ماذا تدفع الدول مقابل المساعدات المالية الأميركية؟
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
أبرمت الأرجنتين اتفاقية لتبادل العملات مع الولايات المتحدة بقيمة تصل إلى 20 مليار دولار، بهدف "المساهمة في استقرار الاقتصاد الأرجنتيني"، وفقا لما أعلنه البنك المركزي في البلد اللاتيني.
وجاءت هذه الصفقة ضمن حزمة دعم مالي ضخم من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يُعد من أبرز الداعمين للرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، في وقت يواجه فيه الأخير ضغوطا متزايدة قبيل الانتخابات النصفية المقررة في 26 أكتوبر/تشرين الأول، حيث يسعى حزب ميلي "الحرية تتقدم" إلى توسيع حصته المحدودة من مقاعد الكونغرس.
ويشهد البيزو الأرجنتيني تقلبات حادة في قيمته قبيل التصويت، الأمر الذي أثار المخاوف من تدهور أكبر في قيمة العملة خلال الأسابيع القادمة، مع توقعات بارتفاع معدلات التضخم، بصورة تعرضت لها الأرجنتين أكثر من مرة على مدار العقود الأخيرة.
وبالإضافة إلى اتفاقية تبادل العملات، أعلن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الأسبوع الماضي عن مساعٍ لتأمين تمويل إضافي بقيمة 20 مليار دولار من "مصارف خاصة وصناديق ثروة سيادية" لدعم الاقتصاد الأرجنتيني المتعثر.
ويدخل ميلي الانتخابات وهو في موقف أضعف مما كان عليه، بعد فشله في تحقيق استقرار للبيزو المنهك، رغم استنزافه تقريبا كامل احتياطيات البنك المركزي من الدولار لمحاولة دعم العملة.
وعاود التضخم الشهري، الذي نجح ميلي في كبحه مؤقتا بعد توليه السلطة في ديسمبر/كانون الأول 2023، الارتفاع مجددا خلال الأشهر الأخيرة، ما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وخلال استضافة الرئيس ترامب في البيت الأبيض الأسبوع الماضي الرئيس ميلي، وجّه الرئيس الأميركي تهديدا صريحا للناخبين الأرجنتينيين بسحب المساعدات الأميركية في حال خسارة حليفه في الانتخابات، قائلا: "إذا خسر، فلن نكون كرماء مع الأرجنتين".
إعلانوأكد ترامب أن حزمة المساعدات الأميركية المخصصة للأرجنتين مشروطة بنجاح ميلي السياسي، مضيفا: "إذا فاز، فسنبقى معه، وإذا لم يفز، فسنرحل".
وفي منشور على منصة "تروث سوشيال"، كتب ترامب: "آمل أن يدرك شعب الأرجنتين مدى جودة العمل الذي يقوم به، وأن يدعموه في الانتخابات النصفية المقبلة، حتى نتمكن من مواصلة مساعدته في تحقيق الإمكانات الهائلة للأرجنتين. خافيير ميلي يحظى بدعمي الكامل والمطلق".
وتُظهر تلك التصريحات بوضوح البعد السياسي في الدعم الأميركي لبوينس آيرس، إذ يُنظر إلى الحزمة المالية ليس فقط كمساعدة اقتصادية، بل أيضا كوسيلة لتثبيت نفوذ واشنطن في أميركا اللاتينية ودعم زعيمٍ يُنظر إليه كحليف أيديولوجي لإدارة ترامب.
ومنذ انتصارها في الحرب العالمية الثانية، ظهرت الولايات المتحدة كقوة عظمى مسيطرة على النظام الاقتصادي العالمي الجديد. وكان صندوق النقد الدولي، الذي تأسس عام 1944 خلال مؤتمر بريتون وودز، واحدا من الأدوات الرئيسية التي استخدمتها واشنطن لتعزيز نفوذها العالمي.
آلية السيطرة الأميركيةتمتلك الولايات المتحدة حصة تصويتية حاسمة في صندوق النقد الدولي تبلغ 16.5%، مما يمنحها فعليا حق النقض (الفيتو) على القرارات المهمة التي تتطلب أغلبية 85%.
ومكن هذا التفوق التصويتي، إلى جانب موقع مقر الصندوق في واشنطن وتبعية الاقتصاد العالمي للدولار الأميركي، الولايات المتحدة من توجيه سياسات الصندوق وفقا لمصالحها.
وتقوم الولايات المتحدة، من خلال تعاملات الدولار التي يُفرض تنفيذها من خلال البنوك الأميركية، بمراقبة النسبة الكبرى من التحويلات، والمدفوعات التجارية، والتدفقات الاستثمارية، بالإضافة إلى استمرار استحواذ الدولار على ما يقارب ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي العالمي، الأمر الذي يمنحها ميزة تنافسية، لا تتوفر لأي دولة أخرى.
أمثلة على التوظيف السياسي للصندوقوبمرور الوقت، ازداد تدخل الولايات المتحدة في قرارات الصندوق الخاصة بمساعدة الدول المتعثرة، وفقا لما أملته المصالح الإستراتيجية للقوة العظمى في العالم.
حالة تشيلي (1970-1973)عندما انتُخب سلفادور أليندي، ذو التوجهات الاشتراكية، رئيسا لتشيلي عام 1970، ضغطت الولايات المتحدة على الصندوق لوقف القروض المقدمة لتشيلي، وذلك بعد تبني الرئيس سياسات اقتصادية تتعارض مع المصالح الأميركية، وقيامه بتأميم صناعة النحاس التي كانت تسيطر عليها الولايات المتحدة.
وبعد الانقلاب العسكري بقيادة بينوشيه عام 1973، استؤنفت سريعا المساعدات رغم الانتهاكات الحقوقية التي شابت عهده، والتي لم تغب بالتأكيد عن علم واشنطن، الأمر الذي ينسف سردية دعم الولايات المتحدة للديمقراطيات والحريات.
حالة اليونان (2015)بلغت أزمة الديون اليونانية ذروتها عام 2015، وحاولت حكومة الائتمان اليسارية بقيادة أليكسيس تسيبراس، والتي وصلت إلى الحكم وقتها بانتخابات نزيهة، التفاوض مع صندوق النقد والاتحاد الأوروبي، للحصول على شروط أفضل للإنقاذ المالي، إلا أن الصندوق أصر، بإيعاز من الولايات المتحدة، على برنامج تقشفي صارم مقابل إنقاذ البلد الأوروبي من الإفلاس.
تأثيرات على المصداقية وفاعلية السياسات
أدى توظيف الصندوق كأداة للسياسة الخارجية الأميركية إلى تقويض مصداقيته كمنظمة دولية محايدة، حيث يُنظر إليه في كثير من الأحيان على أنه أداة للضغط السياسي الأميركي.
إعلانومن خلال تتبع مسار تدخلات الولايات المتحدة عبر صندوق النقد الدولي، تبرز أنماط متكررة تعكس استخداما انتقائيا للمساعدات المالية.
فغالبا ما يتجه الدعم المالي إلى الحكومات الموالية لواشنطن حتى لو كانت سجلاتها في مجال حقوق الإنسان مثيرة للجدل، بينما تُحجب المساعدات عن الحكومات التي تعارض السياسات الأميركية، بغض النظر عن الظروف الاقتصادية والإنسانية للشعوب، الأمر الذي يؤكد أن المساعدات غالبا ما تكون مرتبطة بالتحالفات السياسية والعسكرية أكثر من ارتباطها بالاحتياجات التنموية الحقيقية.
يثير النفوذ الأميركي، سواء ما يرتبط بتقديم المساعدات المالية المباشرة، أو من خلال المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي، تساؤلات جوهرية حول نزاهة سياسات الدعم المالي الأميركي للبلدان الفقيرة، الأمر الذي يظهر بجلاء أهمية التعامل بحذر مع المساعدات الأميركية، مع السعي لإصلاح هيكل الحوكمة داخل الصندوق، ليكون أكثر تمثيلا للدول النامية والصاعدة، وأقرب إلى تحسين فاعلية برامجه الإصلاحية في تلك البلدان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات صندوق النقد الدولی الولایات المتحدة الأمر الذی من خلال الذی ی
إقرأ أيضاً:
نيكولو باغانيني.. عازف الكمان الإيطالي الذي باع روحه للشيطان مقابل الموهبة
بعدما اعتُبر واحدا من أعظم عازفي الكمان في العالم، لا تزال تحيط أسطورة العازف الإيطالي "نيكولو باغانيني" الكثير من الغرابة. فقد فاقت موهبته في العزف على الكمان أقرانه بهامش كبير لدرجة أن البعض زعم أنه عقد ميثاقا مع الشيطان ليصبح أعظم موسيقي في التاريخ.. فما قصة هذا الفنان الغامض؟ وما السر وراء موهبته الفريدة من نوعها؟
نشأته وبداية موهبتهوُلد باغانيني في مدينة جنوة الإيطالية في 27 أكتوبر/تشرين الثاني عام 1782، وقد تعلّم العزف مبكرا على الماندولين والكمان وأظهر قدرة استثنائية لدرجة أنه بدأ التأليف والظهور العلني في سنوات مبكرة من طفولته.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايلور سويفت تواصل تحطيم الأرقام القياسية.. بيع 4 ملايين نسخة من ألبومها الجديد في أسبوعlist 2 of 2الأزمات القضائية تلاحق محمد رمضان مجدداend of listوفي الـ13 من عمره، أُرسل باغانيني للدراسة مع عازف الكمان الشهير آنذاك أليساندرورولا. لكن سرعان ما لاحظ رولا موهبة باغانيني، وقرر أنه لا يوجد شيء آخر يمكنه تعليمه إياه. لذلك، سلمه إلى معلمه العريق، فرديناندو بير الذي أحاله لاحقا هو الآخر إلى معلمه، غاسبارو غيريتي.
كان باغانيني الشاب موهوبا بشكل واضح، إذ تدرّج ليصبح واحدا من أعظم فناني الكمان في القرن التاسع عشر. ولكن عندما شرع باغانيني، وهو في الـ15 من عمره، في القيام بجولات منفردة، أصيب بانهيار عصبي ولجأ إلى إدمان الكحول إضافة لانغماسه في المقامرة والعلاقات النسائية.
وبحسب الموسوعة البريطانية، في إحدى المرات، رهن كمانه بسبب ديون المقامرة؛ فأعاره تاجر فرنسي كمانا باهظا من طراز غوارنيري، وهو أفضل وأثمن أنواع الكمنجات في ذلك الوقت، ليعزف في حفلة موسيقية، وبعد أن استمع التاجر إلى مهارة باغانيني الفريدة، أهداه الآلة من شدة الانبهار.
سلسلة من النجاحات المدوّيةبلغ نيكولو باغانيني قمة مجده في عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر، حين أصبح أشهر عازف كمان في أوروبا دون منازع. كانت حفلاته في باريس ولندن وفيينا حدثا فنيا استثنائيا يجذب الجماهير التي تحتشد قبل ساعات لسماع عزفه الساحر لمقطوعاته التي لا تزال حتى اليوم تحديا حقيقيا لأمهر العازفين.
إعلانفي تلك الفترة، لفتت موهبته أنظار النخب السياسية والثقافية، فاستدعته إليزا باكايوكو، شقيقة نابليون بونابرت وحاكمة لوكا وتوسكانا، ليكون عازف الكمان الرسمي في بلاطها عام 1805، مما فتح أمامه أبواب الشهرة والرعاية الملكية، ومكّنه من التفرغ للتأليف والعروض.
وبفضل جولاته الأوروبية، جمع ثروة ضخمة غير مألوفة لفنان في زمنه، حتى وصفه مؤرخون بأنه أول نجم موسيقي بالمعنى الحديث، أو "سوبر ستار" القرن التاسع عشر. لم يقتصر تأثيره على جمهوره، بل ألهم مؤلفين كبارا مثل ليزت وشوبان وراخمانينوف الذين اقتبسوا من أعماله وأعادوا صياغتها.
أما شهرته، فقد تجاوزت المسارح إلى عالم الموضة والفن والأدب، ليغدو باغانيني رمزا للعبقرية المتمردة والنجاح الفردي الاستثنائي الذي كسر حدود المألوف.
أسطورة الرجل الذي باع روحه للشيطانكما جاء النجاح سريعا، تبعته الشائعات والإخفاقات الشخصية في حياة نيكولو باغانيني الغامضة. فقد تحوّل من عبقري الكمان إلى شخصية مثيرة للجدل، عُرف عنه إدمان القمار والكحول وكثرة علاقاته بالنساء. بل وصل الخيال الشعبي إلى نسج أسطورة تزعم أنه قتل امرأة واستخدم أمعاءها كأوتار لكمانه، وأن روحها سُجنت في آلته، حتى قيل إن صرخات النساء تُسمع من كمانه أثناء عزفه على المسرح من شدة النغمات وحدتها.
كان باغانيني أول من عزف منفردا دون الاستعانة بنوتة موسيقية، معتمدا على ذاكرته الفذة، كما عُرف بأسلوبه المسرحي المدهش، إذ كان يقطع أحد أوتار الكمان عمدا ويواصل العزف على الأوتار الباقية ببراعة استعراضية.
اشتهر بمجموعته الموسيقية "24 نزوة للكمان المنفرد" التي رسخت مكانته كأيقونة موسيقية، وابتكر من خلالها تقنيات جديدة للأداء مثل سبيكاتو (ارتداد القوس تلقائيا عن الأوتار) والبيتزيكاتو لليد اليسرى (نقر الأوتار بالأصابع بدلا من القوس)، إضافة إلى الهارمونيك التي تُنتج نغمة نقية تشبه صفير الفلوت. ويُقال إن سرعته في العزف بلغت 12 نغمة في الثانية، ما جعل عزفه أقرب إلى السحر في نظر جمهوره.
الحقيقة وراء الأساطير والشائعاتيقول المؤرخون إن ملامح نيكولو باغانيني وبنيته الجسدية أسهمت في ترسيخ صورته الغامضة، إذ كان طويل القامة، نحيل الجسد، يتمتع بأطراف دقيقة ومرنة على نحو غير مألوف، يُعتقد أنها نتيجة إصابته بمتلازمة مارفان، وهي اضطراب وراثي يؤثر على النسيج الضام. هذه السمات الجسدية، إلى جانب طاقته غير العادية على المسرح، جعلت الجمهور يشبّهه برجال السحر والشعوذة في الأدبيات الأوروبية آنذاك.
وفي كتابها "باغانيني: الفنان الشيطاني" (2013)، توضح عالمة الموسيقى مايكو كاواباتا أن الأسطورة التي أحاطت به لم تكن وليدة الصدفة، بل نتيجة تيارات ثقافية أوروبية معقدة في مطلع القرن التاسع عشر. فقد تزامن صعوده مع رواج مسرحية غوته "فاوست"، التي تحكي عن عالم يعقد صفقة مع الشيطان مقابل القوة والمعرفة، ومع انتشار المدرسة البيرونية الرومانسية المستوحاة من اللورد بايرون، التي مجّدت صورة الإنسان العبقري المتمرد، المعذّب، والجذاب، وجد الجمهور في باغانيني تجسيدا حيا لتلك الشخصية الأسطورية.
توفي باغانيني في 27 مايو/أيار 1840 في مدينة نيس الفرنسية بعد صراع طويل مع مرض في الحنجرة والسل أنهكا جسده ومنعاه من العزف في سنواته الأخيرة. وحتى في وفاته، استمر الغموض؛ إذ رفض الكهنة إقامة الطقوس الكنسية له بسبب سمعته "الشيطانية"، فدُفن مؤقتا لسنوات قبل أن يُنقل رفاته لاحقا إلى بارما بأمر من البابا.
إعلانبرحيله، أُسدل الستار على حياة فنان جمع بين العبقرية والغرابة، لكن موسيقاه بقيت نابضة، تُلهِم عازفي الكمان والموسيقيين حول العالم حتى اليوم.