أن يسمعه، فهو الذي انقطع عن السؤال عن أصدقائه وأحبائه، خشية أن يُصاب بصدمة أخرى يصعب على عقله تحملها. ولم يكن أبو شاويش الناجي من سجون الاحتلال الوحيد الذي عاش هذه المأساة، فعشرات الأسرى المحررين، تجرعوا مرارة الفقد، عقب الإفراج عنهم من سجون الاحتلال خلال حرب الإبادة الجماعية التي دامت عامين. وكان أبو شاويش اعتقل في مارس/ آذار 2024، أثناء العملية العسكرية المفاجئة على مدينة حمد السكنية غرب مدينة خان يونس جنوبي القطاع، وأفرج عنه في 13 أكتوبر /تشرين الأول الجاري، ضمن المرحلة الثالثة من صفقة "طوفان الأقصى" لتبادل الأسرى بين حركة حماس و"إسرائيل". رحلة التعذيب وعن رحلة التعذيب، يقول أبو شاويش: "هذه الرحلة لا يمكن وصفها، إذ قضيتُ 4 شهور في معتقل (سديه تيمان) تعرضتُ خلالها لألوان شتى من العذاب الجسدي والنفسي حتى قبيل الإفراج عني ضمن صفقة التبادل". ويضيف "اليوم 24 ساعة، منها 20 ساعة تعذيب و4 ساعات نوم، وحتى خلال الساعات الأخيرة قبيل الإفراج، اقتحم جيش الاحتلال المكان وبدأ بالقمع والشتائم ومن ثم العودة لوضعية جلسة التعذيب وأنت معصوب العينيين، مقيد اليديين، متنقلًا بين غرفة وأخرى للتعذيب". ويصف أبو شاويش السجن الذي خصصه الاحتلال للمعتقلين من قطاع غزة بأنه "أسوأ مكان ومرحلة في تاريخ البشرية".