عين ليبيا:
2025-10-24@23:05:32 GMT

شلقم في مذكراته.. المثقف الذي أفْلَتَ من الموظف

تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT

لن تطالع المذكرات التي صدرت للوزير عبد الرحمن شلقم في العاصمة طرابلس، إلا وستتذكر مذكرات أخرى صدرت للوزير أمين هويدي في القاهرة.

كان الوزير هويدي قد أصدر مذكراته «خمسون عاماً من العواصف… ما رأيته قُلته». وما أذكره الآن أن الشق الثاني من العنوان قد استوقفني يوم صدورها، بأكثر مما استوقفني الشق الأول فيه، وكان السبب أن الرجل قد عاهد القارئ منذ الغلاف الأول للكتاب، أن ما سوف يطالعه من الغلاف إلى الغلاف، هو ما رآه الكاتب بعينيه وعايشه بنفسه، لا ما سمع عنه، ولا ما تناقله واحد عن واحد وصولاً إليه.

وهذا تقريباً هو ما سوف تجده في مذكرات عبد الرحمن شلقم، وبغير أن يذكر ذلك في عنوان مذكراته. فعنوانها من كلمة واحدة هي «سنواتي» وصدورها كان عن دار الفرجاني، وصفحاتها تقترب من 500 من القطع الكبير، ولو شاء صاحبها لجعلها ضعف هذا الرقم، بل وأضعافه، ولكنه اكتفى برؤوس عناوين تفتح لك بعضاً مما عاش يستغلق عليك في بلد العقيد القذافي.

سوف ترى أن صاحب المذكرات يحكي ما رآه، ويروي ما كان طرفاً فيه، ويقول ما سمعه بأُذنيه، وما عدا ذلك يتركه للذين كانوا طرفاً فيه يوم وقع. وسوف يأخذك في رحلة أدبية سياسية من سبها عاصمة إقليم فزان، حيث نشأ في إحدى قراها في الجنوب الليبي، إلى أعلى ذروة بلغها في العمل السياسي متنقلاً بين طرابلس نفسها، عندما بدأ عمله في إعلام مجلس قيادة الثورة، إلى روما، حيث صار سفيراً لبلاده لإحدى عشرة سنة، إلى طرابلس من جديد، حيث أصبح على رأس وزارة الخارجية لتسع سنوات، إلى الأمم المتحدة في نيويورك حين استقر به المُقام مندوباً لبلاده ورئيساً لوفدها في المنظمة الدولية. ما بين قرية الغريفة في سبها، وبين العمل في إعلام قيادة الثورة، كان قد درس الصحافة في جامعة القاهرة، وكان قد رأى كيف أن المجتمع الثقافي المصري ممتلئ بالحيوية، رغم أن الأجواء وقت دراسته كانت أجواء هزيمة في 1967. ولكن الذي رآه وعاشه في قاهرة المعز طوال سنوات الدراسة، كان يقول له إن هذا مجتمع يستعصي على الهزيمة، وإنه سرعان ما سوف يرفع عارها عن هامته. وقد جرى هذا سريعاً في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، عندما انتفض الجيش المصري على طول جبهة القتال الممتدة ما امتدت القناة، ومع الجيش انتفض كل مصري، ومعه كل عربي أبى إلا أن يشارك في معركة العبور.

أعود لأقول إن متعة القارئ في هذه المذكرات مضمونة، وإنه سيطالع نصاً أدبياً بقدر ما سوف يطالع مذكرات سياسية مروية، وإن صاحب المذكرات كان مشدوداً طول الوقت إلى دواوين المتنبي وأبو تمام وشوقي، وكان يتذوق الكلمة ويعرف أسرار التعبير بها، وكان كلما ضاقت به الحياة، أو ضاق هو بها على رأي طه حسين، عاد إلى مكتبته التي جمع فيها ثروة من الكتب عاش يراها أعلى من ثروة المال. سوف تكتشف أنه بجوار الغرام الذي يجمعه بالقراءة، والمتعة التي يجدها في القراءة لأجل القراءة في حد ذاتها، فإنه محقق لبعض المخطوطات، وشاعر أصدر ديوانين، وعازف على آلة العود، وفوق ذلك فهو محب للحياة.

ربطته علاقة من نوع خاص بالعقيد منذ البداية، وكان بينهما طول الوقت ما يشبه شعرة معاوية، وأعطاه القذافي مساحة يتحرك فيها بالقرب منه، لم يمنحها لآخرين كثيرين مما كانوا قريبين منه أيضاً ثم صاروا أبعد الناس. كان شلقم يعرف متى يخاطب العقيد في أمر ما، وكيف يختار المدخل المناسب في المخاطبة، ولو اختار المحيطون بالقذافي المداخل نفسها، لربما تغير تاريخ ليبيا في الإجمال.

كثيرون حول العالم سمعوا بالقذافي أو قرأوا عنه، وقد جاء عليه وقت ملأ فيه الدنيا وشغل الناس، وكان ذلك عن طريق كتابه الأخضر مرة، أو من خلال نظريته الثالثة التي طرحها في الكتاب مرةً ثانية، أو يوم آمن بالوحدة العربية كفكرة عاش يحب أن يراها حية أمامه مرةً ثالثة، لا كفكرة نظرية هائمة في فضاء الكون، ثم عندما استدار إلى الاتحاد الأفريقي بديلاً عن الوحدة العربية مرةً رابعة. ولا أظن أن الوزير شلقم قد بالغ كثيراً وهو يتأمل القذافي كحالة، ثم يتمثل بيت الشعر الذي أطلقه أبو الطيب فقال:

وإذا كانت النفوسُ كباراً تعبت في مرادها الأجسامُ

المشكلة لدى القذافي لم تكن في أفكاره، ولكنها كانت في طريقته، وفي أسلوبه، وفي مفرداته، ولقد صح منه العزم في كل حالاته ولكن الدهر أبى، ولو صادف ناصحاً أميناً من نوع عبد الرحمن شلقم بالقرب منه، لكانت الدنيا معه غير الدنيا.

عرف شلقم القذافي فكتب يقول: الأخ العقيد كان قطعة خاصة من الزمن. سنة فيها كل الفصول ببردها، وحرارتها، وتقلبات أجوائها، لكن كل الفصول قد تتداخل مناخاتها في يوم واحد، بل أحياناً في أقل من ساعة واحدة. وعرف عمر البشير فكتب يقول: لكل زمن في السودان مهدي، وأزهري، وعبود، ونميري، وبشير، وترابي، وبرهان أيضاً. ظلت السلطة هي المبتغى، والدبابة هي السلم، والإسلام السياسي هو وقودها. الديمقراطية فترة استراحة قصيرة بين أشواط التدافع الانقلابي. وعرف الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز فكتب يقول: فنزويلا تمتلك في باطن أرضها أكبر مخزون نفط، وفوق الأرض أكبر مخزون من التعساء.

لو لم يكن صاحب المذكرات سياسياً لكان أديباً، ولا بد أن غرامه بالشعر مرة، وبالموسيقى مرةً أخرى، كان علامة على أن الأدب ظل يزاحم السياسة فيه، ولكنه حاول أن يعدُل بينهما كما يحاول الرجل أن يعدل بين زوجتين.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: ما سوف

إقرأ أيضاً:

فتوى حاسمة من الإفتاء: "أخذ المال مقابل تسريع الخدمة" رشوة محرمة شرعًا

أكدت دار الإفتاء المصرية أن أخذ الموظف أموالًا بصورة شخصية ممن يقدم لهم الخدمات داخل نطاق عمله يُعد من قبيل الرشوة المحرمة، حتى وإن كان الهدف منها إظهار مزيد من الاهتمام أو تسريع إنجاز المهام، مشددة على أن الموظف يجب أن يتحرى الكسب الحلال ويصبر على رزقه المشروع.

 

فضل السعي في طلب الرزق الحلال

شددت دار الإفتاء على أن الإسلام حث على السعي والكسب، لكنه قيد ذلك بأن يكون من طريق حلال لا شبهة فيه، واستشهدت بقوله تعالى:﴿فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ﴾ [الجمعة: 10].

 

وبيّنت الفتوى أن الرزق الحلال يتطلب صبرًا وجهدًا، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحمِلكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ عَلَى أَن تَطلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ».

 

كما شبّهت دار الإفتاء السعي في طلب الرزق الحلال بـ"الجهاد"، اقتداءً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «طَلَبُ الحَلَالِ جِهَادٌ».

 

 

علاقة الموظف بجهة عمله.. التزام وعقد شرعي

أوضحت دار الإفتاء أن العلاقة بين الموظف والجهة التي يعمل فيها هي علاقة تعاقدية مبنية على الإجارة، أي أنه مؤتمن على وقته وجهده مقابل أجر معلوم.
ولذلك لا يجوز له أن يزاول أي عمل خاص أو يحصل على مقابل مادي إضافي أثناء ساعات عمله الرسمية، لأن هذا يُعد خيانة للعقد المبرم بينه وبين جهة العمل.

وأشارت الفتوى إلى قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وأضافت أن الموظف ملزم شرعًا بالالتزام بالقوانين واللوائح التي تضعها المؤسسة التي يعمل بها، لأن الوفاء بالعقود والعهود أصل من أصول الإسلام.

 

 الرشوة لا تُسمى “هدية”.. بل معصية كبرى

أكدت الفتوى أن المال الذي يُمنح للموظف داخل إطار عمله تحت أي مسمى، سواء كان "هدية" أو "مقابل اهتمام خاص"، يأخذ حكم الرشوة المحرمة، لأنها تُفضي إلى إبطال الحقوق أو تمييز بعض العملاء على حساب الآخرين.

واستشهدت دار الإفتاء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:«لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ» (رواه أحمد والترمذي).

 

كما نقلت عن الإمام الماوردي قوله: "الفرق بين الرشوة والهدية أن الرشوة ما أُخذت طلبًا، والهدية ما بُذلت عفوًا".

 

وأوضح العلماء أن ما يُمنح لموظف أثناء قيامه بمهامه الرسمية لا يُعتبر هدية بريئة، لأنه مرتبط بتحقيق منفعة أو تسريع مصلحة، وهو ما يجعله محرمًا شرعًا وقانونًا.

 

القانون المصري يجرّمها أيضًا

دعّمت دار الإفتاء فتواها بالإشارة إلى نصوص القانون المصري، الذي يُجرم مثل هذه الأفعال ويعتبرها رشوة.


فقد نصت المادة (106 مكرر) من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 على أن: "كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدًا أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول من أية سلطة عامة على مزية من أي نوع يعد في حكم المرتشي".

 

وأكدت الفتوى أن هذا النص ينطبق تمامًا على الموظف الذي يقبل الأموال الشخصية داخل جهة عمله، حتى لو كانت النية تحسين الخدمة.


 

الراتب يكفي عن أي كسب مشبوه

خلصت دار الإفتاء في نهاية الفتوى إلى أن: "يَحرُم على الموظف المذكور أخذ المال المعروض عليه بصورة شخصية ممن يقدم لهم الخدمات داخل إطار وظيفته، باعتباره رشوة مُحرَّمة، وعليه تحرِّي الكسب الحلال، والصبر على تحصيله".

 

وختمت الفتوى برسالة توجيهية قائلة:"من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، فليكن الموظف أمينًا على عمله ورزقه، فالأمانة باب البركة، والرشوة باب السخط والضياع".
 

مقالات مشابهة

  • زوج ابنة الشاعر محمد حمزة: كنت أعيش معه وكان يحدثني عن شادية وعبدالحليم
  • سيف الإسلام القذافي تعليقا على سجن ساركوزي: كنت مطاردا في صحراء زمزم
  • صناعة الكراهية بإقصاء الآخر !
  • فتوى حاسمة من الإفتاء: "أخذ المال مقابل تسريع الخدمة" رشوة محرمة شرعًا
  • حكم تكسب العامل بصورة شخصية من وظيفته.. الإفتاء توضح
  • مديحة حمدي: أمي صعيدية وشجعتني على التمثيل وكان نفسي أكون صحفية
  • العقول الفارغة
  • هيئة الدفاع عن «هانيبال القذافي» تطعن بقرار إخلاء السبيل المشروط بالكفالة!
  • تدوينة ساخنة لسيف الإسلام القذافي عن ليبيا و48 دولة و”كلاب الصيد” في ذكرى اغتيال والده الـ20